منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: اليوم السابع

  1. #1

    اليوم السابع

    اليوم السابع
    ------------
    فى الخامس من يونيو 1967 استيقظ كل من فى البلدة بنشاط وحماس شديدين , فاستعد { ثائر} للذهاب الى مركز الدفاع الشعبي للتدريب مع زملائه من طلاب المدرسة الثانوية على أعمال المقاومة , أما والده فقد استيقظ مبكرا هو الاخر ليذهب كالمعتاد فى جولته اليومية مع أقرانه لجمع التبرعات من اصحاب الحوانيت والمحلات التجارية , ورفع روح المشاركة الفعالة بين المواطنين والمقاتلين فى تلك البلدة الحدودية بمواجهة الصهاينة المحتلين فلسطين , وكانت شقيقة ثائر لها هى الاخرى مهمة مماثلة فى توعية نساء البلدة بأعمال الدفاع المدني والوقوف بجانب الجندي فى الحرب , وكان زوجها يستعد هو الاخر للمشاركة فى تلك الاعمال ايام الاستعداد للحرب المنتظرة , كل منهما يوصي { سامر } ابنهما التقدم الى الامتحان بقلب قوي وأن لا ينسى الابتعاد عن أي تجمع عسكري فى طريقه حتى ينتهي من الامتحانات , وكان ولدهما سامر قد استيقظ مبكرا ليعد نفسه كالعادة للامتحان اليومي فى الشهادة الاعدادية العامة يراجع ويذاكر دروسه ويحفظ بعض الفقرات الهامة فى قراءته , حتى بلغت الساعة السابعة فحمل كتبه ودفاتره وأقلامه وخرج الى الشارع العام حيث اتجه الى المدرسة , وفى منتصف الطريق التقى بصديقه {هشام}الذي تعود أن يصحبه الى لجنة الامتحانات , ويشاء القدر ان تتوقف ناقلة جنود ضخمة بجوارهما فى ذلك الوقت المبكر ويهبط منها ثلاثة جنود يمسكان بهشام وسامر من ايديهما ليصعدا معهم الى الناقلة , فصرخ سامر واحتج بأنه مشغول بامتحاناته وفعل هشام مثله , ولم يحاول الجند تصديقهما , لولا ان تدخلت فتاتان فى الامر وتوسلتا للجند ان يتركا سامر وهشام لانهما مشغولان بالامتحانات , فنظر الجند الى الجميع نظرة احتقار وقالوا شباب اخر زمن .. جيل ضرره أكثر من نفعه .. كيف بدنا نحرر فلسطين بها الاشكال وحاول سامر ان يحتج فرجته الفتاتان ان يصمت ولا يشغل نفسه بما قاله الجند وسار الاربعة فى الطريق وسامر لا ينفك قائلا : ماذا يعتقد أولئك الجند انهم الوحيدون على هذه الارض فى هذه الايام , كل منا له دوره ويؤديه فى الوقت المناسب والمكان المناسب , وحينما ننتهى من الامتحان سنشارك فى الدفاع المدني وقطعت احدى الفتاتين حديثه المتواصل حول موقف الجند لتسأله عن استعداداته للامتحان , فرد عليها ببساطة واختصار قائلا : الحمد لله كيف استعددتما انتما للامتحان .. فأجابته بحذر وخوف , بينما كانت زميلتها مشغولة مع هشام بحديث اخر .. ومرت دقائق قليلة قبل ان يصل الصبية الاربعة الى لجان الامتحان , واتجه سامر وهشام الى لجنة البنين واتجهت الفتاتان الى لجنة البنات .. ومضت خمسة عشر دقيقة قبل ان يسمح لاحد بالدخول الى لجنة الامتحان , وفى الساعة الثامنة صباحا تم توزيع الاسئلة على الممتحنين .. وبدأ سامر يقرأ الاسئلة تباعا الواحد تلو الاخر .. ومضت نصف ساعة قبل ان يبدأ سامر فى الاجابة , وفى الساعة التاسعة صباحاً سمع الجميع صوت القذائف وهم فى امتحاناتهم , فى بلدة صغيرة مثل تلك البلدة ..فان الاخبار عن كل شىء فيها تنتقل سريعا , واللقاءات تتم بصور عديدة ومختلفة فالمناسبات الاجتماعية والتقاليد لا تزال تحمل الطابع العشائري المتميز بالعاطفة والود المتصف بالكرم والنخوة , وعندما بدأت الحرب , كان الناس يجلسون سويا كل عشر عائلات فى منزل واحد , ليتبادلوا الحديث ويتناقلوا الاراء المختلفة حول القتال الدائر , وكانت الطائرات الاسرائيلية قد ضربت مرفق المياه بالبلدة وانقطعت المياه عن الناس , فأخذ كل يلجأ الى جاره أو قريبه ليسعفه بكوب ماء , وكان التعاون بين الناس فى تلك الاشياء يأخذ شكلاً مثيراً وكريماً .
