الغرب والإسلامكذبة الكشوف الجغرافية وشمولية الهجمة (23)مصطفى إنشاصيبداية: مصطلح ومفهوم (الكشوف الجغرافية الأوروبية) أحد أهم وأخطر الأكاذيب التاريخية والجغرافية الغربية التي غدت مسلمة عالمية لأن كل ما اكتشفوه كان بفضل الخرائط الجغرافية الإسلامية التي وضعها الجغرافيون المسلمون، وبفضل أساليب وأدواتها الملاحة الإسلامية التي كانت متقدمة جداً عن الغرب، ومشاركة وإرشاد ملاحين مسلمين لم تخلو منهم أي رحلة بحرية أوروبية!أضف إلى ذلك أن تلك الأراضي التي يزعمون اكتشافها كانت أراضي إسلامية، أو وصل لها المسلمون والكنعانيون قبلهم وأثبتوها في خرائطهم الجغرافية وأرخوا لها في كتب رحلاتهم، فهل يعقل أن نكون كمسلمين جهلة بجغرافية وطننا وجاء أولئك البرابرة الهمج الذين يعيشون في ظلمات حكم الكنيسة وجهل العصور الوسطى، ويحملون حقدهم الديني الأسود ليكتشفوا لنا وطننا؟! لكن على نفس النهج في تزييف التاريخ والحقائق العلمية وتغييب العقل والوعي لدى المسلمين حشى المتغربون كتبنا المدرسية بما نقلوه لنا من كتب الغرب دون النظر في مدى صحته أو توقفهم مع حقائق التاريخ المعلومة لسلفنا وهذا الأمر لا يحتاج إلى مزيد جهد كي نوضح مدى زيفه، ويكفي أن نسأل أولئك المتغربين:• هل كان المسلمون جهلة بجغرافية وطنهم وحدوده وينتظرون ماجلان حتى يأتي ويكتشف لهم ان لهم إمارات إسلامية قائمة في جزر الفلبين في أقصى الجنوب الشرقي لقارة آسيا؟!• وقد يكون المسلمون جهلة بحدود وطنهم في الهند وشرق وغرب إفريقيا، وخطوط الملاحة البحرية في المحيطين الهندي والأطلسي، وانتظروا فاسكو دي جاما كي يكتشفها لهم؟!• أو قد يكون ابن ماجد الذي قاد سفن فاسكو دي جاما بنفسه إلى أن أوصلها إلى الهند لم يكن يعلم أن بلده في شرق إفريقيا بلداً إسلامياً، وأن الهند أيضاً يحكمها حاكم مسلم وأنه جزء من وطنه الإسلامي، ولم يعرف ذلك إلا بعد أن كشفها فاسكو دي جاما؟!• أو أن الجغرافيين المسلمين وعلى رأسهم الإدريسي عندما رسم خريطة جغرافية للعالم في القرن الثالث عشر هي أقرب ما تكون إلى خارطته الحالية كانت ضرباً من الخيال وليست خريطة على أساس الحقائق العلمية التي عرفها المسلمون حتى ذلك الوقت. أو قد يكون الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي ذكر تلك الإمارات الإسلامية في رحلاته كان يخترع رواياته تلك من بنات الخيال أيضاً؟!ذلك التضليل والتزييف للحقائق هو الذي يحدث اللبس في فهم حقيقة الموقف الغربي الصليبي من الإسلام عند الكثير من القراء ويجعلهم يفصلون بين الأبعاد الدينية لأي هجمة غربية على الأمة والوطن وبين الأبعاد السياسية والاقتصادية، لذلك نجد أنه هناك من يقرأ الصراع على أنه سياسي، وهناك من يقرأه على أنه اقتصادي، وآخر يقرأه خليط بين الاثنين، وهناك من يقرأه على أنه ديني بحث، وقليل ما هم الذين يجمعون بين تلك الأبعاد كلها، ونحن نرى: أنه دائماً يكون هناك أكثر من بُعد أو هدف للهجمة الغربية على الأمة والوطن يجمعها ويحركها كلها البُعد الديني.البحر الأحمر بحيرة إسلاميةفقد كان من الدروس التي تعلمها الغرب الصليبي من الحرب الصليبية إدراكه حجم الأموال التي تدخل إلى خزانة الدولة الإسلامية من الضرائب والمكوس التي تفرض على البضائع والسلع التي تُجلب لبلاده من الهند وشرق آسيا وتمر عبر الأراضي الإسلامية، وحجم الدور الذي تلعبه هذه الأموال في المعركة التي بواسطتها يستطيع المسلمين تجييش الجيوش وتحصين المدن والقلاع، وبناء قلاع جديدة وتوفير السلاح واستمرار حالة الازدهار والانتعاش الاقتصادي في بلاد المسلمين مستمرة. لذلك سعى الغرب إلى حرمانهم من هذا المورد المالي العظيم ليتمكن من الانتصار عليهم.وقد كان المسلمون على اختلاف أمرائهم وحكامهم أصحاب السيادة على البحر الأحمر وكانوا يمنعون سفن الغرب الصليبي وتجارتهم من دخوله، وقد كان هذا الموقف الإسلامي نابع من وعي المسلمين واستحضارهم للأسباب التي دعت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رفض اقتراح عمر بن العاص حفر قناة تصل بين البحرين الأبيض والأحمر خشية أن يتمكن الروم من استخدام هذه القناة في عملياتهم الحربية ضد المسلمين. ويذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب أمر بحفر قناة تصل البحر الأحمر بالنيل عرفت باسم بخليج أمير المؤمنين أو قناة أمير المؤمنين لتسهيل إرسال القمح من مصر إلى مكة والمدينة على إثر الشدة التي أصابت الناس بالمدينة في عام الرمادة سنة 23هـ. وقد أفاد هذا العمل التجارة وظل هذا الخليج مسلكاً للتجار وغيرهم طوال عصر الولاة، وكانت السفت تسير في البحر الأحمر قاصدة الحجاز واليمن والهند، وأخذت تجارة الشرق الأقصى تسير عبر مصر إلى الإسكندرية، وبعضها إلى الفرما في الشمال.وقد فكر الخليفة هارون الرشيد بوصل البحر الأحمر بالأبيض لكن يحيى بن خالد بن برمك أبدى خوفه من احتمال وصول البيزنطيين إلى مكة والمدينة وقطع طريق الحج على المسلمين. لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه محقاً في رفضه وصل البحرين وذلك دليل على بعد نظره ودراية بأمور السياسة والحرب أبعد من زمانه.ولقد "أصبح البحر الأحمر في العصر الإسلامي، بعد أن ازداد فيه نشاط العرب التجاري، بحيرة إسلامية". وقد استمر الأمراء والسلاطين المسلمين يمنعون سفن التجارية الغربية من دخوله، خشية تآمرهم مع الأحباش ضد بلاد المسلمين، وتوكيداً لاحتكار المسلمين لعملية نقل التجارة في هذه المنطقة.إلا أن الحروب الصليبية قد أدخلت بعض التغيير المحلي على خط التجارة في البحر الأحمر، خصوصاً وأن سيطرة الصليبيين على الشام، وعلى طريق الحج، أجبر التجار والحجاج العرب إلى أن يأخذوا طريقاً جنوبياً أكثر بعداً عن الأعداء، فنجد الهنود والعرب والمصريين يتعاونون في نقل التجارة المتجمعة في عدن إلى ميناء عيذاب حيث يبدأ نقلها بعد ذلك، على ظهور الجمال حتى قوص، ثم يعاد شحنها على السفن في النيل إلى موانئ دمياط ورشيد. وعبر البحر المتوسط إلى أوروبا.