الزواج والطلاق عند الآشوريين
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
كلية الآداب – جامعة الموصل
يشير مصطلح (العائلة النواة) إلى اثنين متزوجين وأطفالهما، ففي بلاد وادي الرافدين القديمة، كانت العائلة النواة بـ(البيت) ومن المتوقع أن يقوم الرجل بتشييد(دار) ومن أجل تحقيق ذلك الهدف يقدم الرجل على الزواج من امرأة، فإذا لم يكن بمقدورها إنجاب الأطفال يستطيع عندئذ الزواج من أخرى أو أن يصاحب أخرى لهذا الغرض أو أن يقوم كل من الزوج والزوجة بتبني الأطفال أما عدد الأطفال الذين يتم إنجابهم فهو غير معروف، ويشير مصطلح الأسرة إلى مجموعة من الناس يسكنون سوية مع أحد الأقارب أو مجموعة من الأقارب بجانب الأطفال.
وفي بلاد وادي الرافدين يمكن أن تتضمن الأسرة الأخوات غير المتزوجات والأرامل والقاصرين وفي هذه الحالة يعرف المسكن بـ(بيت الأب)، أما أفراد العائلة فيشير بعضهم إلى البعض الآخر كأخوة.
ويتم تشخيص الرجال عن طريق اسم والدهم، ولذلك بعد إنجاب الابن والوريث امر في غاية الأهمية، ومن الممكن أن يقوم الابن بتقديم المساعدة لوالديه عند بلوغهما سن الشيخوخة ويؤدي الطقوس الخاصة بهما بعد وفاتهما، وفي الألفية الأولى قبل الميلاد تم تشخيص المواطنين بأسمائهم ويتبع ذلك اسم والدهم واسم سلفهم الذي عاش قرون خلت، أي أن (س) هو ابن (ص) من أحفاد (ع)، أما فيما يخص العبيد فإنهم لا يعطون اسم العائلة.
الزواج
تعد العلاقات الزوجية مهمة صعبة في الشرق الأدنى القديم وبصورة عامة لم يكن هناك تعدد زوجات والزيجات السعيدة ورد ذكرها في الأزمنة الغابرة،ولدى السومريين أقوال مأثورة تبين فيها حالات الزهو والافتخار بالزواج وإنجاب أكبر عدد من الأطفال.
وتشير الدلائل المتوفرة حول سكان بلاد وادي الرافدين إلى وجود علاقات غرامية تؤدي في الغالب إلى الزواج وإذا ما أخفق الاثنان في علاقتهما يقوم كل منهما بأداء الصلاة للآلهة وتوجد طقوس معينه آنذاك إذا قام الرجل بأداء هذه الطقوس فإن المرأة ستتحدث اليه متى ما يقابلها وتفقد قوتها ويكون باستطاعته كسبها.
ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن نصوصاً مختلفة تتطرق إلى نواح مختلفة تتعلق بالزواج إذ أكدت الوثائق القانونية على تعريف حقوق الملكية وأخرى تنص على النفقات والهدايا التي يقدمها والد العروس خلال فترة أربعة أشهر وهي الفترة التي تمثل مدة المفاوضات التي تجري حول زواج ابنته.
وتختلف تقاليد الزواج باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص ولكن تتضمن عملية الزواج ما لا يقل عن أربع مراحل، تتمثل الأولى بالخطوبة في حين تشير الثانية إلى المدفوعات المقدمة من قبل عائلتي العروس والعريس، أما المرحلة الثالثة فتتمثل في انتقال العروس إلى بيت أهل زوجها والزفاف والدخول إليها هي المرحلة الأخيرة، وفي أشنونا تم العثور على تعريف قانوني للزواج وتتضمن مراسيمه العقد والوليمة والعيد.
وإذا تزوج رجل من ابنة رجل آخر دون موافقة والديها ولم يهيئ الوليمة المخصصة لذلك فإنه سوف لن تعد زوجته حتى إذا عاش معها سنة كاملة، وإذا قام حفلة الزفاف والعقد لوالديها ثم تزوجها ستصبح زوجته الحقيقية اما العقد الموصوف في قوانين اشنونا فانه بين عائلتين يتم تقديمه من قبل الأبوين للزوجة وهي مبلغ من الفضة في العهد البابلي القديم.
ومن ناحية أخرى يمكن دفع المبالغ أي المهر والصداق على شكل أقساط إلى أن يولد لهما الولد الأول، ويعد ذلك مؤشراً لاستحقاق الدفع وهنا يكون الزواج قد اكتمل وتكون الأم مضطلعة بمسؤولياتها ولها حقوق قانونية كزوجة.
أما الثمن المقدم من قبل الزوج فإنه مساوٍ للمهر ويشمل ذلك حلقات من الفضة وعدد ممن العبيد ومساحة من الحقول فضلاً عن ذلك نلاحظ أن بعض المواد الأخرى تم إضافتها لذلك في الفترات اللاحقة وتشمل هذه المواد الأثاث والمجوهرات والملابس المنسوجة.
ويعد عقد الزواج اتفاقاً شفوياً يصاحبه بعض المراسيم الشكلية والرمزية فضلاً عن أداء القسم الخاص بالزواج، ولا يعرف الكثير عن مراسيم الزفاف اذ تستغرق حفلة الزفاف لدى العوائل الموسورة أياماً عدة وربما أسابيع ويقوم العريس بتقديم الهدايا بصورة عرفية معتادة إلى العروس وعائلتها أثناء حفلة الزفاف وتتضمن هذه الهدايا الاطعمة المخصصة لحفلة الزفاف والملابس والمجوهرات، وتظهر العروس خلال مراسيم الزفاف ووجهها مغطى بالخمار الذي يقوم العريس بإزاحته ولا ترتدي المرأة المتزوجة الخمار خلال زواجها في بابل، أما في آشور فهناك نصوص قانونية تشير إلى ارتداء الخمار عند زواجها.
