النــــمل والجــــرة
قصـة للأطفـال
بقلم عبد القهار الحجـاري
نالت جائزة أدب الطفل لوزارة التربية الوطنية/ نيابة الناظور سنة 2005.
في منزل جدي، يعجبني أن أصعد إلى السطح دون أن يراني أحد، وأطل بنصف جسدي النحيل على وسط دار قديمة مهجورة بجواره، لأتفرج على منظرها الغريب، شجرة تين وارفة الظل، بالقرب منها جرة فارغة، تمتلئ بالماء كلما هطل المطر، العصافير أيضا تحب هذه الدار. تنزل إلى وسطها مزقزقة، فرحة، لا يزعجها أحد، فبنت على أغصان الشجرة أعشاشها وهي مطمئنة.
في كل مرة أحمل في جيبي قطعة خبز أفتتها طعاما للعصافير والنمل، وذات يوم رأيت جموعا من النمل الكبير تتسلق الجرة، ولم أستطع أن أعرف السبب، ورأيت سربا من العصافير تزقزق بهرج، تروح وتجيئ وتحلق حولها في المساء، سألت جدي :
-لماذا تزقزق العصافير بهرج ؟ نظر إلي متعجبا، ثم قال :
-ربما تكون خائفة .. أو فرحة .. أو ربما تقيم مهرجانا !
-ولماذا يتجمع النمل حول جرة ؟ ضحك جدي وقال :
-ربما وجد بالجرة سمنا وعسلا ! قلت في دهشة :
-وهل يحب النمل السمن والعسل؟! لم يعجبني جدي واستمر يضحك ويهز رأسه ..
في الليل وأنا نائم، حلمت بأنني أطل على الدار من سطح منزل جدي كعادتي، رأيت جموع النمل الكبير جالسة في صفوف منتظمة، أمام رئيسها الذي صعد فوق الجرة وقال :
-إخوتي الأعزاء .. لقد ضاع منا الكثير من أخواتنا وإخواننا في هذه الجرة اللعينة، لقد غرقوا هنا في جوفها .. فماذا نفعل؟
قدمت كثير من الإقتراحات لكي لا يسقط النمل في ماء الجرة ولكن لم يؤ بأي منها، وعندما احتدت المناقشة، تدخلت نملة صغيرة وقالت :
-ألا نستطيع أن نجعل من هذه الجرة بيتا لنا؟ عندها لمعت فكرة في ذهن نملة أخرى فقالت :
-ندحرجها فتفرغ من الماء، ثم نجعل منها سكنا لنا، صفق النمل بحرارة وهتف الرئيس :
-أحسنتما يا أنمولتين ! هيا بنا نتعاون كيد واحدة لنقلب الجرة، فتحركت صفوف النمل نحو الجرة بنظام وهدوء، وفي تلك اللحظة أفقت من نومي، أحسست بالعطش فقمت من فراشي وتوجهت نحو المطبخ شربت كوب ماء دون أن أزعج أحدا، وعدت إلى النوم.
-في الصباح، أسرعت إلى السطح وأطللت على المنزل المهجور، كانت الجرة في مكانها وجموع النمل حولها .. ربما كانت تستعد لتدحرجها، وعندها هممت بالنزول، انتبهت إلى وجود جدي خلفي قال لي محذرا :
-لا تصعد هنا مرة أخرى ! هذا خطر عليك أفهمت؟!
ـ نعم .. جدي .. فهمت!!
تـمـــت
الجـــرة : إناء من طين يستعمل لحفظ الماء أو اللبن أو العسل أو غيره من السوائل.
النحيــل : الهزيل.
مهجور : بيت مهجور : لا يسكنه أحد.
ســرب : سرب حمام : مجموعة.
ندحرجهـا : ندفعها فتتحرك على الأرض : تتدحرج الكرة على عشب الملعب.
في جوفها : في داخلها.
احتدت المناقشة : اشتـدت.