أولاً// ماهية السيناريو و مبادئه:
فى الواقع أن السيناريو: "عبارة عن قصة تروى بالصور، عن شخص أو عدة أشخاص في مكان ما، أو عدة أمكنة، يؤدي أو تؤدي عملاً ما".
لذا يمكن تعريف كاتب السيناريو: "بأنه الشخص المتخصص، الذي يُهيئ المادة أو الموضوع لعرضه على شاشة التليفزيون أو السينما"
وقد يكون السيناريست (كاتب السيناريو) هو صاحب العمل الأدبي، وقد لا يكون، في أغلب الأحيان.
والمعروف أن معظم الأعمال القصصية والروائية تكتب وتُعد للنشر، بطريقة سردية للقراءة.. ومن ثم ينبغي إعدادها بطريقة أخرى، وتهيئتها ومعالجتها كي تتحول إلى صور ومشاهد، عند تقديمها إلى الشاشة، وهذا ما يُطلق عليه اسم "السيناريو"
وفى الحقيقة، فإن كاتب السيناريو يتعامل مع ثلاثة جماهير،
أولها هو ما يُسمى "جمهور التنفيذ"
وهو الذي يتعامل معه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتشمل المنتج والموزع والمخرج والممثلين والمصور ومهندسي الديكور والمونتير.
والجمهور الثاني هو ما يسمى "جمهور المؤسسة السينمائية أو التليفزيونية"
وهو يشمل النقاد والرقابة ولجان المسابقات والمهرجانات، في الداخل والخارج، وما يحكم ذلك من قيم ومفاهيم فنية واجتماعية وأخلاقي وسياسية.
أما الجمهور الثالث فهو "الجمهور العام" الذي يشاهد العمل النهائي على الشاشة"
مهمة كاتب السيناريو هي كتابة النص السينمائي أو التليفزيوني، الذي يُطلق عليه اسم "سيناريو" (Scenario) أي النص المرئي، أو مشروع البرنامج، أو الفيلم، أو التمثيلية.
ويتولى "السيناريست" كتابة السيناريو، بطريقة خاصة، بحيث يُمكن ترجمته بواسطة الكاميرا إلى مشاهد ولقطات، تحكى قصة أو موضوعاً.
وتُعد "الحركة" هي المادة الأساسية للسيناريو، مثل "الألفاظ" في عملية التأليف بالنسبة للمؤلف، فالحركة هي التي تضفي على الصورة مغزاها، وتكسبها خاصية التعبير عن مضمونها، وإذا كان على الكاتب أن يركز على الحركة، باعتبارها مادة السيناريو الرئيسية ، فإن ذلك ينبغي أن يخضع للاختيار والانتقاء.
وتأتى الحركة عادة في الفيلم السينمائي، أو التمثيلية التليفزيونية، من ثلاثة مصادر، هي:
* حركة الممثلين والمرئيات داخل القصة.
* وحركة الكاميرا وهى ثابتة في مكانها.
* وحركة الكاميرا إلى الأمام أو الخلف أو مرافقتها لشخص متحرك .
ويهتم كاتب السيناريو ـ غالباً ـ بتحقيق التوازن في العمل، من خلال المحافظة على اهتمام المتفرج بجميع الشخصيات الرئيسية فيه بدرجة واحدة، وكذلك تحقيق التوازن في بعض الحالات بإدخال بعض اللقطات والأحداث الجانبية العارضة.
وتوجد أساليب عديدة لتحقيق هذا التوازن، وهنا تلعب حركة الكاميرا وتكوين المناظر والمشاهد، دوراً مؤثراً في هذا الصدد.
