وهذه هي رسالتي التي كرست حياتي لها.. كما أعلنتها وطبعتها منذ نحو سبع سنين....
أدعوكم لقراءتها بهدوء ... والحوار مفتوح... وقناعتي أن هذا هو الدين الذي يحترمه العالم، ويبني الحياة، ويعيد الإيمان إلى نفس المسلم الحر...

رسالة التجديد

د.محمد حبش
مركز الدراسات الإسلامية

قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين

لكي يبقى الإسلام حياً
علينا أن نأخذ من تراث الآباء
الجذوة...لا الرمــــاد

الفهرس
• تصدير
• الميثاق
في الاعتقاد:
• رفض الجبر والقهر والظلم في حقه تعالى
• كتابة أعمال العباد والفرق بين القدرية والمسؤولية الشخصية
• حقيقة العذاب الأخروي وتأويل آيات العذاب
• الحساب والعدل للمحسن والمسيء
• الإسلام ناسخ أم مصدق (في حوار الأديان)
في الفقه:

• في العبادات
• في المعاملات
• في أحكام النكاح
• في أحكام المرأة
• في العتق والأيمان
• في الحدود
• في أحكام الجهاد
• في الميراث والوقف والوصايا
• في الفتوى والقضاء

في التراث:

• في الهدي بالقرآن الكريم
• نقد عصمة الصحابة
• في كتب الحديث
• في كتب التفاسير
• القراءات القرآنية
• مصادر الشريعة

في الواقع:

• المعاهد الدينية
• الجماعات الدينية
• مشروع أسلمة العالم
• السنن في الآفاق والأنفس
• العرب والإسلام
• المشترك الإنساني
• الإسلام والديمقراطية
• الإسلام وحقوق الإنسان
• الأمم المتحدة
• في الجانب الوطني


تصدير

تهدف هذه الأوراق إلى توضيح المسائل التي يتبناها تيار التجديد والتنوير في خطابه الإسلامي حول قضايا التراث، وهي أفكار تحتاج بكل تأكيد إلى شرح ومناقشة ولكن قد يكون من المفيد أن توضع بين يدي الإخوة الدارسين والباحثين، لإغنائها والنظر فيها.
مضى أكثر من عشر سنوات على انطلاق برنامج التجديد من مركز الدراسات الإسلامية في دمشق، حيث صدرت عدة رسائل متلاحقة أثارت زوبعة من العواصف والتساؤلات حول مقاصد التجديد وغاياته وأهدافه.
وفي شباط عام 2004 انعقد مؤتمر تجديد الخطاب الديني، وهو أول مؤتمر إسلامي ينعقد في دمشق منذ أربعين عاماً، وقد شكل المؤتمر في الواقع خطوة هامة في إطار توضيح رسالة التجديد في المجتمع الإسلامي، ومع أن أعمال المؤتمر صدرت في عمل ضخم قرأه الناس ولكن ذلك ظل على كل حال صورة لا ترقى إلى الأهداف التي نتغياها لخطاب التجديد الإسلامي.
وخلال هذه السنوات العشر واجه تيار التجديد في سوريا سلسلة من الانتقادات الحادة عبر مراصد مختلفة، ولدينا اليوم سلسلة من فتاوى التكفير والزندقة التي أطلقها شيوخ مشهورون ضد خطاب التجديد كما تبنيناه في المركز، وقد طرحت هذه التطورات تساؤلات حادة ودقيقة حول مستقبل خطاب التجديد الديني والأهداف التي يبتغيها.
إن العاملين في حقل التجديد الديني في سوريا كثير، ولدى كل واحد منهم مرصده وموقعه، وهم للأسف لا يعملون متعاونين، بل إن أياماً سوداء شهدت خصاماً ومواجهات بين رموز هذه التيارات، ولكن أعمالهم في النهاية يفترض أن تخدم هدفاً واحداً وهو إصلاح ما بين الإسلام والناس، وما بين الله وعباده.
ينظر مركز الدراسات الإسلامية إلى حركة الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في الشام على أنها منطلق الإصلاح الديني في سوريا، وهو الإصلاح الذي تناغم مع الحركة الإصلاحية في مصر، كما يشير إلى عدد من رموز الإصلاح الديني في سوريا كالشيخ الأمير عبد القادر الجزائري وخير الدين الزركلي ومعروف الدواليبي والشيخ بهجت البيطار والشيخ أحمد كفتارو، والشيخ جودت سعيد والشيخ محمود عكام، وهؤلاء في الواقع يعتبرون رصيداً هاماً لحركة التجديد ولا شك أن أعمالهم وأنشطتهم تساعد في الاندفاع نحو رسم ملامح خطاب تجديد يهدف إلى تحقيق التناغم بين العقيدة الإسلامية وبين حاجات العصر.
أما الإصلاح الديني في مصر فلا شك أنه انطلق بجهود محمد علي باشا الكبير وإرادته في بعث النهضة المصرية وهو ما استأنفه رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي عبد الرازق وقاسم أمين وعبد العزيز المراغي، ومن أبرز رواد التنوير المعاصرين الشيخ محمود شلتوت ومحمد الغزالي وجمال البنا والشيخ علي جمعة ومحمد عمارة وعي عزت بيغوفتش وجودت سعيد وخالص جلبي، وكذلك يمكن أن نذكر هنا الشيخ حسن الترابي والشيخ سيد طنطاوي مع التحفظ الشديد على الممارسة السياسية لهما.
ويحاول مركز الدراسات الإسلامية أن يطرح نفسه ديواناً لحركة التجديد في سوريا وأن يبلور في النهاية مقاصد التجديد وغاياته وأهدافه في لغة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التحريف.

ومن الواجب أن نشير هنا إلى أن التجديد خطاب يراد به التعامل مع التراث، وبهذه الجزئية لا يجوز القول أن التجديد وحده قادر على بناء الأوطان، إنه يشارك فيها ويعالج قضية العلاقة مع الماضي، ولكن بناء الحياة يتطلب ما هو أكثر من خطاب التجديد.
إن كفاح الجيل يجب أن يتوجه إلى بناء مواطنة صحيحة يتساوى فيها الناس أمام القانون، وينالون حريتهم التامة في الاعتقاد وممارسة الحياة العامة والسياسية والاجتماعية، ويمكن تلخيص الأهداف التي نتبناها في نشاطنا السياسي بما نص عليه الدستور السوري كاملاً رغم التحفظ على مادتين فيه ولكننا ملتزمون بسائر مواد الدستور مع الاحتفاظ بالحق في تعديلهما بالوسائل الديمقراطية بما ينسجم مع قيم المواطنة الكاملة.

ويجب القول هنا أن القضايا التي نطرحها في هذه الأوراق ليست هي برنامج التنمية المأمول، ولا هي الأهداف التي نرصد حياتنا لأجلها، بل هي ملاحظات للمشتغلين في الحقل التراثي والمهتمين بمقاربة النصوص، ولا شك أن النضال الاجتماعي والديني الذي نعمل لأجله يجب أن يشتمل على مشاريع تنموية وصحية وخدمية وتعليمية، ولكن معالجة قضايا التراث ضرورة تحتمها حاجة الأمة في مجتمع لا يزال يحتكم إلى التراث في شطر كبير من حياته وسلوكه.
ولا شك أنه من نافلة القول أن نشير هنا إلى أن ما سنكتبه في هذه الدراسة لن يكون بالتأكيد نصاً معصوماً وسيظهر بوجه أكيد مفتقراً للشروح والتفاصيل وهو ما نأمل أن يأتي متكاملاً فيما بعد مع رؤية شمولية للحل.

الميثاق بسم الله الرحمن الرحيم
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن
ميثاق رسالة التجديد

• الإيمان بالله وحده لا شريك له، والإيمان بأسمائه الحسنى التي يتحبب بها إلى خلقه، وأنه وسعت رحمته كل شيء.
• الإيمان بالأنبياء الكرام وكتبهم المقدسة التي جاؤوا بها إلى أزمنتهم واقوامهم
• نؤمن بالآخرة وأن الله قادر على أن يعيد الخلق وهو أهون عليه، ونصدق بكل ما ورد فيها من صيغ العدل ونتأول ما ورد من مظالم بحسب الظاهر، وفق قاعدة: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره
• نؤمن بأن لكل أمة شرعة ومنهاجاً وكذلك لكل جيل وزمان ومكان.
• إن الشرائع جميعاً هدى للإنسان ونور ألهمها الله سبحانه للبشر في مراحل مختلفة، وهي تلخص تجارب إصلاحية فريدة قدمت الخير والهدى للناس.
• إن الإنسان هو المسؤول الأول عن اختيار سلوكه في الأرض ، اجتهاداَ واستنباطاً وبحثاً، وعليه أن يهتدي في خياراته بمن سبقه من الأنبياء والمصلحين والحكماء، ولا يشكل أي من هذه الخيارات خياراً ملزماً.
• الاختلاف جزء من فطرة الإنسان وتكوينه، ولا ينبغي أن ينصرف جهد المصلحين إلى القضاء على الاختلاف وإنما إلى الإفادة منه في إطار التنوع والتعدد والتكامل .
• إن منهج القبول والرد من سائر المعارف والثقافات هو أننا نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم ، ونلتمس لهم الأعذار فيما لا يستقيم، على أساس أنه الأليق بظروفهم وزمانهم.
• ليس لله شعب مختار والخلق جميعاً متساوون أمام عدالته ورحمته.
• نؤمن بأن آيات الله في الآفاق والأنفس لها قوة آياته في الكتب المنزلة.

