حكاية سعد ذابح وأخوته في الموروث الشعبي
تأخذ الأسطورة شكلها النهائي، عندما تنتهي التفسيرات الصحيحة لنشأتها، فتعود تلك التفسيرات غير مقنعة، ولكن الناس ترددها دون انقطاع. فالأصل بالأسطورة أنها كانت واقعة حقيقية في بدايتها، ونتيجة لبعد الزمن عن بدايتها فإن الرواة يضيفون عليها إضافات وتفسيرات حتى يبتعدوا كلياً عن أساسها الصحيح.
مثلاً، قبل أربعين عاماً، كان الناس في منطقة حوران يوزعون لحوم الخراف في شهر نيسان/أبريل وكان اسم الشهر (الخميس). أما لماذا سُمي بالخميس فلذلك قصة، فقد وقعت حوران وما جوارها تحت الحكم المصري (الفرعوني) قرون عديدة، بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن التاسع قبل الميلاد، ولم يكن الحكم مستمراً فقد كان يتناوب على الحكم (الكنعانيون وأحياناً الحثيون وغيرهم)، إلا أن الموروث المصري القديم قد أثر في تلك المنطقة. فالفلاحون في المنطقة لا زالوا يذكرون تقويماً لأشهر الشتاء، لا تتعامل به الثقافات المكتوبة بل تم تناقله مشافهة بين الأجيال (اجرد، كانون، شباط، إيدار (آذار، وأحيانا يقولون للشهر مشير وهو اسم فرعوني لشهر مارس/آذار) والخميس وهو نيسان/أبريل الخ.
كان الفيضان لنهر النيل يتم في شهر نيسان/أبريل، فيعتقد أهل مصر أن إله النيل قد فشل في حبه، فيطلب الكهنة من الأهالي أن يرموا أجمل فتياتهم في النيل ليكف عن البكاء (الفيضان) وبقي ذلك السلوك قائماً حوالي 1500 سنة حتى أفتى الكهنة بإمكانية الاستعاضة عن رمي الفتيات برمي الأبقار أو الأغنام، لأن إله النيل (جائع وليس فاشلاً في عشقه).
فذبح الخراف في منطقة حوران في نيسان (الخميس)، له علاقة بالفهم الفرعوني، ولكن الناس اعتقدوا أن ذلك له علاقة بالتعاليم الدينية الإسلامية، ونتيجة لضيق الحال، قلل الناس من ذبح الخراف، واكتفوا بإقامة الولائم بالشهر نفسه، ودعوة العمات والخالات والبنات للاشتراك بالوليمة. ولأن التفسير كان له علاقة بالدين، استعاض الناس عن الخميس (الشهر) بالخميس في رمضان، فقام الناس يبعثون ل (العنايا: النساء التي لهن علاقة بصلة الرحم) دجاجة أو اثنتين في كل خميس، حتى أخيراً صار يُستعاض عنها بالنقود (قيمة الدجاجة).
أما حكاية سعد ذابح وأخوته (سعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا) فهي تنتشر من الخليج الى المحيط، بتفسيرات وروايات، يكيفها راووها بطريقة يحاولون جعلها مفهومة.
فبعضهم يقول: أن شخصاً اسمه (سعد) أراد السفر في نهاية كانون الثاني/يناير، وحاولت والدته ثنيه عن السفر لبرودة الطقس في الشتاء، واحتمالية تعرضه لصعوبات من مطر وعواصف وغيره، ولكنه أصر على السفر، وفي بداية شباط/فبراير، انهمرت الأمطار المصحوبة ببرد شديد، وأصبحت أمه تندب حظها في ولدها وتقول: (إن ذَبَحَ سعد يسلم) فسمعها (بالإيحاء) فذبح ناقته وأزال كرشها واختبأ في داخلها ينهش من كبدها لمدة 12.5 يوم، ثم بلع أو أكل في الفترة الثانية (12.5) يوم ما تبقى من اللحم فقيل (سعد بَلَع)، وعندما زالت موجة البرد الثانية، لبس جلدها فرحاً بنجاته من الهلاك، فقالوا: سعد السعود (الفرح بالانتصار)، ثم خرج من مخبئه فقالوا سعد الخبايا.
دعنا نحاول إرجاع تلك التسميات الى الأسباب الفلكية. في التقويم القمري، يكون للقمر 28 منزلة، يقطعها القمر في دورته وعلاقته بالنجوم والكواكب، وكل منزلة عند العرب القدماء لها اسم تبدأ بمنزلة (الشرطيين ومن ثم البطين ومن ثم الثريا ف الدبران ف الهقعة فالهنعة ف الذراع فالنثرة فالطرف فالجبهة فالزبرة فالصرفة فالعواء فالسماك فالغفر فالزبانا فالإكليل فالقلب فالشولة فالنعايم فالبلدة ثم (سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا) وبعدها مقدم الدلو ومؤخر الدلو وأخيراً الحوت. [الشوكاني: في تفسيره فتح القدير ـ إسلام ويب].
وعندما يختفي العرافون والمفسرون الجيدون للعلاقات الفلكية، فإن تشكيل التراث الشعبي يأخذ حريته بين الأجيال.