وطن إيجار جديد
تعد ثورة 25 يناير خامس ثورة في تاريخ مصر المعاصر_يبدأ من بداية القرن التاسع عشر_ فأولها كانت الثورة التي أنتجت محمد علي الكبير ونهضته في سنة 1805 بقيادة الشيخ الشرقاوي وعمر مكرم ،وثانيها كانت ثورة عرابي في 1881 ،وثالثها ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول ،ورابعها ثورة 23 يوليو 1952بقيادة جمال عبد الناصر،أما ثورة الغضب 2011فهي فريدة في التاريخ المصري المعاصر، كما أجمع على ذلك عشرات المحللين السياسيين من مختلف أنحاء العالم،فهي ثورة بلا قائد _ رغم احترامي لوائل غنيم_ انضمت إلى صفوفها على الفور جماهير غفيرة بلا قيادة، انطلقت من الفضاء المعلوماتي الذي تسبح في مجاله الشبكة العنكبوتية بكل أدوات اتصالها المستحدثة،وأهمها على الإطلاق المدونات والفيس بوك والتويتر،وانطلقت كالسهم إلى المجتمع الواقعي بعد أن حددت الزمان 25 يناير ليتزامن مع يوم عيد الداخلية المصرية،والمكان ميدان التحرير.
كل هذه الثورات أو بعبارة أدق أربعة منها، ولدت من شراكة بين الشعب والجيش، فكانت حركات ثورة متصاعدة بلغت ما يكاد يصل إلى مشارف الإجماع من الرأي العام الفعال من الشعب المصري،رفضاً لنظام قائم؛ وطموحاً لبناء نظام جديد وطني، عادل ورشيد.
وإذا كانت ثورة 1919 الوحيدة التي لم يكن لجيش مصر أثر واضح في قيامها وحمايتها أو تنفيذها، فقد كان السبب أن الجيش كان ثلاثة أرباعه مغيباً في السودان بعيداً عن أحداث مصر السياسية، وذلك منذ إعادة فتح السودان من 1896 إلى 1899 حتى عودة الجيش المصري وإخلاء السودان منه بفعل السياسة البريطانية في سنة 1924 ؛ بمعنى أن الثورة الوحيدة من ثورات مصر في تاريخها المعاصر التي لم يلحظ أثر للجيش فيها هي التي وقعت في حالة غياب الجيش عن مصر!!
والفاعل الرئيسي كان شباب مصر الناهض_ حركة شباب 6ابريل ،كلنا خالد سعيد،الجمعية الوطنية للتغيير ،حركة كفاية، حركة شباب من أجل العدالة والحرية"هنغيّر"_ الذي ألهموا العالم كله معاني جديدة للحرية والثورة على كل محاولة لخنق هذه الحرية، كما أعادوا صنع التاريخ.. وبالتالي فإن ثورة 25 يناير تعتبر نموذجاً رائعاً للأخلاقيات الرفيعة للشعب المصري وقدرته على التغيير والصمود برغم المصاعب التي واجهته خلال تلك الفترة، فعلى الرغم من محاولات إحباط الثورة، وقمع الثوار، والتشكيك في وطنيتهم وتشويه صورتهم إلا أنها استطاعت أن تحافظ على طبيعتها السلمية. وأعادت الثورة المصرية اكتشافاً حقيقياً أظهر المعدن الرائع للشعب المصري وهو تلاحم كافة فئاته، مما أحبط محاولات إثارة دعاوى الفتنة الطائفية.
نعم،نجحت ثورة ٢٥ يناير في تغيير المجتمع سياسياً،ولعل المشاركة الفاعلة في الاستفتاء على التعديلات الدستورية كنموذج،ومن بعده انتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم رئاسة الجمهورية، وكذا حالة الحراك والحوار الصحي بين أطياف المجتمع في رسم المستقبل المرجو من كل فئاته، ووضعه على الطريق الصحيح، لنهضة سياسية وديمقراطية تلبي طموحات هذا الشعب الصابر دليلاً واضحاً على أننا نسير في الاتجاه الصحيح. لكن لا يكفي التغيير السياسي دون أن يحميه تغيير اجتماعي يعززه ويسير بالتوازي معه، حتى تصبح الطفرة كاملة،والنهضة جماعية،ومحدش يفهمني غلط!!.
وعلى الرغم من كون ثورة اللوتس المصرية سلمية إلا إنها شهدت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين عندما حاولت الحكومة المصرية تفريق المظاهرات باستخدام مجموعة متنوعة من الطرق البدائية والساذجة المتمثلة في رصاص كاوتش،هروالات خشبية وكهربية،خراطيم المياه،الغاز المسيل للدموع،وفي بعض الحالات استخدموا الرصاص الحقيقي!!
وتحضرني هنا مقولة صاحب نوبل في الآداب_نجيب محفوظ_ في روايته "ثرثرة فوق النيل" من كون الثورة يخطط لها الدهاة وينجزها الشجعان ويغنمها الجبناء،فالعنصر الأول تمثل في شباب صغير السن وجد نفسه يعيش بلا أمل ولا هوية في وطن إيجار جديد،والعنصر الثاني من المقولة ينطبق على رواد ميدان التحرير وباقي ميادين مصر بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية والدينية،في حين أن القسم الثالث مازال محل أخذ ورد ومن أمور المستقبل ويقتضي الانتظار والتدبير وعدم استعجال النتائج لان الأمر جد خطير!!
مع تحياتي فيلسوف الثورة
وائل مصباح عبد المحسن