في العقيدة:

إن الثابت الأول في مسائل الاعتقاد هو أن لله سبحانه صفات الكمال من العدل والإحسان والرحمة، وكل نص يوهم الظلم أو الانتقام أو الاستهزاء أو المكر يجب تأويله مهما كان هذا التأويل متعسفاً، فحقيقة عدل الله أكبر وأولى من مراعاة ظاهر التنـزيل، وفي ما يتصل بمسائل الاعتقاد فنحن نلتزم الاتفاق التام على مسائل الاعتقاد من وحدانية الله تعالى وقدرته ورحمته وحكمته، وثبوت صفات الكمال المطلق له سبحانه، مع ضرورة توضيح النقاط الآتية:

• رفض القهر والظلم في حقه تعالى
إن الله تعالى خلق الخلق ليحسن إليهم ولن يكون في ميثاق الله تعالى أي ظلم، وهو حبيب قريب إليهم ولا يرضى في مملكته الظلم، وكل ما خطر ببالك من الظلم والقهر والانتقام والتشفي فهو ليس من شأن الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ونرفض ما زعمته الخوارج من عذاب الأطفال في الآخرة، وأبناء المشركين على أساس أن الله أعلم بما كانوا عاملين، ومثل ذلك ما ورد من أن الله إذا أنجز الحساب أخذ قبضة بيده من أهل النار فألقاهم في الجنة وقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وأخذ قبضة من أهل الجنة فألقاهم في النار وقال هؤلاء في النار ولا أبالي، فذلك كله لا يستقيم مع عدالة الله وإحسانه وحكمته، ومثل ذلك ما ورد في حديث البخاري، إذ يقول الله لآدم يا آدم أخرج بعث النار، قال وما بعث النار، قال من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون، فهذا يتناقض تماماً مع غاية الخلق ورحمة الله التي وسعت غضبه، وغفرانه سبحانه لعباده.
كما لا يمكن قبول التعذيب في النار الذي ورد في بعض السنن جزاء لأعمال بسيطة كإسبال الإزار، وعدم إسباغ الوضوء، ومن زعم أنه في الجنة فهو في النار، ومن شبه الله بشيء من خلقه فهو في النار، وما أسفل من الكعبين فهو في النار.
إن أسماء الله الحسنى عظيمة وجليلة ولكن لم يرد تفصيلها عن الرسول بخبر يقين، ولا بد من مراجعة أسماء مثل المنتقم والضار، واستبدالها بما هو أليق بكماله سبحانه كالشافي والكامل والأكبر، كما أنه لا يصح وصفه سبحانه بالماكر والمستهزئ والكائد ولو دلت لذلك ظواهر النصوص.

• الجزاء الأخروي وتأويل آيات العذاب
الإيمان بأن الجنة دار حق والنار دار حق، ولكن ليس ذلك بالضرورة على وفق ما نفهمه من ظاهر النص بل القصد الحق في الكتاب هو أن الجنة دار كرامة والنار دار حساب وتطهير، والزمن فيها ليس بما نعرفه من السنين والأيام، بل هو بقدر ما يغدو الخلق مطهرين أنقياء لدخول الجنة والتنعم بما فيها، وأما النار والإحراق والتنكيل الذي ورد في الكتاب العزيز فلا يصح قبوله على ظاهره بل لا بد من تأويله بحيث يكون معناه التطهير وليس الانتقام.
وأما ما ورد في تفاصيل العذاب، وخلود أهل النار في النار فلا يمكن قبول ظاهره لتناقضه التام مع عدالة الله تعالى وغفرانه، والخلود في النار المذكور في القرآن للإشارة إلى طول العذاب، أما القول بالخلود المطلق فهو يتناقض مع الحكمة في الخلق والرحمة في الخالق
ولا يمكن عقلاً ولا ذوقاً قبول الخلود في العذاب مقابل بعض التفريط في الدنيا، مهما كان هذا التفريط، والخلود في العذاب يتناقض تماماً مع رحمة الله وإحسانه وعفوه، ونحن نتأول ذلك كله على منهج الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي والسادة الصوفية.
وهذه المسألة فصلها الإمام محمد عبده في معرض تأويل آيتي هود: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ.
والخلاصة فإن للعالم الآخر قوانين وسنن لا تنطبق على ما في عالمنا هذا، ، فالعالمان مختلفان وتحكم قوانينهما حقيقة واحدة هي عدل الله ورحمته، وكل تصور عن الآخرة يفهم منه الظلم أو العبث في حقه سبحانه فهو وهم وضلال، ولو دلت عليه ظواهر الأدلة.

• كتابة أعمال العباد بما يستقيم مع القدر ومسؤولية الإنسان
إن الأقدار المتصلة بإرادة العباد، لا تكتب منذ الأزل على الناس، وإنما تكتب بعد أن يفعلها العباد ولا معنى للمسؤولية والمحاسبة إذا كانت الأقدار قد كتبت قبلاً ولا معنى حينئذ للثواب والعقاب، ولا يضير في شيء القول بأن علم الله تعالى يتعلق بالحاضر والماضي دون المستقبل كما نقول بأن قدرة الله تعالى تتعلق بالممكنات دون المستحيلات والواجبات، وسلوك العباد محكوم بقانون قرآني واضح: هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، ومن ذلك قوله: لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وقوله: ثم بعثناهم لنعلم أي الجزبين أحصى لما لبثوا أمداً، وقوله: لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك، وقوله: ليعلم الله من يخافه بالغيب، وقوله ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً.

وفي إشارات أخرى تشير الآيات إلى أن الكتابة تكون بعد اقتراف العبد الخطيئة، ومنه قول الله تعالى: ستكتب شهادتهم ويسئلون، وقال: سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق، وكذلك قوله: سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مداً. وفي ذلك إشارات واضحة إلى أن كتابة العمل تتم بعد أن يقترفه العبد، وأما الكتابة قبل ذلك فلا شك أنها إلغاء للإرادة الإنسانية.

• الحساب والعدل للمحسن والمسيء
نؤمن بعدالة الله تعالى المطلقة، ومقتضى ذلك أن لا يضيع عمل محسن، عملاً بظاهر قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
والخلق مجزيون على أعمالهم، والمحسنون مأجورون عند الناس وعند الله مسلمين كانوا أم مسيحيين أم يهوداً أم بوذيين أو كانوا بغير دين.
والمسيؤون كذلك محاسبون عند الله إلا أن يعفو عنهم، من كل الملل والأديان والشرائع.
ونحن مأمورون بالإحسان إلى الخلق جميعاً نثني على المحسن ونشكره، ونأخذ على يد المسيء ونحاسبه من أي ملة أو دين كان، أما الحساب على الاعتقاد فهو إلى الله، كما دل له ظاهر الكتاب العزيز: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد.
وأما النصوص التي وردت في أن الله الدين عند الله الإسلام فتأويلها أن الإسلام اسم جامع لكل موحد أسلم وجهه لله سبحانه، وأن الأعمال الزاهقة هي أعمال السوء والشر والأذى التي يقوم بها الكافرون المحاربون للإسلام، أما ما يقوم به الناس من عمل الخير والمعروف والإحسان فإن الله لا يظلم الناس نقيراً ولا فتيلاً ولا قطميراً ولا مثقال ذرة.

• الإسلام ناسخ أم مصدق
لا نشك أن الإسلام هو الدين الخاتم الذي أراد الله به السعادة للعالمين، وهو دين يكمل ويصدق، ولا ينقض ويبطل، وللأمم كتبها وهداها، فمن عبد الله مخلصاً له الدين فهو مقبول عند الله، بأي مذهب أو دين أو ملة كانت، وواجينا أن نذكر له محاسن الإسلام حتى يحب النبي محمداً ويعرف فضله، فإن لم يبلغ ذلك بسبب تقصيرنا في شرح رسالتنا فحسابنا عند الله أشد من حسابه، ومن أيقن بصدق الإسلام وصدق الرسول ثم استكبر وأعرض فهو من المستكبرين، وحسابه عند الله، والله لا يحب المستكبرين.

في الفقه
نعتبر أن الفقه الإسلامي مخزون كريم وكبير من المعرفة والحكمة والتجربة، وهو ديوان العقل الإسلامي في فترة صعوده الحضاري، ولكن لا نؤمن بعصمته واستعلائه، ونؤمن بتفوقه في مسائل وقصوره في مسائل، ونؤمن أنه حكمة بين الحكم، وتجربة بين تجارب الأمم، وكنز تشريعي يجاور كنوز الأمم، وندعو إلى دراسته والاستفادة مما قدمه الفقهاء الكرام على قاعدة: نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، ومن المسائل التي نطالب بمراجعتها:

1- في العبادات
في الطهارة:
نعتبر ما أورده الفقهاء الكرام في شأن الطهارة نهجاً متقدماً في عصرهم، يحمدون عليه، ولكن الطهارة اليوم تطورت بشكل ليس له مثيل، وبعد أن كان التطهير يتم بالحجر صار بالماء ثم بالصابون ثم بالمواد الكيميائية ثم بالحرارة الشديدة ثم بالتعقيم المخبري، ولا بد من احترام ما انتهى إليه العلم في هذه الحقائق، وهكذا فباب الطهارات والنجاسات لم يعد مبرراً في الفقه القديم وأصبح المطلوب دراسة ذلك وفق المعارف الحديثة، وبالقيم والمعايير المتطورة.
ومثل ذلك ما يتصل بالسواك ونتف الإبط وحلق العانة بالوسائل الحديثة فذلك كله يستقيم مع التطور الطبي الحديث ولا داعي للالتزام به على طريقة الأوائل.
ولا يمس هذا التطوير النسك الشرعي من الوضوء والغسل والتنزه بل يمس أدواته التي هي الماء والمطهرات.

في الصلاة:
نؤمن بأن الصلاة كما نقلتها لنا كتب السنة الشريفة هي أرقى أشكال الاتصال بالله سبحانه، وهي تشتمل على أرقى لحظات التجلي والوصال بين العبد وبين الرب، وتظهر هيبة الإسلام وجلاله في ركوعها وسجودها وتشهدها، ونتفق مع الأئمة الكرام في كل ما رووه بشأن أحكام الصلاة، ونرى المسائل التالية:

• الأخذ بما ورد في الجمع بين الصلوات للعذر والحاجة:
أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها، ولكن ظروف الحياة الحديثة قد تلجئ إلى تأخير بعض الصلوات بسبب العمل أو الانتقال فلا بأس بأداء ذلك في وقت آخر، كما أن ترك الصلاة لا يعني الكفر أو الردة.
ومن فاتته صلاة أو صلوات فبحسبه أن يجدد المحبة لله تعالى، ولا نرى وجوب قضاء ما فات، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وقد جمع رسول الله من غير سفر ولامطر، وسنته التيسير والله أعلم.
وما ورد من النوافل والرواتب ومواسم الطاعة فهو خير موضوع والمؤمن راغب في الخيرات مسارع فيها.

• عقوبة تارك الصلاة:
لا نرى أي عقوبة لتارك الصلاة، وحسبه من العقاب أنه حرم مناجاة الله ووصاله، ونستنكر أشد الاتنكار القول بقتل تارك الصلاة سواء كان جحوداً أو كسلاً، أخذاً بعموم الآية لا إكراه في الدين.
وأما عقابه في الآخرة فموكول إلى الله، على أننا نرى أن ما ورد من ذلك محمول على أنه تطهير للمقصر للدخول مع السابقين، ويجب أن يستقيم مع رحمة الله وعدله وفضله، وليس انتقاماً منه وتخليصاً لحق مجحود.

• في الصيام:
نتفق في سائر أحكام الصيام التي أصلها العلماء الكرام، ونشتاق إلى نفحات رمضان وليلة القدر، وأنعم بها من نفحات طاهرات، ونختار أن نقول في المفطرات بأنها ما دخل الجوف عن طريق الفم من الطعام أو الشراب، وندعو إلى الاتفاق على مواعيد الصوم والأعياد، وذلك عبر الحساب الفلكي الذي صار اليوم يقيناً علمياً يجب احترامه.

