اللغة العربيه خلود /صلاح جاد سلام
بسم الله الرحمن الرحيم
{ اللغة العربية عظمة وثراء وخلود }
هذا هو العنوان الذي اخترته لمؤلف وفقني الله تعالي إلي تأليفه وتصنيفه ، فالحمد لله رب العالمين ،
وشرح فصوله وأبوابه أمر يطول ، وليس هذا ( لضيق المقام ) مكانه علي أن اللغة العربية خالدة ، باعتبارها لغة القرآن الكريم الخالد ، والذي تكفل ربنا جل جلاله بحفظه إلي يوم الدين بقوله تعالي :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر 9
وإذن ،، فخلود بخلود ،
ثم إن الثراء في لغتنا العربية ، أمر واضح جلي مدهش ، يبعث علي العجب والفخار ،
إذ أن بعض الأسماء في العربية لها من المترادفات الكثير والكثير ،
الأسد ،، في اللغة الإنجليزية lion
أما عندنا في لغتنا العربية ، فقد جمع له أحد شيوخها القدامي خمسمائة اسما ،
وقل مثل هذا في الكلب والمطر والحجر واللبن والضحك والبكاء والنكاح والجماع والحب والأصوات والشمس والقمر و،، و،، و،،
وهو موضوع شائق لمن يريد ،
شتموا رهين المحبسين الشاعر الفيلسوف أبا العلاء المعري ، ووصفوه بأنه كلب ،،،، فقال علي الفور :
الكلب من لايعرف للكلب سبعين اسما ،
فتتبع السيوطي الإمام الموسوعي الجليل رحمه الله تعالي إحصاء أسماء الكلب بناء علي هذا ،، وعثر في لغتنا العربية علي أسماء كثيرة للكلب ،، نظمها في أرجوزة ، سماها ( التبري من معرة المعري ) ، بلغت 37 بيتا ،
ومن أسماء الكلب في هذا الأرجوزة اللطيفة ،، ما يلي :
الباقع ـ الوازع ـ الأبقع ـ الزارع ـ الخيطل ـ السخام ـ الأسد ـ العربج ـ العجوز ـ الأعقد ـ الأعنق ـ الدرباس ـ العملس ـ القطرب ـ الفرني ـ الفلحس ـ الثغم ـ الطلق ـ العوّاء ـ البصير ـ ثمثم ـ كالب ـ هبلع ـ منذر ـ هجرع ـ كسيب ـ القلطي ـ السلوقي ـ المستطير ـ كساب ـ الدرص ـ الجرو ـ السمع ـ العولق ـ المعاوية ـ لعوة ـ عسبورة ـ الخيهفعي ـ الديسم ـ دأل ـ دئل ـ دؤل ـ الذألان ـ العلوص ـ النوفل ـ اللعوص ـ السغبر ـ السرحوب ـ الوع ـ العلوش ـ الوعوع ـ الوأواء ـ الكلب .
وهكذا قارب الإمام السيوطي الوصول إلي العدد الذي ذكره المعري رحمه الله تعالي .
فياله من ثراء تتفرد به لغتنا العظيم ـ وتتيه به علي لداتها من اللغات في دنيا الناس .
ومن العظمة فيها ،، أنها تفرق بين الأشياء شبه المتماثلة ، بألفاظ محددة دقيقة ، لاتوجد مثلها في لغة أخري من لغات البشر ،،
* لاتقول العربية ( مائدة ) إلا إذا كان عليه طعام ،
وإلا فهي ( خوان ) .
* لاتقول العربية ( كأس ) إلا إذا كان فيها شراب ،
وإلا فهي ( قدح ) .
* لاتقول العربية ( كوز ) إلا إذا كان له عروة ،
وإلا فهو ( كوب ).
* لاتقول العربية ( ملاءة ) إلا إذا كانت ذات لفقتين قطعتين ،
وإلا فهي ( ريطة ) .
* لاتقول العربية ( خدر ) إلا إذا كان فيه امرأة ،
وإلا فهو ( ستر ) .
* لاتقول العربية للعاب ( رضاب ) إلا إذا كان في الفم .