تنقسم فصائل السيناريو إلى شرائح ثلاث رئيسية، هي:
الأفلام ذات الصبغة الموضوعية Objective Films
هذا النوع من الأفلام، يأخذ الصيغة التسجيلية، التي تقوم على تسجيل وشرح وقائع وأحداث الحياة العامة واليومية، والموضوعات العلمية أو التوجيهية، وذلك بنقل حقائقها وتفاصيلها في أسلوب موضوعي أو علمي. ويُسمى هذا النوع من الأفلام "الفيلم التسجيلي Documentary Film "، خاصة عندما يتناول تسجيل وقائع وأحداث الحياة، أو أسلوب الحياة في بيئة محددة، أو لفئة معينة من الناس، أو قد يُسمى "فيلم الحقيقة Film of Act " أو الفيلم غير الخيالي " Non- Fiction Film"، أي الذي لا يتدخل فيه خيال الفنان، لأنه لا يهدف إلا إلى تقديم الحقيقة. وأيا كانت التسميات، التي تُطلق على هذا النوع، فإنها تحوى في داخلها بعض أنواع تابعة تستلزم في بعض الأحيان تسميات خاصة بها، كتحديد أدق؛ ومن أمثلة ذلك :
1 ـ الأفلام التعليمية "Eductaional Films "
وهي التي تتناول موضوعاً علمياً، سواء بجميع تفاصيله في الحياة أو الكتب، وذلك بهدف إعداد فيلم لغرض تعليمي أو وثائقي.
2 ـ الأفلام الإرشادية Instructional Films
وهي التي تتناول تقديم معلومات وتوجيهات معينة، لفئة خاصة، أو للجمهور عموماً، مثل فيلم عن قواعد المرور، أو فيلم عن الوقاية من قنابل النابلم، أو أخطار الحرب.
3 ـ الأفلام التدريبية Training Films
وهي الأفلام، التي تُسجل تفاصيل وخطوات المراحل التدريبية الخاصة باستخدام جهاز معين، أو آلة خاصة، بهدف شرح كيفية استخدامها، أو تدريب فئة مخصصة عليها.
4 ـ الأفلام الصناعية أو التجارية Industrial and Commercial Films
وهي الأفلام التي تتناول تفاصيل صناعية معينة، أو مراحل إنتاج سلعة أو منتج ما.
وهذا النوع من الأفلام تحكمه قواعد عامة، عند كتابة السيناريو، مثل:
× التزام الموضوعية في الكتابة والتكوين، لأن هذه الأفلام تهدف أساساً إلى البحث عن الحقيقة، ونقل صورة صادقة عن الواقع.
× الإتقان في الترتيب المنطقي للأفكار، في إطار سلس ومؤثر، حتى تستحوذ على انتباه المشاهد لمتابعة الفيلم في كل جزئياته من البداية للنهاية، خاصة أن بعضاً من هذه الأفلام تكون مادتها جافة، وتستلزم نوعاً من البراعة في توصيلها للمشاهد.
× الاعتماد على التعليق بالصوت، من حيث شرح الصورة أو تكملتها، بمعنى أنه يشرح المعلومات التي يصعب تصويرها، ومن هنا تلعب الكلمة دوراً مهماً في هذا النوع من الأفلام، لا تقل أهميتها عن دور الصورة.
× محدودية مجال الانطلاق الخلاّق للفنان، الذي قد يصل إلى حده الأدنى، وذلك من حيث أن التعامل هنا يتم أساساً مع نقل الواقع أو الحقيقة، في صدق وأمانة.
وهناك أنواع أخرى خاصة من هذه الأفلام، هي للسياسة الدعائية، ويبدو هذا النوع في ظاهره كأنه يقدم حقائق موضوعية، ولكنها تُخفي في باطنها الكثير من وسائل صب هذه الحقائق في قالب محدد، قد تصنعه المبالغة، أو التعريف المستتر، أو الإخفاء المتعمد لتفاصيل معينة، تقلل من صدق أو قيمة المعلومات المقدمة. وكل ذلك يحدث لأن هدف الفيلم الأساسي دعائي محض.