• في الزكاة:
نتفق في أحكام الزكاة التي أصلها العلماء، ونلتزم مقاديرها وأنصباءها كما روي عن الرسول الكريم، وندعو إلى توسيع موارد الزكاة لتشمل كل مال نامٍ، وتوسيع مصارفها لتشمل كل مصلحة حقيقية للمجتمع، وندعو لقيام هيئة وطنية تتبنى جمع الزكاة والمواءمة بينها وبين الضرائب بحيث يتم إنفاق الزكاة في الخير الاجتماعي الذي يعود على الفقراء فقط، ويتم إنفاق الضرائب في الخير الاجتماعي الذي يستفيد منه المكلف.

• في الحج:
الحج مناسك ومنافع، ونحن نتفق مع كل ما أصله الفقهاء الكرام في شأن مناسك الحج، زماناً ومكاناً ومواقيت وأركاناً وواجبات وسنن، ونرى أن من فقه العالم الفتوى بالتيسير في الحج، ونؤكد على وجوب تحقيق أعلى درجات النظافة والنظام والأمن في أداء المناسك، ولو كان ذلك على حساب بعض الواجبات أو السنن، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الجهات المنظمة للحج.
أما منافع الحج فهي اليوم غائبة لا دور لها، ونحن نطالب بإحياء منافع الحج، بحيث تقوم هيئة إسلامية دولية بتنظيم نشاطات ثقافية وعلمية وسياسية واقتصادية على هامش مناسك الحج والعمرة، بحيث يكون الحج والعمرة مناسبة للاستفادة من طاقات المسلمين الكبرى.
ونؤكد أن الحج الإسلامي هو أهم مظاهر الوحدة الإسلامية والعمل الإسلامي المشترك، ومن واجب الأمة أن تعمل على خدمته وتطويره، ويجب أن تستعد إدارة الحج لاستقبال مائة مليون حاج وأكثر، وليس أن تعمل على غلق المنافذ وتحديد العدد.

2- في أحكام المعاملات:

• في الفقه الاقتصادي:
نؤمن بأن الإسلام قصد بناء اقتصاد اجتماعي متكافل ومتين، يتأسس على تحريم الربا والاستغلال والظلم، وأنه سن تشريعات هامة لأجل ذلك، وقد استجدت فيما بعد عصر الفقه الإسلامي آلاف الأنماط من الاقتصاد، وكلها تستدعي اجتهاداً جديداً، وليس من الحكمة حصرها في ميزان الأوائل، والحكم على كل نمط اقتصادي جديد بقدر ما يقدمه من خير وبركة وفائدة للناس، ويرجع تقدير ذلك حصراً إلى الخبراء الاقتصاديين المؤتمنين الذين درسوا الفقه الإسلامي ودرسوا تجارب الأمم، ويجب على هؤلاء الخبراء أن يحاربوا أي تسلل للظلم تحت عنوان اقتصاد السوق أو العرض والطلب بل إن مهمة الدولة الإسلامية تأمين حياة اقتصادية كريمة للناس، يتأمن فيها التكافل والتراحم والنمو الاقتصادي والاجتماعي، وأن تيسر للناس التشارك التجاري والزراعي والصناعي، والقروض المطلوبة فيه وفق مصالح الناس من عامل ومستثمر، بالصيغ الضامنة العادلة، والثابت في الشرع هو الدفاع عن المحتاج ومحاربة الظلم الذي يظهر بشكل جلي في الربا والتدليس والغش والتزوير وغيرها من جرائم الاقتصاد..
ونحترم ما حرره الفقهاء في أبواب البيوع والكفالة والحوالة والمضاربة والعارية والجعالة والهبة والإجارة والحجر والغصب والشفعة والقسمة والمزارعة والمساقاة والسلم والمخابرة وإحياء الموات والرهن والقرض والتفليس والحجر، ونؤمن بها على أنها تجربة إنسانية مضيئة نستفيد منها بكل ما يمكن، ونلاحظ أن النبي الكريم لم يشرع في هذا الباب بوصفه نبياً بل بوصفه إماماً والدليل على ذلك رجوعه صلى الله عليه وسلم عن حكمه في أمر السلم وتأبير النخل والغيلة والإذخر ولحوم الحمر الأهلية وادخار الأضاحي، مما يفتح الباب واسعاً للحقوقيين في الأمة لتشريع ما هو مناسب للزمان في المعاملة والبيوع والشركات مهتدين بتجارب الفقهاء الكرام ولكن دون أن نؤطر نشاطنا الاقتصادي المعاصر بما دونوه، بل ننظر إليها على أنها معالم هادية للمشترعين، ينسجون على منوالها ما يناسب الزمان والمكان محافظين على قيم الإسلام الكبرى في العدالة والتنمية واحترام العقود.
ونؤمن بأن الاقتصاد الإسلامي هو ما يقرره الحقوقيون والخبراء والعلماء في مجالس الأمة المتخصصة لتحقيق العدالة والتنمية بغض النظر عن موافقته لتجارب الفقهاء الكرام أو عدم موافقته لذلك، وبغض النظر عن التزامه بظاهر ما روي في السنن الكريمة أو عدم التزامه بذلك، ذلك أن ما صدر من أحكام المعاملات على لسان النبي الكريم كان ضمن دائرة قوله: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
وربما كانت أكثر المسائل إلحاحاً اليوم هي مسألة المصارف والربا التي يكثر فيها الجدل وقد أفردتها بهذه الإشارة على الرغم من أنها متضمنة في عموم ما سبق:

• في المصارف:
ونرى وجوب التفريق بين القرض الاستهلاكي الذي يحتاجه الفقراء وبين القرض التجاري أو الصناعي الذي يحتاجه الأغنياء، فلا تصح الزيادة على أصل المال في الأول وتصح في الثاني، بل قد تجب وذلك لضرورة تثمير المال العام، وقد أشرك الله فيه الفقراء والمساكين وذوي الحاجة فلا يجوز التبرع بحقوقهم للأغنياء المتمولين، ومثله القروض الزراعية التي تهدف إلى تعظيم ربح الأرض.
ونرى جواز البيع بالتقسيط ولو زاد أصل المال، لما فيه من المنفعة المتبادلة، وندعو الأمة إلى تطوير هذا اللون من التعاون لتأمين حاجات الناس الضرورية.
ونطالب بالتيسير في القروض الطويلة الأجل التي تقدمها الدولة لشراء البيوت أو لمكافحة البطالة ونطالب بأن تكون بدون زيادة أو أن تقتصر الزيادة على الحد الأدنى لسداد نفقات العاملين والمشرفين.
والنظام المصرفي نظام حديث، لا ينفع فيه القياس على القديم، وإنما يحكمه قصد الشارع الحكيم إلى تحقيق العدل بين الناس ومنع الظلم والربا والاستغلال، وهو ما يعظم المسؤولية على رجال التشريع للاستحسان وتقرير مصالح الأمة.

وباختصار فإن الأمة مأمورة أن تجتهد عبر برلمانها ومؤسساتها التشريعية للوصول إلى اقتصاد عادل يحقق العدالة بين الناس، ومأمورة أن توفر القروض الخيرية للمحتاجين بلا فوائد، وأن تيسر للناس التشارك التجاري والزراعي والصناعي، والقروض المطلوبة فيه وفق مصالح الناس من عامل ومستثمر، بالصيغ الضامنة العادلة، والثابت في الشرع هو الدفاع عن المحتاج ومحاربة الظلم الذي يظهر بشكل جلي في الربا والتدليس والغش والتزوير وغيرها من جرائم الاقتصاد.

3- في أحكام النكاح:
نحترم ما قرره الفقهاء الكرام في شأن أحكام النكاح، ونؤكد على أن نظام الأسرة هو النظام الأمثل للحياة، ونعترض غاية الاعتراض على الأنماط التي يسوقها بعض الإباحيين من تشريع الشذوذ بنوعيه، وكذلك المجون والخلاعة والإباحية بكل أشكالها، ونرى في مسائل الزواج القضايا التالية:

• حق الفتاة في الاختيار:
نؤمن بحق الفتاة في اختيار شريكها وننكر إجبار البكر على الزواج تحت أي ذريعة، ونؤمن بحقها في الخطوبة والتعرف على من تراه أهلاً لمشاركتها في الحياة، وذلك عبر اللقاء والحديث والكلام، مع التأكيد على رفض الخلوة الشرعية قبل القول المعروف وهو العقد.
ونرى أن الخطوبة فترة حقيقية لكي يعرف كل من الخاطبين صاحبه بما في ذلك النظر إلى ما يعجبه منها على اختلاف بين الفقهاء نختار منه مذهب الإمام أحمد ليسره وواقعيته، وهو النظر إلى الأطراف الخمسة، وهو وسط بين رأي الجمهور وبين رأي ابن حزم.

• الشروط في النكاح:
ونطالب أن يكون عقد النكاح موسعاً تفصيلياً وأن يكون للمرأة وللرجل الحق في اشتراط ما شاءا وخاصة حق المرأة في عدم التعدد عليها إلا بإذنها، وحقها في متابعة تحصيلها وعلمها وتوفير سكنها الشرعي المستقل.
ولا بأس بالشروط التي تتنازل فيها المرأة عن بعض حقها في النفقة أو السكنى أو التأبيد مقابل رغبتها في الستر والنسل، أو يتنازل فيها الرجل عن بعض حقه في العصمة والقوامة، وإنما يحرم الزواج مع التواصي بالتكاتم ولا بد فيه من الإشهاد والإشهار جميعاً.

• عقاب الزناة:
ونطالب بفرض العقاب على الزانيات والزناة بما يردعهم، وبما ينسجم مع القوانين الوطنية، وليس العقاب بالضرورة الجلد، بل يمكن اختيار السجن أو التغريم على ما تختاره المؤسسة التشريعية، وهو مطلب تشاركنا فيه النظم الحديثة اليوم والشرفاء في العالم أجمع.
أما الرجم فنعتقد أنه يتنافى مع منطق الإسلام في العقوبة، بل وفي الإحسان في القتلة الذي أمرت به الشريعة، وننكر أن يكون في كتاب الله آية في الرجم، والآحاد لا يثبت به قرآن، ولا يصح أن تراق به الدماء، وأما خبر الغامدية وماعز فنرده أو نتأوله على أنه كان قبل إحكام الآيات، ولعله من شرائع ما قبل الإسلام.