* لاتقول العربية ( رمح ) إلا إذا كان له زج وسنان .
* لاتقول العربية ( خاتم ) إلا إذا كان عليه فص .
ألم أقل لك أخي القاريء الكريم :
{ اللغة العربية عظمة وثراء وخلود } .
قال الإمام الآلوسي رحمه الله تعالي في تفسيره لقول الله تعالي عن سيدنا عيسي عليه السلام :
" ويكلم الناس كهلا ومن الصالحين " آل عمران 46 ،،،:
الكهل : ما بين الشاب والشيخ ، ومن اكتهل النبت إذا طال وقوي .
ومن عظمة وثراء اللغة العربية التحديد الدقيق لوصف مراحل عمر الإنسان ، بل وقبل أن يولد ، ثم بعد أن يموت ،،،
فكل مرحلة من مراحل حياته لها اسم محدد ودقيق ، يشير مباشرة إلي تلك المرحلة ،،
وهذا من عظمة هذه اللغة ، ويمثل في ذات الوقت صورة واضحة لما فيها من ثراء كبير جدا ، تفتقر إليه غيرها من اللغات ، بل ربما ينعدم فيها تماما ،،
كيف ذلك ؟
يقال إن ابن آدم :
جنين : مادام في رحم أمه .
وليد : إذا ولد .
رضيع : مادام يرضع .
فطيم : إذا قطع اللبن .
دارج : إذا دب ونما .
مثغر : إذا نبتت أسنانه .
مثغور : إذا سقطت رواضعه .
خماسي : إذا بلغ خمسة أشبار .
مترعرع أو ناشيء : إذا قارب 10 سنين أو جاوزها .
يافع ومراهق : إذا كاد يبلغ الحلم ، أوبلغه .
حزوّر : إذا احتلم ، واجتمعت قوته ، واسمه في جميع الأحوال غلام.
فإذا اخضر شاربه ، وأخذ عذاره يسيل ، قيل قد بقل وجهه .
فتي وشارخ : إذا صار ذا فتاء .
مجتمع : إذا إجتمعت لحيته ، وبلغ غاية شبابه .
شاب : مادام بين 30 , 40 .
كهل : أن يستوفي الستين ، ويقال لمن لاحت فيه امارات الكبر والشيب .
ثم يقال شاب ، ثم شمط ، ثم شاخ ، ثم كبر ، ثم هرم ، ثم دلف ، ثم خرف ، ثم اهتر ،
فإذا مات قيل محا ظله .
هــــذا فــــــي الـذكــــــــور ،،،،،،
أمــا فــــي الإنـــــــــاث ،
فيقال :
طفلة : مادامت صغيرة .
وليدة : إذا تحركت .
كاعب : إذا كعب ثديها .
ناهد : إذا نهد ثديها ،
معصر : إذا أدركت .
عانس : إذا ارتفعت عن حد الإعصار .
خود : إذا توسطت الشباب .
مسلف : إذا جاوزت الأربعين .
نصف : إذا كانت بين الشباب والتعجيز .
شهلة .
كهلة : وجدت من الكبر ، وفيها بقية وجلد .
شهربة : إذا عجزت وفيها تماسك .
حيزبون : إذا صارت عالية السن ، ناقصة العقل .
قلعم ، ولطلط : إذا انحني قدها ، وسقطت أسنانها .
ومن صور العظمة في دقة الألفاظ ودلالاتها المحددة في لغتنا العربية العظيمة ــ والتي تتفرد بها بين لغات البشر ــ ما يلي :
في الروائح :
* النكهة : رائحة الفم ، سواء كانت طيبة أم كريهة .
* الخلوف : رائحة فم الصائم .
* السهك : رائحة كريهة تجدها من الإنسان إذا عرق .
* البخر : رائحة الفم .
الصنان : رائحة الإبط .
* الدفر : رائحة سائر البدن .
* العرف والأريجة : رائحة الطيب .
* القتار : رائحة الشواء .
* الزهومة : رائحة اللحم .
* الوضر : رائحة السمن .
* الشياط : رائحة القطنة أو الخرقة المحترقة .
* العطن : رائحة الجلد غير المدبوغ .
