التاريخ لايلغي بعضه
د. ريمه عبد الإله الخاني
مذ بدأ الإنترنيت يغزو البيوت، ظهرت أنماطا ثقافية جديدة، بدأًمن المنتديات التفاعلية، إلى المجلات المفصلية التي تحوي عدة مواقع معاً، إلى مجلة أقل تفاعلا، إلى مواقع التواصل الجديدة، التي امتصت كل الجهود القديمة بوتيرة تسارعية ، خلفت وراءها أنماطا لم تعد بنفس البريق الأول، لظهور المنصات التفاعلية حديثا والتي ربطت الصوت بالصورة بالكتابة بالحوار، هذا على النطاق الثقافي الذي هو محور نصنا، حيث أن رصيدك القديم الثقافي سواء كان كتبا أو نصوصا إلكترونية، وسواء كان منقولا عبر البريد أو أي طريقة أخرى، لايلغي مضمون النصوص الذي يرتقي برقي التطور الحديث الفكري الذي يقفز ولايمشي، لا نضم لحديثنا مايقدمه الإعلام غالبا، لكن نضم إليه ما انضوى تحت راية المادة البناءة التي تتطور يوميا رغم أنف من يحاول تسفيه أحلام المثقفين المساكين، الذين اعتقدوا أن انخفاض بريق الأنماط القديمة وتجدد عروض المحتوى، قد يجعلها باهتة قليلا، لكن محتواها لايلغى خاصة أن غوغل يعتني به، كنت من أوائل من سار تدريجيا عبر قناطر عديدة ثقافية أبحث عن نفسي وقلمي، لم تتوقف آلة العقل عن العمل هنا وهناك، لكن الصورة كانت تتضح يوما بعد يوم، لتقدم لي تلك الحقيقة الناصعة:
- تجدد الأدوات لاتغير من صواب وصحة الفكر ومنطقيته، وتطور الأسلحة لاتغير ملامح الشر أيضا والتحديث لايلغي قديمه إنما يغدو كتحفة فنية رائعة، حيث أنها قدمت ومضت بصمت ورضا على من يتبعها من جهود حثيثة بناءة ومفيدة، تحت راية علم ينفع...علم ينفع كلمة مطاطة لاتفصح عما في بطنها إلا لهواة التنقيب عن الماس، وهل الماس أغلى من الذهب؟. أتساءل، فقد بينت المعلومات في المواقع المجتهدة المتجهة للتنقيب عن الحقيقة، أنه ليس نادرا بحال لكنه براقا فقط..وليس مضيئا من ذات نفسه، لكنه فحما جلينا العتمة عنه فتجمل.
شاهد القول، أن الصفة التاريخية للأمور عموما قد تكسبه زاوية منه ثابتة يرجع إليها في بعض الأوقات،ولكن هذا لايعني أنها تحمل في بطنها الحقيقة...لكننا جميعا من هواة جمع التحف..
مثال: في كتاب تاريخ اللغات السامية، ل إسرائيل ولفنستون المهدى الذي عرض له الدكتور طه حسين، والذي عرض في مجموعتي المعرفية الأكاديمية الواتسية المتفرعة عن شبكة فرسان الثقافة، ودون أن أقرأ ثناياه كنت توقفت عند سيرة الثاني مما جعلني أسأل عنه ، فبين لي الباحث الجهبذ في علم الاجتماع: مصطفى إنشاصي التالي:
-المصيبة أنه مرجع أساسي لكبار كتابنا في اللغات السامية، واقتران اسم طه حسين مع مؤسس الصهيونية آسرائيل أو جيل الصهيونية الأول، أمر غير سوي.
من هنا نقول: حتى الأمور السيئة والباطلة، قد تحجز مكانا في جسد التاريخ تمنحه الصفة الاستمرارية، رغم أفضلية الإلغاء التي لم تحصل...إن الكاتب اتخذ بكتابه صفة تاريخية عبر ورقه الأصفر، والأسماء الآفلة التي فيه، حيث انتشر كمصدر معرفي، دون تدقيق ودراية من القراء، وعليه، فكيف نلغي مايجب إلغاؤه؟. وقس على ذلك..وهذا يعطي أن الحقيقة دوما كالماس مغطاة بغبار سميك لاتتجلى إلا لمن يحمل هما وهدفا بإصرار ورسالية.
