سميح القاسم في موكب الرحيلفارس الكلمة والموقف آثر أن يترجّل، أن ينزل عن صهوة التعب، أن يغادر إلى حيث السابقين من رجالات فلسطين العظماء.
يا صديقي المتعب، كم لك في مشوار الحياة مواقف، وكم تربينا على صعقة بوحك فكنت صوتا للوطن، والأرض والذاكرة، دوّنت وجعنا، فنبتَ تصميماً أكثر على المضي في طريق النضال والمقاومة حتى نقطف النصر الذي كنت دائما تشتهيه برّاقا ناصعا كريما شامخاً
أيها الفارس منتصب القامة، تمشي ونمشي معك.
من فلسطين هيأت لك الأرض بيدراً نما فيه إبداعك فأطلقت من جذوة روحك صرخة الوجع، لكنه الوجع الممسك بكل قيم الحياة والأصالة، ولفظت خرافات القديم والاتكال والتمني والترجي، وصلّبت فينا جميعا قيمة التوحّد مع الذات من أجل القضية الكبرى، قضية الوطن، قضيتنا وأصل وجودنا وكبريائنا وشموخنا فكنت الأصيل، وكنت الشاعر، وكنت المعلم.
في ذلك الوقت السابق، يوم كان الفلسطينيون يعيشون تحت سطوة الاحتلال المباشر، والقمع اليومي، وفي فلسطين وعلى ترابها وأرضها وريفها وقراها، أنشأت جريدة العرب لتنطق بلسان الشرفاء، صوتا أثيراً يكرّس الذاكرة والحقيقة، ويحرّض على الصمود والتمسّك بفلسطين الجغرافية، أرضا وسماء وبحرا وبشراً.
رفضت الانحناء، ورفضت المنصب، ورفضت العمالة، فكنت اليساري الشريف، الناطق بلساننا وضميرنا وتمنياتنا.
ومهما ذَهَبت بنا الأمنيات لا يمكن أن نفصل بينك وبين فلسطين فقد أعملت التوحّد فيها حتى نخاع العظم.
لم يمهلك المرض فعانيت ما عانيت وصمدت.
كنت ألتقي بك في مصر ونتحدث، أحاول أن أخفف عنك سطوة المرض، فأجدك تخفف عني سطوة التشرد والشتات.
سميح القاسم، أيها الشاعر الإنسان المتعب.. آثرت أن تترجّل، وترجّلت.. وداعاً..
ع.ك