اشكاليات
الادب المترجم للأطفال
د .سعد العتابي
جامعة الحديدة / اليمن
- 1-
تعد الترجمة واحدة من اهم وسائل التواصل الثقافي و لإنساني بين الشعوب والامم عبر العصور والأزمان الغابرة والقادمة على حد سواء لاسيما وأنها تسهم في نقل بنية ثقافية من سياق حضاري الى سياق آخر مختلف تماماً عندما تنقله من لغة الهدف الى لغة المصدر بوساطة عملية معقدة وصعبة من حيث الاسلوب وبينة اللغة والدلات, والحفاظ على الرسالة المتوخاة من هذه الترجمة لذلك يبذل المترجمون جهودا مضنية في سبيل الحفاظ على شيء من التكافؤ الاسلوبي والدلالي والجمالي والرؤيوي بين النص في لغة المصدر والنص في لغة الهدف .
وهنا تكمن أهمية الترجمة وخطورتها فمن جهة تسهم في بناء اسس من العلاقات الثقافية بين الشعوب التي تنتمي الى ثقافات مختلفة وتعمل على فتح الحدود الحضارية ,والثقافية بين اللغات والثقافات المختلفة وتعمل على خلق مناخ عالمي جديد تسوده روح التعاون , وقد تسهم في تطور هذا الشعب او ذلك من خلال منظومة ثقافية وعلمية ترسل له مترجمة على النحو الذي شهده الوطن العربي في بداية النهضة .
ومن جهة أخرى تشكل بوابة للغزو الثقافي واختراق عقل الاخر المستهدف في محاولة لاستعماره ثقافيا باسم المثاقفة او العولمة وبساطة منظومة من القيم التي تحاول أن تستهدف بها الاخر وتحاول تشكيله على نحو يسهل فيه السيطرة عليه لاسيما اذا كانت هذه الثقافة هي ثقافة الاقوى ..وأن المستهدف هو الاضعف ومن هنا تبدأ الهزيمة كما يقول ابن خلدون ( إنما تبدأ الامم بالهزيمة , في داخلها عندما .. تشرع في تقليد غيرها ) .
وإذا كان الأدب الرؤيوي والثقافي والمتعوي المترجم بأشكاله التعبيرية المختلفة يشكل خطرا بدرجة معينة على هوية الامة وسياقها الثقافي والحضاري فإن الأدب التربوي المترجم يشكل خطرا بنيويا رئيسا على هوية الامة ومستقبلها فهو يستهدف فئة عمرية لم يستكمل تشكلها ثقافيا واجتماعيا ,ولم ينضج وعيها بعد , لذلك هي اكثر تأثرا من غيرها فضلا عن أنها في مرحلة التأسيس الثقافي لذلك فان أية رسالة تثبت في الذهن ويصعب تغيرها .. فيما بعد .. فضلا عن أن الادب المترجم للأطفال يجتهد بنقل رؤى وافكار وثقافة وتقاليد من سياق حضاري الى سياق آخر مختلف تماماً .. يشمل على قيم واخلاقيات وطرائق تفكير دخيلة على مجتمعنا على نحو قد تقود لصدام حضاري ونفسي مبكر لدى الاطفال .
ولعل الامر الاكثر خطورة أنها تشكل نافذة للولوج الى العقل العربي بقصد تخريبه وتسطيحه والسيطرة عليه, لاسيما وأن الأطفال هم مستقبل الامة والسيطرة على عقولهم بالنتيجة هو السيطرة على مستقبل الامة. ومسخ هويتها الحضارية وتعطيل رسالتها الاممية .
ولاشك أن ادب الاطفال يختلف عن ادب الكبار لما يجب أن يتوافر فيه من اشتراطات فنية وأسلوبه وقيمية ونفسية وعمرية واجتماعية . وإذا كان شرط المرحلة العمرية واحدا من أهم هذه الاشتراطات فإن المواءمة الثقافية والحضارية والاجتماعية والقيمة تعد الاهم على الاطلاق .وهذا ما لا يتوافر في الادب المترجم للأطفال لان نشأ في سياق ثقافي وحضاري مختلف تماما .وهنا تكمن واحدة من أهم مخاطره لا نه يحمل قيم تصلح لسياق ثقافي وحاضري آخر ولا وتصلح اطلاقا للسياق العربي وقيمه العربية والاسلامية .
