جذور الإرهاب الصهيوني
د.غازي حسين
الإرهاب هو استخدام العنف بهدف التخويف وإملاء الشروط وكسر الإرادات وهو شكل من أشكال العنف وليس كل عنف إرهاباً ولكن كل أشكال الإرهاب عنف. وهذا مهم للتفريق بين المقاومة والإرهاب لإدانة الإرهاب ودعم المقاومة والاعتراف بشرعيتها، باعتبارها الخيار الاستراتيجي لقلع الاحتلال البغيض.
ينشأ الإرهاب من طبيعة النظم والحركات الاستعمارية والعنصرية والفاشية والدكتاتورية ومن النزعات التكفيرية والتطرف، وهو أخطر الظواهر التي مارستها وتمارسها مثل هذه النظم منتهكة بذلك القانون الدولي والقانون الإنساني وأهم العهود والمواثيق الدولية.
ويعتبر الإرهاب الصهيوني من أهم المرتكزات لتحقيق المشروع الصهيوني في الوطن العربي وللهيمنة على العالم.
ينطلق إرهاب وعنصرية الصهيونية والكيان الصهيوني من التعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة. ويعتبر سفر يشوع مصدر الإرهاب اليهودي والإرهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني. وبالتالي تعود جذور الإرهاب الإسرائيلي إلى التوراة والتلمود والصهيونية، وهي المنبع للإرهاب وللإبادة الجماعية والعنصرية والاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي والحروب العدوانية الذي تطبقها «إسرائيل» منذ تأسيسها وحتى اليوم في فلسطين وسورية ولبنان وبقية البلدان العربية.
تعود ينابيع الإرهاب الإسرائيلي إلى مرجعية دينية وإيديولوجية صهيونية مغرقة في القدم وإلى السجل الإرهابي الطويل الذي خلّفتّه العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة والكيان الصهيوني على امتداد قرن من الزمان في الشرق الأوسط.
لم يأت الإرهاب الصهيوني كردة فعل أو مجرد صدفة أو حالة مؤقتة، وإنما تعود جذوره إلى أصول دينية وإيديولوجية ورفعه الحاخامات إلى مستوى القداسة الدينية ويمارسه قادة الكيان الصهيوني كسياسة رسمية سرية وعلنية ومستمرة ودائمة ما دامت «إسرائيل» قائمة وموجودة مدعومة من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
تبلور الإرهاب الصهيوني في المقررات والمخططات التي اتخذتها المؤتمرات الصهيونية وفي مقدمتها القرارات السرية التي اتخذها المؤتمر الصهيوني الأول والمعروفة ببروتوكولات حكماء صهيوني وفي المخططات والممارسات القوانين الإسرائيلية.
تحرٍّص التوراة والتلمود على الإرهاب والقتل والإبادة الجماعية لغير اليهود لإلقاء الخوف والرعب في نفوس الكنعانيين أي العرب كي يتركوا أرضهم وممتلكاتهم تحت وطأة الإرهاب وسفك الدماء ويرحلوا ليحل اليهود محلهم.
وتعج التوراة والتلمود بالتحريض على الحروب وسفك الدماء وعلى السلب والنهب والتدمير وسياسة الأرض المحروقة، وبث الكراهية والبغضاء وإثارة الفتن بين الشعوب والأمم غير اليهودية كما تفعل «إسرائيل» ويفعل الجيش الإسرائيلي وقطعان المستعمرين اليهود في فلسطين والجولان وجنوب لبنان.
وتتفاخر التوراة باحتلال يشوع لمدينة أريحا وذبح كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف وحرق المدينة بالنار مع كل ما فيها بعد أن قاموا بسلب الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد.
وتتباهى التوراة بما حدث لأهل مدين على أيدي اليهود وتقول: «وقتلوا كل ذكر وملوك مدين قتلوهم فوق قتلاهم. وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وكل أملاكهم وأحرقوا جميع مدنهم ومساكنهم وجميع حصونهم بالنار». وتتحدث التوراة عن إبادة مدينة عي الفلسطينية عن بكرة أبيها تماماً كما فعلت عصابة الأرغون الإرهابية بقرية دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948.
