في مفهوم التجديد
الأربعاء 12 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 18:32
د. جيلالي بوبكر
استاذ جامعي / الجزائر
يمثل المفهوم- في الفكر والمعرفة- الوحدة الأساسية في كل منظومة فكرية ونظام معرفي، من شأنها تعبر عن موقف أو نظرية، أو جانب من جوانب التفكير المستقيم، يتمظهر المفهوم بفعل دوافع النفس وآليات العقل وحاجات ومقتضيات وظروف البيئة الخارجية.
اهتم البحث منذ القدم بشروط وأسس بناء المفهوم، وأهمية بناء المفهوم من أهمية بناء المعرفة وإنتاجها، المعرفة التي تمثل الغاية القصوى للمسعى الإنساني العاقل ومساره في الوجود، ارتبط بها ولا زال مرتبطاً كلّ بحث فلسفي أو علمي أو غيره.
أخذ البحث في مجال الفكر والفلسفة والعلوم عامة في عصرنا وفي عصور سابقة بأسلوب التجديد الإبستيمي للمفاهميم والتصورات منذ بداية البحث، تأسيساً وتأصيلاً لمسار البحث وضبطاً وتحديداً لمجاله في الموضوع والمنهج والغاية، وبياناً لمضامينه ومعالمه، وتجنباً للإضراب والخلط في المفاهيم وتفادياً للغموض لدى الباحث وغيره ممن يعنيهم الأمــر.
لكل منهج في الدراسة وفي أي ميدان من ميادين البحث في السياق النظري أو التطبيقي أو هما معاً بناء إبستيمي مفاهيمي، بعض مكوناته أساسي والبعض الآخر محايث هو الآخر أساسي وجوهري لا يمكن الاستغناء عنه، وفلسفة الإصلاح والتجديد عند "محمد إقبال" يأتي بناؤها المفاهيمي الإبستيمي يتمحور حول إصلاح الفكر الديني وتجديده، فالإصلاح والتجديد مفهومان أساسيان في النظري، يظهر ذلك بوضوح من خلال عنوان الكتاب "تجديد الفكر الديني في الإسلام"، لذا ندرس مفهوم التجديد والمفاهيم المجاورة له كالتغيير، والتحول والتقدم وغيرها.
مفهوم التجديد "Innovation": يمثل التجديد أحد المفاهيم التي كثيراً ما ترددت في الفكر الحديث والمعاصر العربي والإسلامي وفي الفكر الغربي ومنذ قرنين من الزمان، مثل مفاهيم النهضة والإصلاح والتغيير والثورة وغيرها. هذه المفاهيم تظهر وتغيب تبعاً للتيارات الفكرية والظروف الاجتماعية السائدة وطبقاً لطبيعة نظام الحكم السياسي السائد في المجتمع وصراع الاستبداد مع الديمقراطية داخله.
قد تختلط لفظة 'تجديد' فيما تدل عليه مع ما تدل عليه ألفاظ أخرى مهمّة ومرتبطة بالفكر المعاصر عامة وبالفكر العربي الإسلامي وبخطابهما على وجه الخصوص. مثل معاني التغيير، التحوّل، التقدم، التطوّر، الإبداع، الاختراع، الاكتشاف وغيرها. لذا ينبغي تحديد معاني هذه الألفاظ والتمييز بينهما وبين التجديد، وتحديد الصلات التي تجمعها في إطار شروط البناء الفكري والاجتماعي والحضاري.
كلمة تجديد في الفرنسية "Innovation"، وهي مصدر لفعل جددّ يجدّد، والمصدر تجديد "وجدّد الشيء صيّره جديداً، والتجديد إنشاء شيء جديد أو تبديل شيء قديم، وهو مادي كتجديد الملبس والمسكن أو معنوي كتجديد مناهج التفكير وطرق التعليم، ويغلب على التجديد أن يكون مذموماً في المجتمعات الزراعية الشديدة التمسك بتقاليدها، وأن يكون محموداً في المجتمعات الصناعية التي تقدس روح الاختراع".1
ويعرف اندريه لالاند التجديد في قاموسه بما يلي:
« Innovation : Production de quelque chose nouveau » 2
فالتجديد لدى لالاند هو إنتاج شيء جديد، والشيء الجديد قد يكون مادياً وقد يكون معنوياً، فالطائرة والهاتف والتلفاز والمذياع وغيرها من الأشياء المادية، كلّها أشياء جديدة أنتجها الإنسان، أمّا المنطق الصوري وجمهورية أفلاطون، ونظرية التحليل النفسي، والمنهج التجريبي والمنهج الفينومينولوجي، كلّها مناهج في التفكير جديدة أنتجها عقل الإنسان.
