بسم الله الرحمن الرحيم
عرف الامام الجنيد التصوف : فقال رحمه الله:
التصوف استعمال كل خلق سَني وترك كل خلق دني
وقال بعضهم:
التصوف كله اخلاقا , فمن زاد عليك بالاخلاق زاد عليك بالتصوف
التصوف: ذوق ولايعرفه الا اهل الذوق الرفيع.
علم التصوف علم ليس يعرفه = الا اخو فطنة بالحق معروف
وليس يعرفه من ليس يشهده=وكيف سيشهد ضوء الشمس مكفوف
ومنهم من قال ان التصوف نسبة الى الصوف الخشن لان الصوفية كانوا يؤثرون لبسه للتقشف.
التصوف:في كتاب المعجم المدرسي
التصوف طريقة سلوكية قوامها التقشف ( لبس الصوف)
والتحلي بالفضائل لتزكو النفس وتسمو الروح.
ياخادم الجسم كم تسعى لخدمته =وتطلب الربح مما فيه خسران
عليك بالنفس فاستكمل سعادتها =فانت بالنفس لا بالجسم انسان
وقال احدهم:
من ذاق طعم شراب القوم يدريه=ومن داره غدا بالروح يشريه
كان التصوف في البداية تذوقا , وحبا وتشوقا ومع الزمن غدا علما الف الناس فيه الكثير من الكتب
وكتبوا عن احوال الزهد ومحاسبة النفس والاقتداء باهل الطريقة وبنوا آداب القوم وسننهم.
وشرحوا اصطلاحهم في عبارات فقالوا : التصوف مجاهدة للنفس يتبعها خلوة وذكر يتبعه غالبا كشف والاطلاع على عوالم لم
يكن يدركها غيرهم وهذه العوالم اظهرها البعض واخفاها البعض الاخر من احب الله واخلص في محبته فمن احب الظهور فهو عبد الظهور
ومن احب الخفاء فهو عبد الخفاء.
ومن اخلص لله اربعين صباحا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه
الحب لله بدون شروط ولاطلبات وهاهي رابعة تخاطب الله وتقول:
الهي ان كنت اعبدك رهبة من النار فاحرقني بها.
وان كنت اعبدك رغبة في الجنة فاحرمنيها
وان كنت اعبدك من اجل محبتك فلاتحرمني من جمالك الازلي
فهي تحب الله لانه يستحق ذلك.
احبك حبين حب الهوى =وحبا لانك اهل لذاكا
فاما الذي هو حب الهوى=فشغلي بذكرك عمن سواكا
واما الذي انت اهل له=فكشفك لي الحجب حتى اراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي=ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
الصوفي يفهم الدين على انه تنظيم لاوامر والشفقة على مخلوقات الله فالخلق كلهم عيال الله
واحب الخلق الى الله انفعهم لعياله.
والايمان بضع وسبعون شعبة واعلاها لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق. والحياء شعبة من شعب الايمان.
ومن ادب المتصوف انه يحبب الخلق بالله ولايتهم الا نفسه ولا يحاسب احدا فالمحاسب هو الله وينظر الى العاصي نظرة الى المريض لا نظرة القاضي الى المجرم المذنب.
وهدف المتصوف ان يصلح نفسه اولا باصلاح قلبه وتزكيته بالتوبة والمحاسبة والخوف والرجاء والمراقبة والصفات الخلقية كالصدق والاخلاص والصبر.
وللمتصوف نظرة جمال للكون فها هو الحسين بن الحلاج لايخاف الموت ولاينتازلون عن فكرة دافع عنها طيلة حياته فهو يرى الحياة في الموت والموت في الحياة.
ويتلذذ في العذاب لانه يقربه من محبوبه.
وعندما صلبه اعداؤه جمعوا اصدقاءه واحبائه وطلبوا منهم ان يعلنوا الولاء للوالي بضرب الحلاج .
ولما كان المتصوف يحب الناس احبابه واشجعهم على ذلك كي يضمن سلامتهم فقال لهم وهو على آلة الصلب :
اقتلوني يا ثقاتي اقتلوني =ان في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي=ومماتي في حياتي
وهاهي السيدة زينب بنت رسول الله اخت سيدنا الحسين رضي الله عنه جميعا عندما رأت اهلها قد ايتشهدوا وراح الناس يقولون ماتوا فقالت :
هم يقولون تمون وانا اقول نموت
واي مرتبة اعلى من ان يدافع الانسان عن مبادئه السامية العالية التي ينمو بها ويكبر.
هنا يصغر ويتضاءل ويحتقر الجلاء الضارب.
ويكبر ويعلوا ويحترم المجلود المضروب.
وكان الله يريدنا ان نلمس قاع الهاوية حتى يمد يد العناية الالهية.
فينشلنا من قاع تلك الهاوية وليختبر الله الصادق من الكاذب في محبته له.