الأفلام ذات الصبغة الذاتية، أو الجمالية Aesthetic Films" "Subjective or
هي الأفلام التي تعتمد أساساً على توظيف جماليات السينما، وإعطاء حرية واسعة لذاتية الفنان، كي ينطلق بخياله وقدراته الخلاقة، إلى حد يصل عدم التقيد بالواقع أو المنطق، بل ينطلق بخياله إلى آفاق يعمد فيها إلى تحريف الواقع وإخضاعه لرؤيته الفنية الخاصة، فيقدم الفيلم في شكـل فني خالص، قد لا يحمـل مضموناً.
فبينما يصبح التزامه بالواقع والموضوعية محدداً لحريته الخلاقة، فإنه يصبح في مجال الأفلام الذاتية، مالكاً لأقصى درجات حرية الخلق.
وفي مثل هذه الأفلام، فإن هدف الفنان قد يتمثل أساساً في تحريك مشاعر المشاهد وحواسه بالدرجة الأولى، إلى حدٍ قد يصل إلى خلق الأحاسيس المجددة فقط.
فقد يهدف الفيلم إلى خلق جو نفسي أو خيال خاص، مثل إحساس عام بالجمال، أو التوتر، أو القلق، أو الخوف، أو مزيج من هذه المشاعر كلها.
قد يقترب هذا النوع في الشكل العام، من المذاهب المعروفة في الفن التشكيلي، فتكتسب صفتها، كأن يُعد الفيلم تعبيرياً أو سيريالياً.
وقد يسمى الفيلم جمالياً "Aesthetic Film "، عندما لا تنطبق عليه المواصفات، التي تدخل تحت تسمية محددة.
الأفلام ذات الصبغة الروائية " Narrative Films " .
ويقصد بها، تلك الأفلام التي تأخذ قالب الرواية أو القصة، وهي تأخذ موقعاً فريداً متميزاً بين الأنواع الأخرى للأسباب الآتية:
تُمثل السينما الشائعة، التي تؤثر في أوسع قاعدة جماهيرية ممكنة.
بينما تمثل الأفلام ذات الصبغة الموضوعية، التزاما أساساً بالصدق في نقل الواقع، وبينما تجنح الأفلام ذات الصفة الذاتية إلى قمة الخلق الحر، فإن الفيلم الروائي يأخذ مكاناً وسطاً بينهما. فهو، من ناحية، يحاول أن يحاكى الواقع، أو يرتبط بمضمون، أو موضوع نابع منه، ولكنه من الناحية الأخرى، يُقدم لنا ذلك من خلال قالب ابتكاري نابع من ذات الفنان.
وعلى ذلك فالفيلم الروائي يُقدم من خلال إطار يمتزج فيه الجانب الموضوعي مع الجانب الخيالي، وبدرجات متفاوتة تخضع لنوع الفيلم الذي يتم التعامل معه. وتتعدد أنواع الفيلم الروائي بشكل كبير يجعلها تتراوح بين قمة الجدية وقاع الهزل، أو بين الاقتراب الشديد من الواقعية والجنوح الكبير إلى الخيال.
ومن أمثلة هذا النوع " دراما المشاكل الاجتماعية، والكوميديا الهزلية، والأفلام الحربية، وأفلام الرعب، والأفلام الموسيقية، وأفلام الجريمة، والأفلام الرومانسية، وأفلام السيرة الشخصية، والأفلام الميلودرامية، والأفلام البوليسية، وأفلام الخيال العلمي، والأفلام النفسية، والأفلام الروائية التسجيلية".
يخضع تركيب الفيلم الروائي في تكوينه العام، لمزيج من القواعد الأساسية للتأليف المسرحي (الدراما)، وتأليف الرواية الأدبية، ألا أن الطبيعة الخاصة لوسائل التعبير السينمائية تميزه بفوارق رئيسية، عن كل من وسائل التعبير المسرحية والأدبية، وهذه الفوارق هي التي
تؤسس أهم دعائم الفيلم الروائي، التي يوظفها في نقل الرواية إلى المشاهد، ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذه الفوارق.