لكن التجديد لا يرتبط بإنتاج الأشياء والأفكار فقط، بل يعني تبديل شيء قديم، وهذا الشيء الذي يجري عليه التبديل قد يكون هو الآخر مادياً أو معنوياً، فتبديل كوخ من طين إلى مسكن من حجارة إلى عمارة من حديد واسمنت وغيرها يعدّ تجديداً مادياً، أمّا تبديل القياس الصوري بالمنهج التجريبي في دراسة الظواهر الطبيعية، وتبديل منهج الإلقاء والتلقين في تعليم التفلسف بمنهج الحوار، وتبديل بيداغوجية المقاربة بالأهداف ببيداغوجية المقاربة بالكفاءات في فعلي التعليم والتعلم،كل هذا يعدُّ تبديلاً معنوياً وفكرياً.
فكلمة تجديد في اللّغة العربية مصدر لفعل جدّد وجدّد الشيء يعني صيّره جديداً "والتجديد هو الابتكار، إعادة التنظيم، قال ابن الرومي: أهي شيء لا تسأم العين منه أم لها كل ساعة تجديد؟".3
فالتجديد يكون حيث يوجد الجديد، هذا الجديد إمّا في الأشياء، وإمّا في الأفكار، وهو جديد في الأشياء تبديل شيء قديم ويقابل التجديد الخمول والثبات وعدم مبارحة وضعية ما.
أما في الإصلاح يكاد يتفق المفكرون على أنّ التجديد هو عبارة عن فاعلية إنسانية مصدرها الفرد والمجتمع، تقوم على مبارحة وضعية الجمود والخمول والثبات، وتأخذ بالمبادرة إلى النمو والنماء والتغيير في الفكر والعمل، تستخدم كل الوسائل المتاحة في جميع مجالات الحياة.
فالتجديـد يـرتـبـط بالإنسـان، وبمـا يملكـه الإنسان من قدرات وطاقـات في مستوى الفرد وفي مستوى المجتمع، فـهـو متصـل بالجانب النفسي والذهني لــدى الإنسان، كما يتصل بحياته الاجتماعية وبسائر مكوّناتها، فالتجديد يتصل بالحضارة، وإذا كانت الحضارة نتاج تفاعل النشاط الإنسانـي مع سائـر القوانين والسنن الكونية في الفرد والمجتمع والطبيعة لأجل تطوير جوانب الإنسان المعرفية والروحية والمادية في حياته الواقعية، فالتجديد هنا يمثل شرطاً سابقا لبناء الحضارة والمدنية والتقدم.
فالحضارة هي تجديد في الفكر في العمل وفي أساليب العمل أي الانتقال من حالة يسودها الثبات والجمود في العمل ووسائل وأساليب العمل في حياة الإنسان الفكرية والاجتماعية عامة إلى حالة من النّماء والازدهار والتطور في تلك الأساليب وتلك الوسائل بما يحقق مصلحة الإنسان وراحته وسعادته.
يمثل التجديد شرطاً ضرورياً لوجود الحضارة، لكن مفهوم التجديد تلازمه وقد تخلط معه مفاهيم أخرى يظهر ذلك من خلال المعنى اللّغوي والاصطلاحي، ولا يقوم التجديد بدونها، بعضها يمثل شرطاً سابقاً عليه وبعضها يمثل عنصراً ملازماً إيّاه وبعضها الآخر يمثل نتيجة حتمية له.
إذا كـان التغيير "Changement" في اللّغة هو التحوّل والتبدّل ويعني عند "الجرجاني" "انتقال الشيء من حالة إلى حالة أخرى"4. وعند"التهانوي" يعني "كون الشيء بحال لم يكن له قبل ذلك"5. فالتجديد هو عملية تغيير يجريها الإنسان على الأشياء، فينشأ بها الجديد، وينتجه أو يبدل شيئاً ما من حالة إلى أخرى. فيصبح التغيير فعلاً ضرورياً للتجديد وحركة سابقة عليه بل يتضمنها. فالتغيير يُحدث التجديد ويشرف عليه ويظهر التجديد من خلاله.