السيد المسيح يرى انسانا قد ابتلاه الله بمرض خطير فدعا الله لهذا الرجل فشفاه الله وعندها :
نظر الرجل إلى المسيح وقال من الذي طلب منك ان تدعو لي ومن الذي سلطك علي؟
انا كنت في سعادة ولم اطلب من احد ان يغير حالي.
هذه الحلة حالة خاصة لانطالب الناس ان يقلدوا هذا الرجل ولكن ندعو الناس ان لايعترضوا على احد يخالف رايهم.
فهذه القصة قد يكون بطلها انت لاسمح الله وعلى الاقل تعطيك همة ورجاء وان تعيش كل لحظة بسعادة وسرور مهما تعرضت لحوادث لاعلاقة لك بحدوثها.
المتصوف ينظر نظرة الجمال لكل شيئ في هذه الحياة.
وتراه مستسلما لله تعالى ولانرى ادل على ذلك من المتصوف الغارق في المحبة الالهية عمر اين الفارض:
ته دلالا فانت اهلا لذاكا=وتحكم فالحسن قد اعطاكا
ولك الامر فاقض ماانت قاض=فعلى الجمال قد ولاكا
وبما شئت في هواك الختبرني=فاختيارس ماكان فيه رضاكا
والمتصوف يقرا مابيت السطور ويفهم اشارات الطيور ومن روائع ماقرات:
كتاب يتلكم عن اسرار الاشارات عن حكم الطيور والازهار.وهذا هو الهدهد:
اما تنظر للهدهد [ حين حسنت سيرته وضفت سريرته كيف نفذا بصيرته ]
فتراه يشاهد بالبصر ماتحجبه الارض عن سائر البشر فيرى في بطنها الماء الثجاج كما تراه انت في الزجاج.
فيقول انا الذي اعطيت مع صغر الجثمان مالم يؤته سليمان هو اعطى ملكا لاينبغي لاحد من بعده .
وانا اديت علما لايعلمه هو ولااحد من بعده.
كنت معه حيث سوى وجد به السرى ( السير ليلا) ادله على الماء من تحت الثرى.
فغبت عنه ساعة فعجز عن الاستطاعة وقال:
مالي لاارى الهدهد ام كان من الغاءبين
لاعذبنه عذابا شديدا اولأذبحنه او لياتيني بسلطان مبين
العجيب انه تفقدني في وقت اضطراره الى وهو يهددني بسطوة اقتداره علي فقال لاعذبنه اولاذبحنه.
والقدر يقول لاقربنه او لاهدينه.
قال لي سليمان:
يا صغير الجرم ويا كبير الجرم ماكفاك مع صغر الجثمان ان تدعي مالايدعينه سليمان ماكفاك غيبتك عني حين تدعي انك اعلم مني فقلت الامان يا سليمان انت بني كريم
على الله وقد سالته ملكا لاينبغي لاحد بعدك وماسالته علما لايعلمه احد من بعدكز
والله تعالى يقول وفوق كل ذي علم عليم.
وقد اتيك من سبا بالنبا العظيم فقال له سليمان ايها الهدهد من صح له السلوك انتمي اسرار الملوك.
اذهب بكتابي وعجل بجوابي فقربي من جنابه وجلعني من احبابه وكتبي من حجابه بعد ان كنت من رواء حجابه ثم نسخت احكام ذبحي وتليت ايات مدحي.
فان كنت ممكن يقبل نصحي فحسن سيرتك وصف سريرتك وان لم ياخذ اشارته من صرير الباب وطنين الذباب فليس من ذوي الالباب.
ثم قال:
أدب الناس كلمم دوم =ماحواه جسد الا انصلح
انما الادب في صدر الفتى =كزناد اينما حل قدح
ولو وزنوا رجلا ذا ادب =بالعرف من ذوي الجهل رجح
وهاهو المتصوف بعد ماسمع كلام الهدهد يسمع صوت النسيم فاول ماسمعت سمعت همهمة النسيم فترنم بصوته الرخيم يقول بلسان حاله ( مفصحا عن سقمه وانتحاله) انا رسول كل محب الى حبيبه
وحامل شكوى كل عليل الى طبيبه.
ان استودعت سرا اديته كما استودعته وان حملت نثرا رويته كما سمعته وان استصحبت مصحوبا اتحدت به بلطافة ايناس ومازحته صفاء انفاسي .
فان طاب طبت , وان خبث خبث.
ثم اني ان اعتللت صح بي العليل , وحيثما حللت طاب بي المقيل ان تنفست تنفس المشتاق وان ترنمت توسوس العشاق فانا لين الاعطاف هين الانعطاف سريع الائتلاق يعرف لطفي ذوو الالطاف
تتعلم من النسيم فقه الاختلاف .