وتربي التوراة والتلمود أتباعهما على أنه لا خلاص لليهود إلاّ بإبادة جميع الشعوب والأمم غير اليهودية التي تزاحمهم على مصادر العيش والماء والكلأ والنفوذ السياسي والعسكري وبفرض إرادة اليهود عليهم باستخدام القوة ضد الشعوب الأخرى. وتغذي التعاليم التي رسخها كتبة التوراة والتلمود الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية والسلب والنهب في عقول الحاخامات والمفكرين والسياسيين اليهود من أمثال هرتسل وجابوتنسكي وبن غوريون وبيغن وشارون وبيرس ونتنياهو.
ينطلق الإرهاب الصهيوني بالدرجة الأولى من التعاليم الدينية وبالدرجة الثانية من الحركات العنصرية، والاستعمارية التي ظهرت في القرن التاسع عشر في أوروبا وتأثر بها المؤسسون الصهاينة، وبالتالي يستند الإرهاب الصهيوني وعنصرية الصهيونية إلى مصدرين أساسيين:
الأول: الأوامر والنواهي والأحكام والتقنيات والقصص الواردة في التوراة والتلمود.
والثاني: التراث العنصري والاستعماري الذي تأثر به المؤسسون الصهاينة في أوروبا وبشكل خاص نظرية فريدريش نيتشه العنصرية حيث وضعوا اليهودي فيها بدلاً من الآري واستخدام القوة فوق الحق.
جاء تيودور هرتسل ورسخ مقولة «القوة فوق الحق وإبادة العرب» في الأيديولوجية الصهيونية وفي كتابه «دولة اليهود» ومذكراته لإقامة دولة اليهود العنصرية كأكبر غيتو يهودي إرهابي وعنصري في فلسطين قلب الوطن العربي. وسار المؤسسون الصهاينة وقادة الكيان الصهيوني، في نفس الطريق الذي اختطه هرتسل حتى الوقت الحاضر.
عبأ هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية اليهود بالحقد والكراهية على غير اليهود، وأرسى في كتابه «دولة اليهود» استخدام القوة والإرهاب والاستعمار الاستيطاني والعنصرية لتهويد فلسطين والسيطرة على العالم.
ووضع صديقه آحاد عام «بروتوكولات حكماء صهيون» وأقرها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل كقرارات سرية.
وتتضمن مخططات حكماء اليهود السيطرة على العالم بالإرهاب والعنصرية والإبادة ونشر الفوضى والفساد والرذيلة والحروب المحلية والعالمية. وتتضمن المخططات الشيطانية لتهويد (صهينة) الحكام كي يكونوا عملاء وسماسرة لليهود كما فعلوا مع الطاغية حسني مبارك الذي اعتبروه كنزاً لإسرائيل. ونجحوا بالفعل في ترويض وصهينة بعض الحكام من العرب والفلسطينيين والرؤساء الأمريكيين والأوروبيين.
كان اليهود أول من أدخل الإرهاب المنظم والطرود المتفجرة والاغتيالات السياسية في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي في منطقة الشرق الأوسط فاغتالوا ادرزكلوف رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في تل أبيب عام 1934 لأنه وقع اتفاقية هافارا مع ألمانيا النازية. واغتالوا اللورد موين وزير المستعمرات في القاهرة عام 1945 والكونت برنادوت الوسيط الدولي في القدس العربية المحتلة في أيلول 1948، ورياض الصلح في بيروت عام 1948.
وكانت إسرائيل أول دولة في العالم اختطفت الطائرات المدنية، حيث اختطفت عام 1954 طائرة مدنية سورية، وفجروا الشاحنات المفخخة في أسواق الخضار العربية المكتظة بالناس في حيفا ويافا والقدس. وفجروا المراكز الثقافية والقنصليات الأمريكية في القاهرة والإسكندرية عام 1955 لدهورة العلاقات بين مصر وأمريكا.