• الطلاق والخلع:
ونطالب بحق المرأة في الخلع على الرجل ولو بدون رضاه، إذا ردت له المهر، ولا نرى له حقاً في مراجعتها في عدة الخلع.
ونرى أن الطلاق حق الرجل مرتين وحق الشرع في الثالثة، فيملك في الطلقتين الرجعة ولا يملكها في الثالثة، ولا يجوز هدم الحياة الزوجية بأقل مما بنيت به من الإرادة الصحيحة والصيغة بلفظ الطلاق دون سواه، والإشهاد عليه، كما في نص الآية: وأشهدوا ذوي عدل منكم، ونرى أن لا يقع الطلاق إلا في المحكمة احتياطاً وحماية لحق الزوجين، ومن حق الفقهاء أن يضعوا الضوابط الملائمة لهذه الغاية.

• تعدد الزوجات:
نؤمن أن النبي الكريم لم يعدد على زوجته أم أولاده، واحترم مشاعرها حتى ماتت رغم أنها كانت قد بلغت الخامسة والستين وهي أكبر منه بخمسة عشر عاماً فضرب المثل الأعلى في الوفاء للزوجة شريكة العمر، وكان يشترك الشرط إياه على من يخطب بناته من الأصهار كما في حال أبي العاص وعثمان وعلي، ولم تقبل بنات رسول الله دخول ضرائر عليهن.
وننكر أن يكون التعدد تلبية لسعار الرجل، فالرجل والمرأة في هذا سواء، وعلى الزوج أن يعف ويكف ويرضى بقسمة الله، ولا ننكر التعدد إذا كانت تدعو له حاجة ماسة، ومعيار ذلك رضى المرأة الأولى.

• باب اللعان:
ندعو إلى تطبيق أحكام اللعان في حال الاشتباه بالفاحشة ولو جزم الزوج أو الزوجة رؤية ذلك يقيناً، وننكر غاية الإنكار ما نص عليه قانون العقوبات من منح العذر المحل لمن قتل امرأته أو قريبته إذا رآها تفعل الفاحشة، أو منح العذر المخفف لمن ارتاب في قريبته أو زوجته، ونرى أن التشريع المذكور فيه هدر للروح الإنسانية وقتل بغير حق ولا برهان واستهتار بالقضاء الشرعي وافتئات على ولي الأمر.

• باب العدة:
نرى الالتزام بظاهر الكتاب في اعتداد المطلقة ثلاثة أقراء واعتداد المتوفاة عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، والعدة هنا هي الامتناع من التزوج خلال هذه الفترة، صوناً للأرحام وحرمة للمتوفى وحماية للمرأة من الزواج الكيدي، ولكننا نعترض على كل ما ألزمت به المرأة خلال العدة من عزلة واحتجاب عن الناس، بل من الواجب أن نساعدها على تجاوز محنتها والتفريج عنها بكل الوسائل، وباختصار فالعدة هي عدم التزوج، وأما أمر لزوم البيوت فهو حق للمرأة تطالب به إن أرادت ولا تمنع منه، كما أنها لا تجبر عليه إن لم يكن لها به حاجة.

• باب الحضانة:
الحضانة حال الطلاق هي حق الطفل فينظر الفقهاء إلى ما هو أنفع له، وفي زماننا فنحن نختار ما ذهب إليه المالكية من أن الحضانة للأم للولد إلى الثالثة عشرة وللبنت إلى الخامسة عشرة وبعد ذلك يخيران، وهذا الحكم يمكن تغييره بالطريق الدستوري كل فترة من الزمن.

• باب النفقة:
النفقة مسؤولية الرجل، والرجال قوامون على النساء، ولا تكلف المرأة بالإنفاق إلا إذا تحقق فقر الرجل وعوزه، ولا بأس بالاتفاق على خلاف ذلك بين الزوجين سواء في العقد المبتدئ أو في الإجازة اللاحقة.

4- في أحكام المرأة

في المساواة:
نؤمن بأن المرأة مساوية للرجل لقوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، ونأخذ بعموم هذه الآية فلا يصد عن المرأة منصب هي له كفء في التعليم والسياسة والقضاء، وندعو إلى تعليمها وتأهيلها وإلغاء التشريعات التمييزية ضدها، واحترام شهادتها مساوية لشهادة الرجل، وما ورد من التمييز في الشهادة مرة لها كما في الشهادة على البكارة، ومرة ضدها كما في الشهادة على العقود في الأسواق، فهو قابل للتغيير بحسب ظروف المرأة في كل عصر، ولا يجوز أن يكون بسبب التمييز ضد المراة.

في الحجاب:
الحجاب أدب من آداب الإسلام، وهو يحقق فوائد عظيمة للمرأة منها تحقيق عفافها والحيلولة دون أن تكون متعة رخيصة لأهل الخلاعة والمجون، ومنها أنه يحقق المساواة بين النساء بأيسر ما يكون فالمحجبات أقل تمايزاً وأكثر تشابهاً.
ولكن مع التأكيد على منزلة الحجاب فيجب الإشارة إلى الأمور الآتية:
• إن الشريعة لم تحسم شكل الحجاب على كل مسلمة بل ظل الحجاب محل اجتهاد وتأويل وقد جمعنا في كتاب المرأة بين الشريعة والحياة طائفة كبيرة من أقوال الأئمة في جواز صيغ متعددة من الحجاب فيها على الأمة تيسير ورحمة، وفيها رفع الحرج والمشقة.
• إن نصوص الفقهاء متضافرة في رفع الحرج عن نساء كثير في عورة الشعر المسترسل وما يبدو عند المهنة وهذه المسائل متروكة في الواقع للمرأة المسلمة تقدر منها ما يتصل بواقعها وحالها إذ هي دون سواها المسؤولة عن تحقيق العفاف الاجتماعي في الأمة.
• وأما المنديل الذي يستر كل الوجه فليس صورة حضارية مقبولة، وهو ليس الصورة المحببة للمرأة المسلمة، ونعتقد أنه يجب العمل توجيهياً وفكرياً ضد هذا الشكل المتعصب من الحجاب لأنه يكرس صورة شديدة القسوة على المرأة المسلمة، وتكرس الريبة وسوء الظن بالناس، ولا تتناسب أبداً مع العصر الحاضر.
• لا شك أننا ندين نزع الحجاب بالقوة كما ندين فرضه بالقوة، ولكن يحق للدولة أن تتدخل لفرض قانون الحشمة وهو قانون يمنع المرأة من التبرج تبرجاً فاضحاً، ويحدد ذلك خبراء المؤسسة التشريعية الذين عهد إليهم بمقاومة الفحشاء.
• إنه ليس من شأن الحجاب تقبيح المرأة أو الإساءة إلى جمالها، فالله خلق الأنثى جميلة ومن حقها أن تظهر كذلك، بدون تبرج أو تهتك، والحجاب نفسه حين يتولاه خبراء أزياء مؤمنون يكون أداة جمال وعفاف وليس أداة تشويه وإساءة.

في الاختلاط:
• المجتمع المسلم مجتمع مختلط، يأذن بتلاقي الرجال والنساء في الحج والعمرة والصلاة والاستسقاء والعيدين وغيرها من المناسبات العامة، ومثل ذلك لقاء الرجال والنساء في الدراسة والعمل والأسواق والبيع والشراء، وكذلك المهمات الاجتماعية المختلفة.
• فيما يتصل بمصافحة النساء فلم يرد نص يمنع ذلك وغاية ما يروى في هذا الباب أن النبي امتنع عن مصافحة النساء في البيعة، وهذا غير ملزم لاحتمال أن يكون من خصائصه، إذ أنه لم يأمر به أمته، بل إن القرآن أمر بالوضوء من لامس النساء، واللمس المصافحة، وقد ورد في مسند أحمد وابن ماجة عن أنس بن مالك أن الأمة كانت تأخذ بيد النبي الكريم فلا تدع يدها من يده حتى يقضي لها حاجتها، وكذلك ترجم ابن حجر لمارية التميمية قالت: صافحت رسول الله فلم أر يداً ألين من يده.
• أما الاختلاط الممنوع فهو الخلوة الشرعية وهي أن يجلس الرجل والمرأة في مكان يأمنان دخول الداخل عليهما، فهذا ممنوع في الشرع، وعيب في الأدب الاجتماعي، وريبة يعاقب عليها القانون.
• وبناء عليه فإن الدولة المسلمة وعبر رجال التشريع فيها تملك شرعاً أن تقرر الشروط الضامنة للعفاف الاجتماعي كما هو الحال في القانون إذ يحرم المساكنة والتزاني واتخاذ الخليلة وهذا يعتبر استجابة لمراد الشارع، انظر المواد 473 و474 و476 من قانون العقوبات السوري، ونطالب بمزيد من المراقبة لحماية العفاف ومنع الزنا والفحشاء بكل أشكالها.
• الحب والعاطفة القلبية التي تكون بين الرجل والمرأة مما لا يؤاخذ الله تعالى عليه، فإن المرء مؤاخذ بما يملك وليس مؤاخذاً بما لا يملك، ولكن يحرم في كل حال الخلوة بالمرأة إلا في ظل عقد زواج مشروع.

5- في العتق والأيمان

• باب العتق:
العبودية بكافة أشكالها حرام، ويجب الكفاح ضد أشكال الاستعباد، من الرق وملك اليمين، وما ورد في القرآن أو السنة من ذلك فهو مشكلة كانت في ذلك العصر أراح الله منها، واتفقت البشرية على منع الاستعباد وتحرير الإنسان، وما روي من أحكام الإماء والعبيد فهو تراث نتأمله ونرويه، ونلاحظ فيه تشوف الشارع والفقهاء إلى الإعتاق، وقد ذهب معظم الفقهاء إلى وقف العمل بكل ما روي في القرآن والسنة من أمر الرق والعبودية، وهو احتهاد صحيح ويجب احترامه.
وعلينا أن نكافح ضد أشكال الاستعباد جميعاً ومنها ما يروج له اليوم من أحكام يجريها الأغنياء على الخادمات على أساس أنهن ملك يمين فهذا ما لا يجوز إقراره بحال من الأحوال.

• باب الأيمان:
نتفق مع الفقهاء الكرام في ما ذهبوا إليه من أحكام اليمين وكفارة اليمين، ونؤكد أن الله بين المرء وبين يمينه، والحالف يحلف باسم الله فلينظر كيف يحنث، ولا ينعقد اليمين إلا باسم الله تعالى.
وننكر أن يكون اليمين مطية للمعصية أو لقطيعة الرحم أو لمنع الخير بل إن الحنث في هذه الأحوال واجب، لا أحلف على يمين ثم أجد غيرها خيراً منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني.

