نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالعسل.. لعلاج الجروح
من بين الدراسات حول مواضيع طبية معتادة، عرض باحثون حول العالم لوسائل مقترحة للعناية بالجروح

وتراوحت تلك الدراسات بين تأكيد فائدة الاكتفاء باستخدام وسائل بدائية كماء الشرب مثلاً لتنظيف الجروح، وفق ما أعلنه الباحثون الأستراليون نهاية يوليو (تموز) الماضي، وبين نتائج غاية في التعقيد في محاولة لفهم آليات استخدام الجسم البشري لطاقات تيارات كهربائية خاصة، تقوم بتوجيه وضبط مراحل نمو الخلايا وحركتها في منطقة العمليات، حيث تتم خطوات التآم الجرح، مما اكتشفه الباحثون من اسكتلندا والولايات المتحدة واليابان والنمسا لنوعين من الجينات المتحكمة في العمليات الكهربائية هذه

وبين هذه وتلك يأتي الباحثون من ألمانيا ليعيدوا إلي مسامعنا ما يطرب له البعض منا، حول دور العسل كمادة طبيعية تمتلك من الخصائص العجيبة والثابتة للحماية من الميكروبات وتكاثرها، ما يجعلها مادة مناسبة، كما يرى علماء جامعة بون، للوضع على الجروح بغية تسريع التئامها وضمان سلامتها من الإصابة بالتهابات الميكروبية

ومنذ بدء وجودهم على الأرض، والجروح واحدة من المواضيع الطبية التي تشغل بال البشر

وبرغم تفننهم في طرح الحلول لعلاجها، إلا أن الأسئلة تظل حائرة حول أفضل وسيلة للعناية بأنواعها الناجمة عن أسباب عدة، كالقروح أو الإصابات أو الحروق

أي وبعبارة أخرى ما الذي يُمكن فعله لحمايتها من الالتهابات الميكروبية ولتحفيز الجسم على إتمام نمو الأنسجة المتهتكة فيها، وبالتالي تسريع وتيرة التئامها

* العسل والجروح * الألمان لهم رأي جريء وطموح في طرح استخدام العسل للعناية بالجروح، لكن ليس كمجرد وسيلة تُطرح على استحياء طبي ضمن وسائل الطب الاختياري والمكمل، بل كوسيلة معتمدة طبياً تُستخدم في المستشفيات لمعالجة الجروح لدى أكثر حالاتها تعقيداً وصعوبة في الشفاء، أي لمرضى السرطان

ولعدة سنوات مارس الأطباء في جامعة بون استخدام العسل بإيجابية في معالجة الجروح والقروح المستعصية والمُصابة بأنواع عنيفة وشرسة من الميكروبات المقاومة لشتى أنواع المضادات الحيوية، ولاحظوا أنه سهل شفاءها في بضعة أسابيع، الأمر الذي يذكره هؤلاء الباحثون كتعليل لاعتزامهم إجراء دراسات واسعة حول استخدام العسل مباشرة على الجروح، وذلك بالتعاون مع زملائهم في دوسلدوف وهامبورغ وبرلين بغية وضع أسس علمية للخصائص الشافية للعسل

والواقع أن استخدام العسل على الجروح بغية تسريع التئامها هو ممارسة طبية قديمة منذ آلاف السنين، ومع ظهور المضادات الحيوية الحديثة، تأخرت أبحاث الطب الحديث حوله

واليوم مع ظهور أنواع شرسة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، يعود العلماء إلى طرق باب العسل مجدداً، الأمر الذي عبر عنه الدكتور ارني صيمون بأنه، ونتيجة لمواجهة نوعيات ميكروبات عالية الشراسة، فإن الاستخدام الطبي، على حد وصفه، للعسل أصبح أكثر جاذبية مرة أخرى في معالجة الجروح

ويعمل الدكتور صيمون في قسم الأورام بمستشفى بون للأطفال، حيث أن استخدام الأطباء لأصناف شتى من العلاجات الكيميائية لأنواع السرطان المختلفة يحد بشكل كبير من قدرات الجسم على تولي العناية بالتئام الجروح بشكل ناجع

ويقول بأن جروح الجلد في الحالات الطبيعية قد تلتئم في أسبوع، بينما لدى الأطفال المرضى بالسرطان قد يستغرق الأمر أسابيع أو شهورا

هذا بالإضافة إلى أن الحال أسوأ لدى الأطفال المصابين بحالات سرطان الدم من اللوكيميا وغيرها، حيث تتأثر أجهزة مناعة الجسم وقدراتها على مقاومة الميكروبات، وخاصة في الجروح المعرضة لشتى الأنواع منها، وبالتالي يسهل على هذه الميكروبات الوصول إلى الدم عبر نافذة الجروح، مما يُؤدي إلى حالات التسمم والتهابات الدموي

ويعترف بأنه وبقية زملائه، يستخدمون العسل منذ سنوات في العناية بالجروح، والنتائج على حد قوله عجيبة

ويُضيف الدكتور كاي سوفكا، الخبير بمعالجة الجروح في نفس المستشفى، قائلاً إن الأنسجة الميتة التالفة المغطية للجروح، يتم رفضها بوتيرة أسرع، وتلتئم الجروح سريعاً