ولكن لماذا بعضه؟، هذا لأن ماأحرق عبر التاريخ، ذهب واندثر، وقد تناثرت عبارات هنا وهناك عن سبب إحراقها لسخافتها وسطحيتها، وأعتبر ذلك مواساة ألم، وبالمقابل هناك كتب أحرقت نقدا وتجريحا لمخالفتها ثوابت الأمة وهي كثيرة، مما أدى لشهرتها الواسعة وإشغالها حيزا لاتستحقه من المكاتب عامة، كإنجاز يحق له التصنيف تحت بند حرية الرأي، وإن فعلنا، فكيف نصنف فريق البحث عن الحقيقة، هؤلاء الباحثين المساكين الذي لايلتفت إليهم أحد حتى إذا ماماتوا تنبهنا وأفقنا!.وقياسا فقد تناهى لسمعي عن بعض المنصات مجهولة الهوية الإدارية الرئاسية، تكريمها لبعض من لايستحق، وإخفاض من يملك من براءات الاختراع مثلا مايفوق ال11 براءة، مما ينبه النائم أو الغافل أو العميّ عن حقيقة الأمور أن هناك منصات واضحة السلوك على المثقف الفطن الانتباه إليها من خلال ماتصدره إدارتها من طريقة تعامل مع المثقفين والمسجلين فيها بطريقة شبه غامضة، مثل:
1-إصدار أوسمة متقنة التصميم لكل من يقدم مقدارا معينا من المواد العلمية.
2- شهادات تقدير مجانية كذلك لكل مسجل حديثا.
3- إشهارها كمنصة غير ربحية، رغم تعاملها بالنقد فعليا، ولو برسوم زهيدة لكل شهادة. ولو حضر عبرها 500 زائر وطلب منهم 300 شهاداتهم، لكفاها مؤونة مادية يومية.
4- مبدأ الاستدانة، الذي يذكرنا بتاجر البندقية، وهو مبدأ غير متعارف عليه في المنصات عموما ولافي المواقع.
5- امتصاص أكبر قدر ممكن من الطاقات الفكرية، مقابل بيع الوهم، كتحفيزات مالية تصب في المنصة ذاتها تتحول تلقائيا لرسوم شهادات تدريبية، دون أن يحصل صاحب الفكر على مبلغ حقيقي.
5- تلاحم الإدارة الواضح، مما يجعل أي منتخب لبرنامج علمي، واقع تحت مشروع امتصاص علمي حتى آخر رشفة بلا مقابل حقيقي، ومن ثم تنتهي الحاجة إليه ليدفع بدوره لإيصال المنصة لمفكر آخر غيره.
6- استلطاف الإدارة لبعض النشطين بعلاقات اجتماعية محدودة السقف وحاليا من خلال مواقع التواصل للوصول للغرض المنشود، دون مساعدة حقيقية لمشاريعهم الشخصية، إلا لو صبت في مصلحة منصتهم.
7- محدودية الحوار الشخصية لأدنى درجة، حتى لاتتكشف حقيقة تفكيرهم المريبة.
8-الادعاء بعدم الربحية، بينما لو حسبت بالورقة والقلم كرسوم شهادات، وكفريق عمل يخصص وقتا لابأس به لهكذا أمور، أن يعود بالنفعية لأصحابه، لقاء التوسع الملاحظ، ولاتوسع دون مردود مادي.
9-عدم ارتباط هكذا أعمال بغوغل ، كظهور مواضيعها المنشورة فيها، وهذا مدعاة لتساؤل مهم، مقابل لهاث المواقع لتسجيل حضورها في محطات البحث عموما.