واغتالت الشهيد مصطفى حافظ المقدم في الجيش المصري بغزة والملحق العسكري المصري بطرد متفجر في العاصمة الأردنية عمان عام 1956.
واغتالت خمسة من علماء الذرة المصريين بطرد متفجر في القاهرة عام 1962 وستة من العلماء الألمان والعديد من العلماء النمساويين والسويسريين الذين كانوا يعملون في صناعة الصواريخ والطائرات في مصر.
انتقل الإرهاب اليهودي من سفر يشوع إلى الفكر السياسي والأدب الصهيوني والإيديولوجية الصهيونية وإلى ممارسات الكيان الصهيوني كسياسة رسمية دائمة ومستمرة علنية وسرية.
ويفتي رجال الدين اليهودي بممارسة الإرهاب وقتل العرب وإبادتهم وسرقة منازلهم وأراضيهم ومقدساتهم ويصفون العرب بالأفاعي والصراصير والأشرار، ويصرحون علناً بإبادة العرب، حيث أعلن الحاخام عوفيديا يوسيف أنه «يجب قصف العرب بالصواريخ من أجل إبادتهم ومحوهم عن وجه الأرض». وهذا ما تفعله إسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم.
وقال السفاح مناحيم بيغن عن الفدائيين أنهم حيوانات مفترسة تسير على ساقين انطلاقاً من إيمانه بالتوراة التي تقول إن غير اليهودي حيوان على هيئة إنسان، لذلك يجب قتله والتخلص منه.
وأفتى الحاخام دافيد كفيتس بقتل العربي وقال: «إن قتل العرب لا يشكل مشكلة أخلاقية».
وهكذا يهدر رجال الدين اليهودي وقادة الكيان الصهيوني الدم العربي مما يحرّض الجيش الإسرائيلي والشرطة والموساد وقطعان المستوطنين على تحقيق ذلك على أرض الواقع، وبالتالي تقتل «إسرائيل» الفلسطينيين من أجل القتل وتطردهم للتخلص منهم ومصادرة أراضيهم ومنازلهم ومقدساتهم وإحلال المستعمرين اليهود محلهم من أصقاع الدنيا كافة.
لقد دشن مجرم الحرب الجنرال رابين بالتعاون مع مجرم الحرب ديان في ارتكاب مجازر اللد في تموز 1948 وارتكب مجزرة جامع دهمش بتاريخ 12 تموز 1948 والتي راح ضحيتها (750) من سكان اللد الذين التجأوا إلى الجامع، وهو صاحب نظرية تكسير عظام شباب الانتفاضة الأولي.
وارتكب الطبيب اليهودي باروخ غولدشتاين مجزرة المسجد الإبراهيمي في الخليل وقتل فيها بالتعاون فيما بعد مع جيش الاحتلال (62) من المصلين في منتصف شهر رمضان المبارك وخلال صلاة الفجر وهم ساجدون يصلون إلى الله عز وجل.
وارتكب السفاح شارون مجازر صبرا وشاتيلا الذي ذهب ضحيتها على أيدي القوات اللبنانية حوالي ستة آلاف من المدنيين الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ.
وارتكب مجرم الحرب بيرس مجزرة قانا في نيسان 1996 وذهب ضحيتها 107 من المدنيين اللبنانيين في مقر القوات الدولية في جنوب لبنان.
ويدعم الشعب الإسرائيلي القادة الذي يقتلون أكبر عدد ممكن من العرب. واعتبر العديد من الإسرائيليين أن السفاح غولد شتاين قديس وأقاموا له التماثيل في مستعمرة كريات أربع وفي مستعمرات أخرى.
وأنعمت السويد على مجرمي الحرب بيغن وبيرس بجائزة نوبل للسلام، ونعت الرئيس الأمريكي بوش السفاح شارون بأنه رجل سلام. وأرسلت إنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا الجيش الألماني للدفاع عن حدود إسرائيل في جنوب لبنان وفي المياه الإقليمية اللبنانية مما يشكل لطخة عار أبدية في وجه الحضارة الغربية.
