صلاح عبدالحكيم عامر: أبي لم ينتحر.. وعبدالناصر سمه بالإكونتين
تاريخ النشر : 2010-08-04
غزة - دنيا الوطن
أفكار كثيرة دارت في مخيلتي وأنا ذاهب لمقابلة صلاح ابن المشير عبد الحكيم عامر, بين عيني أؤمن أن جمال عبد الناصر أحد الأساطير التي مشت على الأرض ذات يوم, وأنه يدخل متحف التاريخ مجنحاً بالحكايات الأسطورية مثل جيفارا ونهرو وكاسترو, لكني أؤمن أيضاً بأنه اغتال صديق عمره الذي كان يأكل معه الطعام ويلوك الحكايا ويتدثران معاً بالأمان.. إنها حكاية رئيس ومشير. ونحن ننشر تفاصيل هذا الحوار على مسؤولية قائله.
بداية كيف ترى دور والدك في ثورة 23 يوليو 1952?
شارك والدي في اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار, وقاد الكتيبة 13 وفصيلة مدافع ماكينة في العمليات لاقتحام القيادة العامة في كوبري القبة والاستيلاء عليها, وهو الذي فتح باب رئاسة الجيش وألقى القبض على قادة الجيش المجتمعين في مقر القيادة, كما أن الطلقة الوحيدة التي أطلقت في ليلة 23 يوليو 1952, كانت من سلاح والدي.
كثير من المؤرخين أدانوا دور المشير عامر في الوحدة المصرية ¯ السورية وقالوا إنه سبب الانقلاب, وكرر ذلك عبد الكريم النحلاوي قائد الانقلاب على الوحدة في شهادته الأخيرة لقناة "الجزيرة "?
النحلاوي سوري الجنسية, وقد أعلن الانقلاب من قبل السوريين, وراحوا يرددون أن مدير مكتب المشير هو الذي قاد الانقلاب ثم إن سورية هي التي أعلنت الانقلاب ولم تكن تريد وحدة مع مصر.
يقول الرئيس جمال عبد الناصر لهيكل عن المشير واستقالاته المتعددة " أنا صبرت عليه كتير وغلط كذا مرة, وكل مرة بييجي يقدم لي استقالته ويكلمني عن العلاقة التي بيني وبينه, والعشرة والود, وكنت فاكر إن جدعنة الفلاحين هاتفضل فيه, لكنها مافضلتش"?
هذا كلام غريب, ثم إن أبي قدم استقالته عام 1962, فلماذا لم يقبلها عبد الناصر? لا تقل لي إنه تراجع عن قبولها بسبب ضغط الجيش عليه وحبه لعبد الحكيم, فهذا كلام لا يصدق, لا أحد كان يستطيع أن يضغط على عبد الناصر الذي استطاع إقالة محمد نجيب في ثانية, ووضع نفسه مكانه, رغم أن أحداً لم يكن يعرف من هو جمال عبد الناصر..!!
لغز
تبدو نهاية المشير عبد الحكيم عامر لغزاً غامضاً مهما تقادمت عليها السنون, إنها نهاية العلاقة بين المشير وجمال عبد الناصر, وبداية لمرحلة أخرى فهل مات المشير مقتولاً أم انتحر?
نعم والدي مات مقتولاً, ولم ينتحر, إذا كان على أحد أن ينتحر فكان الأولى أن جمال عبد الناصر هو الذي ينتحر وليس والدي, وعد إلى التقرير الذي كتبه الدكتور علي محمد دياب, الباحث ومدرس التحاليل بالمركز القومي للبحوث, حيث انتدبه المحامي العام للاطلاع على الأوراق الطبية الخاصة بحادث وفاة المشير, وفي التقرير أن " مادة الإيكونتين السامة التي وجدت في تحليل دم المشير, تقتل أي إنسان بمجرد اقترابها من فمه, بينما قرر النائب العام وقتها أن المشير تناول السم يوم 13/9/1967 ومات يوم 14/9/1967, أي بعد يوم كامل من تناول المادة السامة, وهو ما يتعارض مع ما قاله الدكتور دياب!