ولكي نتبين المخاطر البنيوية للأدب المترجم الأطفال علينا أن نعرف الى ادب الطفل عموما حيث ماهيته وخصائصه .. ومن ثم الوقوف عند . اهم مخاطر الادب المترجم ...
-2-
لقد تعددت التعريفات الخاصة بنصوص الأطفال الإبداعية وتحديد ماهيتها وطرائق التعبير عنها بحسب أفق الكاتب ووجهة نظره وثقافته غير أنها اشتركت على نحو ملحوظ11بخصوصية أدب الاطفال ومن هذه التعريفات الاتية:
1- الإنتاج العقلي المدون للأطفال1.
2- ظاهرة إبداعية متجهة المسار الى فئة عمرية محدد ولها مواصفات محددة2.
3- هو ما يكتب للأطفال من أنواع أدبية –شعر قصة- تخاطب مدركات الطفل وتمثل حدود وعيه وتجاربه وتستوعب حاجاته النفسية واللغوية والسلوكية والحركية3.
4- كل ما ألف من محتويات الكتب التي تعاظمت من قرن الى آخر بل أيضا ما اكتشفه الأطفال وادخلوه الى عالمهم وتآلفوا معه4.
5- أداة فنية من أدوات تنشئة الطفل5.
6- مجموعة من الإنتاجات الأدبية المقدمة للأطفال والتي تراعي خصائصهم وحاجاتهم ومستويات نموهم إي أنه يشمل كل ما يقدم للأطفال في طفولتهم من مواد تجسد المعاني والافكار6.
7- ذلك الجنس الأدبي المتجدد الذي نشأ كي يخاطب عقلية الأطفال وإدراك شريحة عمرية لها حجمها العدي الهائل7.
8- إن أدب الاطفال جنس ادبي وابداعي وخطابي متعاظم الفاعلية 8.
9- هو الون الفني الجديد الذي يلتزم بضوابط فنية ونفسية وتربوي9.
10- مجموع الانتاج الادبي المقدم للأطفال الذي يراعي الاطفال ومستويات نموهم 10.
11- هو وسيط تربوي يتيح الفرصة أمام الأطفال لمعرفة الإجابات عن اسئلتهم ومحاولات الاستكشاف العالم باستخدام الخيال ونقل الخبرات11.
نلاحظ مدى تعدد التعريفات والرؤى حول النص الابداعي المقدم للأطفال واختلافها الشديد حتى تكاد ألا تتفق إلا بمتلقيه وهم الاطفال فمنهم من رأى انه جنس أدبي أوسيط تربوي أو مجرد أدب تابع الى ادب الكبار يتمتع بالبساطة والسذاجة .
لذلك من المفيد أن نتوصل الى تعريف محدد يعرف أدب الأطفال إنطلاقا من خصائصه الداخلية وماهيته الادبية والتربوية وربما كان التعريف الأدق لأدب الأطفال هو(( نصوص إبداعية تحمل خبرات لغوية موجه للأطفال يقصد بها التربية الاجتماعية والنفسية والتربوية والفنية والجمالية فضلاَ عن التنمية العلمية والفكرية واللغوية ومستويات التخييل. من خلال تقديم خبرة لغوية تتناسب مع عمر الطفل ومستواه الإدراكي بأسلوب جميل ومشوق ومناسب)).
هكذا يتبن أن نص الاطفال أدب قصدي ينطوي على الإهتمام بالمحمولات الادبية واللغوية على نحو أساس سيما المضامين والقيم الاخلاقية بخلاف الكبار الذي يعنى على نحو هام بالاستخدام المميز للغة وهو يحتفي بالحاملات اللغوية أكثر من المحمولات وهذا يعني أن نص الأطفال نص مضموني مقيد باشتراطات قبلية تحدد ماهيته وسماته ومضامينه فضلاً عن اسلوبه ومستوى الخيال والتعقيد اللغوي فضلاً عن المعاير الفنية للنصوص الادبية وانتماءاتها التجنيسية على حين أن ادب الكبار لا يلتزم إلا بالحد الأدنى من الاشتراطات الفنية لجنس أدبي بعينه ولعل أهم هذه الاشتراطات التي تسمى معايير هي:12
1- قصدية مخاطبة الطفل.
2- يجب اولا أن يراعي عمر الطفل ومستواه الادراكي وأن تكون النصوص ملائمة لعمر بعينه من مراحل الطفولة.
