نقد قصة الأطفال

لعل كل منا شاهد تلك الرسوم في قصص الأطفال المزركشة بشتى الألوان.. وشخصيات لا محل لها من الإعراب في عالم الطفل...
بالفعل، مررنا مر الكرام! وأكثر من ذلك، لقد اشتريناها لأبنائنا ولم ترق لهم.. فاتهمنا أطفالنا تهما.. هم أبرياء منها براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، عليه السلام...
1- هل سألنا يوما عن هذا الرسام؟
2- هل نملك الكفاءة لنميز بين النفسية العربية، والنفسية الغربية؟
3- هل نستطيع أن نقرأ عمليات الاستدلال بين النص والصورة؟
4- هل نعرف حقا كيف يمكن أن يكون كتاب الطفل؟
لا يمكننا في الحقيقة أن نجيب عن هذه الأسئلة أجوبة شاملة الأطراف، لأنها متشعبة وجذورها عريقة، ولا يكفي كتاب ضخم... ولكن نستطيع أن نجيب عنها بشكل موجز ومكثف.
1- هل سألنا يوما عن هذا الرسام؟
في بلداننا تلجأ المطبعة إلى رسام اللوحات وتناوله القصة أو الكتاب ويبدع من خياله بكثرة الألوان، وشخصيات تتنافى مع الدراسات النفسية للطفل العربي.. والغريب في الأمر أننا في بعض الأحيان نجد تلك الصور مقتبسة من الغرب منكرة ببعض التشويهات، إن صح التعبير، حتى يتبين له أن لا أحدا يستطيع أن يتهمه بالسرقة...
إن عالم الطفل ليس هو عالم رسام اللوحات.. لذلك من المفروض علينا مراعاة هذا الجانب حتى لا نقدم للطفل أدبا قصصيا في واد، والصور في واد!..
قد يرى البعض أن عالم الطفل شبيه بمخزن ندخر فيه كل ما أردنا حسب خيالنا وأهواءنا.. لكن عالم الطفل هو عالم في طور البناء والتراكيب النفسية والشخصية والهمة.. والجهل بخصوصيات هذا العالم حتما يؤدي إلى بناء وتراكيب عشوائية قد تنهار في أي لحظة...
فجل الرسوم في قصص الأطفال توحي لنا أن الرسام ليست له علاقة مع عالم الطفل! إنما يشبه لحد كبير تاجر البطاطس!.. وبالتالي، قد يكون هذا الرسام مجرما لأنه قد سطا على النص بخياله، أو باقتباسه.. وابتسمت نفسه مستحسنة صنع يدها! ولم يع عالم الطفل أنه عالم فريد من نوعه.. وقد نجد أطفالا يرفضون قراءة بعض القصص، أو بالأحرى يمزقونها، أو كلما سُلمت لهم من قراءتها يقذفونها وهم كارهين لها... من هذه الزاوية يتجلى لنا أن دراسة علم النفس الطفولي يجب أن يكون ميدانيا حتى نصل إلى معرفة خبايا الطفل.. وهذه الدراسات هي شبيهة ببضاعة تصلح لعصر ولا تصلح للعصور الموالية؛ مما يدفعنا إلى قول:{الطفل ابن عصره}.
إن رسوم الأطفال في عصرنا هذا تخضع لخصائص جد معينة تكون فيها الصورة مكملة للنص إذ تحتم على الطفل فك رموزها ودلالاتها الكامنة التي تجعله يستنبط ما يمكن استنباطه منها...

2- هل نملك الكفاءة لنميز بين النفسية العربية، والنفسية الغربية؟
إذا كان من شأن القصة المساهمة في تربية جيل يتميز بالفضائل، والأخلاق الحميدة... فإننا نرى في أغلب القصص الخاصة بالطفل لا تهدف إلى هذه المساهمة لأسباب كثيرة نذكر من بينها:
أ- سبب ذاتي موضوعي:
جل الكتاب يفتقرون إلى الدراسات لعلم النفس الطفولي، وهذا العلم يُعدّ اللبنة الأساسية لاقتحام عالم الطفل من بابه الواسع؛ وهذا الافتقار جعل البعض يتجه نحو الغرب ليستمد من شعاع دراستهم.. فيصير الكيل بمكيلين! لأن علم نفس الطفولة الغربية قد تم عن طريق دراسات ميدانية.. فكيف لنا أن نقتبس منه ونطبقه على أطفالنا!؟
أما طائفة أخرى فتلتمس الأعذار بسب افتقار المكتبة العربية لهذه الدراسات... ونحن نقول حقا أنها تفتقر فقرا مطلقا، إن صح التعبير، ولكن رغم ذلك يجب على الكاتب أن يقوم بقراءة موضوعية يبحث فيها عن عالم الطفل العربي ومن تم يشرع في الكتابة...
ب- نقد الأدوات:
إننا لا نملك الكفاءة على نقد الأدوات المستعملة في الكتابة للأطفال؛ وهذا جد منطقي لأننا لسنا ملمين بعلم النفس الطفولي. وإن كنا غير ملمين فحتما لا نستطيع أن ندرك ملكة التذوق الفنية والجمالية لدى الطفل...
وإذا كان عصرنا قد فرض علينا ما صنعناه بأيدينا من تقنيات.. فلِمَ أغفلنا الأدوات التي تحرك رغبة الطفل المتطورة!؟
لعل افتقارنا لنقد هذه الأدوات يجعلنا لا نربّي جيلا! إنما نروّض أطفالنا كما تروّض الحيوانات...
ج- افتقار المكتبة العربية للكتابات الخاصة بعالم الطفل:
هذا الافتقار يلعب الدور الأساسي في عدم قدرتنا على التمييز بين النفسية العربية، والنفسية الغربية؛ فقط نلاحظ في الكتب الأجنبية التي كانت في مقرر التعليم قديما صورا رائعة كانت تجعلنا نقرأ النص ونتفحص الصور في كل مرة.. لكنها كانت بعيدة عن ثقافتنا كل البعد... كما نجد المكتبة الغربية تزخر بكل ما يخص عالم الطفل.. فمكتبة فارغة تقابل مكتبة فائضة يستحيل بينهما التمييز... ولكن رغم كل هذا لا يجب أن نستسلم لهذا الشبح المرعب، بل يجب أن ننهض نهضة شمولية نطوي فيها صفحات الماضي الذي لقننا دروسا لا ينبغي نسيانها، ونفتح صفحات الحاضر من أجل المستقبل...