ومن المدهش والعجب العجاب ،، ما في لغتنا العربية من أوصاف توصف بها اليد ، عند لمسها كل صنف من الملموسات ،،
كيف ذلك ؟
تقول العرب : يده ،،،،،،،،،،،،،،
* من اللحم : غمرة وندلة .
* من الشحم : زهمة وودكة .
* من السمك : ضمرة وطمرة .
* من الزيت : قنمة ووضئة .
* من البيض : زهكة وزفرة ومذرة .
* من الدهن : زنخة وسنخة .
* من الخل : خمطة .
* من العسل والناطف : لزجة وسعبة .
* من الفاكهة : لزقة وزلجة .
* من الزعفران : ردكة وعبكة وعلكة .
* من الطيب : عبقة وعطرة .
* من الدم : مضرجة وسطحة وسلطة وعركة وعلقة .
* من الماء : بشقة ولثثة وبللة .
* من الطين : ردغة ولثقة .
* من الحديد : سهكة .
* من العذرة : طفسة .
* من البول : وشلة .
* من الوسخ : روثة .
* من العمل : عجلة .
* من البرد : صردة .
* من الحديدة : صدئة .
* من اللبن : وضرة .
* من الجبن : نسمة ونمسة وسنمة .
* من الودك : ودكة .
* من الخضاب : ردعة .
* من العجين : لوثة .
* من الدقيق : نثرة .
* من الرطب والتمر : حمتة ووثرة .
* من النجاسة : نجسة .
* من البقل : زهرة .
* من البطيخ : نضحة .
* من الذهب والفضة : قثمة .
* من الكافور : سطعة .
* من التراب : تربة .
* من الرماد : رمدة .
* من الخبز : خبزة .
* من المسك : ذفرة .
* من الشراب : خمرة .
* من الروائح الطيبة : أرجة .
* من الخل : نقبة وخللة .
* من الحناء : قنئة .
* من المداد : زوطة .
* من الشهد : شثرة ونشرة .
* من الجلود : دفرة .
* من العنبر : عبقة .
وعندنا بحمد الله غير ذلك الكثيرمن مثل ما سبق ،
وأخيرا ،،، تقول العرب في محاسن الخلقة :
الصباحة في الوجه .
الوضاءة في البشرة .
الجمال في الأنف .
الملاحة في الفم .
الحلاوة في العينين .
الظرف في اللسان .
الرشاقة في القد .
اللباقة في الشمائل .
وكمال الحسن في الشعر .
حقا وصدقا ،،،،،،،،،،،،،،،
{ اللغة العربية عظمة وثراء وخلود }
اللغة العربية عظمة وثراء وخلود
من دواعي الفخار بلغتنا العربية أننا كلما غصنا في بحرها العميق لقطنا درا جديدا ،
حرف واحد في لغتنا العظيمة يحمل معني فعل الأمر ،
وهو علي حد علمي القليل أمر لايوجد في أية لغة أخري في دنيا الناس ،
من ذلك :
1 ـ حرف القاف :
إذا نطقته مجرورا بالكسرة ، صار فعل أمر ،
{ قٍٍ ،،،، رأسك من حر الشمس } .
2 ـ حرف العين :
إذا نطقته مجرورا بالكسرة ، صار فعل أمر ،
{ ع ،،،، الدرس جيدا }
3 ـ حرف الفاء :
إذا نطقته مجرورا بالكسرة ، صار فعل أمر ،
{ ف ،،،، الكوب ماءً }
أترانا نجد في اللغة العربية سبقا فيما يسمي علم الإختزال ؟
فإن لم يكن ، فهو بلا شك تفرد بعظمة لانظير لها في كل اللغات .