3- أن ينطوي على قيم تربوية وأخلاقية محدد.
4- أن يكتب بألفاظ سهلة وميسرة بحيث تتطابق الالفاظ مع دلالاتها.
5- أن يتفق مستوى الخيال الادبي مع عمر الطفل.
6- أن يهتم بطرائق تلقي الاطفال للأدب ويتوقع ردود فعلهم نحو ما يقرؤونه.
7- أن يراعي الحصيلة اللغوية للطفل بعمر بعينه.
8- سهولة الاسلوب و الابتعاد عن التراكيب الصعبة.
9- ان يهتم بسرعة بالإيقاع الشعري وتتابع الاحداث السردية
10- أن يرتبط بحواس الطفل ولا يبتعد عن المحسوسات الى المجردات إلا على نحو محدود وبحسب الفئة العمرية.
11- أن يتسم بالجاذبة الفنية شكلاً ومضموناً بحيث يساعد على شد إنتباه الطفل.
12- الاهتمام بالشخصيات الحيوانية وجعلها ممثلة لقيم بعينها.
13- استخدام التكرار لفظا ومعنى زيادة في الافهام.
14- أن يتسم بخط فكري وقيمي متصاعد ويجب ان تقدم بأسلوب سهل يداعب اهتمامات الطفل.
15- يجب الاهتمام بأذواق الاطفال وميولهم.
16- يجب أن ينطوي على العناصر الأساسية التي تسهم في نمو الاطفال نمو سليماً وتكوين شخصية فاعلة ايجابية بوساطة الاهتمام بتنمية الأطفال عقلياً ونفسياً وجسمياً وسلوكياً وإجتماعياً وفكرية وتنمية لغتهم من خلال زيادة الثروة اللغوية وتعليمهم على الاسلوب اللغوي السليم نطقاً.
17- يجب أن يتسم بالإيجاز واستخدام الجمل القصيرة الواضحة التي يمكن للأطفال إدراكها واستيعابها.
18- أن يكشف جانيا من جوانب الحياة
19- ألا ينطوي على الافكار الحادة مثل الحزن العميق والموت والقتل والدماء سيما في المراحل العمرية الاولى.
20- تقديم نماذج من التفكير السليم من خلال شخصيات قصصية ومسرحية وحتى شعرية,
21- يجب أن ينطوي على قيم لغوية سليمة وأن يقرأ الشفاهي منه للأطفال دون سن القراءة على نحو سليم من حيث المخارج الصحيحة للحروف وسلامة الاسلوب النحوي,
22- يجب أن ينطوي على اطر معرفية ومهارية تسهم بتنمية القدرات المهارية للأطفال.
23- أن تستخدم الرموز على نحو سهل وواضح.
مما تقدم تتبين أن لاشتراطات القبلية المقيدة لمن يريد أن يتصدى لأدب الاطفال يجب أن تجد لها مكانا في النصوص الادبية الموجهة للأطفال بحث تكون بنى قارة داخل النصوص الادبية وإلافان النصوص تتجه لمكان اخر غير عقول وقلوب الاطفال .
إن ما تقدم لا يشكل إلا الركن الاول من القيود التي تقيد أدب الأطفال وتجعله ادباً قصدياً ,اما الركن الثاني فهو جملة الأهداف المتوخاة من أدب الأطفال التي يجب أن تُجَسَد تجسيداً نصياً في النصوص الموجهة للأطفال من خلال جملة التراكم القرائية التي تكًون تحصيلاً للأطفال بعد القراءات المتعددة لجملة النصوص القصدية الموجهة للأطفال التي تساعد الاطفال على المنو السريع والسليم والمتكامل في مختلف مناحي الحياة ولعل أهم هذه الأهداف هي:13
1- تربية الأطفال تربية سليمة وصولاً الى مجتمعٍ سليمٍ.
2- تنمية الذوق الأدبي والفني والجمالي.
3- تنمية الحاسة النقدية عند الأطفال.
4- تقديم قيم لغوية سليمة وتنمية الثروة اللغوية للطفل وتشذيبها.
5- تحسين مخارج الحروف عند الاطفال وتعليمهم اسلوب النطق السليم.
6- إطلاع الأطفال على البيئة المحيطة بهم.