3- هل نستطيع أن نقرأ عمليات الاستدلال بين النص والصورة؟
فعلا! لا نستطيع أن نقرأ عمليات الاستدلال بين النص والصورة لأن الرسام يحاول أن يترجم الفقرة إلى صورة، فتشوش على النص؛ وبالتالي لا تخدم النص إنما تفقده الذوق الفني والجمالي.
وإذا تفحصنا تلك الصور بتدقيق تام لوجدناها موضوعة في غير محلها نظرا لشروط الطبع، أو مسألة ارتجالية وعدم الدراسة، أو رغبة الرسام الفاشلة...
ولا نقف عند هذا الحد، بل هناك غياب كل ما هو فني! ولا نسمي التقليد للمدارس الغربية اتجاها فنيا! بل هو ما يشبه إلى حد كبير وصفة دواء لمريض وزعت على كل المرضى المصابين بغير ذلك المرض...
إن الطفل يعتمد في فترات نموه وتطوره على البصر الذي يفتح له باب خياله الذي يتطور بدوره ليزرع فيه بذرة غريزة الشخصية والهمة والطموح... فإذا كانت العلاقة بين النص والصورة علاقة موت! فكيف للطفل أن تقبل فطرته أشياء ميتة لا حياة فيها، ولا ديناميكية فيها تحرك مشاعره وأحاسيسه!؟

4- هل نعرف حقا كيف يمكن أن يكون كتاب الطفل؟
الجواب هنا يكون نعم، ولا! نعم، لأننا نعرف أشياء كثيرة؛ إلا أننا لا نعمل بها، ونبحث عن كل ما هو سهل لا يكلفنا عناء ولا تكلفة مادية... لا، لأن ساحتنا لا تزال فارغة!
إن الوسيلة التي يستعملها الكاتب ليقتحم بها نفسية الطفل تشبه النهر الذي يجرف كل شيء فيصبه في البحر الذي يشبه نفسية الطفل، والبحر يقبل الماء، ويقذف ما دون ذلك على الشاطئ.. وماء البحر والنهر بينهما برزخ لا يبغيان! إنما ماء النهر يصب في البحر من أجل تصفيته وتنقيته ليعيد دوراته المتكررة؛ كما يساهم في رفع مستوى سطح البحر...
وإذا كان الكاتب ناجحا في كتاباته فحتما يُكتب النجاح للطفل أيضا. والكاتب الناجح هو من يعتمد على الخصائص النفسية لدى الأطفال مراعيا نسبة فوارق الذكاء، وقدرات التحصيل بينهم... كما يجب أن يعتني بالكتاب عناية تامة من حيث:
- اختيار الأدوات والنماذج الملائمة.
- الرسوم التي يجب أن يرسمها مختص بعلم النفس الطفولي.
- خطاط يكون أيضا مختصا.
- جودة صفحات الكتاب والطبع.
- مراعاة ثمن البيع حتى يكون في متناول جميع شرائح الأطفال.
- حث أبنائنا على قراءة القصص ومساعدتهم على استنباط الحكمة منها.
إن اجتمعت هذه الأركان السبعة: من كاتب مختص، واختار الأدوات والنماذج، ورسام مختص، وخطاط مختص، والجودة، والفضيلة، وحث أبنائنا على قراءة القصص ومساعدتهم؛ نكون قد كتبنا كتابا للطفل وقدمناه له في طبق من ذهب.
إن أدب الأطفال من أصعب الكتابات كتابة ونقدا؛ ومن مميزاته أنه هو الوحيد الذي يصنع الأجيال! والطفولة كما قيل إنها من الميلاد إلى سن البلوغ.
في هذه المرحلة يعتمد الطفل على حاسة البصر من الدرجة الأولى، ثم حاسة السمع التي تجعله يصغى للأصوات ويميز بين ما يخيفه ويطربه، وبين ما يسره ويحزنه، وكذلك حاسة اللمس التي تجعله يميز بين الرطب والخشن، وبين البارد والساخن...
لذلك نجد الأطفال يهتمون بالقصص للرسوم المتحركة.. لأن الصوت من كلام وموسيقى يجعلهم يلجون عالمهم الخاص بهم، كما أن الألوان والصور تجذبهم لإتباع أحداث القصة...
إلى هنا نكون قد بينا في خلاصة وجيزة في نقد قصة الأطفال التي نغفل كل جوانبها الفنية والجمالية لتذوق الطفل، وأشرنا إلى افتقار المكتبة العربية لهذا الفن الخاص بعالم الطفل الذي من شأنه بناء جيل له شخصية وهمة وطموح وأخلاق... وكانت دعوتنا للنهوض بهذا المجال مهما كلفنا الثمن.


بقلم: محمد معمري