كذلك توجد لدينا تقارير أطباء مستشفى القوات المسلحة بالمعادي, مؤكدة بأقوالهم سلامة طبيعة النبض وضغط الدم والرئتين والانعكاسات العصبية, وسلامة الجهاز الهضمي وعدم وجود أعراض لمغص أو لقيء أو إسهال, وأيضاً سلامة القوة العضلية والإحساس, وتفاعل حدقتي العين مع الضوء, ثم إن المشير غادر المستشفي ماشياً على قدميه في الساعة الخامسة والثلث مساء يوم 13/5/1967.
هذا يعنى أن والدك تناول جرعة السم بعد خروجه من المستشفى?
لم يتناول جرعة السم لكنها أعطيت له دون أن يدري, ولدي التقرير رقم 19والصادر من مستشفى المعادى, والذي وقعه الدكتور المقدم محمد عبد المنعم عثمان, والرائد طبيب ثروت عبد الرحمن الجرف, وفي التقرير " ما سلم للمستشفى قطعتان متماثلتان من ورق " سلوفان " إحداهما طولها 2.5 سم, وأرسلت إلى المعامل الطبية الرئيسية يوم 11/9/1967, والأخرى طولها 1 سم, وتم حفظها بالمستشفى, وتم إجراء تحليل عليها يوم 14/9/1967 وللعلم فإن التقرير لم يشر إلى أن أياً من هاتين الورقتين كان بها آثار مضغ, ولم يثبت وجود أي شيء بعد تحليل الورقة الصغرى.
أما الورقة الكبرى لتقرير المعامل الطبية المركزية فنجد أنه ذكر وصول قطعة " سلوفان " مبرومة وبداخلها قطعة صغيرة من الورق " المفضض " في أنبوبة مغطاة بفلة عادية, وليست مشمعة, وهو ما يعتبر إجراء خاطئاً.
كما أن النقيب صيدلي يسري أبو الدهب كتب في تقريره أن قطعة السلوفان طولها لا يتعدى 2.5 سم, وأكد أن ورقة " السلوفان "والورقة " المفضضة " لم يظهر بهما أي آثار للمضغ.
ماذا عما أشيع عن أن والدك تناول السم في استراحة المريوطية وليس في المستشفى وما الذي يؤكد ذلك?
أكد الدكتور مصطفى بيومي حسنين, الذي كان مشرفاً على المشير في الوردية الأولى لحالة المشير من الساعة 5.20 مساء 12/9/1967, وحتى العاشرة صباح 14/9/1967, حيث أقر بأن ضغط دم المشير كان طبيعياً والنبض ثابتاً وممتلئاً ومنقطعاً 100 /90 في الدقيقة, مما يؤكد عدم تعاطيه الأفيون أو المورفين أو الايكونتين, أيضاً الرائد طبيب إبراهيم علي البطاطا, حيث قال في شهادته : كنت مكلفاً بمتابعة المشير في الوردية الثانية ابتداء من العاشرة صباح 14/9/1967, وحتى التاسعة من مساء اليوم نفسه, وأشهد أن صحة المشير كانت في تحسن, وأن الضغط والنبض طبيعيان, وهو ما يؤكد عدم تناوله " الايكونتين " كما أشهد أن المشير كان يتناول قطرات من عصير الجوافة المحفوظ في علب, وانني اتساءل أين كوب عصير الجوافة الذي كان يشرب منه المشير? وفي أي مكان كان يوضع بين فترات استعماله? وماذا تبقى فيه من العصير? ولماذا لم يحرز الكوب للتحليل إذا لم يكن قد اختفى?
الدكتور بطاطا, أكد أن المشير كان يشكو من ألم في الأسنان, وطلب نوفالجين وماء, ويستحيل على من بيت النية للانتحار أن يهتم بألم الأسنان ويطلب العلاج لها, كما جاء في أقواله أن المشير نام من الرابعة مساء وحتى السادسة مساء دون ألم أو قيء, وذكر أنه عاد مرة أخرى في السادسة مساء, كما أنه كان مستمراً في نومه الطبيعى, والتنفس والحرارة والضغط كانت في مستوياتها الطبيعية.