وإذن ، فقد صدق شاعر النيل العظيم حافظ ابراهيم رحمه الله تعالي حين قال بلسان حال اللغة العربية :
أنا البحر في أحشائه الدر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
ومرة أخري متجددة ، يجدر بنا ، ويحق لنا ، أن نهتف بفخر واعتزاز :
اللغة العربية عظمة وثراء وخلود ،،
ومن العجيب أن بعض المستشرقين يزعمون إفتراء أن في كلام العرب حشوا وفضولا ،
إلا أن الأمر جد يسير لمن ينظر إلي اللغة العربية بعين مجردة بصيرة ، وفكر عاقل سليم ، وقلب خال من الحسد والكراهية ، فضلا عن اللجاج والمغالطة ،،
ولكن ،، يعوزه أمر لازم ،، وهو ما يفتقده المغالطون الحاقدون ،
إنهم يفتقدون الحس العربي الأصيل .
قيل لأبي العباس المبرد رحمه الله تعالي :
إن في كلام العرب حشوا ، فإنهم يقولون : عبد الله قائم ،
ثم يقولون :إن عبد الله قائم ،
ثم يقولون : إن عبد الله لقائم ،،،
فالألفاظ متكررة ، والمعني واحد .
فقال رحمه الله :
بل المعاني مختلفة ،،
فقولهم : عبد الله قائم ، إخبار عن قيامه ،
وقولهم :إن عبد الله قائم ، جواب عن سؤال سائل ،
وقولهم :إن عبد الله لقائم ، رد علي منكر . آهـ
وإذن فنحن أمام ميزة من ميزات لغتنا العربية ، لاتقل شأنا عن غيرها من الميزات الأخري الكثيرة المتنوعة ، والتي تتضافر جميعا لتجسد لنا ولغيرنا العظمة والثراء والخلود ،
دقة في التعبير ، بقليل من الإضافات اليسيرة إلي نفس الألفاظ لتكون النتيجة إصابة المعني الدقيق ،،
وهو علي غير ما يزعمه افتراء ، ويتشدق به جهلا ، مرضي العقول والأنفس والبصائر .
ولله در القائل :
صور العمي شتي وأقبحها إذا
نظرت بغير عيونها الهام
ورحم الله البوصيري إذ قال :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم طعم الماء من سقم
ولعل كلمة عربية تأتي بصيغة الماضي تارة ، وبصيغة المستقبل تارة أخري ،، فيختلف البيان ،،
مثال ذلك :
كلمة ( ما أدراك ) ،، وكلمة ( ما يدريك } ،،
يقال : ( ما أدراك ) , ( من أدراك ) ،، بصيغة الماضي فيما يحتاج إلي بيان ،،
وقد ورد ذلك في القرآن الكريم ،، وعقب بعدها بالبيان ،،
قال تعالي :
" وما أدراك ماهيه ، نار حامية " . القارعة 11
ويقال : ( ما يدريك ) ، ( من يدريك ) ،، بصيغة المستقبل فيما لابيان له ،،
وقد ورد ذلك في القرآن الكريم ،،
قال تعالي :
" وما يدريك لعل الساعة قريب " . الشوري 17
ولنذهب إلي ميزة الإعراب في لغتنا العربية ،،،
فمع شيوع أنواع من الإعراب في بعض اللغات الهندية الجرمانية كاللاتينية وبعض اللغات السامية كالعبرية والحبشية ، وبعض اللغات القديمة المهجورة كاللغة المصرية في عهد الفراعنة ،، تجد أنه لايزيد عن إلحاق طائفة من الأسماء والأفعال ، بعلامات الجمع والإفراد ، أو علامات التذكير والتأنيث ،
إلا أنه في لغتنا العربية أمر واف ، يعم أقسام الكلام أسماء ، وأفعالا ، وحروفا ،، حيثما وقعت بمعانيها من الجمل والعبارات .
ولنذهب إلي ما في الإملاء العربي إذا ما قيس بالإملاء في كثير من اللغات الأخري كالإنجليزية مثلا ،
فهو في لغتنا العربية غالب الإطراد ، قليل الشذوذ ، سهل الفهم ، محدود الصعوبات ، مضبوط القواعد .
علي أنه من الجدير بالذكر أن الإملاء في العربية من حيث الدلالة ينقسم إلي قسمين :
فهو من حيث دلالة الحروف علي الألفاظ يمثل فرعا من فروع العربية ،
وهو من حيث حصول نقش الحروف بالآلة يمثل علم الخط بأنواعه المعروفة .