إن الصمت الأمريكي والأوروبي على الإرهاب والاستعمار الاستيطاني وعلى مصادرة المنازل والأراضي الفلسطينية وترحيل الفلسطينيين خارج وطنهم فلسطين وتقديم جميع أنواع الدعم والمساعدات لإسرائيل في حروبها العدوانية يظهر بجلاء تبني الدول الغربية للإرهاب الإسرائيلي وسياسة الكيل بمكيالين. ويشجع على عنجهية إسرائيل وصلفها والاستمرار في ممارسة الإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
أحرقت 15 طائرة مدنية لبنانية في مطار بيروت عام 1968. وارتكبت مجزرتي مصنع أبو زعبل ومدرسة بحر البقر في مصر ومجزرة داعل في سورية عام 1970.
وأسقطت طائرة ركاب ليبيه مدنية فوق سيناء عام 1971 وقتلت جميع ركابها وعددهم 106.
واغتالت الأديب الفلسطيني غسان كنفاني بسيارة ملغومة في بيروت عام 1972، والشاعر كمال ناصر وأبو يوسف النجار وكمال عدوان في بيروت عام 1973، وقتلت أبو علي حسن سلامة في بيروت عام 1978 وزهير محسن عام 1979 في فرنسا.
ودمرت المفاعل النووي في بيروت ومقر منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة تونس عام 1985.
واغتالت خليل الوزير (نائب عرفات) في منزله في تونس عام 1988 والدكتور فتحي الشقاقي في مالطا عام 1995، والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرئيسي والمهندس يحيى عياش في غزة، وضربت أهدافاً في الجزائر، وأغارت على الخرطوم عدة مرات، واحتلت العاصمة اللبنانية بيروت بالتعاون مع الكتائب.
وأشعلت حرب عام 1948 على الشعب الفلسطيني، وحرب السويس العدوانية عام 1956 على مصر، وحرب حزيران العدوانية عام 1967 على مصر وسورية والأردن وقطاع غزة، وغزت لبنان عام 1982 واحتلت بيروت الغربية وأشعلت حرب عام 1993 على جنوب لبنان وحرب بيرس (عناقيد الغضب) على جنوب لبنان عام 1996، وحرب تموز 2006 على جنوب لبنان والهولوكوست على غزة المحاصرة عام 2008.
ويهدف إرهاب «إسرائيل» وحروبها العدوانية نشر القتل والخراب والدمار والتخلف في البلدان العربية ووأد الوحدة العربية وحركات المقاومة وكسر الإرادات الرسمية العربية وإخضاع العرب وفرض المخططات الأمريكية والصهيونية عليهم وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ويجسد الإرهاب والحروب العدوانية جوهر الإستراتيجية الصهيونية للهيمنة على الوطن العربي وعلى العالم.
إن ممارسة «إسرائيل» للحروب والإرهاب والإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية يُعتبر من أخطر الظواهر التي عرفها المجتمع البشري المعاصر، وهي الدولة الوحيدة المتبقية التي قامت على الإرهاب والحروب والاستعمار الاستيطاني والتطهير العرقي لشعبنا العربي الفلسطيني. وتعمل على فرض هيمنة الصهيونية العالمية على البلدان العربية والإسلامية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لكي تتوصل إلى حكم العالم من القدس تحقيقاً للخرافات والأكاذيب والأطماع اليهودية.
إن الإرهاب واستخدام القوة ونظرية المجال الحيوي من النيل إلى الفرات مرتكزات ملازمة لطبيعة اليهودية والصهيونية والكيان الصهيوني، مما يعرض السلام الإقليمي والعالمي لأفدح الأخطار وينذر باندلاع حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.
إن كيانات الاستعمار الاستيطاني والأنظمة العنصرية جديرة بالازدراء والاحتقار والمواجهة أينما كانت وفي كل زمان ومكان ومصيرها إلى الزوال.
زالت النازية من ألمانيا والفاشية من إيطاليا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الأبارتايد من جنوب إفريقيا ومصير الكيان الصهيوني الوريث الحقيقي للنازية والأبارتايد إلى الزوال إن عاجلاً أو آجلاً.