لقد أعطي سم " الايكونتين " لوالدي بعد السادسة مباشرة وبجرعة لا تقل عن 2 ملغم حسب تقرير الدكتور بطاطا, كما أن الدكتور محمد دياب في نهاية تقريره قال إن أي باحث منصف ومدقق لا يمكن إلا أن يقرر أن وفاة المشير لم تكن بالانتحار وإنما بالقتل عن طريق سم "الإيكونتين " الذي أعطي بعد السادسة مساء يوم 14/9/1967, والوفاة هنا جنائية ومكتملة شروط التعمد وسبق الإصرار والترصد.
لماذا لم يكتب المشير في أوراقه الشخصية أو يحكي لوالدتك عما يحدث معه?
وأين هي أوراق المشير الشخصية, هل تعتقد أنها لدينا ونخفيها مثلاً.
أين هي إذن?
مع هيكل.
وكيف حصل عليها الأستاذ هيكل والعلاقة بينه وبين المشير لم تكن على ما يرام في الفترة الأخيرة من حياة المشير?
لقد بدأ والدي في كتابة مذكراته في فترة سابقة, وروى فيها ما حدث قبل نكسة يونيو مباشرة وأثناءها, بل كتب يومياته حتى يوم الخميس 14/9/1967, وكان هيكل هو الذي أقنعه بأن يكتب مذكراته, وكان مقرباً جداً من المشير, لذا اقتنع أبي برأي هيكل, وقام بتسجيل مذكراته على أسطوانات " بكر ", أعطى هيكل نسخة منها, ونسخة تم دفنها في حديقة من¯زل المشير بالجيزة, وكانت هناك نسخة ثالثة استولوا عليها حين اعتقلوه.
وكيف عرفت ذلك?
أكد لي عمى أن هيكل حصل على نسخة من هذه المذكرات, وأعتقد أن هيكل تعمد إخفاء هذه المذكرات.
ولماذا يخفي هيكل مذكرات لا تضره في شيء?
لأن في هذه المذكرات حكايات وحقائق مخجلة تمس جمال عبد الناصر, وتتناقض كثيراً مع ما كتبه هيكل عنه, كما أن هيكل يحرص دائماً على تن¯زيه عبد الناصر من أي أخطاء, لقد كشف والدي كل الحقائق وكل الجرائم التي ارتكبها عبد الناصر في حق البلد, مثل قرار رفع قوات الطوارئ الدولية, وكان هذا القرار سبباً مباشرًا في نشوب حرب يونيو 1967, والوثائق والشواهد تؤكد أن والدي لم يكن له علاقة بهذا القرار, رغم أن الفريق محمد فوزي والفريق عبد المنعم رياض سافرا إلى سورية وقتها وتأكدا من عدم وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية, فإن عبد الناصر أصر على رفع قوات الطوارئ, وطلب رفعها من مناطق بعينها مثل غزة, وترك مناطق أخرى, وحين طلبت الأمم المتحدة رفعها بالكامل أو الإبقاء عليها بالكامل طلب عبد الناصر من محمد فوزي أن يرفعها بالكامل, وهو قرار سيادي يملكه رئيس الجمهورية وحده, ولم يكن لأي أحد أن يتخذ قراراً من نفسه, مهما كانت صداقته أو علاقته بالرئيس.
كما أن عبد الناصر أيضاً صاحب قرار إغلاق خليج العقبة في اجتماع أبوصوير الشهير, وكان يعرف حين اتخذ هذا القرار بأن الجيش المصري موجود في اليمن, كما يعرف أن هذا القرار سيستفز إسرائيل ويسرع بحرب هو غير مستعد لها, ومع ذلك اتخذ القرار وأغلق خليج العقبة.
وحين تقرر توجيه ضربة جوية لإسرائيل في الساعة 30:6 صباح 27مايو1967, ألغاها سامى شرف في الساعة 45:5 صباح اليوم نفسه, عندما أمر صدقي محمود قائد قوات الجوية بهذا الإلغاء.
دقة
ولكن المؤرخ يونان لبيب رزق نفى وجود مذكرات للمشير, وفسر ذلك بأن المشير لم يكن من الشخصيات ذات الوعي التاريخي والثقافي التي تحرص على كتابة مذكراتها?