أما الخطوة التالية في الزواج فهي مختلفة، وطالما أن البنت تتزوج بعمر مبكر لها خيارات أما أن تستمر في العيش في بيت والدها أو أن تنقل للعيش في بيت والد زوجها، وتوجد نصوص آشورية تشير إلى أن العريس يكبر العروس عادة بما لا يقل عن عشرة سنوات، فإذا ما استمرت العروس في العيش في بيت والدها يترتب على العريس أن يزور بيت والده بموجب مراسيم تقليدية.
أما فيما يخص الاتصال بالمحارم فهو منصوص عليه في القوانين ، إذ تنص المادتين (155-156) من قوانين حمورابي على أنه إذا ارتكب والد الزوج الفاحشة مع زوجة ابنه عليه أن يدفع غرامة وتعود البنت إلى أهلها مع مهرها وتستطيع أن تتزوج رجل آخر، أما إذا أكمل الولد الزواج ودخل على زوجته في هذه الحالة يعاقب الوالد الذي يرتكب الفاحشة معها بعقوبة الغرق، وقد تتم معالجة مسألة الاتصال بالمحارم في مواد قانونية عديدة وتشمل هذه القوانين الاتصال بالأخت وبنت الأخت والابنة ووالدة الزوجة والأم بعد وفاة الوالد حيث يعاقب القانون على هذه الفاحشة الأخيرة بحرق الأم وابنها.
أما فيما يخص تعدد الزوجات فهي حالات نادرة جداً، وبهذا الصدد أشارت النصوص القانونية البابلية إلى أنه فقط في حالات استثنائية جداً يمكن للرجل من أن يتزوج من امرأة ثانية، وعلى سبيل المثال نصت المادة (148) من قوانين حمورابي على أنه يحق للرجل أن يتزوج من امرأة ثانية إذا ثبت العجز التام للزوجة الأولى ولكنه لا يستطيع طلاق الزوجة الأولى ويعد الزوج مجبراً على إعالتها لحين وفاتها.
وفي بلاد آشور يمكن رفع منزلة الصاحبة إلى منزلة الزوجة ويعتمد ذلك على الرجل نفسه، وأوضحت القوانين الآشورية الوسيطة الإجراءات الخاصة بذلك، وإذا ما أراد تحجيبها ففي هذه الحالة يأتي بخمسة أو ستة من أصحابه ويقوم بتحجيبها بحضورهم ويعلن أمامهم أنها أصبحت زوجته.
ويسمح للصاحبة ارتداء الحجاب فقط عندما تصاحب زوجها الشرعي خارج البيت ويبقى وضعها القانوني ثانوياً وعندما تنجب أطفالاً لا يمكنهم أن يرثوا ويتم اختيارها عادة من بين العبيد.
الطلاق
يتخذ الرجل عادة مبادرة الطلاق إذ يستطيع الرجل أن يطلق زوجته ولكن يترتب عليه ا إعادة ممتلكاتها وربما يدفع غرامة في بعض الأحيان، وغالباً ما يصاحب الطلاق حركة رمزية تتمثل في قطع حاشية ثوب الزوجة.
وفي الحقيقة هناك وصمة عار ترتبط بالطلاق، لذا لا يمكن الإقدام عليه إلاَّ لسبب خطير مثل الزنا من قبل الزوجة أو العقم، وتمنع العقود البابلية القديمة المرأة من أن تطلب الطلاق من زوجها حتى أن القوانين تهددها بفرض عقوبات عرفية بسبب ارتكابها الزنا ويتم رميها في النهر أو أن ترمى من أعلى برج أو أن تعاقب باستعمال الخازوق وربما تباع المرأة لتصبح عبدة وفي بلاد وادي الرافدين كانت المرأة تطرد من بيت زوجها إذا أعربت عن نيتها لطلاق زوجها ويتم طردها معدومة وعارية.
أما الإنجاب فإنه يتمتع بدور رئيسي في مسألة الطلاق فإذا لم يكن للزوجة ولد سوف لن تهتم عائلة الزوج بطلاقها، وعلى الرغم من ذلك نلاحظ وجود بعض الاتفاقات وعقود زواج بابلية وآشورية تسمح شريطة أن يدفع كل من الزوج والزوجة غرامة مماثلة من الفضة، فالزواج هو عقد بين عوائل ويكمن هدفه في ضمان الأولاد وديمومة حظ الذكور ولا يؤدي الزواج العقيم إلى طلاق آلي (أوتوماتيكي) إذ سمحت القوانين والعادات أن تقدم الزوجة العاقر بنت عبدة كبديل عنها لتنجب الأطفال الذين سوف يتم عدهم أولاد شرعيين للزوجة،وهناك ترتيب آخر يسمح للزوجة العاقر أن تتبنى امرأة ثانية كأختها.
أما في بلاد آشور إذا هجر الرجل زوجته فإنه سوف لن يعيلها ويحق لها أن تتخذ زوجاً آخر بعد مضي خمس سنوات وليس بوسع زوجها الأول أن يطالب بها ثانية فإذا لم تستطع الانتظار مدة خمس سنوات وذهبت للعيش مع رجل آخر وأنجبت منه أطفالاً فإنه باستطاعة زوجها أن يأخذ أطفالها، وعلى كل حال، إذ كان زوجها الاول غائبا لأسباب خارجة عن إرادتها يمكنه أن يطالب بزوجته بعد انقضاء فترة خمس سنوات ولا بد من أن يقدم لها تعويضاً على ذلك.
عن الانكليزية