ويجدر بالذكر هنا بمناسبة علم الخط إيراد لطيفة لا غضاضة من ذكرها ،،
قالوا قديما :
إذا أردت أن تحظي بحسن كتابة *** ومرتبة في العالمين تزين
تخير ثلاثا واعتمدها فإنها *** علي بهجة الخط المليح تعين
مدادا وطرسا محكما ويراعة *** إذا اجتمعت قرت بها عيون
ولابد من شيخ يريك شخوصها *** يساعد في إرشادها ويعين
ومن ليس له شيخ وعاش بعقله *** فذاك هباء عقله وجنون
ومن عظمة اللغة العربية القدرة الظاهرة علي التخصيص ،، بينما لاتستطيعه الإنجليزية مثلا ، ومن ثم فليس أمامها إلا التعميم ،
فكل صغير من الحيوان في لغتنا العربية له اسم خاص به ،،،
الفرخ ولد الطائر ،،، والمهر ولد الفرس ،،،
وليس كذلك في الإنجليزية ،، إذ هو عندهم صغير الطائر ، وصغير الفرس . ومن ثم فهم يحتاجون فيها إلي إضافة كلمة ( baby ) ،، فيقولون :
baby elephant ... baby camel...baby monkey .
وهكذا ،،، كلمة واحدة دقيقة محددة متخصصة في لغتنا العربية ، أمام كلمتين إحداهما عامة في الإنجليزية .
وفي الإنجليزية أيضا يتضح العجز عن التفريق أو التمييز بين العم والخال ، أو العمة والخالة ، أو ابن الأخ وابن الأخت ، أو ابنة الأخ وابنة الأخت ،،
عم أو خال : uncel .
عمة أو خالة : aunt .
ابن الأخ وابن الأخت : nephew .
ابنة الأخ وابنة الأخت : niece .
ولذا فإن القاريء قد يقرأ الرواية الإنجليزية الطويلة ، ويفرغ منها ، وهو لايدري أهويقرا عن عم أو خال ، أهي عمة أو خالة ، أهو ابن أخ أو ابن أخت ، أهي ابنة أخ أو ابنة أخت ،،
لأن اللفظ عندهم مبهم يحتمل كليهما في كل ،،
وليس كذلك في لغتنا العربية مطلقا ،،
وعن الوجازة والبسط ، والإجمال والتفصيل وما يكون من ذلك في الدلالة علي عبقرية لغتنا العربية وعظمتها وثرائها وخلودها ،، قال الأستاذ أحمد حسن الزيات رحمه الله تعالي :
لكل لغة عبقرية تستكن في طرق الأداء ، وتنوع الصور ، وتلازم الألفاظ ، وهي من حيث طريقة الأداء تستكن في الإيجاز ، ومن حيث تلازم الألفاظ تستكن في السجع والإزدواج ،
فإذا كانت الوجازة أصلا في بلاغات اللغات ، فإنها في اللغة العربية أصل وطبع وروح ،
وأول الفروق بين اللغات السامية واللغات الآرية أن الأولي إجمالية والأخري تفصيلية ،،
يظهر ذلك في قولك ( قتل الإنسان ) ،،
فإن الفعل في هذه الجملة ، يدل بصيغته الملحوظة علي المعني والزمن والدعاء والتعجب وحذف الفاعل ،،،،،، وهي معان لايمكن التعبير عنها في لغة أوربية إلا بأربع كلمات أو خمس . آهـ
بل إن التحديدالدقيق المحدد يصل في لغتنا العربية إلي الأوصاف ،،
فالعرب تقول حين تصف انسانا مقطوع الشفة ،،
* إذا كانت العليا ، قيل : أعلم .
* إذا كانت السفلي ، قيل : أفلح .
* إذا كان مشقوقهما ، قيل : أشرم .
* إذا كان مشقوق الأنف ، قيل : أخرم .
* إذا كان مشقوق الأذن ، قيل : أخرب .
* إذا كان مشقوق الجفن ، قيل : أشتر .