أما التحوّل أو التحويل "Mutation" فيرتبط بالتغيير والتجديد معاً فهو يعني في اللّغة التبديل والتغيّر والتنقّل ونقطة التحول هي الحد الذي يفصل بين أمرين، يكون الأمر الثاني أفضل حالاً من الأمر الأول. فالتحوّل "تغيّر يلحق الأشخاص أو الأشياء، وهو قسمان: تحوّل في الجوهر وتحوّل في الأعراض".5 فالتجديد تحوّل يُحدثه الإنسان على ذاته وعلى محيطه بنسبة ضعيفة أو عالية، يمكن ملاحظته ومتابعته لأنّ.
ينتج التقدم عن التجديد والتقدم "Antériorité" في معناه اللّغوي هو السير إلى الأمام ومبارحة المكان، أو الوضعية في اتجاه الأمام في مقابل التراجع نحو الخلف، والتقدم من الشيء يعني التقرب منه. وهو عند الفلاسفة تقدم بالطبع، وتقدم في الزمان، وتقدم بالشرف والعلّة، وفي جميع الحالات يبق التجديد ضرباً من التقدم باعتباره ابتكار شيء أو تبديل شيء بشيء آخر، كما يظهر التقدم عند كل تجديد فهو تنمية وزيادة في الإنتاج الفكري والمادي وهو أساس الازدهار والمطلوب في كل حضارة.
يرتبط مفهوم التطوّر بمفهوم التجديد، ولفظة التطوّر تدلّ على تحوّل الشيء من طور إلى طور، والطور في اللّغة يعني الحال، وطوّر الشيء أي نقله من حالة إلى أخرى. ومعنى التطوّر لدى الفلاسفة متعدد، فهو التحوّل أو التبديل الموجه، أو الانتقال من البسيط إلى المركب أو العكس، أو الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى أو العكس، أو من الخلف إلى الأمام أو العكس، وكلمة الارتقاء تتضمن بالضرورة معنى التبديل، لكن ليس في كل تبديل ارتقاء.
في مقابل التطور يأتي مفهوم التكوّر "Involution" "وهو النظام والتقبض والتقلص والتراجع، ويُطلق التكوّر في اصطلاحنا على الرجوع إلى الأصول، أو على الانحطاط والتأخر والفساد والانحلال والبلى".6 من خلال هذه المواجهة بين التطوّر والتكوّر، يتضح الارتباط الوثيق بين مدلول التجديد ومعنى التطور، فهما مترادفان، إذ أنّ التطور يتضمن التجديد والتجديد يتضمن التطور ولا سبيل للفصل بينهما، ويأتي التكوّر في مقابل التجديد بما أنّه يعني التراجع والانحطاط والانحلال.
من جهة أخرى لا يحصل التجديد لدى الإنسان في غياب قدرته على الإبداع "Création"، فالإبداع شرط ضروري للتجديد، عليه يتوقف الفعل التجديدي أيّـاً كان فكرياً أو مادياً، وكلمة إبداع في اللّغة تدل على صناعة الشيء بإتقان، أمّا الابداع فيعني الإختراع والإنشاء أي اختراع الشيء وإنشائه أي "إحداث الشيء على غير مثال سابق وعند البلغاء: اشتمال الكلام على عدة ضروب من البديع".7
للإبداع عدّة معاني عند الفلاسفة، فهو إنشاء شيء جديد من عناصر قديمة، أو ايجاد شيء من اللاّشيء، مثلما هو الحال في الخلق الإلهي، أو إنشاء شيء لم يكن موجوداً، ويعرف بالصنع، والإبداع نوعان، اختراع "Invention" واكتشاف "Découverte"، فالاختراع هو إنشاء شيء جديد لم يكن موجوداً من عناصر قديمة، ويتعلق الأمر بإنشاء الأشياء المادية، وإنشاء الأفكار وتنظيم العمل وإيجاد أساليبه واختراع وسائله، أمّا الاكتشاف، فهو إطلاع الإنسان على الجديد المتقدم في الوجود مثل اكتشاف النار واكتشاف المعادن واكتشاف "كريستوف كولومبوس" لقارة أمريكا.
