الديمقراطية، شعار برّاق، ابتدعته عقول الفلاسفة اليونانيين قديماً للتخلّص من سطوة الكنيسة التي عمدت، تحت ستار الدين، إلى فرض نظم ديكتاتورية، ما جعل الناس يجدون الخلاص في المبدأ الديمقراطي القائم على فصل الدين عن الدولة، وإعطاء السيادة للشعب في أن يحكم نفسه بنفسه.
حتى هذه الديموقراطية أصبحت بفضل مراكز القوّة في العالم وخاصة في أميركا، تكال بمكيالين.!
أميركا هي حاملة لواء الديمقراطية في العالم، وهي التي مارست عبر موجات المهاجرين الفاتحين الأوائل «ديمقراطية» تذويب وذبح الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين، وكانت تعطي لكل رجل «أبيض» يقتل هندياً، ويسلب أمواله، الحق ليصبح مواطناً أميركياً.
إن تطبيق النظام الديمقراطي فشل في بعض الدول وفي مقدمتها «أميركا» بسبب سيطرة فئة من النُخب السياسية والاقتصادية التي تملك القدرة الدعائية والمالية، والثراء الفاحش، من أجل الحصول على أصوات الناخبين، وهم، أي «الناخبون» من يُطلق عليهم «الرأي العام»، وكما يقول «الخبراء الأميركيون» أنفسهم، سخفاء جهلة يؤمنون بالخرافات، يجب إخفاء الحقائق عنهم، ولينصرف كل منهم إلى التمتع بحياته الدنيوية التي تتكفل وسائل الإعلام بتوجيهها وفق سياسة محددة من الخبراء أيضاً.
وعلى الفور ستأتيك الأمثلة الساحرة من دول أخرى تتشدّق بتمتعها بروح ديمقراطية، من خلال سلوك أفراد «نخبة» في مجتمع يعاني من تفاوت طبقي، ويغيّب شريحة كبيرة من المسحوقين والفقراء وسكّان «المجارير».
وحتى هذه الانتخابات «الديمقراطية» على كل المستويات في الدولة، لا يمكن لنتائجها أن تغيّر الاستراتيجيات السياسية المعتمدة، يقول «فيليب هـ. ميلانسون» أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماساشوسيتس الأميركية: (حتى في الأنظمة الديمقراطية هناك معلومات سريّة لا يمكن للمواطنين أن يعرفوها لأن الأمن القومي يتوقف عليها).
ولو تابعنا البرامج التي يطرحها المرشّح للرئاسة في أميركا على وجه الخصوص، لوجدنا أنها زاخرة بالوعود البرّاقة والواعدة، ومملوءة بالشعارات الطنّانة، سواء على المستوى الداخلي أو في السياسات الخارجية، لكنها ليست أكثر من شعارات ولوازم «انتخابية» سرعان ما يتم تجاهلها بالمطلق أمام الاستراتيجية المرسومة للدولة.
يقول نيل لويس المراسل الدبلوماسي لجريدة نيويورك تايمز: (يمكن أن نشبّه تلك الانتخابات الرئاسية بالمخدرات التي تذهب العقول وتجعل مدمنيها يصلون في أحلامهم إلى السحاب، بينما هم في الواقع لم يتجاوزوا حدود المساحة التي يتواجدون فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للشعب الذي يتوهم بأنه هو الذي انتخب ذلك النائب أو الرئيس الذي وعده بالتغيير ودعم قضاياه، بينما هو في حقيقة الأمر ليس سوى حجر من أحجار الدومينو التي يحركها «خبراء»، يعملون من وراء الكواليس وفق سياسة ثابتة، يضعون خطوطها الداخلية والخارجية).
ويأتي تعزيز المصلحة الاقتصادية الأميركية في أول الاهتمامات والاحتياجات، ما يستدعي إيقاع أقصى الضرر في الدول المرشّحة لخدمة الاقتصاد الأميركي على مساحة العالم، سواء من خلال الاحتلال المباشر، أو غير المباشر وما يترك من آثار مدمّرة على تلك الدول، بغض النظر عن أي وازع إنساني.
لا يكاد يمرّ يوم إلا ويخرج علينا من يتحدث ويتشدّق بفضائل الديمقراطية، وضرورة تعميمها على مستوى دول العالم، وهي في الحقيقة ديمقراطية مقنّنة خاضعة للمصلحة الأميركية بالمطلق، تحملها وسائل الإعلام، والقوّة، وقبل وبعد ذلك كله الكذب والتزييف من أجل تمرير المصلحة الأميركية.
كل ذلك ينضوي تحت عنوان واضح مفاده تكريس شخصية «السوبرمان» الأميركي المؤهّل لاغتصاب ثروات الدول، وقيادة شعوب العالم، بالعصا، أو بالجزرة.