منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1
    محاضر في جامعة الشلف الجزائر
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    المشاركات
    419

    التراث والتجديد صوب فلسفة إسلامية جديدة

    التراث والتجديد صوب فلسفة إسلامية جديدة
    --------------------------------------------------------------------------------
    الدكتور جيلالي بوبكر
    التراث والتجديد صوب فلسفة إسلامية جديدة من مسلمات فلسفة الحضارة والتاريخ أن الحضارة لا تنهض إلاّ بفعل أناس يمتلكون أهلية التحضر والقابلية لذلك، وتمثل "إعادة بناء العلوم شرط النهضة في كل حضارة. قام بها في الحضارة الغربية فرنسيس بيكون في القرن السادس عشر في مشروع 'إعادة البناء العظيم'. وقام بها ألشاطبي في 'الموافقات في أصول الشريعة' في علم أصول الفقه، والإيجي في 'الموقف' في علم أصول الدين ... كان الهدف من هذه المحاولات إعادة النظر في العلوم الموروثة و إعادة بنائها بما يتفق مع مرحلة الإبداع الحضاري الأولى وبداية مرحلة ثانية، عصر الشروح والملخصات، وتبشيراً بمرحلة إبداع حضاري ثانية في عصرنا الحديث." فضروري على الجيل المعاصر في المجتمع العربي الإسلامي أن يعيد بناء العلوم القديمة ليواكب النهضة التي بدأت مع بداية العصر الحديث، ثم تعثرت فسقطت لأنها جعلت من الغرب وحضارته وثقافته مصدراً لها ونموذجاً للتغيير في إطار مفهوم الحداثة والتحديث اللّذان يقومان على ظاهرة التغريب في العمل الإصلاحي وفي الفكر السياسي الليبرالي وحتى في الفكر العلمي، لم يمس التحديث سوى السطحيات بعيداً عن العمق، في شعور النخبة وليس في شعور ووعي ثقافة الجماهير العريضة، فظلّ الموروث حالاّ في العمق يوجّه ثقافة الناس وحياتهم، وأصبح هو الطابع الغالب على الفكر العربي المعاصر وثقافته.لقد تكونت الفلسفة الإسلامية متأخرة عن العلوم العقلية النقلية الأخرى من اجتماع قسمين من العوامل، قسم داخلي هو علم الكلام وقسم خارجي عوامله الترجمات عن الفارسية والهندية وخاصة عن اليونانية والرومانية وتشكّلت الفلسفة من الموروث والوافد، وقامت على "بنية ثلاثية: المنطق والطبيعيات والإلهيات وكما عرضها ابن سينا في 'الشفاء' و'النجاة' و'الإشارات والتنبيهات'." وحرص فلاسفة الإسلام أمثال ابن سينا والفارابي وابن طفيل وابن باجة مقاربة البنية الثلاثية للفلسفة بالوحي، كل من جهته وفي مجاله.إن الإبداع الذي صنعه مفكرو الإسلام قديماً فكراً وعلماً وفلسفة انقلب عند المسلمين في عصرنا نقلاً وانهزاماً، ضعفاً وهواناً، وتغيرت الظروف والأحوال، كما تغيرت البيئات الثقافية والحضارية، لقد "غلبت على الثقافة المعاصرة العلوم الطبيعية والتكنولوجية فصعب استيعابها وخرجت عن نطاق الرؤية الإنسانية الشاملة فتمزقنا بين إنسانية قديمة وعلم إنساني حديث ... وتحولت علوم الآخر إلى علوم غايات لا إلى علوم وسائل يزهو بها مفكرون وعلماؤها على أنهم حملتها وممثلوها ووكلائها محترفين علوم الأنا باعتبارها تاريخيا متحفيا يُضمّ إلى علوم الآثار وتاريخ البشرية ومتاحف الأنثروبولوجيا ... جعلنا أنفسنا ملاحَظين كما هو الحال في الإستشراق دون أن نكون ملاحظين، -بكسر الحاء- وضعنا أنفسنا مواضيع دراسة دون أن نكون ذواتاً دارسة." يعيش 'حسن حنفي' همّ التخلف والتأزّم في نوع من أنواع الفكر وهو الفكر الفلسفي حاضره ومصيره ومستقبله في العالم العربي والإسلامي المعاصر، فيضع يده على الإشكالية من خلال تساؤلاته التالية: "والآن هل يمكن إعادة بناء علوم الحكمة من جديد بعد ألف عام من بنيتها الأولى؟ ما نوع المنطق والطبيعيات والإلهيات الجديدة إذا بقيت البنية الثلاثية القديمة؟ الحقيقة أن قسمة الحكمة الثلاثية أو الرباعية بالإضافة إلى الإنسانيات تدل على وضع الإنسان بين عالمين، فالإنسان فكر وهو المنطق، يعيش في العالم وهي الطبيعة و يتجه نحو المثال وهي الإلهيات، يعمل و يعيش مع الآخرين و في التاريخ و هي الإنسانيات.و لكن السؤال الآن أي منطق و أي طبيعيات و أي إلهيات و أي إنسانيات؟." فالمفكر بهذه التساؤلات يُمهّد ويؤسس محاولته إعادة بناء علوم الحكمة من منظور معاصر يلتحم فيه حاصل اتصال الوافد القديم بالموروث القديم مع الوافد الحديث والمعاصر ووفق مستجدات ومقتضيات وتحدّيات العصر والمستقبل. وتمّت المحاولة في المؤلف الضخم 'من النقل إلى الإبداع'.لم يعد المنطق الصوري الدّال على روح العقلية اليونانية هو المقياس الوحيد للحقيقة واليقين في مبدأ تطابق الفكر مع نفسه وتعددت المقاييس، وتنوع المنطق إلى "منطق آخر، منطق رياضي أو رمزي استمرار للمنطق الصوري القديم، كما تغيّر ثانياً إلى منطق تجريبي وضعي علمي، يقوم على التحقّق من الفروض في التجربة. مقياس الصدق فيه تطابق الفرض مع التجربة، والقانون مع الواقع ... كما تغيّر ثالثا إلى منطق إنساني، منطق العلوم الإنسانية والاجتماعية في صـيغة مناهج بـحث تعطي الظاهرة الإنسانية استقـلالها... يعتمد على التجارب البشرية العامة الفردية والاجتماعية من أجل إدراك معانيها ودلالاتها المستقلة إدراكاً حدسيا، وبتكرار هذه التجارب عند الفرد وباطرادها عند الآخر في التجارب المشتركة تتأكد المعاني والدلالات وتُصبح حقائق موضوعية، ويؤكد الإحصاء ومعاملات الارتباط صدق المعاني والماهيات وبالتالي يتطابق التحليل الكمي مع الوصف الكيفي، وتتحد الموضوعية بالذاتية وتصبح الحقائق إنسانية عامة تبدأ من الفرد إلى الجماعة ومن الواقع إلى التاريخ وتصبح هي نفسها قوانين التاريخ. فما هو موقف المنطق الإسلامي الجديد من هذا التطور الحديث في علم المنطق؟ سؤال يتحول في مشروع 'التراث والتجديد' إلى محاولة لإعادة بناء المنطق في بنية الفلسفة من خلال متطلبات العصر باعتبار الموروث و الوافد و باعتبار التطور و التشعب الذي عرفه المنطق في حقول العلم والمعرفة.أما الطبيعيات في الفلسفة الإسلامية القديمة فكانت من إنتاج العقل المثال الأعلى في ثنائيات العلة والمعلول، الزمان والمكان والحركة والسكون ومقولات أخرى. تغيرت الطبيعيات في عصرنا فأصبحت رياضية تستخدم الكم في المنهج وفي وصف الموضوع وفي التعبير عن النتائج وتوَحّد 'عالم الطبيعة مع عالم العقل وأحيانا مع عالم الخيال كما هو الحال في النسبية ونظرية 'الكوانتم' حيث يُمحى الفرق بين عالم الطبيعة وعالم الروح، بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، إذن هي أيضاً الطبيعيات الشعرية التي تتحول إلى صور ذهنية تكثر في النفس المعاني والدلالات مثل التي يدركها الذهن والوجدان عن طريق فهم نصوص الوحي." تظهر ملامح الفلسفة الإسلامية الجديدة في توظيف التقدم العلمي وما فيه من ثوابت مشرقة مع ما في الوحي مما يثبت ويؤكد تلك الثوابت بل ينطلق منها وهي في روحه وفي دوره لبناء الحضارة وتفتق التاريخ لأن سؤال هل يمكن تجاوز الطبيعيات العقلية؟ يؤسس ويؤصل لبناء نظرية في مشروع 'التراث والتجديد' هي محاولة لإعادة بناء الطبيعيات ضمن منظور تتأكد فيه وحدة العلم ووحدة الفلسفة ووحدة العقل ووحدة الإنسان وهذه الوحدة هي من وحدة الله. فلا مانع من التوحيد بين الطبيعيات والإلهيات والمنطق من منظور معاصر يجمع بين تطور المنطق والعلوم ومناهجها مع الوحي في "علاقة إنسانية شعورية وليست علاقة ميتافيزيقية طبيعية. المثال ينشأ في الشعور باعتباره مطلباً، والعلم ينشأ في الشعور في لحظة الوعي به. والفعل يحقق المثال في الواقع، ومن ثم تتحول الإلهيات إلى طبيعيات، والطبيعيات إلى إلهيات من خلال وجود عالم المثال وعالم الواقع في الوجدان المعاصر." يحرص 'حسن حنفي' على الكشف عن النقاط المميّزة لمشروع الفلسفة الإسلامية الجديد كجزء من مشروعه الكبير 'التراث والتجديد' ويمهد لذلك بالتساؤلات عن إمكانية تعديل الإلهيات القديمة لتصبح إلهيات طبيعية، "بحيث يكون الله والأرض مقولتين متضايفتين من أجل مساعدة العصر في قضية تحرير الأرض باسـم الله، وتنمية الصحراء باسـم الله... وهل يمكن الانتقال من الإلهيات العقلية القديمة إلى الإلهيات الإنسانية والاجتماعية والتاريخية الجديدة كما يحدث في 'لاهوت التحرير' المعاصر لنا في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟... هل يمكن إعادة قراءتها بحيث تتحول هذه الإلهيات العقلية إلى إلهيات إنسانية اجتماعية وتاريخية بحيث يصبح الله هو العلة الغائية في الفرد وفي الجماعة وفي التاريخ؟." فإذا كان الله هو وحدة الأمّة، فأولى أن تبدأ وحدة الأمّة بوحدة الفرد في شخصيته وفكره وسلوكه وشعوره وضميره ثم إلى وحدة المجتمع بالمساواة والأخوة والتعاون، فيصبح فعلاً لا نظراً فقط وعملاً لا اعتقادا فقط وتصرفاً لا قولا فقط، "الله هو غائية التاريخ وتقدم الوعي الإنساني، وارتقاء الجنس البشري واكتماله في استقلال العقل وحرية الإرادة بدلاً من التأخر والتخلف والقعود مع القاعدين." هذا التصور الجديد لكل قسم من أقسام البنية الثلاثية لعلوم الحكمة الذي يعتبر الواقع ومشاكله وتحدياته والتقدم الحاصل في علوم المنطق والطبيعة ويقلب مسار كل علم من علوم الحكمة إلى غير ما كان عليه في السابق، فالمنطق تعدد وتنوع وأنواعه متحدة في فكر الإنسان الواحد بالجوهر والمتعدد بالأنماط. والطبيعيات المعاصرة تتوحد دلالاتها مع نصوص الوحي وتتحول إلى إلهيات بعدما تتجاوز الطبيعيات العقلية. وإذا كان الإنسان في الحكمة القديمة مشدود بدنا في الطبيعيات ومشدود نفسا في الإنسانيات وهو في كلاهما مشدود نحو الأعلى أو نحو الأسفل، ويجب أن يكون في الفكر المعاصر الجديد متحرراً من الأعلى ومن الأسفل ومستقلاً لا تابعاً "قائماً بذاته لا مغترباً في الطبيعة كالمادي ولا مغترباً في الله كالصوفي ... الإنسان مركز الكون، سيّد الطبيعة وكليم الله وخليفته في الأرض الإنسان هو العالم الأصغر والكون هو العالم الأكبر... ومهمة الفيلسوف اكتشاف التقابل بين هذين العالمين." تستمد الفلسفة الإسلامية الجديدة حسب 'حسن حنفي' مبررات وجودها في عصرنا من قيمة الفلسفة ذاتها بصفة عامة ودورها في التأثير والتغيير، كما أن مادة التفلسف متوفرة وبكم هائل في عصر تعددت مشكلاته وتحدياته حاضره منكوس ومنكّس مشدود بماضي تجاوزه الزمن وبمستقبل مجهول، "ولا توجد فلسفة إسلامية واحدة ودائمة لكل