منقوول عن العربية نت

نكات العراقيين في العيد!


يتفق العراقيون في تسمية اليوم الأول من العيد "مصباح العيد" لكنهم يختلفون في تحديد موعده.


وفي هذا تقول نكتة عراقية إن أعاصير عاتية وصواعق نارية تقاذفت مركباً وسط البحر، فقال الملاح السُّني: "القيامة قامت"!.. استدرك الملاح الشيعي: "نحن قيامتنا بعد يومين". وهذه هي الوظيفة الاجتماعية للنكات التي نشأت من التفاعل بين البشر. تذكر ذلك المجلة العلمية "نيوساينتست" في تقريرها المنشور أخيراً "حول أصل الضحك".

وتنقل المجلة العلمية عن ديفيد ولسن عالم البيولوجيا في جامعة بنهامتن في نيويورك قوله "إن الاستجابة الشعورية للنكتة نشأت كمساعد للتنظيم الاجتماعي، ولعقد الصلات فيما بين أجدادنا القدماء. ولعل الدماغ البشري طوّر فيما بعد ملكات عقلية، كاللغة التي استعارت الممرات الشعورية المتصلة بالنكتة". أي أن الضحك وروح النكتة سابقان لنشوء اللغة.

ولعل هذا سبب الصعوبات التي يواجهها علماء الكومبيوتر في محاولاتهم لتطوير أجهزة كومبيوتر تؤلف النكات. فاهتمام علماء الكومبيوتر ينصب على المعالجة اللغوية، وعلى النكات اللفظية، التي تعتمد على الأخطاء اللفظية، أو اللعب بالألفاظ. تشير إلى ذلك تجارب العالم الروسي إيغور سوسلوف في "معهد كابيتسا للفيزياء في موسكو". ويذكر سوسلوف أن "لوغاريثم المعالجة اللغوية يجعل الأخطاء اللفظية حتمية". وروح النكتة في اعتقاد سوسلوف "هي طريقة الدماغ في معالجة هذه الأخطاء: استجابة شعورية سريعة تجعلنا واعين بوقوع خطأ، وتزود إدراكنا بمعلومات جديدة، وبسرعة". والوظيفة البيولوجية للنكتة، حسب تقديره "رفع كفاءة عمليات الدماغ.. نحن نضحك فيما يشق دماغنا طريقه خارج الوضع المتناقض".

وقد تفسر هذه الحقيقة البيولوجية نكات العراقيين الكثيرة عن الأكراد؟ فغالباً ما تعتمد هذه النكات على أخطاء لغوية، أو سوء تفاهم لغوي، كالنكتة عن كردي سأل كردياً: "إنت شلون عرفت لاعب الكرة رونالدو اسمه صالح"؟.. أجابه: "كاكه إنت ما تسمع المعلق دائماً يقول: خطأ لصالح رونالدو"؟.. وفي نكتة أخرى يسأل الطبيب كردياً يشكو من عدم قدرته على إنجاب أطفال، عمّا إذا كان أحد من أفراد أسرته لم ينجب؟.. أجاب الكردي: "الوالد". سأله الطبيب باستغراب: "وانت منين جيت"!؟. قال الكردي: "من السليمانية". وتروي نكتة كردية قصيرة عن مدرس يسأل الطالب: "كم عمر والدك"؟.. يجيب الطالب: "ما أدري أستاذ.. بس الوالد من زمان عندنا"!

لكن نظرية سوسلوف لا تفسر سر النكات عن سكان الموصل شمال العراق. فهذه النكات لا تعتمد على الأخطاء اللغوية، بل تستهدف ما يُشاع عن حرص الموصليين على الاقتصاد وعدم تبذير النقود، كالنكتة عن موصلي ذهب لزيارة أمه بالمستشفى فوجد على باب غرفتها يافطة مكتوب عليها: "ادفعْ". قال لنفسه: "ما أزورها إلاّ لما تطلع من المستشفى"!

وتركز النكتة التالية أيضاً على حرص الموصلي على عدم التبذير: سألوا موصلياً كيف يدفئ نفسه في الشتاء، قال: "أُقرِّب المدفأة مني". سألوه: "وإذا بردت كثيراً؟" أجاب: "أحضن المدفأة". و"إذا بردت كثيراً جداً؟".. قال: "اضطر أشغل المدفأة"!. وتروي واحدة من أظرف النكات بهذا الصدد عن موصلي لم يتوقف عن أكل "البرغل" يومياً خلال أربع سنوات، والتعوذ والبسملة كل مرّة قبل أن يشرع بتناول صحن "البرغل". ولم يطق الشيطان أخيراً فصاح به: "عزيزي لو تغير أكلتك لو ما تتعوذ قبل الأكل"!.