    لقد كان الطعام يتناقص مع مرور الايام , فكان الجميع يقتسم لقمة العيش المغمسة بالدقة والزعتر او من الكشك وهو طعام من الملح والعجين يتم تنشيفه على الهواء الطلق فى دوائر تشبه اقراص الفلافل ولكن ذات لون ابيض . وفى اليوم الاول من المعركة كان الجميع يشعر بنشوة النصر وقرب يوم التحرير والعودة وكانت الاذاعة تنقل اخبار انتصارات وهميه على الارض والسماء , وفى اليوم الثاني من المعارك , كان احساس ثقيل يضغط على نفوس الناس فأصوات المدافع والقنابل ليست بعيدة , بل أن المعارك تدور بين شوارع البلدة , فماذا حدث بالضبط فى الحرب 000 استفهام فقط .. ؟ فهل هى الهزيمة … ؟ ام هى لعبة الكر والفر الحربي والناس لا تصدق انها الهزيمة .. والكل يحاول التخفيف والتهوين من الامر .. فى اليوم الثالث أصوات المدفعية تبدو قليلة وتزداد طلقات الرشاشات الصغيرة والقنابل .. فهل انسحبت القوات اليهودية بعد ما لاقته من ضربات على ايدى المقاتلين المصريين والفلسطينيين .. ويظهر مقاتل فلسطيني على الطريق ويلتف حوله الشباب والرجال , ويصرخ في وجوههم المقاتل قائلا :لا تتجمعوا حتى لا يراكم احد … سبحان الله ياناس , قالها سامر بينه وبين نفسه , وقد كان واحدا من الواقفين حول المقاتل , وهو يتذكر ان نفس المقاتل هو الذي وبخه مع صديقه هشام قبل ثلاثة ايام لانهما رفضا الذهاب معه لحفر خنادق الجبهة , ونعتهم بجيل مائع , ها هو يطالبهم بالاختباء … ثم يسأل بلهفة اين الطريق الى منطقة السوق , ان زملائي ينتظرونني هناك , فقد تفرقنا متفقين على الالتقاء فى السوق حتى نفكر فى مواجهة اليهود , فقد صادفونا بأعداد كثيرة فإضطررنا للافتراق , فتطوع سامر ان يقوده بنفسه الى طريق يؤمن له الوصول الى السوق دون خطر .. فسار امامه نحو الجدار الخلفي لمنزلهم وارشده ان يقفز الجدار ثم يهبط الى الحديقة الخلفية وبعدها يقفز جدار المنزل التالي وهكذا حتى يجد نفسه فى منطقة السوق مباشرة .. وفى اليوم الرابع من المعركة كانت اصوات الطلقات النارية تقل تدريجيا حتى غروب الشمس , عندما انطلقت فى منتصف الليل بعنف مرة اخرى وهذا يعنى ان هناك مقاومة وان هناك املا فى الا يحتل اليهود البلد , ومر اثنان من الضباط المصريين باللباس المدني يسيران على عجل ويقتربان من بعض الصبية يسألانهم عن مكان يلجآن اليه , ويتقدم سامر منهما ليقودهماداخل منزلهم عند والده , وبعد ان ينالا راحتهما تبدأ الاسئلة من كل اتجاه تنهمر عليهما وهما فى حالة يأس مريعة : احنا كنا فى الدبابة اللى عند مركز البوليس , وقاومنا دبابات اليهود , اول وثاني يوم , ثم اصبنا بقذيفة هاون , فإنفجرت الدبابة واستشهد اثنان من زملائنا .. وسألهما والد سامر , ماذا يعنى كلامكما هذا .. اليهود احتلوا البلد .. خلاص انتهى كل شيء .. فأجاب أحدهم بحذر لا ..لا .. لسه هناك أمل يا حج ان شاء الله تيجي امدادات .. ان شاء الله كل شيء بيترتب , ونعوض الخسارة اللي خسرناها الايام اللى فاتت .. ربنا كبير .. وسألهما احد الجالسين : لماذا لم تذهبا الى قيادة كتيبتكما ؟ فأجابا: احنا وصلنا هنا قبل عشرة ايام مش اكثر من كده وإستلمنا موقعنا فى الكتيبة ولما حاولنا نروح هناك بعد ما الدبابة انضربت , عرفنا أن اليهود احتلوا موقع الكتيبة هناك ونظر جميع الجالسين بحسرة وقالوا : لا حول ولا قوة الا بالله .
    والتفت والد سامر حوله فأزعجه منظر الناس الذين يمللأون المنزل عنده وخاف على الضابط وزميله من أن يتسرب خبر وجودهما فى بيته فصرخ فى وجه الجالسين قائلا : ياللا انصرفوا على برة … هي فرجه هنا وخرج الجميع يتمتمون بكلام غير مفهوم , وجلس والد سامر صامتا لدقائق معدودة ثم قال للضابطين , الان غيروا ملابسكم وبتروحوا تناموا وتستريحوا فوق السطوح , وإذا حسيتم بحركة غريبه بتقفزوا من سطح الى سطح وتبعدوا عن العيون وبعدين بترجعوا حتى نعرف لكم طريقة نهربكم فيها عن البحر .. ولم تمض ساعات قليلة على وجود الضابطين فى مخبئهما فوق السطوح حتى دخل الضابط الفلسطيني الذي يقيم مع اسرته فى الشارع