6- في الحدود
• باب الحدود:
ندعو لمراجعة أحكام الحدود بالاستفادة مما تقرر لدى الأمم في القانون الجنائي، والاعتماد على تجارب الأمم في قمع الجريمة، ولا نشك أبداً في وجوب مواجهة الجرائم كلها وخاصة ما أشار إليها القرآن الكريم من جرائم القتل والجراحة والحرابة والسرقة والزنا والقذف، ونطالب بتشريع عقوبات رادعة لمن يرتكبها تناسب العصر عبر البرلمانات الوطنية، كما نطالب بفرض عقوبات على الجرائم التي لم يسم لها الشرع عقاباً كجرائم الربا والتزوير والشهادة الزور وإدمان الخمر، كما نطالب بتجريم الجرائم التي لم ترد أصلاً في الشرع وفرض عقاب رادع عليى فاعليها كالمخدرات والاتجار بها والتهرب الضريبي والتخريب الالكتروني وتزوير العلملات وتزوير التواقيع الرسمية وانتحال الشخصية وبيع الأعضاء وغير ذلك من الجرائم التي تظهر في كل زمان.

• مسألة حد الردة:
إن القول بأن حد المرتد القتل مصادم بشكل قاطع لأصل إسلامي كبير وهو لا إكراه في الدين، ولا نرى أن يعاقب من بختار ديناً غير الإسلام، إلا أن يمارس ضد الأمة الحرابة والتجسس والعدوان، وهذه مسائل لا يجوز إثباتها بدون بينات، ولا يصح اتهام الناس بذلك لمجرد أنهم اختاروا ديناً آخر، بل ينصحون ويرشدون، ويترك لهم حرية الاختيار ، فلا بركة في إيمان مع الإكراه، والإسلام مع الإكراه نفاق.
أما المرتد الذي يلحق بأرض العدو ويحمل أسرار أمته إلى عدوه فلا خلاف في وجوب محاسبته أشد الحساب، وهذا هو حال المرتدين الثلاثة الذين أمر النبي الكريم بقتلهم بعد الفتح.

• مسألة قتل الزنديق:
وما قلناه في حد الردة هو ما يقال أيضاً في حد الزنديق، الذي يبتدع أصولاً خاصة في التفكير، تخالف جمهور الأمة، ولا نرى أن حده ضربة بالسيف بل إننا مأمورون بمناصحته وإرشاده، ولا ننكر أنه قد يكون أهدى إلى الله في مسائل، وقد يكون رأيه إبداعاً يؤجر عليه وليس كفراً يعاقب عليه.
ونحترم حرية الفكر إلى الغاية وفق القاعدة الفقهية: للمجتهد إن أصاب أجران ، وإن أخطأ أجر واحد.

7- في أحكام الجهاد
• أحكام الجهاد:
نطالب بمراجعة أحكام الجهاد، وننكر أن يكون الجهاد هو القتال لإدخال الناس في الإسلام، بل هو الإعداد لما استطعنا من القوة لنرهب به عدو الله، وهو تنظيم الجيوش المدربة النطامية والجيوش الشعبية بإشراف من الدولة لحماية الأمة وللدفاع عن الأرض والعرض.
ونؤمن بأن الجهاد القائم اليوم هو جهاد الدفع، أما جهاد الطلب فقد كان في الماضي لتمكين الدعاة من تقديم رسالتهم بحرية وهو غير مبرر اليوم، بعد توفر وسائل الإعلام في كل مكان في الأرض.
ونؤكد أن الحروب التي وقعت خلال التاريخ الإسلامي ليست كلها فتحاً يؤجر فيه المحاربون بل كان كثير منها بغي وعدوان واقتتال على السلطة وهي حقائق ينبغي درسها بمنطق المؤرخين دون أي قداسة دينية على المحاربين فيها مصيبين أو مخطئين.
ونؤمن بأن راية الجهاد وقرار الحرب يجب أن يكون بيد القيادة السياسية للأمة، ولو لم يكونوا ملتزمين بأحكام الشريعة، ولا يجوز أن يكون بيد علماء الشريعة، مهما بلغ علمهم وفضلهم.
ونطالب القيادات السياسية بالقصد والحيطة في إعلان الحروب ونطالب بأن يكون قرار الحرب بعد استفتاء المحاربين جميعاً حول إيمانهم بعدالة الحرب التي يخوضون ولا يجوز أن يقاد الناس إلى حرب لا يؤمنون بها.

• أرض الحرب وأرض الإسلام:
ننكر القسمة التي ذهب إليها كثير من الفقهاء بتقسيم العالم إلى أرض حرب وأرض إسلام، أو دار إسلام ودار كفر، ونثني على خيار الشافعية بالقول بأن الأرض ثلاثة دار إسلام ودار حرب ودار عهد، ونطالب اليوم بتطوير هذا الفهم، ونؤمن بقسمة العالم كما اقتضته المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية، وندعو للاعتراف بالسلطة الأدبية للأمم المتحدة في رسم حدود العالم حسماً للنزاعات ودرءاً لسيطرة الأقوياء على الضعفاء، ومع ذلك فإننا ندعو إلى إلغاء حق الفيتو الذي يتعارض مع العدل والمساواة، ونؤمن بالنضال السلمي والدبلوماسي والثقافي لتصحيح بعض ما جارت فيه قرارات الأمم المتحدة في ترسيم الحدود بين دول الأرض.

• الجهاد والفتنة:
نشدد على التفريق بين الجهاد المشروع والفتنة الممنوعة، والضابط بينهما أن الجهاد ما كان من قرار الحرب الصادر عن الدولة الشرعية بشرطه في محله بعد استشارة المحاربين من الجيش الوطني أو الشعبي، أما الفتنة فهي القتال تحت راية عمية ليس لها في أعناق الأمة بيعة صحيحة، ويدخل في قتال الفتنة كل قتال لم يأمر به ولي الأمر المبايع شرعاً وقانوناً، ولا يصح الانخراط في قتال تحت راية أحد مهما كان عالماً أو تقياً أو ورعاً، وليس من شأن الجماعات الإسلامية أن تنشئ خلايا قتالية ضد أي عدو إلا بإذن ومشورة مع الدولة وولاة الأمر الذين انعقدت لهم البيعة الصحيحة.
وإن الشرع الذي أمر بسل السيف في الجهاد أمر بكسر السيف في القتنة، وبقدر ما يؤجر المرء في القيام في الجهاد فإنه يؤجر بالقعود في الفتنة.

8- في أحكام الميراث والوقف والوصايا
• في الميراث:
نؤمن بأحكام الميراث كما نص عليها القرآن الكريم، ونرى أن فيها توزيعاً عادلاً للثروة، ونحترم اجتهاد الفقهاء في أبواب الميراث المسكوت عنها خاصة في باب الوصية الواجبة، ونؤكد على حق الإنسان بل واجبه في تعديل ما يراه جائراً في حق بعض القرابة من غير الوارثين عبر الوصية الجائزة التي هي ثلث المال.
ولا نرى في قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين أي تحيز ضد المرأة لأنها محكومة بقاعدة: الرجال قوامون على النساء، فلا يستويان في وجوب الإنفاق ولا يستويان في تناول الميراث، وهو أليق لحالها وحاله، ولا ننكر الاجتهاد إن وقع في مصادمة ذلك بواقع تغير الزمان وتغير الأحوال استثناء من الأصل، بشرط أن يكون ذلك عبر اجتهاد قضائي يصدر فيه صط تشريعي من أولي الأمر.

• في الوقف:
نحترم إرادة الواقف وندعو إلى حمايتها وتنفيذها وفق مراده، ونؤمن أن شرط الواقف كنص الشارع، ونحن مع كل جهد تشريعي أو إداري يهدف إلى حماية الوقف وتحقيق أهدافه في التكافل والتنمية، ونثني أطيب الثناء على تاريخ الوقف الإسلامي وإسهامه الحقيقي في التنمية والخير.
ونطالب بتطوير إدارة الوقف على أرقى الشروط الاستثمارية وإذخال خبرات تنموية حقيقية لتثمير الوقف وتطويره، وفك الارتباط بين البيروقراطية والروتين وبين حاجة الوقف للتنمية والتطوير، وكذلك تحرير الاستثمار الوقفي من القيود القديمة ليشارك في عملية التنمية.

9- في الفتوى والقضاء
• باب الفتوى
نؤمن بحق الناس في الاجتهاد والفتوى، ولا يصد عن الفتوى أحد، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، ولا بأس أن يضع العلماء شروط الفتوى والمستفتي ولكنها غير ملزمة، فالفتوى غير ملزمة والقضاء ملزم، ومن حق الدولة أن تسمي بعض علماء الشريعة مفتين وتوصي بالأخذ عنهم دون سواهم، وتضع في تصرفهم وسائل الدولة وإمكاناتها لتسهم في نشر ما يفتون به من القضايا التي يفترض أنها أقرب للصواب من فتوى الأفراد، كما إن قيام مجمعات فقه إسلامي يجتمع فيها المتخصصون هو أمر إيجابي، على أن لا تمنح هذه المؤسسات ولا هذه المجامع أي سلطة تنفيذية جبرية على الناس، وإنما هي وسائل إرشاد وتوجيه، والحسم والحتم والجزم للقضاء دون الفتوى، ولا يجوز أن يكون للفتوى صفة الإلزام لأنه تحجير على حق الناس في الفكر والاجتهاد وهو حق قررته الشريعة ويحترمه العقلاء في كل مكان في العالم.
وتعدد الفتوى مظهر ثراء في الفقه الإسلامي وصورة واضحة لحرية الرأي في الإسلام، ولا شك أن هذا الفقه الإسلامي الكريم أكبر دليل على حرية الرأي والاجتهاد التي نالها المسلمون في ظلال الإسلام.

• باب القضاء:
القضاء سلطة مستقلة، وقد أمر القرآن الكريم بتحقيق العدل بين الناس ونصب لذلك منارات هادية في قضاء داود وسليمان وقضاء النبي محمد، ونؤمن بكل ما أخبر به القرآن من ذلك ونحترم ما قرره الفقهاء في باب القضاء من أحكام تفصيلية على أنه تجربة إنسانية هامة، ونروي أخبار القضاة من الصحابة والتابعين على أنهم رموز للعدالة والاستقامة والنزاهة.
ولكن ذلك لا يكفي لقيام قضاء صحيح ولا بد من التزام ما استقرت عليه أعراف النظم القضائية في العالم من أصول المحاكمات واستقلال القضاء واحترام اختصاص المحاكم، وهيئاتها وشكلها، وطرق تعيين القضاة وترقيتهم وعزلهم ومحاكمتهم وغير ذلك من أصول تتفرغ جامعات كبرى ومراكز بحوث في العالم لدراستها وتقديم تجارب الأمم فيها.
وما قدمه الفقهاء الكرام من أحكام التقاضي والشهادات والقرائن والقسمة واستعداء القضاة والدعاوى والبينات والقرائن وغير ذلك هو دليل هادٍ لبناء قضاء صحيح ولكنه غير كاف، بل لا بد من دراسة كل ما قدمته الأمم في سيبل حماية القضاء وضمان عدالة نتائجه.
والذي نراه وجوب قيام نظام قضائي مستقل يستفيد من أرقى ما وصلت إليه تجارب الأمم من الحفاظ على هيبة القضاء ونزاهته، وفق معيار الشريعة الأكبر في رسالة القضاء وهي قوله تعالى: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.

