[motr1]
جنة المجنون أم جنة العاقل[/motr1]
سلوى اللوباني / القاهرة:
رواية "جنة مجنون" هي تجربة إنسانية مؤثرة.. ومحاولة لاقتفاء أثر حلم النفس البشرية.. انتهج فيها المؤلف "أسامة أنور عكاشة" أسلوب حكاية ألف ليلة وليلة. فالرواية مقسمة الى قصص قصيرة.. ولكل قصة حبكة خاصة بها تجذبك للانتقال الى القصة التي تليها.. ينتقل بنا عكاشة من مكان الى آخر.. أمكنة ترمز الى عوالم مختلفة مرتبطة بشخصيات الرواية ومنها "عاطف درويش" بطل الرواية الرئيسي وصديقه الذي جمع بينهما حرمانهما من حنان الام فقد فوجئ كلاهما برحيل أمه وهو على أعتاب السنة السابعة. رواية تغوص في النفس البشرية بكل سلاسة بمفرداتها الجميلة وأوصافها الموزونة وتسلسل أفكارها.
رواية لا تعرف منها من هو المجنون ومن هو العاقل.. إنه العالم والواقع بعينه يا عزيزي القارئ.. رواية من روايات دار الهلال... رواية تستحق القراءة..
العالم الموازي...
اختار عاطف درويش وصديقه حجرة المخزن.. التي بدأت منها ذكريات الطفولة.. مخزن والدة صديق عاطف لا يقربه أحد وفيه الكثير من مقتنيات والدة صديقه التي ازيحت عن الانظار حتى لا تثير الذكرى أو تجدد الاحزان. فأصبحت هذه الحجرة بالنسبة لهما هي الملجأ للهرب من واقع الحياة الثقيل.. للهرب من الشعور بالوحدة.. كانا يمضيان الساعات الطوال.. كانت ساعات القراءة تطول حتى يغلبهم النوم.. كانت لقاءاتهم في حجرة المخزن لقراءة الروايات حتى خلقا عالماً موازياً تتكون مفرداته من الاحلام ومن تمنيات لا يحققها الواقع.. كانا بعد أن ينتهيا من الكتب تبدأ لعبة التقمص فيتفق كل منهما على شخصية من أبطال خيالهما يحملها كل تمنياته وأحلام يقظته ليؤديها سرداً وبالحركة والاشارة ويتبادل الادوار مع صاحبه. وافترق الصديقان بعد وفاة جدة عاطف التي كانت بمكانة الدته وانتقل للعيش في بورسعيد مع والده الذي كان رافضاً الاعتراف به كابن له من صلبه. وانقطع ذلك الخيط الذي جمع بين اليتيمن وانفصمت عرى صداقة صنعتها الاحزان المتساندة ولكنها طفت على السطح بعد ثلاثين عاماً. ليكتشف أن صديقه عاطف درويش قد عانى الكثير خلال 30 عاماً وتم وضعه في مستشفى للامراض العقلية كذباً وافتراءً من قبل عائلة والده الذي رحل فجأة وترك ثروة طائلة لعاطف، لتبدأ العائلة مؤامرتها بقسوة شديدة انتهت بايداعه في مستشفى الامراض العقلية لعشر سنوات كاملة.
حلم عاطف درويش
تتابع حلم عاطف درويش وشخصياته الكثيرة على مدى 102 صفحة على لسان صديقه.. صديق الطفولة الذي التقاه بعد 30 عاماً. صديق الطفولة الذي خرج له فجأة من أطلال الذكريات ليكتشف بعد ذلك أن كل ما رواه له عاطف من حكايات بعد خروجه من المستشفى انها من وهم خياله.. فعاطف يعاني من حالة هستيرية بالتقمص من خلال الالعاب التي يلعبها ويفرض على من حوله لعبها. فشخصية عاطف صاحب الجنة الخضراء- جنة درويش- هي احدى الشخصيات التي يرتديها لايام ثم ينزعها ليرتدي غيرها وشخصية بيت درويش للفنون وغيرها الكثير من الشخصيات. جنة درويش هل هي مشروعاً زراعياً مزدهراً؟ هل هي واحة في قلب الصحراء.. واحة يصنعها الانسان لمتعته أم هي مشروع عملي يرفع عليه لافتة براقة؟ أما عاطف درويش فيقول عن حلمه "انه حلم خلق في جوف الغسق الطويل داخل الجدران ولم يكن أمامي الا أن اخلق لنفسي عالماً أهرب اليه من واقع المصحة العقلية... فرحت أدرب مخيلتي واستخدام أحلام اليقظة في تكوين حلم حقيقي يصلح لان يتواجد على أرض... حلمت بانني أبني مدينة ينعم فيها الاصدقاء بالرفقة الدائمة في حياة يحققون فيها ما يريدون لانفسهم من مشروعات دون أن تعيقهم عقبات التمويل وتحكم صاحب رأس المال".
ندوب الزمن..
رواية تقول أن ندوب الزمن تعلمك أن الحياة تتوالى في حركة دائرية لا أطراف لها.. وأنها تتكرر في تقمصات ينسخ جديدها قديمها.. بأن يمحوه من الذاكرة فلا يترك منه إلا بعض أثر يشبه ما يتبقى من جرح مندمل. وقد تشعر بتلك الندوب و يمكنك أحياناً أن تتلمسها في حنين الى مكان لم تطأ قدماك وفقاً لذاكرتك الناسخة.. أو يقين غامر ينتابك بأنك قد رأيت قبل الان شخصاً يقدمونه لك لاول مرة... بل يمكنك أحياناً أن تصف لبعض أصدقائك أو أهلك مكاناً في بلد يعلم جميعهم علم اليقين إنك لم تزره!! تنتهي من رواية جنة مجنون وأنت في حيرة من هو المجنون ومن هو العاقل!!
منقول عن جريدة ايلاف الالكترونية
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphL...7/4/230003.htm