المقارنة مع المسرح:
تتميز السينما عن المسرح، أساساً، بمرونة فائقة في عنصري المكان والزمان، فبينما يخضع كل من عنصري المكان والزمان في المسرح لوحدة موضوعية، فإن السينما يمكنها تشكيل هذين العنصرين بمرونة فائقة، وفقا لمقتضيات سرد أحداث رواية الفيلم، وما يراد التعبير عنه. ولذلك نطلق على عنصر المكان فـي السينمـا "المكان الفيلمي" (Filmic Space) وعلى عنصر الزمن، الزمن الفيلمي (Filmic Time) وتوضح المقارنة أدناه بين المسرح والسينما، من خلال هذين العنصرين، المقصود بهاتين التسميتين، كما تشرح ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في التعبير:
.أ.
تتميز السينما عن المسرح بإمكانية تركيب الفيلم من لقطات متعددة، محدودة في الطول الزمني لكل منها، كما يمكن لأي منها أن تحوي مكاناً مغايراً، إذا أُريد ذلك، أو اقتضاها السرد السينمائي. ومن ثم فإن السينمائي يمكنه تشكيل الزمن الموضوعي (الواقعي)، الذي يعايشه في الواقع وفقا لما يريد، أي يمكنه ضغط الحدث الذي يشغل في الواقع حيزاً زمنياً مداه ساعة، مثلاً، إلى دقائق معدودات، أو أكثر أو اقل. والعكس صحيح، ففي بعض الحالات يمكنه إطالة معادل الوحدة الزمنية الواقعية سينمائياً، إلى ما يزيد عليها في الواقع، إذا اقتضت الظروف ذلك.
.ب.
أما في المسرح فإن الوحدة الزمنية تتدفق بكاملها، كما يحدث في الواقع دون اقتطاع منها أو إضافة إليها. وبالمثل إذا أريد الانتقال من وحدة زمنية إلى وحدة زمنية أخرى في المسرح، فإن ذلك لا يتم ألا بإنزال الستار، أو إنهاء المنظر بإظلام المسرح، أو باستخدام المسرح الدائري.
.ج.
ويستطيع السينمائي دائماً الانتقال اللحظي من وحدة زمنية إلى أخرى جديدة، حال وصله لنقطتين بعضهما ببعض، وكذلك الأمر في المكان الفيلمي، فإن السينما تستطيع الانتقال اللحظي أيضاً من مكان إلى آخر جديد، الأمر الذي لا يمكن تنفيذه في المسرح ألا بإنزال الستار أو الإظلام، كما في تغيير الوحدة الزمنية.
.د.
تستطيع السينما تغيير وجهة نظر المتفرج داخل المكان الواحد، من حيث المسافة والزاوية، فتقترب الكاميرا في عمق المنظر، أو تبتعد منه، وتُغير وضعها إلى اليمين أو اليسار، وإلى أعلى أو إلى أسفل. أما في حالة المسرح، فإن المتفرج يظل ناظراً إلى المسرحية من وجهة نظر واحدة وثابتة، من حيث الزاوية والمسافة.
وعلى هذا الفارق الرئيسي تترتب للسينما ميزات مهمة تتفوق بها على المسرح.. فهي تنقل المشاهد إلى قلب الحدث ليرى أدق الأشياء، التي قد تكون صغيرة بطبيعتها، كما يرى أدق التعبيرات الصادرة من الممثلين، وقد تغنيه عن الكثير من العبارات التي قد يلجأ إليها المسرح، لتوصيل المعنى للمشاهد.
.هـ.
إن ما تتميز به السينما عن المسرح، من مرونة في عنصري المكان والزمان، يتيح لها ميزة نقل المشاهد إلى قلب الأحداث ليعايشها بصورة أقوى، ويندمج وينتقل معها بصورة أشد تأثيراً من المسرح .