عصر، بل توجد فلسفات متعددة متغيرة بتغير العصور. الفلسفة تعبير عن روح العصر، ومع ذلك تبقى روح البحث عن الحقيقة وممارسة الفضيلة دون تكون أن بالضرورة الفضائل النظرية أعلى قيمة من الفضائل العلمية. وأنّ من يعمل بعقله أكمل ممن يعمل بيده، يبحث الفيلسوف عن روح الفلسفة طبقاً لعصره كما يبحث الأصولي عن حكم الفرع قياساً على الأصل لتشابه بينهما في العلة... وإنها لمسؤولية جيلنا أن يبدع فلسفة إسلامية جديدة طبقاً لظروف عصرنا بعقلية المجتهد فيصبح الفيلسوف في نفس الوقت أمينا على الحكمة وراعياً لمصالح الأمة." فالنهضة الفلسفية الجديدة جزء من النهضة الحضارية، والنهضة الحضارية لا تقوم إلا انطلاقاً من التراث وليس كما فعل الغرب في نهضته، "إذا كان الغرب قد أعطى نموذج النهضة على أنقاض التراث فإن المجتمعات غير الأوربية تعطي النموذج الآخر للنهضة على أكتاف التراث وتكون البشرية أمام نموذجين الانقطاع أو التواصل، وإذا كان الغرب قد حقّق إبداعه الفكري الذاتي ابتداء من هدم التراث فإن الشعوب غير الأوربية تحقق إبداعها الفكري الذاتي ابتداء من تجديد التراث." والتراث الذاتي الإسلامي له قدر كافي من الأصالة والخصوصية، له جذور وعمق تاريخي وله حضور قوي في الشعور الفردي والاجتماعي القومي. وله سلطة على ذلك، فهو كان وراء حركات التحرر الوطني، ووراء التحرر من الغير وتحجيمه ونقده، ولا زال التراث في عصرنا يتصل بالفلسفة ويبحث عمن يستغله في عصر جديد وظروف جديدة لإنتاج فكر فلسفي جديد وتلك مسؤولية أساتذة الفلسفة بوعيهم للتراث ورؤيتهم لأحداث العصر، ثم مسؤولية الطلاب وأنها مسؤولية الدولة، "أن تقف على الحياد التام في الخلاف الفكري بين العلماء وفي حرية الاختيار بين المذاهب، فالسلطة ليس حجة، والفكر ناصح والسلطة سامعة، ليس للسلطة مفكروها ولكن المفكرين يخاطبون الناس الذين يختارون ممثليهم، ويبايعون أئمتهم، ويعقدون على ولاة أمورهم، فالإمامة عقد وبيعة واختيار." إن قيّم الإسلام ليست مجرد نظرية في الاعتقاد بل أدوات إعداد ذهني للتعاطي مع مشكلات العصر وتحدياته فهي تدعو إلى "فكر نضالي يقوم على المواجهة كما كان في بدايته يقوم على 'أسباب النزول'، أي الواقع سابق على الفكر، وأن المشكلة الاجتماعية هي التي تتحدى الفكر، وتطالبه بمقابلة التحدي بتحدي مماثل." ومساهمة الفكر الإسلامي وقيّمه في مواجهة قضايا العصر وتحدياته من خلال النقاط التالية: تحرير الأرض من الاحتلال والغزو، والدفاع عن الحريات في مواجهة القهر، والعدالة الاجتماعية في مواجهة سوء توزيع الثروة، وتحقيق التنمية الشاملة في مواجهة التخلف الحضاري، وإثبات الهوية ضد الاغتراب وتوحيد الأمة في مواجهة التجزئة. والفكر الإسلامي قادر على استشراف المستقبل الأفضل وارتياد آفاقه وبيان الطرق لتحويل الأفكار إلى واقع تطبيقي من خلال مشروع إعادة بناء التراث، وحرية الفكر، والمحافظة على مقاصد الشريعة والإصلاح في الأرض لا الفساد فيها وإبطال مظاهر النفاق الديني من أجهزة الإعلام وجهاز الدولة. "فنظريات الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية معروفة، وليس المهم إعادة عرضها... بل المهم هو بيان المسافة بينها وبين الواقع وتغيير هذا الواقع بالفعل حتى يقترب من المثال. وأن تغيير الواقع خطوة واحدة نحو العقلانية أو الطبيعية أو الحرية أو الإنسان أو المساواة أو التقدم لأقرب إلى الإسلام