أجلس على ضفة النهر, أتأمله طويلا ثم أغفو.. افتح عيني لأرى أمامي فتاة فائقة الجمال تخرج من النهر, تبتسم لي وتمسك بيدي, حالة من الذهول تتملكني وتسيطر علي, كنت منقادا تماما لا أملك من أمري شيئا, قادتني إلى عمق النهر وقالت لي لا تخف ما دمت معي, بدأ الماء يغمرني , شاهدت عمق النهر وكنت أتنفس بسهولة, سيطر علي شعور جميل, قادتني إلى قصر في قعر النهر, وكان المنظر ساحرا.. جلسنا على أريكة مزركشة , ومائدة عامرة من كل صنف, أكلنا وشربنا.. رقصنا وغنينا.. وكانت ليلة ولا كل تلك الليالي.
في الصباح استأذنتها العودة, فلا بد أن زوجتي وأطفالي قلقون علي, فقالت: صدقني ستعود ثانية.. غادرت النهر متوجها صوب المدينة.
سيارات الأجرة تعبر مسرعة وكأن السائقين يتعمدون تجاهلي.. كانوا يتهافتون لأول إشارة مني حتى لو كانت عن غير قصد, القي التحية في الطريق من غير جواب.. ماذا جرى لهم؟! ومتى تغيرت مدينتنا هكذا.. أهرول باتجاه منزلي, معالم المدينة تغيرت قليلا.. افتح باب المنزل, أسرع إلى الداخل لأجد صورة لي معلقة على الجدار ربط على زاويتها شريط أسود.
أخرج مسرعا, أهرول مبتعدا عن المدينة والدموع تنهمر على خدي, لا أدري بأي اتجاه أذهب.. الصورة أصبحت واضحة تماما , والأشياء تبدو باهتة.. أصل إلى الجسر القديم , ومن فوق الجسر أتأمل المدينة البعيدة بأبنيتها وأشجارها, هذا برج الهاتف , وتلك مئذنة المقام, أطفال يسبحون على ضفة النهر , ونساء يغسلن الصوف, رجل يغسل سيارته هناك, والصيادون يصطادون على ضفة النهر, وأنا معلق على حافة الجسر, تذكرت الفتاة الجميلة على ضفة النهر, ثم تأملت النهر للمرة الأخيرة, أسلمت للريح جسدي.. لأعانق صفحة الماء كي أغوص في قاع النهر في رحلتي الأزلية.
حسن الرفيع
الرقة 25/7/2009