وللإجابة في معرض الاستطراد عن سؤال «وماذا أيضاً؟»، قائلاً إن تغيير غطاء وضمادة الجروح تغدو أسهل وأقل إيلاماً، ما يعني المحافظة على طبقة الأنسجة المتكونة حديثاً على الجرح ضمن عملية التئامه، كما ويخفف العسل من نشوء الرائحة العفنة والمزعجة في الجرح

وفي مراحل أخرى يرى الألمان أن العسل أفضل من أقوى المضادات الحيوية المستخدمة في معالجة بكتيريا ستافاوريس المقاومة للميثاسيلين والمعروفة اختصاراً بعبارة أم أر أس إيهMRSA، حيث يقولون إن قدرة الميكروبات محدودة جداً على تكوين مناعة ذاتية ضد المركبات الكيميائية المضادة للميكروبات في العسل

* عسل طبي * والمعروف أن العسل يحتوى ضمن عناصره علي أنزيم أكسدة الغلوكوز، الذي يعمل على ضمان تكوين كميات كافية وبصفة متواصلة من مركب بيرأكسيد الهيدروجين hydrogen peroxide الفاعل في مقاومة الميكروبات، باستخدام مركبات الغلوكوز السكرية في العسل

ويرى الباحثون الألمان أن الكميات الضئيلة من مركبات بيرأكسيد الهيدروجين أقوى من مثيلتها المُصنعة في القضاء على الميكروبات

لسببين الأول أن يتم إنتاجه بكميات متواصلة، أي يتوفر على الجرح بشكل متواصل وليس متقطعا كما في استخدام النوع المُصنع منه، والثاني أن الكمية المُنتجة منه ضئيلة، أي أنها ليست كبيرة كما هو الحال في تنظيف الجروح بالنوع المُصنع منها، وبالتالي فإن الكمية ستقضي على الميكروبات من دون التغلغل لإيذاء الجرح والأنسجة الجديدة النامية فيه

والواقع فإن أكثر من 24 مستشفى في ألمانيا، يستخدم الأطباء فيها العسل لمعالجة الجروح

لكن الغريب هو أنه بالرغم من كل النجاح العملي، كما يقولون، فإن الدراسات الطبية لتقويم فاعلية وأمان هذا السلوك الطبي العلاجي من قبلهم قليلة

لذا يعتزمون إجراء الدراسة الواسعة، لبحث تأثير العسل ولمقارنته مع الوسائل الأخرى، حتى باهظة الثمن منها كضمادات كاتيونات الفضة، التي بالرغم من كفاءتها، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة من احتمالات امتصاص الجسم للفضة والتأثيرات على الجسم

ونوع العسل الذي تتحدث عنه الأطباء الألمان يُسمونه بالعسل الطبي، ومكون من صنفين مختلفين من أصناف العسل

الأول يحتوي على كميات عالية نسبياً، مقارنة بالأصناف الأخرى على مادة بيرأكسايد الهيدروجين، والصنف الثاني يُعرف بعسل نباتات ليبتوسبيرميم أو أشجار الشاي الأسترالية، وهي غير أشجار الشاي المعروف، بل هي نباتات تنمو في أستراليا ونيوزيلندا وأجزاء من اندونيسيا تمتاز بزهورها وعسل النحل الذي يقتات عليها

ويصف الباحثون نوع العسل هذا، بأنه يحتوي على خصائص مقاومة للبكتيريا من خلال غناه بمركبات كيميائية تُعطيه هذه الميزة حتى لو تم تخفيف العسل للحصول على درجة قوة 10% فقط منه، الأمر الذي يعلله الدكتور صيمون بأنه ربما نتيجة لوجود مركبات الفينول في زهور أشجار ليبتوسبيرميم، مما يجعل، على حد قوله، من الصعب على البكتيريا النمو والتكاثر في وجود المركبات هذه

* فاعلية العسل * وكانت المجلة الدولية لجروح الأطراف السفلى، الصادرة من الولايات المتحدة، قد نشرت في إبريل (نيسان) الماضي بحث مراجعة للباحثين من جامعة ويكاتو بنيوزيلندا، حول استخدام العسل في معالجة الجروح

وتم فيه عرض نتائج 22 دراسة شملت أكثر من ألفي حالة للجروح، إضافة إلى 16 دراسة أخرى على حيوانات التجارب

ووجدوا أنها تشير بالجملة إلى إيجابية فائدة العسل كغطاء للجروح عبر عدة آليات، منها: ـ قدرة العسل على مقاومة البكتيريا لا تُجدي فقط في سرعة القضاء على ما هو موجود منها على الجروح، بل في منع وجودها في الأصل

ـ العسل يُخلص الجروح من بقاء الأنسجة الميتة المتهتكة، والتي تعمل كبيئة تسهل على البكتيريا النمو فيها، دونما قدرة لجهاز مناعة الجسم على مهاجمتها فيه

ـ خصائص العسل المضادة للالتهابات تخفف من تورم الجروح، وتقلل حجم الندبة المتبقية عليه بعد التئامه وشفائه

ـ تحفيز العسل لنمو النسيج الحي الجديد، وبالتالي تسريع التئام أطراف الجروح

منقول