ومن مفاخر لغتنا العربية تفردها بإيراد الكني ،، إذ لم تكن الكني لأحد من الأمم إلا للعرب ،،
قال بعضهم :
أكنيه حتي أناديه لأكرمه *** ولاألقبه والسودة اللقب
ومن ميزاتها الإشتقاق ،،
ذلك الذي عرفه الجرجاني رحمه الله تعالي بقوله :
الإشتقاق نزع لفظ من آخر ، بشرط مناسبتهما معني وتركيبا ، ومغايرتهما في الصيغة ،، وهناك الإشتقاق الصغير :وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في الحروف والترتيب ، نحو ضرب من الضرب .
وهناك الإشتقاق الكبير : وهوأن يكون بين اللفظين تناسب في اللفظ والمعني دون ترتيب ، نحو جبذ من الجذب .
وهناك الإشتقاق الأكبر : وهو أن يكون بين اللفظين تناسب في المخرج ، نحو نعق من النهق .
وهناك الإشتقاق الكبار (النحت )،
اقرأ لإبن فارس رحمه الله تعالي في ( فقه اللغة ) ، إذ يقول :
العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة ، وهو جنس من الإختصار ، نحو قولهم :
رجل عبشمي ، منسوب إلي اسمين عبد وشمس .
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله تعالي :
أقول لها ودمع العين جاري *** ألم تحزنك حيعلة المنادي
من قولهم : حي علي كذا .
ومن علوم اللغة العربية
علم العروض
علم العروض أحد علوم العربية الإثني عشر ،،
وهي التي أحصاها الشيخ العطار رحمه الله تعالي بقوله :
نحو وصرف عروض بعده لغة *** ثم اشتقاق قريض الشعر انشاء
كذا المعاني بيان الخط قافية *** تاريخ هذا لعلم العرب احصاء
وقد استنبطه فرد واحد هو الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله تعالي ،
ومن حق هذا الرجل أن نوجزتعريفا له ، قبل أن نكتب عن علم العروض ،،
الخليل بن أحمد الفراهيدي
( 100 هـ ـــ 175 هــ )
أبو عبد الرحمن ، كان من جيل التابعين رضي الله عنهم أجمعين ،
درس اللغة وعلوم القرآن والحديث علي أبي عمرو بن العلاء ( زبان بن عمرو التميمي المازني أحد أصحاب القراءات السبع في القرآن الكريم ) ، ودرس النحو علي عيسي بن عمر الثقفي ، ودرس اللغة علي يونس بن حبيب الضبي .
وصار الخليل إمام البصريين في علم النحو ( وهو احد علوم العربية الإثني عشر ) ،
وهو من رجال الطبقة الثالثة من بين طبقات البصريين السبع .
وصفوه بأنه لم يكن للعرب بعد الصحابة رضوان الله عليهم جميعا أذكي منه ،
وقالوا : هو مفتاح العلوم .
وكان من تلاميذه شيوخ اللغة من بعده منهم :
الأصمعي ( عبد الملك بن قريب الباهلي ) ، والنضر بن شميل ( أبو الحسن بن خرشة التميمي ) ، وأبو عبيدة ( معمر بن المثني التيمي القرشي ) ، وأبو زيد ( سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري ) ، وسيبويه ( عمرو بن عثمان بن قنبر ، الحارثي بالولاء ) ،،
وقد اعتمد سيبويه كثيرا في كتابه المسمي ( كتاب سيبويه ) علي أستاذه الخليل الفراهيدي ، وهو أشهر كتبه ، والذي يعد الأصل في علم النحو ، إذ اعتمد عليه نحاة المدارس جميعا ،
وكانت للخليل بن أحمد معرفة واسعة بالإيقاع والنغم ،،،
ولأنهما متقاربان في المأخذ مع علم العروض ، استطاع أن يضع هذا العلم ،
وقالوا إنه وضعه جملة واحدة ،
وكان هذا الإمام رجلا صالحا ورعا عاقلا وقورا ذكيا ، وكان متقللا من عرض الدنيا ، يقنع منها باليسير ، لايقبل من الأمراء أو الحكام شيئا ،