والأجرُ في النكات على قدر المشقة. تشير إلى ذلك نكات العراقيين المهاجرين والمشردين، الذين يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين. يواجه العراقيون النازحون إلى دول الجوار مشاكل كثيرة تتعلق بسمات الدخول، والإقامة والتعامل مع السلطات، وتأمين وسائل العيش. وبين النازحين إلى الأردن، والذين يُقدّر عددهم بنحو مليون عزيز قومٍ ذل، يمثلون النخبة من أطباء ومهندسي وعلماء وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال.

والنكات، كالأدب، والذي يقول عنه الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "ليس هناك أدب تقدمي وأدب رجعي.. بل أدب جيد وأدب سيئ". وكما في الإبداع الأدبي والفني يغالب العراقيون بالنكات آلامهم. فالتقارير الأخيرة عن عودة المهجرين تثير نكاتا تعكس واقع الحال، كالنكتة عن عراقي هاجر عدة مرات بين سوريا والعراق. وطلب منه مدير مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في دمشق أن يقرر نهائياً أين يرغب بالعيش؟.. قال العراقي: "تريد الصدق.. لا أريد أعيش ببغداد ولا بالشام.. بس الطريق رايح جاي يونّس"!

وهل هناك تعليق أصدق من ذلك على أوضاع عائدين وجدوا بيوتهم يسكنها نازحون من الداخل؟ ذكرت ذلك صحيفة "واشنطن بوست"، التي أجرت لقاءات مع العائدين، بينهم المهندس كريم سعدي هادي، الذي يعمل في مخزن للأحذية في الكرادة. قال المهندس هادي إنه عاد مع أسرته من دمشق بعد أن نفدت نقوده، ليجمع ما يكفي من المال للمغادرة مرة أخرى.

وأعتذر للقارئ العربي عن الحفاظ على اللهجة العراقية التي تعبر بشكل مؤثر عن المرارة، كما في النكتة التالية عن أردني عثر على مصباح علاء الدين السحري، وأطلق من داخله المارد، الذي وقف بين يديه: "شبيك لبيك وأنا عبد بين إيديك.. أطلب واتمنى"؟.. قال الأردني: "اريدك تطلّع كل العراقيين من الأردن". قال المارد: "ليش يا معوّد.. رحمة على أجدادك شمسوين إحنا"؟!

وتعكس روح التمرد على ذل الغربة نكتة عن امرأة عراقية شكت للقاضي زوجها العربي، الذي اعتاد على ضربها وزوجاته الثلاث بعصا غليظة كل ليلة. وعندما سأل القاضي محاميها أن يقدم العصا للمحكمة للبرهنة على ادعائها، قال المحامي: "لا أستطيع يا حضرة القاضي.. كسرتها على رأس زوجها"!

ومن أظرف نكات العراقيين المقيمين في منطقة الخليج معجم خاص بالترجمة الهندية للأمثال العربية، بينها: "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"، وترجمته بالهندية: "إزا كركر فزّه.. مافي كلام زهب"!. و"لا تمدحنّ امرءاً حتى تجربه ولا تذمنه من غير تجريب"، وترجمته بالهندية: "كلام مافي هزا نفر وايد زين وإلاّ مافي زين قبل ما يسوي". و"الذي ما يعرف الصقر يشويه"، وترجمته: "نفر ما يعرف سقر يسويه شاورمه"!

وضحكٌ مع الناس عيد. فالضحك معدٍ، حسب علماء الأنثربولوجيا، الذين وجدوا احتمال أن يضحك الناس عند سماعهم النكتة في حضور الآخرين يعادل 30 مرة عندما يسمعونها لوحدهم. ولكن ما تفسير نكات نظل نضحك لها لوحدنا بعد أيام من سماعها؟.. حدث لي ذلك مع نكتة عن طالب خشي الذهاب إلى جامعته، التي تسيطر عليها المليشيات لمعرفة نتائج امتحانه. وسأل جاره، الذي يعمل لحساب المليشيات أن يقوم بذلك. واتفق معه على ألا يعلن النتائج أمام أهله، وأن يذكر إذا كان راسباً في درس واحد: "محمد يسلم عليك"، وإذا كان راسباً بدرسين: "محمدين يسلمون عليك". وعاد الجار بالنتيجة معلناً: "كُل أمّة محمد تسلم عليك"!

*نقلاً عن صحيفة "الاتحاد" الاماراتية