منذ ان وصل من العراق فى كتيبة تابعة لجيش التحرير الفلسطيني ورحب به والد سامر وحياه بألف تحية وسأله عن الاخبار فأجابه الضابط الفلسطينى الشاب : زفت00 وهز والد سامر رأسه بحزن وأسى وسأله وماذا سنفعل الان, وقال الضابط : هناك فى الاحراش بجوار شاطىء البحر تجمع لى ولبعض زملائي سنختبىء فيه وقد أتيت اصطحب معي الضابطين المختبئين عندك الى هناك , وأنا أضع زوجتى وطفلي فى عنقك وحمايتك الى ان استطيع أن أرسل اليهم وأسافر بهم الى القاهرة او عمان اذا ربنا شاء لنا ان نعيش , وفى دقائق قليلة هبط الضابطان فى جنح الظلام مع زميلهما الفلسطينى وخرجا من بيت والد سامر يتسللان من شارع الى آخر حتى وصلوا منطقة الاحراش بجوار شاطىء البحر .
    وكان قد مر على الحرب اربعة ايام بلياليها وفى صبيحة اليوم الخامس والناس تستمع الى الاخبار من الراديو سمع الجميع نبأ وقف اطلاق النار , وقال راديو العدو: لقد تم تعيين حاكم عسكري صهيوني للمناطق المحتلة فى الضفة والقطاع وسيناء وان هذا الحاكم يطالب الجميع بالهدوء والسكينة والا سيضرب كل مخالف بالرصاص فوراً . أنه يطالبهم برفع الرايات البيضاء فوق ابواب المنازل .. الخوف والقلق والحسرة على ما ضاع و الذكريات المريرة لليهود سنة 1956 لا تزال عالقة فى الاذهان .. القتل وسفك الدماء وتدمير المنازل واحراق العمارات لا زال مرتسما فى العقول .. والدة سامر تصرخ فى وجهه مطالبة اياه باحراق كل ما فى مكتبته الصغيرة من صور ودفاتر , حتى لا يهجم اليهود على المنزل فيجدوا تلك الاشياء ويعتدوا عليه بسببها وسامر يجمع الصور ويحاول تخبئتها تحت فراشه , فتراه والدته فتصرخ بصوت عال : احرق كل هذا يا ابن .. فيرد عليها : لا لن احرقها .. لقد تعبت فى تجميعها عامين متتاليين , والان تريدين منى احراقها فى ثانية لا لن احرقها .. فتتوسل اليه والدته , احرقها أحرقها .. سوف يأتى اليهود ويقلبون كل بيوت البلدة , واذا وجدوها لن يرحموك ابدا .. لن يرحمونا , وهنا اهتدى سامر الى فكرة وقال لوالدته:- ما رأيك لو وضعتها فى كيس من النايلون ودفنتها تحت الارض .. انهم لن يحفروا فى الارض , فهزت رأسها وهى تقول بسرعه لندفنها مع بندقية والدك .. أسرع قبل ان يدفن والدك البندقية , وسط الظلام كان شقيقه الاكبر يقوم بدفن البندقية , داخل جدار المنزل الخارجي , وضبطه والده وهو يراقب عملية دفن البندقية فى الجدار فصرخ فيه : انصرف يا 000روح ادخل جوه , وأوعى اشوفك هنا تاني , وهرول سامر الى الداخل كسير القلب ولم يستفق الا فى الصباح ووالدته تهزه برفق لتوقظه من نومه , وهو يفرك عينيه بيديه ويسأل ماذا حدث : كم الساعة .. ؟ انها السادسة صباحا .. لم كل هذه العجلة , نحن فى اجازة بسبب الحرب , هل انتصرنا؟ هل سيعيدون لجنة الامتحانات ؟ لم كل هذه العجلة ؟
    لم يحدث شيء من هذا كله .. كل ما فى الامر ان والدك وقف على عتبة الباب الخارجي فرأى مدرعة لليهود على باب الشارع من الشرق فعاد مسرعا وهو يرى مدرعة اخرى على رأس الشارع من الغرب ..
    هذا هو صباح اليوم السادس فى الحرب : اليهود بمدرعاتهم على كل ناصية وفى كل بيت وداخل كل شارع انهم يطالبون بالتسليم والاستسلام , انهم يدخلون الشارع من طرفيه ويستندون على الجوانب عشرة من الغرب وعشرة من الشرق ويتوزعون على مداخل الشارع كله , بين كل جندي وآخر مسافة عشرة امتار , عيون الاهالي من وراء النوافذ تراقب مشيتهم تراقب تحركهم وفجأه تسمع طلقات نارية سريعة لم تمر دقيقة على الطلقات حتى ارتفع صوت ام ثائر جدته ؟ ماذا حدث ..؟ صرخت ام سامر ياخراب ديارنا .. امى بتصرخ .. وصرخت , أبويا .. أخويا .. وتبع الصرخة صوت قنبلة ثم صوت طلقات نارية لم تنقطع والكل يسأل ماذا حدث .. حتى زادت حدة الاشتباكات .
    واستشهد سبعة عشر شخصا ما بين شاب وطفل وامرأة كان بينهم { ثائر} خال " سامر" الذي قرر المقاومة منذ اليوم السابع لحرب يونيو 1967 .


