أعطني بقشيشاً أبتسم لك.. هذا هو المعنى الذي يحكيه العامل بعيونه، عندما يرمق الزبون بنظرته الأولى، فبلا "بقشيش" لا معاملة جيدة!.
¶ 50 ليرة لكلّ أنواع الخدمة
ينطلق إبراهيم بعد عمله موظفاً إلى أحد مطاعم باب توما ليعمل "نادلاً"، يقدّم الطعام والشراب إلى الزبائن، لتبدأ قصة العبارات الرنانة: "أهلين بالمعلم"، "شرفت يابيك"، ..
"نوّر المطعم يامدام"، "اطلب واتمنى".. كلُّ ذلك لإرضاء الزبون، وجعله سعيداً، بحيث لايستطيع أن يمتلك نفسه من كثرة الفرح، لاسيما إذا كان أمام حبيبته أو صديقته. ونتيجة لما يسمع، يظهر فجأة كرمه، و50 ل.س "بقشيش" كفيلة بتقديم كلّ أنواع الخدمة.
¶حافز..
مايا (24عاماً) ترفضُ أن تسمي دفعها مبلغاً من المال إلى أحد عمال المطاعم بـ"البقشيش"، وتفضل تسميته بـ"الإكرامية"، لقاء مايقدّمه عامل المطعم من خدمات لها.. فالإكرامية -حسب رأيها- من حقه الطبيعي؛ ففي أحيان كثيرة يتحمل هذا العامل مزاجية الزبائن، مضيفة: إذا لم أعطه أيَّ زيادة لن يستطيع مواجهة غلاء الحياة، فهذا العامل راتبه من المطعم لايكفي. وفي الأساس لن يؤثر عليّ دفع 100 ل.س مثلا لهذا العامل، لاسيما أنَّ هذا يشكل حافزاً ودافعاً له للقيام بعمله بأفضل صورة. ومن المؤكد أنني عندما أفكر بالذهاب إلى أيّ مطعم سأضع في حساباتي أنَّ هناك إكراميات سأدفعها للنادل وصبي النرجيلة، إضافة إلى الشخص الذي سيتولى صفّ سيارتي. وتشير مايا إلى أنها إذا لم تدفع إكرامية للعامل، فإنه لن يهتم بطاولتها، ولن يقدّم لها الخدمات المميزة.
¶ أمرٌ غير منطقي
"من أين أتوا بهذه الموضة؟ ولماذا أدفع "بقشيش" ولاسيما أنني أدفع في المطعم فاتورتي يضاف إليها ضريبة؟!.. هذا ما أشارت إليه نهى (30عاماً)، معتبرة أنَّ "البقشيش أو البقشيش" أمرٌ غير منطقي، والخدمة المقدمة لها هي أصلا من حقها، ولايعقل أن يتحوَّل موضوع "البقشيش" إلى فرض، لاسيما أنَّ الكرسون عمله الأساسي في المطعم هو خدمة زبائن هذا المطعم، ويتقاضى راتباً لقاء خدماته، متسائلة: لماذا إذاً أدفع له زيادة؟! ومن غير المعقول أن تكون تكلفة الذهاب إلى أيّ مطعم تتجاوز 1000 ل.س، وإذا كنت سأدفع إكراميات سيتجاوز المبلغ 1300ل.س.
¶ وداع ناشف..
أما فداء(27 عاماً) فترى أنَّ دفع "البقشيش" أمرٌ اختياريّ، للزبون الحق في أن يدفعه أو لا. وفي أحيان كثيرة، أدفع حسب مزاجي وحسب العامل إذا كان يستحقّ أو لا. والغريب أن نجد مثلا "كرسوناً" يتذمَّر ويتأفف إذا دفعت له مبلغاً قد لايرضيه، وتخرج من المطعم بوداع ناشف وبارد من قبله.
فرضَ "البقشيش" ثقافة التباهي، وتحوَّل إلى انطباع "مظهري" بأنَّ من يدفع "البقشيش" هو إنسان أكابر، وجيبته مليانة. هذا ما يراه الكثيرون؛ فعندما يدفع الزبون بقشيشاً للكرسون، يشعر بالاحترام، ويُنظر إليه نظرة ملؤها التقدير، وتتحوَّل الكلمات الموجهة إليه: "أمرك أستاذ"، و"تكرم"، و"من عيوني".. ومن جهة أخرى، يرى البعض أنَّ معظم الشباب لاتروق لهم فكرة "البقشيش" إلا من باب التباهي، في حين إنَّ معظم النساء يدفعن ذلك من باب التعاطف مع هذا العامل.
¶ طيب خاطر أم استغلال
آخرون يخالفون ذلك، على اعتبار أنَّ "البقشيش" يدفع عن طيب خاطر و"براحة الزبون". لكنَّ البعض في المطاعم عند دفع الفاتورة يخصمون إكراميتهم لوحدهم، ودون إذن مسبق مني. وهذا إكراهٌ، وتتحوَّل الفكرة إلى ابتزاز واستغلال. وهذا مرفوض بشكل عام.
على الرغم من ذلك، يبقى الاختلافُ في وجهات النظر بين الزبائن والنادل سيّد الموقف، حيث يرجع مؤيد (نادل في مطعم) سبب تقاضيه البقشيش إلى أنَّ صاحب المطعم الذي يعمل فيه يضع في حسابه عند تحديد أجره أنه من خلال العمل في المطعم سيحصل على إكراميات قد تفوق راتبه بأضعاف.. لهذا من حقي الطبيعي أن آخذ مبلغاً خاصاً لي، وإذا اعتمدت فقط على الراتب الذي لايتجاوز تسعة آلاف، لن أستطيع العيش ومواجهة غلاء الأسعار، ولن أستطيع تحمل مصاريف أسرتي المؤلفة من 6 أشخاص.