يتصل التجديد بمفهوم الإصلاح "Réformation" ولفظة الإصلاح من الألفاظ التي كثر استعمالها، وزاد توظيفها من طرف مفكري النهضة الأوربية الحديثة ومن قبل زعماء الإصلاح والتجديد في العالم العربي والإسلامي الحديث وفي العالم المتخلف بشكل عام. ولفظة الإصلاح في اللّغة تعني إزالة الفساد من الشيء. فالقول: أصلح، يصلح، إصلاحاً، الشيء، أزال فساده. أصلح بين القوم: وفّق بينهم. قال تعالى: ﴿ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتُصلحو بين الناس﴾.8 أمّا تجديد الشيء فيعني أنّ الشيء ينطوي على عناصر لم تكن فيه من قبل. وبمناهج التجديد يتمّ الإصلاح ويظهر ويتبلور، كما ينتقل الإصلاح إلى التجديد لضمان التطور والتحسين حتى أن الواحد منها يشمل الآخر ويكون نوعاً أو فرعاً منه.
أمّا في الخطاب العربي والإسلامي المعاصر فإنّ مفهوم التجديد من أكثر المفاهميم التباساً. ومن علامات هذا الالتباس مفارقات كثيرة تبرز عند النظر في هذا المفهوم، بحيث يدعو الكثير إلى تجديد الفكر الإسلامي وخطابه، في حين يعارض الكثير هذا الدعوة إلى حدّ المعاداة. ويرى البعض أن مفهوم التجديد طعنة في التراث والهوية والذات، كما توجد هوة سحيقة بين الدعوة إلى التجديد وممارسة التجديد فكراً وعملاً.
لقد عرف مصطلح التجديد في الخطاب العربي والإسلامي المعاصر مفهومين الأول يتعلق بالتجديد بمعنى الإصلاح، ويعني التغيير الفكري بغرض النهوض، أما أساليب ووسائل ذلك فمرهونة بالنظر إلى كل أزمة وإلى ظروفها المختلفة، وعرفت الساحة الفكرية تنافساً بين الاتجاهات الإسلامية لاستهلاك مفهوم التجديد والاستحواذ عليه كل حسب نظرته ووفقاً لمرجعيته. أمّا المعنى الثاني فيربط بين مدلول التجديد ومدلول الاجتهاد لإضفاء الشرعية عليه وتأسيس التجديد على مفهوم الاجتهاد.
أمّا في القرآن الكريم فقد استخدمت لفظة جديد وليس تجديداً متصلة بمعاني الخلق والإحياء والبعث والإعادة بعد الضعف والموت وغيرها. مثل قوله تعالى: ﴿وقالوا أئذا كنّا عظاماَ ورفاتاَ أإنّا لمبعوثون خلقاً جديداً﴾.9 وقوله : ﴿ألم تر أنّ الله خلَق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد﴾.10 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ﴿إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدد دينها﴾.11 ويمثل حديث التجديد في السنة النبوية من أهم العلامات الدالة على مفهوم التجديد في الإسلام والداعية إليه، كما ارتبطت بهذا الحديث عدّة معاني تدلّ على حقيقة تجديد الدين وهي تجديد وإحياء وإصلاح علاقة المسلمين بالدين والتفاعل مع أصوله والاهتداء بهديه لتحقيق الخلافة وبناء الحضارة، ولا يعني تجديد الدين التبديل في الدين ولا التغيير في أصوله وتعاليمه. وزمن التجديد في الدين يدل على استمرار فعل التجديد وتقارب زمانه بحيث يصير فعل متواصل لا يعرف التعطيل، والمجدد هو المجتهد فرد كان أو جماعة تقوم بفعل التجديد في هذا الزمن وذاك على هذه الأرض أو تلك، يسميهم البعض بحملة العلم في كل عصر.
لقد مارس العلماء فعل التجديد عبر التاريخ وفق مفهوم الإصلاح والإحياء والبعث، أي إعادة بعث الدين مفهوماً وممارسة إلى صورته الأولى بغير تحريف أو إضافة، وهو معنى ينسجم تماما مع التصور الكلّي للنصوص في القرآن والسنّة. نذكر من هؤلاء "الحسن البصري" ودوره في تجديد الشعور الديني الإسلامي لدى عامة الناس ودور وجهد "محمد بن إدريس الشافعي" في تجديد المنهج العلمي في أصول الفقه والاستدلال ودور "ابن تيمية" في تجديد التصور الديني السلفي ودور "محمد بن عبد الوهاب" في تجديد حقيقة التوحيد ومحاربة الخرافة والشرك والبدع التي علقت بالإسلام عقيدة وشريعة. وفي هذا يقول "أبو الأعلى المودودي" في كتابه "الموجز في تاريخ التجديد الديني": "المجدد من أحيا معالم الدين بعد طموسها، وجدّد حبله بعد انتقاضه... والتجديد في حقيقته: تنقية الإسلام من كلّ جزء من أجزاء الجاهلية، ثم العمل على إحيائه خالصاً مخلصاً على قدر الإمكان."12
يقول "الشيخ يوسف القرضاوي": "إنّ التجديد لشيء ما: هو محاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر بحيث يبدو مع قدمه كأنّه جديد وذلك بتقوية ما هوى منه، وترميم مابلى، ورتق ما انفتق، حتى يعود إلى أقرب ما يكون إلى صورته الأولى... فالتجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديم، أو الاستعاضة عنه بشئ آخر مستحدث مبتكر، فهذا ليس من التجديد في شيء".13
إنّ مفهوم التجديد لدى المودودي أو القرضاوي أو غيرهما ينضاف ضمن هذا الاتجاه أو ذلك بموجب الممارسة الثقافية والدينية لدعاة التجديد في واقعنا المعاصر، والتي تتميّز بالتباين والاختلاف في معنى التجديد وفي ممارسته، فهو يدل عند البعض على إحياء السنّة وإزالة البدعة وبعث الدين عقيدة وشريعة، وعند البعض الآخر يعني الاجتهاد المفتوح خارج المذهبية والحدود الفقهية الملتمس تعقل حقائق التشريع واكتناه أسراره والتفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الأزلية. ولدى آخرين يرتبط التجديد بإصلاح مناهج الفكر وإسلامية المعرفة لتجاوز عجز الفعل الإسلامي عن التحكم في الواقع بسبب التحوّلات التاريخية المعقدة وتطور العلاقات الإنسانية وتغيّر منطق الحياة اليومية مع ظهور تكنولوجيا تتحكم في كلّ لحظة بحياة الإنسان.
انقسم المفكرون الإسلاميون حول مفهوم وطبيعة التجديد في العالم الإسلامي بحسب قراءة أفكارهم ودعواتهم في ذلك ارتباطاً بأصول الإسلام من جهته وبواقع المسلمين وظروفه وبتحديات العصر العلمية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية وغيرها. تنحصر هذه الاتجاهات لدى البعض في الاتجاه التجديدي الذي يرتبط بالبعث والاحياء والإعادة، وآخر متأثّر بالحركة التجديدية الإصلاحية التي قامت في أوربا في بداية القرن الخامس عشر وأفرزت المذهب البروتستاني، واتجاه آخر متأثر بالمذاهب المادية كالماركسة واللّيبيرالية والوجودية والبرغماتية، يعمل على التوفيق بين هذه المذاهب والإسلام.
يبقى مفهوم التجديد لدى المسلمين مرتبطاً بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالتأصيل النظري للمفاهيم الحركية المتعلقة بالممارسة الفعلية لفعل التجديد، فيتشابك مفهوم التجديد مع مفاهيم "الأصالة والتراث والهوية" للتعبير عن تغيير الذات، كما يتشابك مع مفاهيم التغريب- الحداثة- وعلى مستوى المدلولات الحركية تطرح مفاهيم عديدة مثل 'التقدم' و'التطوّر' و'التقنية' و'النهضة' للتعبير عن ضرورة التفاعل مع الحضارة الغربية ومنتجاتها، كما تبرز مفاهيم مثل 'الإحياء' و'الإصلاح' و'البعث' والاتجاه لتأكيد حضور الرؤية الإسلامية لعملية التجديد ويظهر مدى الارتباط بين مفهوم التجديد نظرياً وعملياً بين الخبرة التاريخية ومرجعية المجتمع.
الهوامش:
1- جميل صيليبا: المعجم الفلسفي، ج1، ص242.
2- - Andre-Lalande : Vocabulaire Technique et critique de la philosophie
Presses universitaire de France, 13eme edition. Paris1980. P516 -517.
3 - جماعة من الباحثين: القاموس الجديد للطلاب، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، الطبعة السابعة، سنة1991، ص171.
4- جميل صيليبا : المعجم الفلسفي، ج1، ص 311.
5- جميل صيليبا: المعجم الفلسفي، ج1، ص 259.
6- المرجع السابق: ص295.
7- المرجع السباق: ص31.
8- سورة البقرة: الآية 224.
9- سورة الإسراء:الأية 49.
10- سورة ابراهيم:الأية 19.
11- حديث شريف: رواه أبو داود.
12- أبو الأعلى المودودي: الموجز في تاريخ تجديد الدين ، ص 13 – 25.
13- يوسف القرضاوي: من أجل صحوة راشدة ، ص28.
الدكتور جيلالي بوبكر