    ــــــــــــــــــــــــــــ
    * نشرت فى صحافة الامارات عام 1982
    * حرب يونيه 1967 في غزة

  2. #2
    لون المقاومة وحب الارض لون عزيز نفخر بيه انه لون مميز في قصك استاذنا
    لك كل التقدير وحسن الدعاء
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    شكرا لما ابدع قلمك

    دمت بود

  4. #4
    الاديبه الكبيره
    الانسانه الراقيه
    الاستاذه ام فراس الفاضله
    احترامي
    وكل التقدير لمرورك الانيق
    واليوم السابع هو اليوم التالي لنهاية حرب يونيه1967
    وبداية المقاومه المسلحه للاحتلال في غزه
    دمت اصيلة نبيله
    دمت سالمه منعمه وغانمه مكرمه

  5. #5
    الكاتبه العزيزه
    هبة الله محمد
    تحياتي
    وكل التقدير
    ودمت مضيئة في كل الصفحات
    واليوم السابع هو الشراره التي بدات فيها مقاومة الفلسطيني الغزي للاحتلال
    ولازال شعاع هذا اليوم باق بنيرانه ولهيبه في غزة المحاصره منذ يونيه 1967م
    دمت متالقه
    دمت سالمه منعمه وغانمه مكرمه

المواضيع المتشابهه

  1. انواع و اسباب الحول و علاج الحول و الحول الكاذب
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-23-2016, 09:27 AM
  2. العراق يحكم اليوم بالنار والقتل والحديد من بعد ذي قار اليوم البصره والعماره
    بواسطة الحمداني في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-20-2015, 08:58 AM
  3. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 12-13-2012, 01:13 AM
  4. احياء ذكرى غسان كنفاني في ندوة اليوم السابع
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-31-2010, 09:24 AM
  5. الدرس السابع(7)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-13-2007, 04:23 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •