المصالحة الفلسطينية وإعادة بناء الثقافة الفلسطينية
بروفيسور عبد الستار قاسم
8/أيلول/2014
منذ أن نشبت الخلافات والانقسامات الفلسطينية، والرأي يقول إن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى تحقيق وحدة وطنية وليس مجرد مصالحة بين فتح وحماس، ذلك لأن المصالحة قد تنهار في أي وقت وتبعا لذلك ينهار التفاهم الفلسطيني الداخلي. ثم لا يجوز ربط مستقبل الشعب الفلسطيني بالعلاقات الفصائلية الفلسطينية. الفصائل يمكن أن تختلف في أي لحظة ولأتفه الأسباب، ويعود بذلك الشارع الفلسطيني إلى الاختلاف من جديد. ولهذا لم أكن أتوقع وكما تحدثت مرارا وتكرارا أن تستمر المصالحة ولا أن يختفي الانقسام الفلسطيني. في الوقت الذي تم فيه توقيع اتفاق مصالحة، كان الانقسام ماثلا ولم يختف للحظة واحدة. وقد عانى الاتفاق من قصور شديد في التالي:
1- تمت المصالحة الفلسطينسة وفق قواعد العادات العربية التي ترى في تبادل القبل وسيلة فعالة لإنجاز المصالحات، ووفق قاعدة العيش والملح. تبادل القبل لم يعد صالحا ولا تناول الفهوة ولا أكل المناسف. على من يريد إقامة مصالحة أن يبحث أولا عن أسباب الخلاف ثم يذهب إلى وضع الحلول. المصالحة الفلسطينية سُلقت سلقا، وصيغت على عجل، وبقيت في مهب الريح قابلة للسقوط في أي وقت.
2- يصعب على أي اتفاق أن يصمد إن لم يقم على أسس ومبادئ واضحة يتمسك بها الذين يعنيهم الاتفاق. الاتفاق الذي تم بين فتح وحماس اتفاق إجرائي وليس اتفاق مبادئ، ولم يكن من الممكن أن يصمد مع أول هبة ريح. الاتفاق كالبنيان، لا يمكن له أن يقف رأسيا إن لم تكن هناك أسس واضحة تحكم سلوك المتفقين. الاتفاق الفلسطيني لم يناقش المبادئ التي يمكن أن يجتمع عليها الفلسطينيون. فالاتفاق مثلا لا يبين الموقف من التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولا العلاقات مع البلدان العربية والإسلامية، ولا العلاقات مع قوى المقاومة في المنطقة، ولم يوضح السبيل الذي يسلكه الفلسطينيون للحصول على بعض حقوقهم. ولم يميز الاتفاق بين المقاومة والإرهاب، ولا الموقف من الدعم المالي الأجنبي للسلطة الفلسطينية، ولا من البناء الاقتصادي الفلسطيني، ولا من المفاوضات الفاشلة مع الكيان الصهيوني. لم يكن هناك ذكر لأي مبدأ من المبادئ يحدد سلوك وسياسة كل فصيل، أو يلزم الفصائل بموقف معين. لقد تركت الأمور على غاربها. حتى مسألة الانتخابات التي هي إجرائية لم يتم تحديد موعد لها على الرغم من موعدها كان يجب أن يتحدد بالتزامن مع إقامة حكومة فلسطينية توافقية.
الاتفاق الإجرائي لا يصمد لأنه لا يهتدي أثناء التطبيق بمبادئ، وتوقيع اتفاق غير مبدئي يؤشر على ضيق أفق لدى السياسي الفلسطيني. ومشكلة هذا السياسي أنه يسير على خطى الحكام العرب من حيث أن كل حاكم يعرف كل شيء.
3- لم يأخذ الفصيلان الكبيران في محادثاتهما التصالحية بالاعتبار أن الثقافة الوطنية الفلسطينية قد أصابها التلوث عبر السنوات. الفصائل الفلسطينية اقتتلت بالرصاص الحي والقنابل أثناء وجودها في الأردن ولبنان، وترسخت لدى أبنائها ثقافة رفع السلاح بوجه الفلسطيني، وقد تمددت هذه الثقافة لتمتد إلى الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد ساهمت هذه الثقافة الملوثة وما زالت تساهم حتى الآن في دعم ثقافة الزعرنة التي يمارسها نفر لا بأس في عددهم في المدن والقرى الفلسطينية. السنوات السابقة بثت في نفوس الناس الكثير من الكراهية المتبادلة والضغائن والأحقاد بحيث أخذ يعبر بعض الفلسطينيين أن حروبهم الداخلية أولى بالاهتمام من حروبهم مع العدو. وقد أخذ الخصام الداخلي أشكالا متعددة بحيث أصبح التعاون مع العدو أهم بكثير من التعاون مع ابن الفصيل الآخر. وقد ساهم التنسيق الأمني مع إسرائيل في تخريب النسيجين الاجتماعي والأخلاقي للشعب الفلسطيني، فإذا كان لوحدة وطنية فلسطينية أن تتم لا بد من تطوير ثقافة جديدة تقضي على الثقافة المستجدة. كان مطلوبا من الفصائل التركيز على برامج تعليمية وإعلامية وتربوية وسياسية ذات قيم وطنية لكي يخرج الناس من أطرهم الضيقة لصالح الإطار الأوسع وهو شعب فلسطين. لكن هل لدى الفصائل القدرة العلمية والتحليلية لاستعياب أهمية هذا الأمر؟
كان من المفروض العمل على إخراج الناس من أسر الفصائل ونظراتها الضيقة للمجتمع إلى ما هو أعم وأشمل ليتكون مجتمع فلسطيني صحي.
لقد تشكلت عبر السنين العشرين الماضية وهي سني اتفاق أوسلو هويات سياسية فلسطينية متشرذمة ولكل هوية مصالحها الخاصة التي تتناقض في كثير من الأحيان مع الهوية الفلسطينية المهانة. فكيف لاتفاق مصالحة أن يصمد أمام هويات جزئية قد تجذرت نفسيا ومعنويا في صفوف الشعب الفلسطيني؟
الوحدة الوطنية الفلسطيني
كثيرون هم الذين يتغنون بالوحدة الوطنية الفلسطينية ويدفعون باتجاه تحقيقها. لكن كثيرين أيضا يظنون أن رؤيتهم الخاصة للأمور تشكل الأرضية الصالحة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهاذ نوع من الهذيان السياسي.
حتى تتحق وحدة وطنية فلسطينية، لا بد من عمل التالي:
أ‌- كتابة ميثاق وطني فلسطيني. كل شعوب الأرض لها مواثيق ودساتير أو تقاليد سياسة وقانونية تجمعها إلا الشعب الفلسطيني على الرغم من أنه أحوج الشعوب إلى ميثاق يجمع الكلمة. المجلس الوطني الفلسطيني الفصيح ألغى الكثير من بنود الميثاق وعدل بعض المواد إلى درجة الإلغاء بناء على طلب إسرائيل وأمريكا بحيث لم يعد هناك ميثاق. الميثاق ضروري لأنه يوضح الأهداف التي يعمل الشعب على تحقيقها والمبادئ والقيم الوطنية ، ويدخل في الوسائل والأساليب المثلى التي يجب الاستعانة بها لتحقيق الأهداف. الميثاق أو الدستور بوصلة تحكم سلوك الأفراد، ويسترشد بها الناس إن ضلوا. فكيف لشعب يبحث عن الحرية أن يتحرر إذا كان غير قادر على صياغة معايير سلوكه. ولا يوجد فصائل في الساحة الفلسطينية تتحدث عن أهمية هذا الأمر ما يشير إلى أن كل فصيل يريد أن يبقى سيد نفسه حتى لو أضر بالصالح الفلسطيني.
ب‌- يتم بعد كتابة الميثاق إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق مبادئه وبطريقة يشارك فيها الجميع. منظمة التحرير مظلة لكل الشعب الفلسطيني، وهي لا تستطيع أن تكون كذلك إن لم تكن صاحبة ميثاق يجمع عليه الجميع.
ت‌- ومن الضروري إنشاء محكمة دستورية أو ميثاقية لمحاسبة الأشخاص والفصائل الذين لا يلتزمون ببنود الميثاق. التراث الفلسطيني مليء بتجاوز المواثيق الفلسطينية والقرارات، والمجلس الوطني الفلسطيني الذي يجب أن يكون الحارس على الميثاق الذب ألغي كان على رأس منتهكيه.