في التراث:
الهدى بالقرآن الكريم:
القرآن الكريم دستور الإسلام وجوهر رسالته، ونحن ندعو إلى الإيمان بكل ما في القرآن الكريم، والعمل بما فيه وفق ما فعله علماء الإسلام في عصر المجد الإسلامي.
من المؤكد أن القرآن لا يشتمل على تفصيل الأحكام سواء في الفقه أو في شؤون الحياة الدنيا، وقد فصل لنا ما حرم علينا ولكنه لم يفصل ما أحل لنا، وقد صرح النبي الكريم بذلك في قوله: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
إن القرآن الكريم كتاب هدى ونور، ولا يجوز أن نحوله إلى غل على العقول أو قيد على الحرية، بل هو يهدي إلى الحق، وهو الذي يأمر باستعمال العقول والبحث عن العدل والخير والحق في الأرض.
والاصل أن القرآن واجب الاتباع على الظاهر، ولكن كثيراً من نصوصه حمال أوجه، فيجب تأويله على مقاصد الإسلام من العدل والخير وهذا ما فعله الرسول الكريم وأئمة الإسلام الكبار، فقد أمر النبي الكريم بقتال المنافقين ولم يقاتلهم، وأمر بقتل الأسرى ولم يقتلهم، ولا يسمى في ذلك عاصيأ ولا ضالاً، وأخبر القرآن أن بني إسرائيل فضلوا على العالمين وأجمعت الأمة على تقييد ذلك وتخصيصه، وقال فاتوا حرثكم أنى شئتم ولكن تم تقييد ذلك بالقبل دون الدبر ومثل ذلك كثير وفي القرآن تحو 1400 مثال جمعتها في سفر واحد تدل على أن القرآن الكريم يخضع لتخصيص العام وتقييد المطلق وتأويل الظاهر والتوقف في النص وغيرها، إضافة لما عرض له من النسخ في عصر الرسالة وهو عشرون آية على أقل تقدير، من دون أن يكون ذلك كفراً بالتنزيل أو إعراضاً عن هدى القرآن الكريم.
والأمة التي حملت القرآن الكريم للناس فتحت الشام والعراق ومصر ولم يكن في يديها إلا قطاف من هذا الكتاب وسور متناثرة، ولم يكن في أيديهم آنذاك تفاسير ولا كتب أصول، وقد حكموا الأمم حين حكموها بالعدل والإحسان والمعروف وليس بظاهر النص كما تطالب اليوم حركات الحاكمية.
والمنهج الذي نطالب به في فهم القرآن والسنة الصحيحة يلتزم أمرين اثنين:

الأول: الترجيح بالمصلحة العامة للأمة
إننا نتخير أدلتنا من القرآن الكريم والسنة المشرفة، ونعلم موقنين أن المخالف لديه دليل آخر من الكتاب والسنة، فالقرآن حمال أوجه، وإن كان قطعي الثبوت فإن أكثره ظني الدلالة، بدليل الاختلاف في التأويل بين الأئمة، والسنة كذلك، بل إن كثيراً منها ظني الثبوت ظني الدلالة، وهذا الجدل لم ينقطع منذ فجر الاجتهاد في التاريخ الإسلامي، ولا زال، وسيستمر إلى ما شاء الله، فقد ظل الفقيه يقول الرأي عندنا كذا وعند السادة الشافعية بخلافه والرأي عندنا كذا وعند السادة المالكية بخلافه، وهم يطوفون حول المصادر والأدلة نفسها، ومن زعم أن في نصوص القرآن والسنة ما يحسم المسائل جميعاً بحيث لا يبقى خلاف في شيء فقد أعظم الفرية على أمة محمد وأوغل في اتهامهم برد النصوص، إذ لا تزال هذه الأمة تجتهد أصولاً وفروعاً، ولم يحصل خلال تاريخها الطويل أنها حسمت أمرها في المسألة الواحدة فلم تجد فيها قولاً آخر، والأمر كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من ادَّعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه لعل الناس اختلفوا ، ليقل لا نعلم في المسألة خلافاً، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب، مَن ادَّعى الإجماع فهو كاذبٌ، لعل الناس اختلفوا، ما يدريه ولم ينته إليه، فليقل لا نعلم، وقد تعقبت ما جمعه العلماء من مسائل الإجماع فرأيت صواب ما قاله ابن حنبل ورأيت أن المسائل التي أجمعوا عليها إنما هي إجماع داخل المذهب أو إجماع صوري ولا يزال الخلاف في المسائل يتجدد، وبإمكانك أن ترى أن الإمام القرطبي على سبيل المثال في تفسيره الجامع لأحكام القرآن لا يكاد ينقل إجماعاً في مسألة إلا أشار بعدئذ إلى خلاف فيها، ولا يوجد حسم قاطع إلا في قضايا الاعتقاد الكلية كوحدانية الله ورحمته بعباده، وفي مسائل الفقه الكبرى كتحريم القتل والسرقة والزنا والربا، مع الاختلاف الكبير في تأويل تفاصيل ذلك، وإثبات جرائم القتل والزنا والربا وغيرها، ولأجل ذلك فقد اتفقوا أن رأي الفقيه ليس بملزم وأن رأي القاضي هو الملزم، فإذا حسم القضاء في أمر تعين فيه الطاعة، وإذا اختلف الفقهاء في المسألة فقد تعين حقنا في التخير من آرائهم، وليس أحد القولين أولى ديانة من الآخر، والترجيح هنا ليس على وفق اختيار الفقهاء بل على وفق مصالح الأمة وحاجاتها، والله تعالى أعلم.

الثاني: حق الأمة في التخصيص والتقييد والتأويل والتوقف في النص.
إن اتباعنا للقرآن الكريم لا يعني أنه لا يوجد جدل في تفسيره وتأويله، فهذا القرآن الكريم كتاب الله ونصوصه العامة لا تزال تحتاج إلى تقييد وتخصيص، فمنها ما خصصه النص ومنها ما خصصه العقل، ومنها ما خصصه العرف والواقع، والأمر نفسه في تقييد المطلق، وتأويل الظاهر، وتفصيل المجمل، وتوضيح المبهم، وقد قال الإمام البلقيني: ما من عام في كتاب الله إلا وقد طرأ عليه تخصيص إلا آية واحدة وهي قوله تعالى: والله بكل شيء عليم، وعلى سبيل الإيضاح فإن قوله تعالى مثلاً وهو على كل شيء قدير مخصوص بما أشار إليه علماء العقيدة بما كان في باب الممكنات وهو لا يتناول المستحيلات والواجبات، وقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً فقد خص من الناس المؤمنين ومن المؤمنين القادرين ومن القادرين البالغين.
وقد جمعنا في نصوص القرآن الكريم ونصوص البخاري ومسلم نحو ألف وأربعمائة مثال لنصوص عامة طرأ عليها التخصيص أو نصوص مطلقة طرأ عليها التقييد، ومنها ما اختار الفقهاء وقف العمل به وإن كان صحيحاً.
ولعل أوضح الأمثلة على ذلك أحكام ملك اليمين، فقد ورد الكلام عن ملك اليمين في أربعة عشر موضعاً في القرآن الكريم، لا يشير أي منها إلى تحريم ملك اليمين أو بطلانه، بل إن الآيات جاءت لتقرير أحكام خاصة بهم بعضها فيه رفع الحرج وبعضها فيه زيادة الحرج، وبعضها جاء لتكريس ملك اليمين: أو ما ملكت أيمانهن، وفي الحديث عشرات المواضع التي تشير إلى تحريم الإباق ووجوب خضوع العبد لإرادة سيده، وفي صحيح مسلم عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول : أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم.
وفيه عن الشعبي أيضاً عن جرير قال رسول الله: أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة.
وفيه عن جرير بن عبد الله يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة!!
وقد عنون الإمام مسلم لهذا الباب بقوله: باب تسمية العبد الآبق كافراً!!
وفي سنن النسائي عن جرير أن رسول الله قال: إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة وإن مات مات كافراً، وأبق غلام لجرير فأخذه فضرب عنقه!
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا عدواً فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناساً من أصحاب رسول الله تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله عز وجل في ذلك: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.
ولكن على الرغم من الأدلة الظاهرة في مشروعية الرق، وحق السيد في بيع عبده وشرائه ومنع العبد من التحرر الفردي، فإن الأمة اختارت فيما بعد أن الرق كله باطل وأن الناس سواسية وأن الفقه الإسلامي يتشوف للإعتاق وليس للاسترقاق، وأن تحريم ملك اليمين هو اليوم رأي معظم علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
إن المنهج الذي نتطلع إليه هو منهج الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب الذي مارس هذه الألوان من الاجتهاد بكفاءة واقتدار، وأوقف العمل بنصوص كثيرة، وعبر عن موقفه بصراحة حين تحولت المتعة إلى عبث بالأسرة والحج، وعلى الرغم مما استدل به معارضوه في شأن المتعة وما تدل لها نصوص ظاهرة في القرآن والسنة قال عمر بشجاعة: متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالاً، أنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النكاح ومتعة الحج!!

نقد عصمة الصحابة:
والصحابة الكرام جيل مبارك، ولكنه غير معصوم، وقد وقعت بينهم الفتن والحروب، وطعن بعضهم برواية بعض، ومن أشهر من اتهم على ألسنة عشرات الصحابة أبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص ومروان بن الحكم ومحمد بن أبي بكر، ومروياتهم محل نقاش وتمحيص، ومن جزم بأن الطعن فيهم كفر، فقد كفَّر عشرات الصحابة الكرام.
والقرآن وصف بعض الصحابة بالنفاق وبعضهم بالكفر، ومن ظن العصمة في الصحابة فقد أنكر مئات الآيات في فضح المنافقين منهم، قال ابن مسعود ما زالت سورة التوبة تنزل، ومنهم ومنهم حتى ظننا أن لا يبقى منا أحد.
ونحترم سعد بن عبادة وخيار الأنصار على الرغم من موقفهم من أبي بكر وعمر، ونعتبرهم مجتهدين مأجورين فيما ذهبواإليه.
وقد وردت آيات في فضائل طائفة منهم وآيات في الرد على المسيئين منهم، ونحن نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.

