سلسلة الفقهاء
الإمام ابن حزم
نسبه وقبيلته
هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ الفَارِسِيُّ الأَصْل ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ ، الفَقِيْهُ ، الحَافِظُ ، المُتَكَلِّمُ ، الأَدِيْبُ ، الوَزِيْرُ، الظَّاهِرِيُّ ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ . وُلِد أَبُو مُحَمَّدٍ بقرطبة سَنَةَ 384هـ/ 994م ، وعاش في الأندلس .
طفولته و تربيته نشَأَ الإمام ابن حزم فِي تَنَعُّمٍ وَرفَاهيَّة ، وَرُزِقَ ذَكاءً مُفرطًا ، وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ كُبَرَاء أَهْل قُرْطُبَة . ويشير الكثيرون ممن ترجم للشيخ (رحمه الله) ، أو درس تاريخه ونشأته أن الشيخ نشأ بين مجموعة من النساء ، ومن ثَمَّ كان له من الصفات كذا وكذا . والواقع أن الشيخ (رحمه الله) قد هيَّأ له الله نساءً فُضْلَياتٍ قُمْنَ على تربيته وتعليمه ، ونلحظ ذلك من كونه حفظ القرآن على أيديهن ، إضافةً إلى ذلك كان والد الشيخ من العلماء الكبار المشهود لهم بالخير وسعة العلم وحسن الخُلُق .
أهم ملامح شخصيته : موسوعي في علمه كان ابن حزم رحمه الله مفسرًا ، محدثًا ، فقيهًا ، مؤرخًا ، شاعرًا ، مربيًا ، عالمًا بالأديان والمذاهب . ويزداد هذا الأمر وضوحًا باطِّلاعنا على هذا الكمِّ الهائل من مؤلفاته في شتى الميادين العلمية . كريم الأخلاق و الشمائل ذكر الشيخ محمد أبو زهرة (رحمه الله) أن الإمام ابن حزم كان يتصف بالصفات التالية : 1- قوة الحافظة . 2- البديهة الحاضرة .3- عمق التفكير والغوص في الحقائق .4- الصبر . 5- الجَلَد .6- المثابرة . 7- الإخلاص .8- الصراحة في الحق . 9- الوفاء .10- الاعتزاز بالنفس من غير عُجْبٍ ولا خُيَلاء .11- ووصف ابن حزم أيضًا بالحِدَّة (رحمه الله تعالى) .
شيوخه سَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَع مائَة وَبعدهَا مِنْ طَائِفَةٍ ، مِنْهُم : يَحْيَى بن مَسْعُوْدِ بنِ وَجه الجَنَّة ، صَاحِب قَاسِم بن أَصْبَغ ، فَهُوَ أَعْلَى شَيْخٍ عِنْدَهُ ، وَمِنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الجَسور، وَيُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْث القَاضِي ، وَحُمَامِ بن أَحْمَدَ القَاضِي ، وَمُحَمَّدِ بن سَعِيْدِ بنِ نبَات ، وَعَبْدِ اللهِ بن رَبِيْع التَّمِيْمِيّ ، وَعبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ ، وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ ، وَأَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الطَّلَمَنْكِي ، وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ بنِ نَامِي ، وَأَحْمَد بن قَاسِم بن مُحَمَّدِ بنِ قَاسِم بن أَصْبَغ .
تلاميذه حَدَّثَ عَنْهُ : ابْنُهُ أَبُو رَافِعٍ الفَضْل ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ، وَوَالِد القَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِيِّ ، وَطَائِفَةٌ .
مؤلفاته لابن حزم مؤلفات جليلة كثيرة ، منها :1- (الإِيصَال إلى فَهم كِتَاب الخِصَال) ويقع في خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف وَرقَة . 2- (الخِصَال الحَافِظ لجمل شرَائِع الإِسْلاَم) مُجَلَّدَان .3- (المُجَلَّى فِي الفِقْه) مُجَلَّد .4- (المُحَلَّى فِي شرح المُجَلَّى بِالحجج وَالآثَار) ويقع في ثَمَانِي مُجَلَّدَات .5- (حَجَّة الوَدَاعِ) مِائَة وَعِشْرُوْنَ وَرقَة .6- (التَّلخيص وَالتَّخليص فِي المَسَائِل النَّظرِيَّة) .7- (الإِملاَء فِي شرح المُوَطَّأ) أَلف وَرقَة .8- (الإِملاَء فِي قوَاعد الفِقْه) أَلف وَرقَة أَيْضًا .9- (الإِحكَام لأُصُوْل الأَحكَام) مُجَلَّدَان .10- (الفِصَل فِي الملل وَالنِّحل) مُجَلَّدَان كَبِيْرَان .11- (مُخْتَصَر فِي علل الحَدِيْث) مُجَلَّد .12- (رِسَالَة فِي الطِّبِّ النّبوِيِّ).
منهجه في البحث بدأ ابن حزم طلبه للعلم باستحفاظ القرآن الكريم ، ثم رواية الحديث ، وعلم اللسان ، فبلغ في كل ذلك مرتبة عالية ، ثم اتجه من بعد ذلك إلى الفقه ، فدرسه على مذهب الإمام مالك ؛ لأنه مذهب أهل الأندلس في ذلك الوقت ، ولكنه كان مع دراسته للمذهب المالكي يتطلع إلى أن يكون حرًّا ، يتخير من المذاهب الفقهية ولا يتقيد بمذهبٍ؛ ولذلك انتقل من المذهب المالكي إلى المذهب الشافعي ، فأعجبه تمسُّكه بالنصوص ، واعتباره الفقه نصًّا أو حملاً على النص ، وشدة حملته على من أفتى بالاستحسان .و لكنه لم يلبث إلا قليلاً في الالتزام بالمذهب الشافعي ، فتركه لما وجد أن الأدلة التي ساقها الشافعي لبطلان الاستحسان تصلح لإبطال القياس ، وكل وجوه الرأي أيضًا . ثم بدا له أن يكون له منهجٌ خاصٌّ وفقه مستقل ، فاتجه إلى الأخذ بالظاهر، وشدَّد في ذلك، حتى إنه كان أشدَّ من إمام المذهب الأول داود الأصفهاني .
ثناء العلماء عليه قال الأمير أبو نصر بن ماكولا : " كان فاضلاً في الفقه ، حافظًا في الحديث ، مصنِّفًا فيه ، وله اختيار في الفقه على طريقة الحديث ، روى عن جماعة من الأندلسيين كثيرة ، وله شعر ورسائل " . وقال الحافظ الذهبي : " ابن حزم الأوحد البحر، ذو الفنون والمعارف ..." .وقال الحميدي: " كان حافظًا ، عالمًا بعلوم الحديث وفقهه ، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة ، متفننًا في علوم جمَّة ، عاملاً بعلمه ، زاهدًا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله من الوزارة وتدبير الممالك ، متواضعًا ذا فضائل جمَّة ، و تواليف كثيرة في كل ما تحقق به في العلوم ، وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمستندات شيئًَا كثيرًا ، وسمع سماعًا جمًّا " .
وفاته تُوفِّي سنةَ 456هـ/ 1064م ، عن إحدى وسبعين سنة . رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته .
المراجع - سير أعلام النبلاء ، الذهبي .- الإمام ابن حزم الظاهري إمام أهل الأندلس ، محمد عبد الله أبو صعيليك .- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، المقرّي .