يقف طويلا منتظرا الضوء الأخضر مرتبا أفكاره ومحددا اتجاهه وتركيزه الأكبر .
اغواء اللون الأحمر يدفعه للمخاطرة أحيانا ولكنه يتراجع فى اللحظة الأخيرة .
تذكر جيبه الخاوى ومعدته الفارغة وعيناه تلاحق السيارات التى تنهش الطريق بلا هوادة .
مسح عن جبينه أحلاما تراوده بين الحين والاخر كلما سطع الضوء الأصفر .
ليس وحده المنتظر بداية السباق هم كثيرون والطريق طويل والماهر هو من يربح فى النهاية .
سطع الضوء الأخضر فانطلق سريعا وصوته يتحدى الأبواق وجسده يمر من بين السيارات كراقص باليه محترف .
يلهث خلفهم المدة المسموح بها لا تتعدى ثوانى يجب أن يقول كل شىء وبسرعة وباحتراف .
ابتسامة خفيفة وعبارات لا يسمعها إلا هو وعرض جيد لبضاعته هى وسائله فى الإقناع .
يسطع الضوء الأحمر ليعلن إنتهاء الجولة الأولى, يعود إلى رصيف أحزانه متحسرا على خسارته إياها .
تنظر عيناه نحو الإشارة متعجلا ضوءا أخضر آخر ليعاود المحاولة .
ينتصف النهار وهو مازال متأرجحا ما بين الأحمر والأخضر .
شعور الفشل الممزوج بحبيبات العرق المالح على معدة خالية زاد من توتره .
سطع الضوء الأحمر توقف الجميع عن العدو , الكل عاد إلى مكانه متحسرا أو منتشيا بجنيه أو أكثر .
السيارات وحش يحمل خلاصه وحلمه .
انطلق فى رقصة توقف الجميع منبهرا بها , اللحن تلك المرة أكثر سرعة وصخبا ولكنه الراقص الأمهر وتلك هى رقصته الكبرى .
يعلو صوته عل أحدا يسمع , ولكنه تبخر مع عوادم السيارات , مازال يرقص والكل يشاهده بانبهار شديد , مابين الحركة والأخرى رأسه تمتد من نافذة ضيقة يعرض فيها بضاعته بسرعة أكبر .
مازال العازف يسرع فى لحنه وهو يجاريه ولكن الجسد لن يتحمل كل هذا المجهود .
مد رأسه لاهثا لم يستطع نطق حرف , نظرت إليه مخرجة عشرة جنيهات ألقتها له سريعا , منحها العلبه , لم تنتظر الباقى , وانطلقت مسرعة تلحق بالسباق .
نشوة الانتصار والجمهور المتراص على الرصيف ينتظر عودة الراقص الأمهر جعلته يقرر أن ينهى تلك الرقصة بحركة أروع .
أخذ يراوغ ويدور بسرعة أكبر وهو ممسك بجائزة أفضل راقص .. وصل إلى الرصيف منتظرا تحية جمهوره المنبهر ببراعته .
عاد ولكن الكل غادره دون أن يعبأ به ... نظر طويلا فإذا بالضوء الأخضر .
إبتسم بنشوة منتظرا ضوءا أحمر جديدا .
يحيى هاشم
18/8/2006