نقد عصمة المحدثين:
نؤمن بأن كتب الحديث الشريف هي جهود مبرورة لجمع الحكمة التي نطق بها النبي الكريم وكذلك الحكماء من أصحابه وتابعيه، والجهد المبذول في ذلك مبرور ومشكور، ولكن هذه الأحاديث لا يصح فيها ادعاء العصمة بل فيها ما هو صحيح وفيها مما هو سقيم وهذا منطق عرفته الأمة منذ فجر التدوين.
والإسناد أحد أشكال تحري صحة النصوص، ولكن النصوص على افتراض صحة نسبتها إلى الرسول الكريم فهي ليست بالضرورة أوامر قاطعة للامة بل هي محكومة بزمانها ومكانها، ويطرأ عليها التخصيص والتقييد والتأويل والتوقف، والمرجح في كل حال هو مصلحة الأمة، وهي نصوص حكمة نستأنس بها ولا نرغم على اتباع ظواهرها.
ونحترم الجهد الكبير الذي بذله الشيخان البخاري ومسلم، ونعتقد أن كتابيهما من أصح الكتب في ضبط الرواية إلى رسول الله، ولكن لا نعتبر ما فيهما معصوماً، فقد طرأ عليهما النقد في كثير من الرجال، وقد روى البخاري أكثر من ثلاثمائة حديث عن عكرمة وهو متهم عند مسلم ومن قبله ابن عمر وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عباس، وروى عن بعض عتاة الخوارج، بل إن البخاري نفسه اتهم بالقول بخلق القرآن، وجرحه لأجل ذلك الرازيان.
والمعول عليه في أمر القبول والرد هو موافقة النص لمقاصد الإسلام وأحكام العقول السليمة ومصالح الأمة، وفي كل الأحوال فهو حكمة محترمة وليس نصوص تشريع ملزمة.
وكتب الرجال جهود لمعرفة التاريخ، ولا ينبغي أن تكون معياراً نهائياً لقبول السنة أو ردها، بل استئناس للوصول إلى الحكمة، ولكن المعول عليه هو مقاصد القرآن ومصالح الأمة والتزام ما دلت له العقول السليمة.

في كتب التفاسير:
تضم كتب التفسير ثقافة الرجال الذين كتبوها، وهي حكمة ونور ولكنها لم تلزم السابقين ولا ينبغي أن تفرض على اللاحقين، وقد طرأ عليها بوضوح تأثير الإسرائيليات، ودخلها حشو كثير من ثقافة العصور التي كتبت فيها، ومبالغات في استنطاق النص بما ليس فيه، واستغراق في دلالة اللغة بما ليس محل اتفاق.
ومن حق كل أحد أن يكتب رؤيته في تفسير النص القرآني وليس من حق أحد أن يحتكر فهم النص أو يزعم عليه الإجماع، ومن قال أجمع الناس فقد أعظم الفرية، وما أدراه أن الناس اتفقوا، ليقل لا نعلم في المسألة خلافاً.

القراءات القرآنية:
نشأت القراءات القرآنية تيسيراً من النبي الكريم على الناس، وقال إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف فاقرؤوا منه ما استطعتم، والقصد هنا أن يقرأ الناس بلهجاتهم وحروفهم التي اعتادوها، والمذهب المختار في أمر القرءات أنها تدور على اختيار الفصحاء ورأي البلغاء، وأنها ظاهرة تسامح ورحمة وليست ظاهرة خوارق ومعجزات، وأن ضبط الروايات بالحرف والمد والإمالة والبطح وغير ذلك هو محض فنون في اللفظ العربي، لا ينبغي أن تحمل أي أبعاد تشريعية، وليست نتيجة توقيف معصوم، وإثبات تواترها إلى النبي الكريم فيه تعسف كبير.

مصادر الشريعة:
نؤمن بأن مصادر الشريعة كثيرة وأهمها القرآن الكريم والعقل والحكم فيها بما يختاره الأكثرية من العلماء والخبراء وأهل الاختصاص، ونستنكر حصر مصادر الشريعة بالكتاب والسنة، ونرى فيه امتداداً لمنطق الخوارج الذين قالوا لا حكم إلا لله، ونؤيد ما ذهب إليه فقهاء العصر الذهبي في الإسلام في اعتبار المصادر العشرة للشريعة وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستحسان والاستصلاح والعرف وسد الذرائع وشرع من قبلنا ومذهب الصحابي، ونرى أن هذه المصادر جميعاً كريمة وعظيمة، يمكن الاستنباط منها جميعاً، والترجيح بعدئذ لما اختاره علماء الأمة وخبراؤها عبر آلة الشورى ووسائلها.
ونرى الاجتهاد في مورد النص بعد عرضه على مجالس الأمة وحكمائها، ونحترم قواعد الفقه الحكيمة في الاستصحاب والأخذ باقل ما قيل ورفع الحرج وغيرها، وهي نتيجة فقه حكيم وتجارب عظيمة، تستحق الاحترام.
وأما الأخذ من هذه المصادر عند اختلافها فالمعول عليه هو مصلحة الأمة العليا كما يقرره خبراء الأمة وعلماؤها ونوابها، وحكم العقل مما أيدته المعارف العلمية القطعية.

في الواقع:
المعاهد الدينية:
المعاهد الدينية مراكز ضرورية لدراسة تراث الأمة وتاريخها وأقوال العلماء من السلف، وأعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس، ومهمتها تخريج أئمة وخطباء، وهي ضضرورة اجتماعية لا بد منها.
ولكن يجب القول أن المواد الشرعية التي تدرس اليوم في المعاهد الدينية غير كافية ولا يصح عزل الطلبة عن معارف العصر من الفيزياء والكيمياء واللغات والرياضيات، ويعتبر تغييب هذه العلوم عن الطلبة لوناً سلبياً من التجهيل.
ونرى أنه لا بد للطالب من دراسة التعليم الأساسي ليحيط بمعارف عصره، ونرى أن سوق الأولاد إلى الدراسة الشرعية المنقطعة عن معارف العصر قبل أن يبلغ الغلام راشداً ويختار مصلحته فيه لون من التعسف والإكراه والتحكم بمصير الأولاد وهو ما يأتي عادة بخلاف المقصود.
والأفضل هو دراسة المعارف العامة إلى المرحلة الثانوية مع إمكان إدخال مواد محددة من القرآن والحديث خلالئذ، ومن ثم الاختصاص بعلوم الشريعة في المرحلة الجامعية.
ويجب أن يدرك الطلبة أنهم يدرسون التراث وليس القانون، ويتعلمون الماضي وليس الحاضر، وأن ما يحملونه من معارف هو مرويات لتجارب الأمم وليس بالضرورة الأصلح لزماننا وبيئتنا.
ولا بد من مواجهة بعض مفردات التطرف في المدارس الدينية وخاصة في باب الردة والجهاد، ولا بد من مواجهة علمية مع هذه المفردات ولا يكفي في هذا السبيل تجاهلها أو تجاوزها، ولا حتى حذفها من المنهاج بل لا بد من مواجهتها بشجاعة تحت أصل إسلامي كلي وهو أن الدين رحمة للعالمين وليس سيفاً يقتل به المخالفون.

الجماعات الدينية:
الجماعات الدينية تجمعات تقوم على غذاء الروح والبحث عن المعرفة، وهي تؤدي دوراً اجتماعياً طيباً وعادة ما تتطور إلى أنشطة تعاونية وكشفية وتعليمية.
ولكن الجماعات الدينية معرضة لسلسة طويلة من الاحتمالات قد تنحرف عن دورها الاجتماعي إلى ثقافة التعالي على الناس، على أساس هدايتهم إلى الله، وتقسيم الناس إلى ضالين ومهتدين، وفق قربهم أو بعدهم من الجماعة، كما يعرض للجماعات الدينية التعصب للزعيم والتشكيك في أخصامه ومحاربتهم، ويعرض للجماعات الدينية تبرير إنفاق المال العام على أساس الولاء.
ولا ينبغي أن تتحول الجماعات الدينية إلى حزب سياسي، حيث إن الأحزاب السياسية ينبغي أن تنطلق من احترام الديمقراطية وهو أمر في غاية البعد عن المعارف الدينية التي تتأسس على الغيب والحكم بالمطلق.

لسنا ضد دخول المتدينين العمل السياسي ولكن على أساس أحزاب سياسية بشرية، تعمل وفق القانون، وليس على أساس نصوص سماوية مطلقة معصومة لا تقبل النقاش ولا الجدال.

مشروع أسلمة العالم:
ينبغي على الأمة توفير من يرعى أبناءها في المغترب، وتوفير من يعرف بالإسلام لغير المسلمين، رغبة في نشر التعارف والمحبة في الأرض، أما جهود التبشير الديني الهادفة إلى اقتلاع الناس من تاريخهم وثقافاتهم وأديانهم، وتشويه اعتقادات الآخرين والهجوم على أديانهم فليست في الواقع مقبولة في عصر العلم والمعرفة، وإن بذل أموال الزكاة من أجل إدخال الناس في الدين هو أمر غير مبرر مع وجود الفقر والجوع والحاجة لدى الشعوب الإسلامية، وإن تحول العالم إلى الإسلام عن طريق التبشير هو أمر بعيد المنال إن لم نقل هو أمر مستحيل، وهو إضاعة لمال الزكاة وتحويله عن المحتاجين إليه إلى المطموع في إسلامهم.
ونقول في إنفاق سهم المؤلفة قلوبهم بما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولا نعتقد أن العالم يعيش جاهلية القرن العشرين، بل إن شعوب الأرض المتحضرة أصبحت أكثر قرباً من قيم الإسلام الكبرى من المسلمين أنفسهم، فقد تم تحقيق التكافل والقضاء على الفقر والبطالة واحترام القضاء والعدل والقوانين وارتقاء مستوى التعليم ومقارعة الاستبداد وتداول السلطة ومحاسبة الحاكم واحترام حقوق الإنسان بنسب لا تقارن مع واقع الحال في البدان الإسلامية.
والذي نراه هو بذل الجهود والأموال لتنمية الأمة وترقيتها وهذا أفضل طريق للتعريف بالإسلام فإن كل الحجج المتينة والخطب البليغة ليست بذات أثر إذا كان واقع الحال يعكس أمة متخلفة جاهلة متفرقة.
إن العالم يتجه نحو القيم العليا للإسلام ويبدو أن كثيراً من الأمم المتحضرة قد سبقتنا إليها، والمطلوب هو المصالحة مع العالم، والبحث عن المشترك، والتعامل مع المنجز الحضاري بمنطق نتعلم ونعلم، ونفيد ونستفيد، نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.