وقد توفي هذا الإمام الجليل في البصرة ، وبها دفن ، بعد أن خلف تراثا عظيما جليلا لدولة الإسلام والمسلمين ،
فلقد صنف كتاب ( العين ) الذي يعد المعجم العربي الأول، كما صنف كتاب ( الشواهد ) وكتاب ( النقط والشكل ) وهو واضع طريقة الشكل في العربية [ وهي ثماني علامات : الفتحة والضمة والكسرة والسكون والشدة والمدة والصلة والهمزة ) وهي القائمة عند العرب حتي الآن . فأمكن للكاتب أن يجمع بين الكتابة و(الشكل الخليلي الفراهيدي ) فضلا عن الإعجام بمداد واحد ] ،
كما وضع الخليل كتاب ( النغم ) ، وصنف كتابا في العوامل ، وغيرها ،،
وقال عنه الزبيدي رحمه الله تعالي في كتابه ( طبقات النحويين واللغويين ) إنه كان يعلم لغات أخري غير العربية ،،،،
وأخباره رحمه الله تعالي كثيرة ،، وعنه أخذ سيبويه علوم الأدب ،
علم العروض و ميزان الشعر :
الشعر في العربية يتكون من أبيات ،
تخضع هذه الأبيات لقواعد معينة ، تحتم قافية وإيقاعا وانقسام كل بيت إلي شطرين يسمي كل منهما مصراعا . لاتخرج عن عدد من التفعيلات ، وهو المسمي بعلم العروض ( بيت قصيدنا (
فإذا اكتملت الأبيات سبعا عدت قصيدة ، وإلا فلا ،
وقد وضع الخليل الفراهيدي كتابه ( العروض ) ، علي دوائر خمس ، تتجزأ منها الأبحر الخمسة عشر،
وعلم العروض يحدد أنماط ومقاييس الشعر العربي ( وهي في وقتنا الحالي16 نمطا أو مقياسا ) ، ويسمي كل منها بحرا ،،
وكل بحر تصريفاته مأخوذة من الفعل العربي [ فعل ] ، كما هو شأن كل الصيغ النحوية الأخري في لغتنا العربية .
وإذن فعلينا أن نقيس أبيات الشعر علي هذه التصريفات ،
ومنه نعرف من أي البحور هو ؟
علي أن البحور في الشعر العربي تختلف من ناحية السرعة شدة أو قلة ، كما أن هناك من البحور ماهو أكثر انتشارا من غيره ،
البحور والتفعيلات :
1 ـ بحر الطويل : فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن .
2 ـ بحر المديد : فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن .
3 ـ بحر البسيط : مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن .
4 ـ بحر الوافر : مفاعلتن ( ست مرات ) .
5 ـ بحر الكامل : متفاعلن ( ست مرات ) .
6 ـ بحر الهزج : مفاعلين ( ست مرات ) .
7 ـ بحر الرجز : مستفعلن ( ست مرات ) .
8 ـ بحر الرمل : فاعلاتن ( ست مرات ) .
9 ـ بحر السريع : متفعلن مستفعلن مفعولات ( مرتين ) .
10 ـ بحر المنسرح أو المسترسل : مستفعلن مفعولات مستفعلن ( مرتين ) .
11 ـ بحر الخفيف : فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ( مرتين ) .
12 ـ بحر المضارع : مفاعلين فاعلاتن مفاعلين ( مرتين ) .
[ وقد سمي هكذا لتشابه أوزانه مع بحر المنسرح ] .
13 ـ بحر المقتضب : مفعولات مستفعلن مستفعلن ( مرتين ) .
14 ـ بحر المجتث : مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن .
15 ـ بحر المتقارب : فعولن ثمان مرات .
[ سمي هكذا بسبب تقاربه ، واختصار الزواحف التي تكونه ] .
وهناك بحر اسمه ( البحر المتدارك ) : فاعلن ثمان مرات ،،
[ وهذا البحر يلي البحور الأخري ، وسمي هكذا لأنه البحر الأخير في النظام الذي أخذ به العرب ] .
قالوا : وضع الخليل علم العروض جملة واحدة خمسة عشر بحرا ، ثم زاد عليه الأخفش بحرا واحدا .
والله أعلي وأعلم ،،
صلاح جاد سلام