وصلتني هذه الأحرف.. الأسطر الرائعة من أخي الدكتور فواز غنيم ..
فأحببت أن أتشرف بكتابة "هويمشٍ"عليها :
نعم.
القراءة : غذاء ..
والكتابة : دواء
غذاء : بكل ما تعنيه كلمة"غذاء" .. حتى أن منها "السيء"المضر بالعقل .. كما يضر الغذاء الذي انتهت صلاحيته البدن
دواء"للغير" : دواء .. من الجهل .. من ضيق الأفق ..
دواء"للذات" : "نفثة مصدور" تخفف بعض ما يعتلج في صدر الكاتب ..
ختاما :
الكتابة .. حديث الجيل إلى بعضه .. و الكتابة .. حديث السلف إلى الخلف ..
والقراءة .. استماع الجيل إلى بعضه .. و القراءة .. استماع الخلف إلى السلف
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي
لماذا نكتب .. !
الكتابة كالقراءة
في المخيال العقلي عند المثقّفين، لكنّها تأتي في درجة ثانية من حيث الأهميّة في المطالبة والنّداء، فالجهود تنصبّ نحو القراءة أولًا، إذ هي المدخل والبوّابة والعتبة الأولى إلى النّظم في عالم الأفكار والمعاني المنسوجة من الأحرف والكلمات، وعليه فلا كتابة إلا بعد ولوج، وتصريح عبور من بوّابة القراءة.
الكتابة حَفرٌ
في بئر الحروف والمعاني والكلمات، وهي في بعض الأحيان كالنّقش في الصّخر، عند من يُعنون ويُمعنون ويدقّقون جدًا في رسم المعاني والحروف والكلمات.
والنّاس في الكتابة
أنماط وطقوس وطرائقُ قددٌ، وأحوالهم وأخبارهم في ذلك مدوّنةٌ مكتوبة.
وفي الكتابة خسائر وتضحيات، عند كثيرٍ ممن كُتبت لكلماتهم الخلود في صفحات التاريخ، وبقيت نصوصهم وكلماتهم خالدة رنّانة، تخترق الحُجُبَ والحدود، وتسيح في الأرض مع توالي الأمم والأجيال.
وفي الكتابة توليد للأفكار
لأنّ القراءة: تحصيل، وفي الكتابة: إنتاج.
وكل إنتاج لابدّ له من:
مواد، وأدوات، وتنظيم، وعمل،
وكذلك هي الكتابة،
فالمواد هي:
الحقائق، والمعلومات، والمعاني، والخواطر، والأفكار.
والأدوات تتمثّل:
في العقل، والقلم، والأوراق.
والتنظيم يمثّل:
خطّة ومراحل، وكيفيات الإنتاج.
والعمل هو:
التنفيذ (الكتابة والمكتوب)، والذي لابدّ من خضوعه للمراقبة والمتابعة، والتّصحيح والمراجعات.
وتوليد الأفكار
هو من أجمل وأعظم فوائد الكتابة،
وقد يقول قائل: وهل الأفكار إلا ولائد القراءة.
والجواب: صحيح، فهنّ كذلك، ولكنّك في القراءة تستقبل أفكار وولائد غيرك، وتكون هي الخليط والأمشاج والمواد الخام التي ستنتجها أنت في مصنع الكتابة الخاص بك، ألا تراهم يقولون ويسألون الكاتب: هل هذا من بنات / بنيّات أفكارك .. !
فالكتابة هي أوضح وأرحب الطرق إلى ظهور: بنات وبنيّات الأفكار.
وفي الكتابة شفاء ودواء
ولستُ أعلمُ السّرَّ في ذلك ..
ربما لأنّها تشبه الحالة التي يجدها المرء عند وجوده على ضفاف البحر، وفي الفضاء الواسع الرّحب الفسيح، وربّما لأنّ في الكتابة نوع من الاستماع والحديث الهادئ مع النّفس، ونوع من التعبير والإعراب الذي تستروح إليه النّفس ولو كان إلى الصّحائف والأوراق، ولو كانت لغير النّشر.
والكتابة من عجائب خلق الله في هذا الإنسان،
الذي لا يملك ولا يعلم من نفسه إلا القليل مما أذن الله له به، فهي ممّا لا يتأتّى إلا بقدر وتوقيت نادر خاص، عند كثيرٍ من الكتبة، إلا الكتبة التجاريّون .. !
وكثيرًا ما يعود الكتبة المجيدون بخفّي حنين، أو يكون حالهم كحال الجمَل الذي تمخّض فولد فأرًا ..
بعضهم لا يجد غضاضة فيكشف عن ذلك ويُخبر به، والأكثرون يخفونه بالطّبع.
فلا تقلق عندما تكتب، ثم تتعثّر، أو عندما تجد من نفسك الرّغبة في أن تسجّر بأوراقك التّنّور.
في الكتابة خلود
خلود رمزي نسبي، لكّنه قوي وغالب وطويل، تخيّل عند انقطاع الكهرباء، أو خطوط الإنترنت، كيف سيكون الوصول إلى هذه البحار والمحيطات الضخمة من المواد والتسجيلات الصوتية والمرئية، وانظر إلى الحروف والكلمات المنقوشة والكامنة في بطون الكتب، إنّها باقية كما هي ..
في هيبة وقوّة وشموخ.
وفي الكتابة ضرورة لكلّ أحد
فبها يحصل ترتيب المواعيد، والأشياء، والحياة، وبها يحصل التّواصل والتّعليم، والسؤال والجواب، ولذلك كان في التعليم مادة: الإنشاء والتّعبير، ومنذ سنوات الدراسة الأولى، وكان العقّاد يدرّب صغار قرابته وقريته على الكتابة، ويضع لهم المسابقات في ذلك.
فأطلِق لقلمك العنان
وليس بالضّرورة هنا في قطوف، بل المقصود أن تكتب وأن تطلق العنان لنفسك ولقلمك في كتابة النّافع المفيد، وأن تحرص دومًا على الارتقاء والتطوير لكتابتك، ولا بأس بالاقتباس والاختيار والتّلخيص، فكل ذلك داخل في الكتابة، وهو نوعٌ منها، وما يدريك فقد تتفجّر لك فجأة آبار النّفط، وقد تقع على منابع لمياه جوفية كامنة في نفسك، فتجري وتسقي، ما شاء الله لها، أن تجري وتسقي.
#قهوة_وورقة_وقصاصة