عشرة رجال في كف امرأة
قصة /
أحمد ختّاوي
غرفة منافية للضوء ..
أطلت منها بلقيس ..كان الضوء خافتا ...باهتا ..
كانوا عشرة رجال إلا واحد كان نائما بالغرفة الموازية ..
كانوا عشرة قتلة .. في كفها يقرؤون طالعها .. طالعهم ..
كانوا عشرة ، إلا واحدا كان يغزل الصوف في كف بلقيس ..
على كف عفريت ..على كف البسيطة ..
كانوا عشرة عناوين في صفيحة . في صحيفة ..
إلا واحدا كان بباب السقيفة ..كان يستطلع بنود العهود والاتفاقيات السابقة ..
يقرأ ما تيسر من تبت يد أبي لهب ..كان ببهو السقيفة ..
أطلت بلقيس من النافذة المنافية للهواء ..
كانت طاووسا أعمى . كانت ترتدي لباس زرقاء اليمامة .
كانت على اليابسة .. في الغرفة المجاورة ..
نقلها الفأر طوعا .. بمحرض إرادتها ..من سد مأرب ، إلى سد مأرب ، إلى مملكة سبأ ..
إلى الضوء الخافت ، بمحض إرادتها ..
كان البردوني واقفا ..يقرأ شعر نزار الذي تزوجها .. يستنجد بأبي العلاء المعري ..
في زمن العري ..
كانت الواحدة .. في معصم هارون الرشيد الذي أهدى وقته لشارلومان ..
بعد الساعة الواحدة ، وما تلاها من الدقائق والأزمنة .
كانوا عشرة إلا واحدة ..: الأزمنة الغابرة ..
كانوا على متن الطائرة ..
هلكوا جميعا إلا واحدة .. كانت تمتطي جواد الإلهة ....في طقوس اليونان والفراعنة..
كانوا يطلون من النافذة ..
فتحها أحد العراة .. الرعاة ..الذي تطاول في البنيان ..
فكانت الواقعة ..وما أدراك من الواقعة ..
ابتلعهم جميعا حوت يونس ..الذي كان في بطن بلقيس ..التي أصرت على أن الواقعة ..
كانت خطأ من غرفة القيادة ..
في الطائرة التي استقلتهم من صنعاء إلى صنعاء . مرورا بصنعاء التي كانت عدن .. ثم من عدن مرورا بخليج عدن .في اتجاه عدن .. في اتجاه اليابسة
ذهابا وإيابا من عدن إلى عدن . إلى خليج عدن ..إلى صحراء العقبة ..
كانوا كلهم غلبة ..حفاة عراة .. يتطاولون في البنيان .
كان قائد الطائرة ..هذا الذي اختفى .. على متن الطائرة ..
الذي كان محل بحث من الإلهة ..في عهد السماسرة .
الذي سقط من العدد العاشر .. الذي كان على كف امرأة تدعى الفارعة
كانت تقل الطائرة من طوباس (1) من أوسلو .. إلى وادي الفارعة ..إلى سفح الفارعة .. بين نابلس وجنين ..إلى قلقيلية .. إلى عدن مرورا بمملكة الأكسوم(2)بحضرموت ، إلى مملكة أوجاع قلبي ..ومنفاه بسفوح الفارعة ..
كنا تسعا وتسعين راكبا ..كلنا حفاة .. عراة ..نتطاول في البنيان
كنا كلنا في الدرك الأسفل ، في اليابسة ، على متن الطائرة ..والحافلة
لم ينج منا أحد .
إلا واحدا . كان على وشك السقوط من كف بلقيس التي كانت تملك قصرا من البلور
فوق الماء .. والتي كانت تمتطي الطائرة .
التي كانت تخشى بأس عمرو بن أبرهة .. كانت تلقبه ذي الأذعار ..لأنها ربما كانت مكرا تحبه.
كانت الساعة بمعصمي تشير إلى العاشرة .قبل زوال القاهرة ..
حيث آوت الشمس إلى جحرها .. عند زوال البارحة .قبل أفول نجم الذي هوى فوق رمال البحر الأحمر، الأمرد .. على الماء و على اليابسة ..
على وجه الصبي الأمرد ..
حيث تطل شمس الهجير ، عند أفول شمس كنعان / همدان / الخزرج وقبائل اليمن .
وكل القبائل ..حتى التي لم يرد ذكرها في الأثر
لم نكن من العشرة المبشرين بالجنة ..
لأنا كنا نرتدي ضفائر بلقيس التي سألتها في الختام .
وهي تطل من النافذة :
أين اختفى العفريت الأمرد ؟
قلنا جميعا / في الغرفة المنافية ،لغرفة القيادة .
حيث أرتد الطرف ..
حيث أن سيبويه الذي كان يقود الطائرة .
كان معنا ..
سألناه عن التي والذي ، تعدد تكرارها ..قال
موصولا بالشكر أحيانا ، مشارا إليه بالبنان طورا
قلنا / شكرا ..
وكنا كلنا مبشرين بالبؤس إلى الأبد ، لم نكن عشرة ، كان واحد منا على أجنحة رموش بلقيس ،حيث سقط من القائمة .
لأنه ببساطة لم يكن مدرجا في الرحلة القادمة من عدن إلى عدن إلى كف بلقيس التي لفضتنا جميعا
لأننا كنا من أشراط الساعة .
ندفن جفونا في رموشها ، لأنها أطلت من الغرفة المنافية التي اختفى فيها عفريت سليمان الذي سقط حتما من القائمة ..
القادمة من ذواتنا .. من أصلابنا ..
للتأكيد :
كنا عشرة رجال في كف امرأة .
كنا بيضا وسودا ..كصفار البيض..كصغارها . فوق كفها
نطل على اليابسة
وفأرنا يقضم أظافرها
نقرأ طالعها .. طالعنا ..فكانت الصاعقة ..
لا نفرق بين التي والذي في النحو والصرف ..في البنوك ، غير أننا نملك أدواتها في قواميسنا
اعتبارا من سيبويه ، إلى الجرجاني ، إلى قائمة أوجاعي .. بين الوصل والإشارة .إلى الضوء الخافت .في غرفة بلقيس الباهتة .
أحمد ختّاوي
هوامش /
1() من قرى فلسطين .
2() مملكة ازدهرت فيها الحضارة والنقوش /