ليس إكراهاً..
جميل (صاحب مطعم) قال: "البقشيش ليس إلزامياً والفاتورة تتضمَّن الخدمة. ولكن لا يمكن منع الزبائن من إعطاء إكرامية للعامل عندما تكون خدمته مميزة. وبرأيي، هذا تشجيع له على حسن خدمته، وهو ليس أجره الأساسي، لأنه بشكل تلقائي يحصل على أجره براتب شهري من المطعم. وهذا الراتب مقبول .
"البقشيش" أنواع
يقومُ بعض الزبائن، نسبة لسرورهم من الخدمة، بتقديم مبلغ من المال إلى "الكوميك"- الشخص الذي يعمل بخدمة الزبائن والذي أسهم بجهده وتعبه في إسعاد الزبون. وهنا المبلغ يسمى "الترون"، ويختلف باختلاف الزبون. وللترون نوعان، وهو يختلف بين مطعم وآخر:
¶ ترون جينرال
النوع الأول (ترون جينرال): وهو عبارة عن جميع المبالغ المالية الواصلة إلى يد الكوميك والكابتن والاستقبال ومشرف الصالة ومدير الصالة، بالإضافة إلى المبالغ الزائدة على الفاتورة.. جميعها توضع في صندوق مخصص للترون جنرال. وهذا الصندوق يفرغ يومياً من قبل مدير الإنتاج، ويقوم بجمعه وتقسيمه بنسب معينة على كل العاملين في المطعم، من مديرين ومشرفين وعمال مطبخ، وتخصّص نسب أيضاً للأدوات المحطمة المستخدمة في المطعم.
وفي الكثير من المطاعم، يحاسب كلُّ شخص يأخد الترون ولا يضعه في الصندوق، وكأنه قد سرق فاتورة كاملة، ولو كان المبلغ 50 ليرة سورية.
هذا هو معنى "الترون"، والمظلوم الوحيد بالنسبة لهذا النوع من "الترون" هو الكوميك، لأنه لا يأخذ نتيجة أتعابه الإضافية التي يقدّمها للزبون، أي مكافأة أو مقابلا مالياً.
¶ ترون النسبة
النوع الثاني من "الترونات"، والمستخدم في مطاعم أخرى، اسمه "ترون النسبة": وهو عبارة عن نسبة معينة يتمّ الاتفاق عليها بين الإدارة والكابتن، وتكون -على سبيل المثال- بنسبة 3 % من المبلغ الزائد على الفاتورة، والمبلغ المتبقي يأخده الكابتن لجيبه الخاص، وإذا رغب ممكن أن يعطي الكوميك من الزيادة.
يفرحُ الكوميك كثيراً في حال كان الترون نسبة، أي أنَّ كلّ المبلغ المقدم من الزبون -وبالاتفاق مع الجميع- إلى جيب الكوميك الخاص، ولا أحد له علاقة به. أما إذا كان "جنرال" فيختلف الأمر تماماً.
تخاطر ..
الدكتورة باسمة عرابي (علم اجتماع)، قالت لـ"بلدنا": "يختلف البقشيش بين شخص وآخر حسب تربيته وطبيعته، فأحياناً يشعر الشخص، وبشيء من التخاطر مع العامل، بأنه بحاجة، فيقدّم له البقشيش، وأحياناً يعطي البقشيش رغبة في أن تكون الخدمة أفضل وأسرع في المرة القادمة. وهو شيء مقبول نوعاً ما".
وأضافت عرابي: "بعض الأشخاص يكون تقديمهم للبقشيش يعبّر عن عقدة ومرض نفسي موجود عندهم، لأنَّ البقشيش في هذه الحالة يعطيه قيمة استعلائية وقيمة تكبر. وهذا منتشر أيضاً في مجتمعنا. و قلة من الأشخاص، يقدمون البقشيش على أنه عمل خير، ومحاولة لمساعدة هذا العامل الذي من المفترض ألا تكون أحواله المادية جيدة.
وجهة نظر
البقشيش اليوم أصبحَ جزءاً من المعاملات اليومية، إذ يندر أن يُقدم لك ميزة إضافية، لأنه انتقل من كونه وسيلة الميسور إلى كونه حقاً اجتماعياً للعامل، ولزاماً على المواطن؛ ففاتورة المطاعم أعلى من الحد المقبول والرقابة عليها قليلة. وأجرة التكسي لها الحال نفسه، والمواد الغذائية كذلك.. وفوق هذا، على المواطن المسكين أن يدفع بقشيشاً، ليبحث تلقائياً عمن يدفع له هو بقشيشاً!.
البقشيش أياً كان مصدره أو أصله اللغوي، فهو يعني المال مقابل السرعة أو المال مقابل ميزة معينة، والبقشيش بدأ عند الأمريكيين بكلمة " Tips "وكان معناها أن تدفع زيادة مقابل أن تأخذ خدمة أسرع أما كلمة بقشيش العربية، فجاءت من الكلمة التركية بخشيش بمعنى هبة أو منحة (نوع من المساعدة أو الإعانه) .
في مجتمعنا يعتبر البقشيش اختيارياً وهو منتشر في كثير من المجتمعات الأخرى خاصة المجتمعات الأوروبية، بينما هناك مجتمعات أخرى ترفض البقشيش ولا تسمح بالتعامل به كالصين واليابان فهم يعتبرونه إهانة وشتيمة