أليست تلك ثوابت تمت للمبادئ اليهودية بصلة ما؟، وعليه فالسؤال بات الآن:
ماذا يفعل يتيم الثقافة، والذي طال انتظاره لتلك اللحظات العلمية الفاصلة؟
إن عموم المجتمع يعاني من قلة الجهود الجماعية، لذا عندما يجدها يهرع نحوها، كسراب بقيعة، ورغم هذا لو نظرنا داخلها نجد أن النفعية فقط هي التي جمعتهم، حتى لو لم تكن مادية، فنحن نعاني من مرض الفردية حتى النخاع، خاصة من الشريحة الواعية المنتجة علميا، فهي لاتثق بغيرها ولا تشجع التعاون إلا من خلال معارفها الخاصة، وهذا يطلق عليه العموم الشللية، وعليه فنحن نحيط أنفسنا بسور عالٍ يحجب نور المحبة والعفوية والتقارب الحقيقي، ونقول:
إذا سلمنا بأن مدمني التفكير يعتبروا مرضى بالعقلانية، التي تطغى على العاطفة الطبيعية تدريجيا، فإن هذا أدعى لتقبل نرجسيتهم الفكرية، وتقلبات سلوكهم وتطوره منحرفا عن المشاعر الفطرية، بمعنى عندما تجرع سقراط السم، كان سقراط قبل ان يؤمن بفكره الذي تجرع من أجله السم، آمن بنفسه بعد أن عرفها حق المعرفة كالذي يدعو الله فيقول (اللهم لاتجعلني ممن يعبد الاسم دون المعنى)، وهو الذي اطلق القول الشهير "اعرف نفسك" لأن معرفة الانسان لحقيقة نفسه هي طريقه إلى الإيمان بها وبكل ما تؤمن به. وعندما يكون إيمان الإنسان بمبدأ او فكر نابع من معرفته الحقيقية أولا بنفسه،فانه لا يحتاج أن يقاتل من أجل اقناع الناس بفكره. لكنه يختار الموت في سبيل ذلك المبدأ او الفكر عندما يخير بين التنازل عنه او الموت من أجله. وهذا يلغي الفطرة والمشاعر الطبيعية، التي تقضي بحب الحياة ودفع الموت بطريقة ما ولو بالالتفاف على الحقيقة بقدر معقول لايخدش الضمير، وحديثا ذو صلة عن العقلانية، تسبب لنا الشاشات مرضا آخر وهو الانعزالية عن الواقع ولو كنا نستثمرها في العمل والانتاج، ولو جربنا أسبوعا وأكثر دون أن نرى خلقا وبشرا، فلن يكفنا البشر الافتراضيون ليغطوا عن حاجتنا الملحة، فكيف لو كانت ديدن الحياة كلها ومنها عالم التعليم؟.
ولو أكملنا حديثنا عن المنصات الملغومة لقلنا:
دققوا في النظام الداخلي فيها، والظاهر للعيان كقسم منه، مامدى الشبه بينه وبين عالم كويست نت التي انكشفت عراها ولو غيرت جلدها واسمها؟
- نظام شبكي( اجلب غيرك يساعدنا).
- بدل كسبك للمال الوهمي بعد توريطك لغيرك، فأنت تقدم عقلك مجانا وبلا مقابل، بل تقدم طواعية،فاستثمره لتسويق اسمك مقابل خدمتك الفكرية واستعر جمهورهم.
- أسماء ملفتة فيها مثل سميع بصير، وهي تطلق على الصفات الربانية فقط.
- نظام شركاتي، كتوظيف وإقالة، رغم مجانية العمل.
- التهذيب المفرط، والتسويق المتكرر خلال أداء العمل، بحرفية عالية تجعلك تؤمن بتديب سابق للإداريين المحدودين.
- رأس العمل لاتعرفه وغير مرئي، ومهما تجولت في غوغل وويكيبيديا، فلن تطال أكثر مما لقموه من معلومات فقط.
- تسجيل عداد رقمي للمحاضرات، دون تدقيق بالنصوص المختارة قبل الإقرار، وهذا مبدأ تجاري لا أكاديمي.
-بكل الأحوال: هل خلت المواقع على امتداد الإنترنيت من وسائل النشر؟ وعليه، لاتصب مالديك في وعاء واحد ولاتجعل هويتك الثقافية تحت مسمى لايمثلك جيدا، وحتى لو مثلك بطريقة ما، فكر جيدا كيف يمكن أنت تعطي شيئا دون أن يكون كل فتندم يوما، فكر جيدا ماذا تنعكس عليك منصات كتلك، وكيف تفيد منها دون أن تضع كل مالديك فيها، وتلغي حضورك الفريد، حيث يمكنك إيجاد فضاءات أخرى شبيهة، لاتمتص كل مافيك وتتركك عندما تجد النبع فيه قد شح.
ولكن ماعلاقة العنوان بما ذكرناه آنفا؟.
سنقول لك نحن نحوم حول الحمى ولانغوص فيه، لأننا نعتبر قارئنا فطنا لماحا، لذا ولأن التاريخ لايلغي بعضه فعلا، علينا ألا نتعامل مع كل من يفتح لنا الأبواب ببراءة المستسلم الفاقد للدعم، كل مافي الأمر أننا نعيش لنقدم ماقدر الله لنا أن نقدمه، بأشكال متعددة، فاختر الوجه الذي تريده مشرقا غيرمحسوب على جهة ما وعش بامان واطمئنان.
الخميس 1-10-2020م