السنن في الآفاق والأنفس:
جاء النبي الكريم ليخرج الناس من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن، وكان النبي الوحيد الذي عرفه العالم بلا معجزات، فكان ذلك إيذاناً بانتهاء عهد الغيب وبدء عصر الشهود، وأعلن ختم النبوة فكان ذلك إيذاناً بانتهاء عصر الأنبياء وبدء عصر الحكمة والسنن والعقل.
والسنن هي قوانين الطبيعة والمجتمع، وهي خلاصة الكفاح الإنساني وتجارب الأمم ومنجزات العلم، وهي لدى بلوغها رتبة اليقين واجبة الاتباع ولها في ضمير المؤمن قوة النص الديني من الكتاب والسنة الصحيحة.
الوحي متلو ومجلو، فالمتلو ما نراه في سطور الكتاب والمجلو ما نراه في حقائق الطبيعة، كتاب مسطور وكتاب منشور، كتاب القرآن وكتاب الأكوان، وآيات الله في المخابر أكثر من آياته في المنابر، وآياته في المحراث أكثر من آياته في المحراب، وكلاهما له قوة الدليل القطعي بقدر ما يحقق للناس مصالحهم وفوائدهم.

العرب والإسلام:
العرب هم ملح الإسلام ومادته، ونحن نؤمن بأن الإسلام جاء تصحيحاً لتاريخ المنطقة وليس تغييراً لواقعها، والشعوب التي عاشت في منطقة الرافدين وبلاد الشام وشمال أفريقيا هي الشعوب العربية والتعبير بالشعوب السامية فيه ضلال تاريخي مبين، والأنبياء الذين ذكروا في القرآن هم أنبياء عرب عاشوا على الأرض العربية وتكلموا اللغة العربية بلهجاتها السائدة من آرامية وسريانية وعبرانية.
والنضال في سبيل الوحدة العربية نضال مشروع، وهو حلم نعمل لأجله، ليس على أساس إلغاء الخصوصية القطرية بل على أساس احترامها وفق النموذج الأوروبي، حيث يربح الجميع ولا يخسر أحد.
ونعمل جاهدين مع أي جهد مخلص يهدف إلى نشر اللغة العربية وحمايتها في العالم، وخاصة بين الشعوب الإسلامية واحتضان ما ينشرونه من تراثهم بلغة العرب، على أساس التكامل مع الأمم وليس على أساس الاستعلاء على شعوب الأرض ولغات الناس.
ونؤمن بأن تطوير اللغة العربية يكون بتعزيز ثقافة المشترك اللغوي وإدخال المفردات الحديثة إلى المعجم اللغوي العربي واعتماد التعريب على أساس اعتماد حروف المصطلح العالمي والتصريف العربي وليس اعتماد النحت العربي من المعاجم القديمة.

المشترك بين الإنسان والإنسان:
الإنسان هو مشروع الله في الأرض، وهو الذي مسحت جبينه يمين الرحمن، والخلق كلهم عيال الله، ولا شك أن الله ألقى سره في ضمائر عباده، ومن شأن ذلك أن يجد الناس كثيراً من المشترك بينهم كلما بحثوا عن الكمال والفضيلة، فالقيم الإنسانية متشابهة في الأرض، فالصدق فضيلة والكذب رذيلة، والصدقة فضيلة والسرقة جريمة، وهذا كله مما اتفق عليه العقلاء.
والمطلوب أن نبحث عن المشترك الإنساني بين المسلم والناس وبين الأمة الإسلامية وبين شعوب الأرض، وشأن الحضارات أن تتحاور وتتكامل وتتلاقى وليس أن تتصارع وتتقاتل.
والحضارة واحدة تسلمها الأمم جيلاً بعد جيل، وقد أفادت الحضارة الإسلامية من حضارة بابل واليونان، وأفادت من جاء بعدها من الأمم من الأوروبيين والأمريكيين.
والمشترك كثير بين قيم الإسلام وبين إعلان حقوق الإنسان، وكما جاء الإسلام مصدقاً لما سلف بين يديه من ثقافات الأمم فإن الإسلام جاء مصدقاً لما يستجد من حكمة ومعرفة ونهوض.
ونحن نؤمن بالتشابه الكبير بين القيم الإنسانية، وفي قيم الأديان وكلام الحكماء وتجارب المصلحين، في المسيحية واليهودية والبوذية والكونفوشية والزرداشتية والشامانية والأرواحية، وكذلك في حكمة اليونان والفرس، ونصوص الثورة الفرنسية وإعلان الاستقلال الأمريكي ووثائق التحرر الأفريقي ونصوص الدستور الياباني وميثاق الوحدة الأوروبية، ولا نسعى إلى تشويه هذه المنجزات الإنسانية العظيمة أو تسفيهها وإنما نسعى للبحث عن المشترك فيما بين الإنسان والإنسان.

الإسلام والديمقراطية:
نؤمن بأن الإسلام رسالة ديمقراطية في التشريع والسلوك، وقد افردت مساحة كبيرة لمشاركة الإنسان في التشريع، كما يشرحه أسباب النزول والنسخ والتقييد والتخصيص، ومراعاة أحوال العباد.
ونؤمن بأن النبي كان ديمقراطياً بمعنى أنه استمع لآراء الناس، وبدل مواقفه في كثير من الأحيان استجابة لرأي الأغلبية، ورفض احتكار السلطة وتوريثها وطالب بالاختيار الديمقراطي، وحرر العبيد وكرم المرأة، واحترم خيار الجماعة.
ونؤمن بأن الخيار الديمقراطي في الحياة السياسية هو أقرب السبل لمنهج النبي الكريم وسلوكه السياسي، وأنه لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية من حيث المرجعية، فيقال إن الإسلام مرجعيته الله والديمقراطية مرجعيتها الشعب، فقد انقطع الوحي منذ وفاة الرسول، وأمرت الأمة بالشورى والاستنباط لما يستجد من أحوال ولا شك أن أكثر أشكال الاستنباط عدالة هو الشكل الديمقراطي، وأن مظهر معرفة حكم الله هو استفتاء عباده، من علماء وخبراء وعارفين.
وتحكم أحكام المعاملات والسياسة والحكم في الإسلام القاعدة الذهبية التي نص عليها الرسول الكريم: أنتم أعلم بأمور دنياكم.
أما باب العبادات والعقائد فليس للديمقراطيات شأن به وهو محسوم بما بينه الوحي وعلينا الاتباع في ذلك كله.

الإسلام وحقوق الإنسان:
نؤمن بما أنتهى إليه العالم من إعلان حقوق الإنسان ونعتقده صورة لما أرشد إليه الإسلام من تكريم ابن آدم، ومنزلة الإنسان بين سائر المخلوقات.
ونعتقد أن ما نص عليه قانون حقوق الإنسان يعتبر تطوراً كبيراً لما أرادت الشريعة تحقيقه في الأرض.
ومع ذلك فإن إعلان حقوق الإنسان لا يزال ناقصاً ونحن نطالب بضم سلسلة من الحقوق إليه أهمها: حق الإنسان في الولادة بين أبوين، وحق الأبوة والبنوة والأخوة، وكذلك حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة وهي حقوق لم يشر إليها الإعلان العالمي ونحن نناضل من أجل إقرارها والتزامها.

الأمم المتحدة:
نحن نرى في الأمم المتحدة مشروعاً نبيلاً يهدف إلى تنظيم الحياة في الأرض، وخلق تعاون أممي بين دول العالم، ونحترم المشاريع البناءة التي تدعو لها والتي تقوم بنشرها في الأرض وخاصة في إطار المساعدات الإنسانية والاجتماعية والتعليمية وتبادل الخبرات.
ونتحفظ على حق الفيتو الذي احتكرته عدة أمم قوية بعد الحرب العالمية ولا زالت تحتكره، ونحن نطالب بإلغاء هذا الحق من الميثاق، لأنه يتناقض مع مبادئ المساواة، وعلى العالم البحث عن طريقة أخرى تلبي حاجة الأمم الكبرى في التمثيل النسبي وتلتزم قيم العدالة في احترام إرادة الغالبية من أعضاء المجمع العالمي.
ونحترم ونؤيد جهود الوكالات العالمية المتخصصة المبثقة عن الأمم المتحدة كاليونسكو واليونيسيف واليونيفيم والأونروا ومحكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الصحة العالمية واليو إن دي بي واليونيفيد وما تنشؤه الأمم المتحدة من هذه الوكالات الإيجابية التي تخدم أهداف السلام والتنمية في العالم.

ونحن نرى أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة عادلة ومنطقية، في حين أن قرارات مجلس الأمن فاشية وظالمة لأنها محكومة بالسياسة ومصالح الدول الكبرى.

في الجانب الوطني:
نؤمن بسوريا بحدودها السياسية الحالية وفيها الجولان المحتل وطناً أبدياً، نفديه بالغالي والرخيص ونجاهد من أجل حريته واستقلاله تحت راية الجكومات الوطنية فيه، ونؤمن أنه جزء من الأمة العربية.
ونسعى للتكامل بين بلاد الشام الأربعة، على أساس المشترك التاريخي، والتكامل الواضح والجلي بين أبناء هذه الشعوب الأربعة سوريا ولبنان وفلسطين والأردن.

وبعد فهذه جملة بحوث جمعت من نثار جدل طويل، تم جمعها على غير نظام، وهي تستحق أن تنشر وتكتب ولكنها الآن بين يدي الإخوة الكرام في المركز للدراسة والتمحيص والجدل ولعل الله يهدينا إلى ما هو خير ورشاد، وما خاب من استخار ولا ندم من استشار، والله أعلم.

ربنا أرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

الفهرس
• تصدير
• الميثاق
في الاعتقاد:
• رفض الجبر والقهر والظلم في حقه تعالى
• كتابة أعمال العباد والفرق بين القدرية والمسؤولية الشخصية
• حقيقة العذاب الأخروي وتأويل آيات العذاب
• الحساب والعدل للمحسن والمسيء
• الإسلام ناسخ أم مصدق (في حوار الأديان)
في الفقه:

• في العبادات
• في المعاملات
• في أحكام النكاح
• في أحكام المرأة
• في العتق والأيمان
• في الحدود
• في أحكام الجهاد
• في الميراث والوقف والوصايا
• في الفتوى والقضاء

في التراث:

• في الهدي بالقرآن الكريم
• نقد عصمة الصحابة
• في كتب الحديث
• في كتب التفاسير
• القراءات القرآنية
• مصادر الشريعة

في الواقع:

• المعاهد الدينية
• الجماعات الدينية
• مشروع أسلمة العالم
• السنن في الآفاق والأنفس
• العرب والإسلام
• المشترك الإنساني
• الإسلام والديمقراطية
• الإسلام وحقوق الإنسان
• الأمم المتحدة
• في الجانب الوطني