لاتظن ان اختلاف هوائي بسبب اغوائي ( واخطائي)
وتنزاع اهوائي بل اختلف في الفصول الاربع لما هو اصلح لك وانفع
فاهب في البريع شمالا= فالقح الاشجارواهب في الصيف صبا=فانمي الاثمار
واهب في الخريف جنوبا =فياخذ كل ثمرة طيبها
واهب في الشتاء دبورا =وبردا يخفف عن كل شجرة حملها
وانا الذي تنمو بي الاثمار= وتسمو بي الازهار وتسلسل الانهار
وتلقح بي الاشجار واخيرا في الاسحار يغرب المزار
ان كانت العشاق من اشواقهم جعلوا النسيم الى الحبيب رسولا فانا الذي
وانا الذي اتلوهم بالبنين =كنت اغذت مع الرسول سبيلا
اما الورود رايت الورد بخير عن طيب وروده ويقول:
انا المعروف بالضيف والوارد بين الشتا والصيف ازور لما يزور الضيف فاغتنموا وقتي فان الوقت كالسيف واختم بالهزار القائل:
العاشق الولهان اذا رايت فصل الربيع قد حان ومنظره البديع قد آن تجدني في الياض فرحات وانا فرحات وفي البساتين اكرر الاحلان ارقص على العيدين كان
الزهر والنهر لي عيدين
فاذا اردت ايها الانسان ان تنتقل في راض الله الواسعة فكن لهذا العاشق الولهان .
انت تحسبني في ذلك التنقل عابثا لا والله ولست في يميني خائفا انا انوح حزنا لافرحا
لانني لااجد روضة وبستانا في بلدي عشقي دمشق يا اصدقاء مدينة دمشق.
الا بكيت على جمالها وخضرة الا نحت على زوالها لاني مارايت صفوة الا تكدرت ولاعيشة حلوة الا تمرمرت بفصول فكيف لاانوح على حال يحول فكيف لاانوح على حال يحول وعيش يزول ووصل عن قريب .
************
لقد نهض التصوف برسالته في التزكية والاحسان وبناء المؤمن الحق وكان رجال التصوف يطوفون العالم الاسلامي فيملؤونها بقوافل الدعاة العاملين ويمكن قراءة نشاط رجال التصوف في مجال التربية والجهاد والدعوة
الى الله لكن من ناحية اخرى فقد اختلط بصفاء التصوف بعض الاخطاء كما وجدت في كتاب /علم اليقين في اداب المتصوفين
1- من علامة المريد الصادق انه لو قال له شيخه ادخل التنور دخل!!ثم ان احترق فهو كاذب..
2- ان لايزور احدا من المشايخ حيا او ميتا الا باذنه ولو كان صديقا لشيخه كي لا يميل قلبه الى الغير فيحرم الفيض من شيخه
3- ان اعترض على شيخه بقلبه فقد نقض العهد ووجبت عليه التوبه ( استغفر الله)
4-ان يكون مع شيخه كالطفل مع امه كلما طردته عاد اليها ولايسكن الى سواها
5- ان لايعتقد ان خطا الشيخ اقوى من صواب المريد ومهما عمل المريد من حسنات فهي لاشيئ امام حسنات الابرار وسيئات المقربين
6-ان يكون متلقي ولاراي له
***
المتصوف الانساني هو الذي يحاول الوصول الى المطلق هو مصلح مختار مبدع وميزاته تتفرع من تلك الثلاثة.
قصة:
في احدى بلدان الغرب طلب مسؤول السجن من احد كبار الفنانين المبدعين في تصميم نقوش السجاد ان يعلم المساجين هذه الصنعة الرائعة واشترط ان اتقن احدهم وصار مبدعا ان يعفوا عنه فقبل هنا مهمة ليست سهلة ابدا تشسترك
فيها الحواس والفكر ووهنا انتقل من قاتل لمبدع رقيق...كان لسان حاله يقول كنت أسقة واغنى فصرت اسقي واغني لن نسعد الا عندما نفهم تماما هذا الموقف.
العامل الخارجي /البيءة هي التي فرضت العنف الترقي يمو وهو التخلص من السجون الاربعه: الطبيعة -المذهب التاريخي-النظام الاجتماعي والسجن النفسي والانفس الامارة بالسوء.
رحم الله المسيح حين اختصر هذا الموضوع عندما خاطبك ايها الانسان
ماذا تستفيد اذا كسبت العالم وخسرت نفسك؟
ورحم الله اخاه الانسان عطا الله السكندري حين قال الهي ماوجد من فقدك ومافقد من وجدك
ان محبتك لاخيك الانسان توصلك لمحبة الله تعالى يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم.
هؤلاء خلق الله الذين تخلثوا من سجن انفسهم سعدوا واسعدوا فاذا اردنا ان نتخلص من الفساد الذي ظهر في البر والبحر علينا ان نبني الانسان ونحنرمه كمن يحمل قنديلا ويبحث عنه
ولو اني حبيت الخلد فردا=لما احببت في الخلد انفرادا
فلاهطلت علي ولا بارضي =سحائب ليس تنتظم البلادا
الاستاذ فرحات الكسم( اتمنى ان اكون قد نقلت من اوراقه باتقان كما طلب)