آهٍ أميّة..
سوسن البرغوثي

نقف خاشعين أمام رهبة الموت، تغتسل وجوهنا المفجوعة بصفرة الصدمة، وألم الفقد، وحزن يطفو فوق أسئلة تتوارى إلى حين أمام حقيقة المصاب..
يصعب على المرء أن يبوح بأحاسيسه عبر كلمات، وهو يخطّها على الورق الأصم، فهي أصغر بكثير من أن تفي حجم الحزن، وأن نسطر كلمات رثاء، يكون إيقاع الفقد أقوى من حروفها.. تحيط بما يعتمل في الصدور من حزن مشوب بالغضب، يكبّل اللسان، ويلجم إرادة التحمّل، ويحاصر قسوة الصدمة في قوقعة أعماقنا.
فجأة يختار ملك الموت من مواكب الأحبّة إلى قلوبنا شهيدًا، هكذا دون موعد، يكسر رتابة الحياة، ويضيّق علينا فسحات الأمل وساحات الانتظار، كلها تتقزّم أمام إرادة القدر.. يغادر الشهداء إلى عالم أكثر رحمة وعدلاً، وتبقى الأسئلة الحائرة تجول في خفايا النفوس.
لماذا نفقد الأحبة، لماذا يعلن الحصار حربه القاسية، وكيف تستطيع النفوس المستهترة العبث بحياة مليون ونصف من البشر؟، تختطف من بين ظهرانينا أحلامهم وأمنياتنا..
أعهدك الصابرة أميّة، المؤمنة بمشيئة الله وما قدّر فعل. صمودك الصعب لرحيل من أغلى ما تملكين في هذه الحياة، يتوّجك زوجة لشهيدين.. وكما قالت أم الشهداء عندما سُئلت عن ارتقاء فلذات كبدها للعلياء: أعطيت الغالي للأغلى، كلهم شهداء خلعوا عن النخوة العربية ثوبها الذي كان ملاذ دفء للمظلومين.
ذنبكم، أنكم تنشدون الحرية بعزة وإباء، في زمن كثرت فيه قوافل العبيد الجاحدين المخذولين، وأنتم الأسرى في حضن وطن محاصر، تطالبون بحياة كريمة، أما خطايهم التي لا تعد ولا تحصى، فإنهم يقتلون قيمة الحياة.

سوسن البرغوتي