لو كنت أسيراً في رمضان!
د. فايز أبو شمالة
لو كنت أسيراً في رمضان، كنت أنزف دمعاً وقت الغروب، وألملم أطباق الأحزان، وأنا أجلس على بلاط الزنزانة، أنظر إلى سقف الأمنية، وأرقب تحرر قرص الشمس عن الجدران، ليحطَّ بين يديّ، أو ينمنم أخمص قدميّ، فما أشقى زمن النسيان!!
لو كنت أسيراً، كنت أخط حروف عذابي فوق رغيف السجن؛ سؤال سجين للسجان: ماذا ينتظر كلانا خلف القضبان؟ لكني أمسحها. وأعود أفتش في الوجدان، كلمات حنين أرسلها لقيادتنا في رام الله ، لكني أمسحها ثانية، أخشى أن أنبش غفوتهم، وأخربش بالدمع مذاقهم، فتتكسر فلسطينيتي البريئة على حافة بيان الرباعية، وعلى مائدة إفطارهم الممتلئة باللقاءات الدسمة، فأين أنا، وسجاني، والبرش، والعذاب، وصحن "الزربيحة"، وعدد حبات الأرز من مواعيدهم؟ لن أزاحم "يوفال ديسكن" على طاولة اجتماعاتهم، فأنا أخشى عليهم الفزع من سيرة الأسير الذي نسوه خلف جدران السجون الإسرائيلية، بل أخشى أن يطلقوا النار علي ذاكرتي الفلسطينية، فيطمع فيهم "آفي مزراحي" أكثر، وأخشى أن يصرخوا هلعاً من شبحي الذي يتقافز رفضاً للخنوع، فيزداد لهم العميد "نيتسان ألون" احتقاراً، واستخداماً!.
لو كنت أسيراً في رمضان، ويجري أمام عينيّ التنسيق الأمني مجري التوسع الاستيطاني، أو كنت أسيراً أقيس ما تناقص من مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة بمقدار ما تناقص من أيام عمري خلف الأسوار، واكتشف أن عدد المستوطنات يزداد بمقدار ازدياد عدد اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية، لو كنت أسيراً لسألت نفسي: أين ذهب عمري؟ وما الذي جناه شعبي من عذابي؟ ولماذا تصرّ الدولة العبرية على سجني، وقد انتهت الحرب؟! فلماذا لم تنته السجون؟ ألسنا جنوداً نفّذنا الأوامر التي صدرت إلينا قبل عشرين عاماً من القائد السياسي محمود عباس، والقائد التنظيمي أبو علاء قريع، ومن القائد الوطني الطيب عبد الرحيم، ومن عبد الله عبد الله، وصلاح صلاح ومن عباس زكي، ومن أبو ماهر غنيم، ومن اللواء غازي الجبالي، ومن اللواء عدنان الضميري، ومن اللواء توفيق الطيراوي، واللواء ذياب العلي، واللواء سلطان أبو العينين، واللواء ماجد فرج، وأمثالهم، لقد نفذنا أوامرهم، ونحن مقبلون على التضحية، فوقعنا أسرى قبل أكثر من عشرين عاماً، فكيف نظل في السجون الإسرائيلية، بينما قيادتنا السياسية، والعسكرية، والأمنية يسافرون، ويتنقلون عبر الحواجز الإسرائيلية دون مشاكل؟ كيف تحرم أمي العجوز من زيارتي، ويخطف الموت أبي دون رؤيتي، وأسمع عن زواج ابنتي، في الوقت الذي يضم فيه قادتي أطفالهم، وأحفادهم إلى صدورهم، ويقبلونهم، ويتجولون معهم في أماكن لا يسمح بدخولها إلا بعد التنسيق الأمني؟! فمن يفسر لي ذلك؟!
لو كنت أسيراً في رمضان؛ لصرخت من عتمة زنزانتي، كفى يا قادتي، لا تتسلقوا أسواري، ولا تركبوا ظهر أحزاني، ولا تمسكوا لجامي، اتركوني أحمحم كاندفاع السيل، أبصق على شوارب الرجال التي استطالت تحت حوافر الليل!.