7- تقديم حزمة من المعارف في التاريخ والجغرافية والعلوم والطبيعة ..... الخ.
8- تقديم المعرفة العلمية على نحو شيق.
9- تقديم شخصيات تكون قدوة للطفل.
10 - تقديم نماذج من التفكير السليم من خلال شخصيات قصصية أو مسرحية.
11 - تنمية القدرات الابداعية للأطفال
12 - تهيئة الأطفال كي ينهضوا بدور ايجابي وفي عالم المستقبل من خلال تشكيل إنسان فعال مفكر, ومبدع قادر على التفكير والتخطيط والتطوير واتخاذ القرارات المناسبة في مختلف الميادين.
13 - غرس السلوك السليم و تشكيل عادات اجتماعية سليمة.
14 - تنمية قدرة الطفل على معرفة الأشياء من حوله من خلال تنمية قوة ملاحظته.
15 - تنمية ملكة التحدث والإنشاء والحفظ.
16 - غرس قيم العمل الشريف والإعلاء من شانه.
17 - اعتماد الأدب وسيلة هامة في علاج بعض الامراض النفسية كالخجل والعدوانية.
18 - تعليم الاطفال كيفية استخدام الاسلوب اللغوي السليم.
19 - تنمية خيال الطفل.
20 - تقوية ذاكرة الطفل.
21 - غرس القيم الروحية والدينية السليمة.
22 - مساعدته على تكوين اتجاهات إيجابه تجاه نفسة والآخر.
23 - تكوين عادات قرائية سليمة.
24 - الإسهام في نمو الاطفال العقلي والنفسي والاجتماعي.
25 - إعداد الطفل إعداداً ايجابياً بحيث يكون مستقلاً كي يتحمل مسؤولياته الاجتماعية المختلفة.
26 - خلق روح التضامن الاجتماعي وإنساني.
27 - تقوية الروح الوطنية والقومية والإنسانية.
28 - بناء إنسان جديد ومتميز ومتقدم.
29 - تفريغ الشحنات والانفعالات النفسية.
30 - تقديم متعة وتسلية للأطفال.
31 تعزيز الالتزام بالنظام العام وبالأنماط السلوكية الإيجابية.
32 - تنمية قدرة الأطفال على التفكير المنطقي السليم وربط السبب بالنتيجة.
33 - تطوير النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية من خلال بناء عالم جديد يبدأ من الطفولة.
34 - الاطلاع على النظم والفلسفات التي تحكم العالم وصولا الى تغيرها.
وهكذا يتبين على نحو واضح مفارقة النص الإبداعي الموجه للأطفال لأدب الكبار على نحو شامل سيما وأنه بالأساس وسيلة لتحقيق غايات معينة لذلك فهو يتسم بسمات ومعايير وله أهداف خاصة على عكس أدب الكبار الذي يتسم بالحرية على نحو كبير . ,هكذا يتجلى الإختلاف الكبير بين بنية النص في أدب الكبار وبنية النص في أدب الأطفال على وفق ثنائية القيد والحرية التي تعطي الهوية الفنية والموضوعية والجنسية لكل منهما.
- 3-
لقد تبين بما لا يقبل الشك أهمية أدب الأطفال وحساسيته ,لان متلقيه لما يزل غض ولم يتشكل وعيه بعد بل هو ورقة بيضا نكتب عليها ما نشاء ومن خلال الادب نستطيع تشكيل وعيه ووجدانه الثقافي وشخصيته الحضارية وبالتالي ,نؤسس لمستقبل الأمة التي يتوقف على مدى قدرتنا على التعامل مع أطفالنا بطريقة تستجيب لمتطلبات العصر من جهة وتحافظ على هوية الامة من جهة أخرى وهذا لا يتم الا عبر الوعي باستخدام افضل الوسائل التربوية والتعليمة واكثر تقدما وفي مقدمتها أدب الاطفال وسائطه .