الدكتور يونان ¯ يرحمه الله ¯ لم يتحر الدقة, وليس لديه دليل على كلامه هذا, والدليل على كذب كلامه وصدق كلامي أن جريدة " صوت الأمة " نشرت جزءًا من مذكرات عبد الحكيم عامر يحكي فيه بصراحة كل تفاصيل علاقته بجمال عبد الناصر وكتب أنه إذا مات أو قتل فإن عبد الناصر سيكون السبب, وصدر هذا الجزء من هذه المذكرات في الجزء الرابع من مذكرات صلاح نصر عن دار الخيال وفيه الحقائق كاملة.
والدك احتد كذلك على صدقي محمود وسبه والضباط حين عارضوا جمال عبد الناصر في اجتماع معه مناقشاً رغبته في أن ينتظر حتى تنفذ اسرائيل ضربتها الجوية الأولى, وقال والدك لهم " بلاش قلة أدب"?
قال لهم ذلك لأنهم احتدوا على عبد الناصر أثناء معارضتهم قراره بالانتظار, حتى تنفذ إسرائيل ضربتها.
كلامك يؤكد موافقة والدك لعبد الناصر في قراره هذا?
لا.. والدي كان يرى أن هناك حداً في التعامل مع رئيس الجمهورية, ومن هذا المنطلق كان احتداده, وسبهم بقوله " بلاش قلة أدب ".
الفريق محمد فوزي في مذكراته أكد انتحار والدك وليس قتله, وشقيقتك نجية قالت إن المادة التي رأتها في فم والدها قبل مغادرته من¯زله بالجيزة يوم 13/9/1967 كانت مادة سامة مما جعلها تطلب بسرعة إسعافه وقالت أثناء التحقيق معها عندما سئلت إذا كان المشير يلوك أفيوناً? أصرت على أنه تناول على وجه اليقين سماً, ما يقطع بأن فكرة انتحاره لم تكن غائبة عن علم أسرتك?
لكنك إذا عدت إلى مذكرات كمال الدين حسين فستكتشف أن والدي قتل وكل الأدلة تؤكد مقتل والدي.
وما رأيك في تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي?
التحليل تم إجراؤه بعد الساعة 7 صباحاً يوم 15/9/1967, أي بعد الوفاة بحوالي 5:12 ساعة, وأثبت وجود آثار لحمض " السليسليك " من نواتج تحلل وتمثيل الاسبرين وآثار ضئيلة من المورفين ", ولا تستطيع الجزم بأن إيجابية الكشف عن المورفين في الدم, بعد مرور هذا الوقت, وسلبية التحليل الذي أجري على محتويات المعدة من القيء الذي حدث في المستشفى, تدلان على أن المشير لم يتناول " أفيون " أو " مورفين ", بعد محاولة القبض عليه, ولو كانت هذه الكشوف صحيحة لكان قد تناولها في وقت سابق في عشية يوم 12/9/1967, حيث يظل المورفين في الدم بكميات يمكن الكشف عنها حتى بعد مرور 48 ساعة على تعاطيه.
هل سنشاهد هذا الكلام في فيلم المشير والرئيس الذي يخرجه خالد يوسف قريبا?
خالد يوسف ناصري, من الذين يهرولون خلف الناصرية ولا أعتقد أنه سيقدم الحقيقة كاملة.
(ملحوظة )
بعد هذا اللقاء هاتفت زوجة المشير الثانية الفنانة برلنتي عبد الحميد حيث إن صلاح ابن المشير من زوجته الأولى, لأن ما كشفه في هذا الحوار خطير فعلقت: أوافق صلاح في كلامه عن هيكل فهيكل لم ينشر نسخة الشريط التي احتوت على مذكرات عبد الحكيم عامر لأنها تتناقض مع ما كتبه هيكل عن عبدالناصر وثورة يوليو, كما أن لدي مستندات تثبت أن عبد الحكيم عامر قتل, والسم كان في مكتب أمين هويدي, وصلاح نصر خرج إلى بلكونة مستشفى العباسية وقال: "هيقتلوني مثلما قتلوا المشير", ثم إن الفريق محمد فوزي في الساعة السادسة مساء يوم 14/9/1967 وقبل موت المشير طلب سيارة إسعاف قبل أن يتناول المشير أي شيء, وقد استدعي هيكل من كبار القيادات وزوروا التقرير.
http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2010/08/04/152416.html