صدام ومبارك بين نهايتين
د. فايز أبو شمالة
كلاهما كان رئيساً لدولة عربية عريقة، وكلاهما أصرّت أمريكا على إسقاطه، الأول عن طريق الغزو العسكري، وإعداد الجيوش لتدمير العراق، بينما الثاني فقد تم إسقاطه احتقاراً، وتخلصاً من بضاعة انتهت صلاحيتها، وفاحت رائحتها. صدام ومبارك فقدا أولادهما، فصدام فقد ولديه في معارك الشرف ضد الغزو الأمريكي، حين تطهرا من دنس الرئاسة، واخترق الرصاص أجسادهما، فكتبا بالدم حروف الكرامة العربية. بينما مبارك فقد ولديه في الشوارع، بلا وطن، يتسكعان بلا كرامة، وبلا شهية للحياة، إنهما الأحياء الموتى، والموتى الذين يتقلبون في حياتهم على نار الحسرة والخسران.كلاهما خرج من الرئاسة خاسراً دنياه، ولكن أحدهما تخفى بين أفراد شعبه من عيون الجيش الأمريكي سنوات، وأوقف ما ظل من أيامه لمرضاة الله، بينما الثاني يتخفى عن عيون شعبه بعد أن فر مذعوراً من غضبهم، لتغمض المخابرات الأمريكية عينها عن سوءته. في الحالتين تعرضت العراق للقصف المدمر، وتعرضت القاهرة للغضب المزلزل، وتعرضت أثار العراق للنهب، وتعرض المتحف المصري للحرق، وكأن الذي يقف وراء تدمير التراث الحضاري في منطقة الشرق عدو واحد، وكأن الذي يقوم بتدمير العراق؛ هو نسفه الذي دمر حياة المصريين وأجبر الملايين للخروج ضده في الشوارع غاضبين.لو خرج صدام حسين من تحت التراب، وأطل على القاهرة وهي ترتش بعطر الثورة، وتطارد فلول حسني مبارك، الذي فر منها مذعوراً، لقال: حصص الحق وزهق الباطل، وجاء اليوم الذي يعاقب فيه الشعب العربي كل من تآمر على العراق. ولا فرق بين نهايتي ونهايتك يا مبارك، غير الطريقة التي سار فيها كل منا إلى حتفه، لقد سرت مرفوع الرأس حتى ارتقيت عربياً على أعواد المشانق، دون مال وذهب ودولارات، بينما تسير أنت يا مبارك، إلى حتفك ذليلاً مكفناً بلعنة المصريين، دون المال والذهب والدولارات. بضع سنوات من حياة مريضة قد يكون ربحها مبارك، زيادة على حياة صدام، ولكن النتيجة هي الموت؛ رغم ما يمارسه مبارك من وظائف بيولوجية، لقد فهم صدام ذلك، وهو يصر على أن يكون عدواً لأمريكا، وهذا ما لم يفهمه مبارك، ومحبيه، وأصدقاؤه، الذين ما زالوا يصرون على ركوب نفس المركب الذي أودى بمبارك التهلكة. مثلي كمثل غيري من العرب الذين بكوا دمعتين؛ الأولى حزناً وغضباً، ونحن نرى العربي صدام حسين معلقاً بيد أمريكا على أعواد المشانق، والثانية فرحاً ومقتاً، ونحن نرى حسني مبارك مطروداً من أرض الكنانة، تبكيه عيون الصهاينة.