وهنا بالضبط تكمن خطورة الادب المترجم للأطفال لأنه يقدم لمن هم مستقبل الأمة وسيسهم في تشكيل وعيهم وشخصيتهم .لذلك ينغي الانتباه الى هذا النوع من الادب والثقافة لاسيما وأن الامة تواجهه هجمة عولمية شرسة تحاول مسخ هويتها واستعمار عقلها _ كما يحاولون السيطرة على أرضها _ بوساطة ارسال خطاب ثقافي يتسم بلغة مخاتلة تخفي أكثر مما تعلن مع استخدام اكثر وسائل الأقناع تقدما وأحدث التقانات التوصيلة واكثر إدهاشا . 14 لها القدرة على التأثير على الكبار وادهاشهم . فكيف بالأطفال لاسيما وأن العالم اصبح _كما هو معروف _ قرية صغيرة ولا يمكن لك أن تسد ابواب بيتك ونوافذه إمام الرياح العاتية القادمة لأنها اقوى من اسوار بيتك .ولكنك تسطيع أن تقوي جذر الارض واساس بيتك بحيث لا تؤثر فيه الرياح ولا تستطيع اقتلاعه مهما كانت .
وعليه علينا العمل على إنتاج خطاب ينطلق من روح هذه الامة وهويتها ويؤسس لتطورها ولعل الاهم هنا هو الخطاب الموجه للأطفال الذي يجب أن يكون اصيلا ويعبر عن هوية الامة الحضارية وإنتاج برامج تثقفية مناسبة للأطفال من حيث قدرتها على الادهاش وجذب الاطفال وتعبيرها عن روح الامة لاسيما ,اننا نواجه خطابا عولميا يحاول مسخ الهوية الوطنية للشعوب وإنشاء خطاب النمط الواحد هو ثقافة الاقوى (النمط الامريكي ) وهو أخطر ما يكون على هويتنا القومية وعلى مستقبل اطفالنا لأنها تحاول تخريب العقل العربي وتسطيحه في محاولة للسيطرة علية واستلاب هويته .
وهنا تكمن أهمية الانتباه للأدب المترجم للأطفال ولا يخفى على أحد بأن المؤسسات الغربية التي تعمل على غزو العقل العربي قد عملت على نشر كتب مترجمة للاطفال عبر تأسيس دور نشر تابعة لها وإن كانت بواجهات عربية و وكذلك الإغداق على مترجمين ودور نشر سرا وجهرا 15,.وهو دعم بتفقد الى البراءة بالتأكيد لأنه ينطلق من برنامج خاص يعمل على التبشير لمركزية العقل الغربي والمثاقفة التي تعمل على استيراد ثقافة الاخر والاعجاب بها من خلال تقديم نصوصا ادبية تتغنى بالحياة الغربية وتظهر نزعة التعالي على الشعوب الاخرى بوصفها شعوبا متخلفة لا تستحق الحياة على النحو الذي نراه في قصص طرزان والرجل الابيض الذي يقتل بوحشية قبائلا من الهنود الحمر( المتوحشة ) التي لا تستحق الحياة لأنها عالة على الانسانية.
لا شك أن للترجمة فوائد وايجابيات سواء للأدب الأطفال ام لغيره من صنوف العلم والمعرفة المختلفة غير إن الترجمة غير المنضبطة والموجهة على نحو صحيح لخدمة أمتنا لا يمكن لها الا أن تسبب الكثير من الاشكاليات التي تفرغ هدف الترجمة من محتواه الحقيقي والغاية المتوخاة منه بحيث يكون عاملا تخريب لعقل الامة الجمعي لاسيما الاطفال منهم .
ولعل أخطر هذه الاشكاليات هي اشكالية الهوية القومية فكل أمة تنتج ادبا لأطفالها يتناسب مع ثقافتها و حضارتها تقدمه لأطفالها على نحو جميل وشيق مع أجل تعزيز هويتها الثقافة والقومية لذلك فالأدب المترجم يتحدث عن هوية اخرى غير هوية المتلقي فيحاول غرس مفاهيم وافكار مغايرة للهوية العربية16 فمثلا نجدا ابطالا من الوهم ,او يتحدث عن ابطال اممهم أخرى على حين يجب ان يقدم لأطفال ابطالا قوميين من ارض العرب لتعزز قيم البطولة العربية والمحافظة على هويتنا , ولا يخلو هذا الأدب المستورد من دعاية لطبيعة الحياة الاخرى في بلد المصدر وتصويرها على انه جنة الفردوس وبلد الحياة الحرة على حين تشيع النظرة الدونية للأمم الاخرى مما يجعل الطفل يشعر بالاغتراب وقلق الهوية مما يشكل خطرا على انتمائه القومي سيما وأن معظم الأدب المترجم هو من اللغتين الفرنسية والإنكليزية .
