من الأخطاء ما يرتقي ليصل إلى مرتبة (جريمة) .. ومنها ما يواصل مسيرته حتى يصل إلى مرتبة (الجريمة الكاملة) .. ومن ذلك (قضية الماء) .. لا أريد أن أطيل خصوصا أن غيمة من حسرة حلقت في سمائي .. وأن أعود إلى الماضي .. فقد كتب الأستاذ الدكتور زهير السباعي عن إهدار الماء في المساجد – في العدد رقم 12336 من جريدة "المدينة المنورة" – فعقبتُ على ذلك بما نُشر تحت عنوان (كيف نستفيد من ماء الوضوء){جريدة المدينة العدد 12368 في 16/10/1417هـ = 23/2/1997م}.الجرائم الكاملة : الماء (1)
لن أضيع وقتي،ووقتكم في تخيل المدينة المنورة – وتربتها في الأصل زراعية – لو تمت الاستفادة من ماء الوضوء في الحرم النبوي الشريف،على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
لن أفعل ذلك لأنني أخشى أن تكون (لو) تلك هي التي تفتح عمل الشيطان،ولكنني سوف ألقي ضوءا خافتا على بعض أدلة ارتكاب الجريمة الكاملة .. كما أسميتها،ولكن قبل ذلك لا أظن أنني في حاجة إلى التذكير بأن الخبراء يحذرون من مشكلة نقص المياه،بل إن هنالك من يتوقع أن تكون الحروب القادمة "حروب مياه"،كما لا أظن أنني في حاجة إلى التذكير بالمبالغة الطائلة التي تصرفها المملكة العربية السعودية على تحلية المياه المالحة.
1 – هل يعقل أن تسمح دولة هذه ظروفها باستيراد (العاب) تستهلك المياه .. فيملؤها الأطفال بالماء ويرش بها بعضهم بعضا؟!!
2 – واضح جدا أن من (اخترع) أجهزة الطرد(السيفونات) يقطن في بلدان لا تعاني مشكلة في وفرة المياه .. فهل يعقل أن يتم ملأ تلك الأجهزة بالماء المُحلى؟!! ألم يكن بالمكان عند تأسيس شبكات لإحضار الماء المالح واستخدامه في المجالات التي لا يهمها إن كان الماء مالحا أم غير مالح؟!
3 – زاد الطين بلة – كما يقولون – غض النظر عن استيراد مواد رديئة الصنع ... يتسرب منها الماء بعد فترة قصيرة من الاستعمال ..
4 – الأسوأ من ذلك .. هذا الخبر :
( انكسارات شبكات المياه في المملكة تؤدي إلى هدر مائي يفوق إنتاج أكبر محطة في العام){ جريدة الرياض العدد 13852 في 1/5/1427هـ}.
5 – قبل سنوات قامت وزارة المياه بحملة (ترشيد) .. ووزعت مواد لتخفيض استهلاك المياه ..
أ – الحملة الإعلامية كانت جيدة.
ب – توزيع المواد كان سيئا ... حيث قام بعض من كلفوا بتوزيع تلك المواد برميها إلى جوار بعض المنازل .. وقد شوهد بعض الأطفال يلعبون بها!!
ج – إن أبسط تصرف صحيح .. يقول أن تلك الحملة كان يجب أن تبدأ من المرافق الرسمية .. وقد وصلني تعميم في عملي – بعد سنوات عديدة من تلك الحملة -يحث على تركيب مواد الترشيد. وصلنا التعميم في شهر ربيع الأول من سنة 1428هـ. ويشير التعميم،إلى تاريخ الأمر باستعمال تلك المواد،بأنه صادر بتاريخ 29/8/1426هـ!!!!! ولا زلنا إلى هذا اليوم - من سنة 1433هـ - لم نر تلك المواد التي يفترض أنها ترشد استهلاك الماء!!!!
د – كان يفترض على الوزارة أن تحدد فترة زمنية ... يُمنع بعدها استيراد أي مواد لا تساعد على ترشيد الماء.
وأخيرا : أين الإشادة .. والاستفادة من تجربة "شركة مكة للإنشاء"والتي حصلت بموجبها على شهادات دولية لترشيدها استهلاك الماء؟!!!!!!!
وبعد .. أعيد هنا بعض ما جاء في تعقيبي على الدكتور زهير السباعي :
(وفي هذا الإطار أذكر قصة من التراث سمعتها من أحد المحاضرين عبر المذياع،وقد روى المحاضر أن رجلا كان يعيش مع زوجته وكانا يملكان حمارا .. والماء العذب شحيح فكان الرجل إذا سقى الحمار من الماء المالح مرض .. والماء العذب شحيح .. فماذا يفعل؟ قام الرجل بصنع مجرى للماء يصل بين مكان الوضوء والاستحمام وبين حفرة حفرها ليشرب منها الحمار الماء المتجمع من الوضوء والاستحمام. وفي العصر الحديث قامت السيدة "ديسكون"إبان إقامتها بالكويت بعمل تجربة مشابهة لتجربة ذلك الرجل،وكان ذلك في حدود سنة 1930م تقول :
(كانت إحدى مشاكل محاولة الاستنبات {استنبات الزهور} هي قلة الماء العذب ولأن تموين المدينة كلها بالماء كان ينقل بالسفن من نهر بالعراق كنا نشتريه بسعر "آنتين" للصفيحة سعة أربعة جالونات ومن الطبيعي آلا يستطيع الإنسان استخدام هذا الماء في ري النباتات ولكنني لم أجد ما يمنع من الري بالماء الذي نستخدمه في الغسيل والاستحمام،وقد رتبت تصريف الماء المستخدم في الاستحمام عن طريق مجار تصب في حفرة ينقل منها الخدم الماء بصفيحة لري الحديقة){ص 130 – 131 (أربعون عاما في الكويت) / فيوليت ديكسون "أم سعود" / ترجمة : سيف الشملان}.
.. أفراد استطاعوا أن يصنعوا حلولا .. بحجم إمكانياتهم .. فهل تعجز وزارات .. مدججة بالخبراء عن إيجاد حلول لمشاكل هدر الماء؟!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 20/11/1433هـ
Mmsh601@gmail.com