ولا يخلو الامر من اشكالية لغوية تتعلق بطيعة الترجمة التي تخلوا من اساليب الجمال العربي واستخدام طاقة اللغة التعبيرية لاسيما مع الترجمات السطحية التي تنقل النص نقلا من لغة اخرى الى اللغة العربية من دون النظر الى لأساليب الجمالية للغة ومن جهة أخرى فإن بعض الترجمات تفشل في تلبية متطلبات حاجة الطفل اللغوية انطلاقا من قاموسه اللغوي الذي يتناسب مع مرحلة عمرية ولا يتناسب مع المرحلة الاخرى ,ويجب الا ننسى هنا موضوعة البرامج التلفازية المترجمة الى اللغات العامية والتي يتولد اشكالية ازدواجية اللغة عند الأطفال مما يتوجب الانتباه لهذه الموضوعة وعدم السماح بالترجمة للعامية .
وينبغي عدم تجاهل الكم الهائل من المشكلات التربوية والسيكولوجية التي تسبب بها الادب المترجم للأطفال عليهم نتيجة لما يحمل من قيم مغايره بعضها يدعوا لتغليب العنف والاخر وسيادة القوة على العدل والعقل والحوار وطريقة إنهاء المشكلات مع الاخر بالعنف بدلا من قبول الاخر والحوار معه . كما أنه يعمل على تغريب الفرد عن مجتمعه نتيجة لجملة القيم الغريبة التي يرسلها الادب المترجم للطفل العربي وهكذا يمكن اجمال عدد من الاشكاليات التي يثيرها ادب الطفال ولعل من أهمها :
1- اشكالية الهوية القومية ومحاولة تشويه الهوية القومية عند الاطفال وجعلهم يقلدون الاخر إن لم يكون ينبهون به ويتبنون كل قيمه بل والدفاع عنه كما يحصل مع بعض المتفرسنين او المتأمركين او المتجنزلين ...او حتى المتصهيين .
2- الاشكالية اللغوية الناتجة عن ضعف الترجمة او الترجمة للعامية .
3- الاشكالية التربوية والاخلاقية والناتجة عن نقل قيم امة اخرى تصلح لها ولا تصلح لغيرها الى امة أخرى تختلف تماما عنها .
4- الإشكالية النفسية : والناتجة عن اشاعة قيم العنف وعدم احترام الاخرى فضلا عن النظرة الدونية للمجتمعات غير الغربية مما يولد ازمات نفسية حادة لدى الاطفال ناتجة عن المقارنة بين طبيعة المجتمع العربي وصورة المجتمع الغربي على النحو الذي يصورها الادب المترجم من الغرب للعرب .
5- اشكالية الادب المناسب للعمر الطفل الناتجة عن ترجمة ادب لا يعرف مترجمه أو المؤسسة التي ترجمته الفئة العمرية التي توجه له وهذا امر في غاية الاهمية فما يناسب مرحلة الطفولة المتقدمة لا يناسب المتأخرة ..
6- الاشكالية الجمالية والاسلوبية : تعد التنمية الجمالية واحد من أهم أهدف أدب الأطفال لأنه يسهم بخلق جيل واعي وناقد ويقدر قيمة الجمال .غير أن بعض الترجمات تخلوا كثيرا من جمالية اللغة والاسلوب لأنها اخفقت في تلمس طاقة اللغة الجمالية .
-4-
وختاما فإن الاهتمام بأدب الأطفال يعود اساساً الى رؤية تحاول الاهتمام بأدب الاطفال بوصفة وسيلة تربوية اساساً تنهض بالطفولة وتنميتها على أسس علمية مدروسة وصولا الى تنمية مجتمع جديدٍ متطلع الى الأمام كي نحاول الحاق بالعالم لان البداية المؤكدة تبدأ مع الطفولة أكيد.
تقتضي هذا الرؤية إخراج أدب الأطفال من الفوضى الى النظام من الاجتهاد الفردي الى العمل المؤسساتي المنظم والمبرمج وعليه نوصي بالآتي:
1- أن يكون أدب الطفل جنساً مستقلاً عن أدب الكبار وتنضوي تحته أنواع شعرية ودرامية وسردية ليكون مدخلاً لتحديد شخصية اولًا.
2- الإهتمام المؤسساتي بأدب الطفل وتحويل الإهتمام به من المزاجية الفردية الى التخطيط العلمي المدروس من خلال مؤسسات قومية تهتم بالطفولة.
3- وضع حدود دقيقة لمستويات أدب الطفل بحسب المستوى العمري والادراكي وهذا أمر غاية بالأهمية.
4- الاهتمام برياض الأطفال ومعلمات الأطفال على نحو مدروس وتهيئة المستلزمات كلها لهم .
5- الاهتمام بيئة الطفل ومحاولة محو أمية الآباء والأُمهات لاسيما من النواحي التربوية النفسية والأدبية.
6- تشجيع تأسيس مكتبات عامة ومنزلية ومدرسية متخصصة بالأطفال .
7- الاهتمام بالقاموس اللغوي للطفل والعمل على تنميته وإثرائه.
8- مراقبة الأدب المترجم للأطفال وإخيار الصالح منه.
9- الاهتمام الفني والتقني ببرامج الاطفال التلفازية والأذاعية ومحاولة انتاج برامج مدروسة.
10- الاهتمام بالهوية القومية من خلال الاهتمام بالأدب ووسائطه.
11- دعم كتاب الطفل دعماً مادياً كبيراً بحيث يجعل الحصول علية ميسراً لمعظم شرائح المجتمع.
12- تدريس أدب الاطفال في الجامعات وأن يكون متطلبا جامعيا لا أهمية الامر في تنمية المجتمع.
13- العمل على انشاء مؤسسات وطنية وقومية تشرف على أدب الأطفل على نحو علمي ومنهجي ومدروس في البلدان العربية.
14- وضع رقابة صارمة ومبرمجة على دور النشر الخاصة بالأطفال لمنع أية محاولة تقديم أدب تجاري ,أو هزيل ,أو غير منسجم مع هويتنا القومية والدينية.
15- أن تنهض الجامعة العربية بوضع استراتيجية مدروسة لهذا الموضوع.
الهوامش والاحالات:
1- د. هادي نعمان الهيتي ، ادب الاطفال فلسفته وفنونه وسائطه بغداد – القاهرة ط1 1976ص 5
2- د، علي حداد، اليد والبرعم-دراسات في ادب الاطفال – ظ1 صنعاء ص17
3- نفسه 63
4- احمد السيد حلاوةادب الاطفال مدخل نفسي واجتماعي10
5- سلسيسا فاجيل ، مشكلات الادب الطفلي ت مها عرقسوسي ، دمشق ، ط1 1998، ص25
6- د. هادي نعمان الهيتي، ادب الاطفال –فلسفته فنونه وسائطه- ص17
7- د. هادي تعمان الهيتي، ثقافة الاطفال ،عالم المعرفة الكويت ط1 1978 ص155
8- د. اسماعيل عبد الفتاح، ادب الاطفال في العلم المعاصر- رؤية تحليلة نقدية- القاهرة ط1 2000 ص23
9- عبد الله ابو هيف التنمية الثقافية للطفل دمشق ط1 2001 ص35
10- احمد حسن صديق ادب الاطفال اهدافه وسماته بيروت ط1 1996ص71
11- طلعت فهمي خفاجة ادب الاطفال في مواجهة الغزو الثقافي طنطا ط1 2006 ط19
12- د. حسن شحاته ص12
13 - ينظر:
أ- د. علي حداد ص 36
ب- د. نبيلة ابراهيم – البطل والبطولة- بحث منشور في بحوث الملتقى الدراسي القاهرة ط1 1982 ص68
ت- د. نوري جعفر ، الخيال العلمي وعالم الاطفال، بغداد ط1 1978 ص95
ث- جين كارل، كتب الاطفال ومبدعوها، ت صفاء روماني، دمشق ط1 1994 ص20
ج- د. محمد حسن عبد الله ، قصص الاطفال ومسرحهم، الاقاهرة ط1 2000 ص20
ح- د. هادي نعمان الهيتي , ادب الاطفال فلسفته وفنونه وساثطه ص216-217
14- ينظر: عبد السلام المسدي, نحو وعي ثقافي جديد ,كتاب مجلة دبي الثقافية .العدد 34,مارس /2010.ص106
15- ينظر : د. هادي نعمان الهيتي ,ص282
16- ينظر سمير روحي : أدب الاطفال وثقافتهم –قراءة نقدية ,دمشق .ط1 .1989,ص71