من عشرات النظريات فيها و مئات الآراء حولها." والقيّم التي يمكن أن يستلهمها المجتمع العربي الإسلامي في التعاطي مع مرحلته المستقبلية وتشريعاته من روح الإسلام ومن قيّمه قيمة العقل، "والغريب في مجتمعاتنا الحالية تشكو من اللاّعقلانية." ففي غياب العقل لا يمكن اكتشاف قوانين الوجود الطبيعي ولا حركة الوجود الاجتماعي ولا معرفة مشاكل الناس، "والعقل هنا لفظ عام يشير إلى وسائل المعرفة كلّها بما في ذلك الحس والتجربة والذوق والوجدان. وأن عقلانية المجتمع هي إحدى مقاييس الحداثة." وقيمة الطبيعة وهي ثابتة في النص الديني عن طريق التسخير وأول شرط للحداثة السيطرة "على مواردها ومعرفة قوانينها وتسخيرها لصالح الإنسان والمجتمع... فالتحديث يقتضي نظرة مادية للكون والحياة وإثباتا للعالم والكدح فيه." أما قيمة الإنسان مستمدة من القرآن، والحداثة تتم لفائدة الإنسان ولتحقيق رفاهيته بواسطة تلبية حاجاته الجسمية والنفسية، وتأتي قيمة الحرية وقيمة المساواة وقيمة التقدم وقيمة المجتمع وغيرها من القيم الأخرى التي "لا شأن لها بفلسفة التنوير في الغرب بل حاول الاقتراب منها فوقع في حدود العنصرية والرومانسية." يرى 'حسن حنفي' أن للفكر رسالة و"أن من مهام المفكر في البلاد النامية التعريف بأهم التحولات الفكرية التي حدثت في الحضارات الأخرى والتي تحدث من جديد في حضارته." لمعرفة العناصر الثابتة والمشتركة بين الحضارات وهي قوانين المسار الحضاري والتاريخي. وأصعب همّ يمثل تحدياً للمفكر هو التفكير في مستقبل حضارته الموصوفة بالتراثية والتاريخية والماضوية والسلفية، تقدمُها مشروط بسلطة ماضيها على حاضرها وعلى مستقبلها. فيغلب على خطابها الفلسفي الطابع التراثي، كما يغلب على إنتاجاتها الفكرية التكرار والاجترار، وفي محاولات " نقل القديم وتكراره أو نقل الغرب وترجمته أو الجمع بين الاثنين على نحو انتقائي يغيب المفكر وموقفه الحضاري، ويصبح الأمر مجرد مران ذهني أو حرفة فلسفية أو على أقصى تقدير هوى شخصياً أو مزاجاً أثيراً يحتم هذا الاختيار لهذا أو ذاك من التراثين." وتجاوز الحالة الراهنة يتمّ عندما يحضر الواقع في الفكر ويحضر المفكر في الواقع ويحضر الموقف الحضاري ولا يغيب، وذلك يتمّ بالتأويل والنقد ورد الأمور إلى نصابها، وينطلق تطوير الفكر العربي المعاصر كأحد سبل ولوازم ضبط خط الفكر الفلسفي العربي في المستقبل، ومهمته إبعاد الإصلاح الديني بعد أن تعثر فسقط وإبعاد الفكر الليبرالي بعد أن سقط هو الآخر وإبعاد الفكر العلمي العلماني لتعثره كذلك. وأن يعيد صياغة مقولاته ومفاهيمه للتخلّص من طابع الانفعال وأسلوب الحماسة، "يتحول الفكر العربي من مرحلة الانفعال إلى مرحلة الفعل، ومن الإعلان عن النوايا إلى التحليل الكمّي الإحصائي الدقيق، ومن إعلان المبادئ إلى تحققاتها الجزئية في واقع محدد مع ارتباط أشد بالعلوم الاجتماعية. وينتقل من الصحافة إلى الجامعة، ومن الإعلام إلى العلم دون أن يفقد جماهيره." الفكر الفلسفي المستقبلي مشروط بالابتعاد عن تأويل النص قديماً كان أو جديداً وإبعاد تياراته الثلاثة المعاصرة الإصلاحي والليبرالي والعلماني، "والتحدي الأساسي له هو التنظير المباشر للواقع من أجل إبداع نص جديد دون الاكتفاء بتأويل نص قديم واستئناف دورة حضارية جديدة مع تراكم تاريخي له دورتين أولى ولّت وثانية قادمة." وموضوع الفكر العربي المعاصر هو التحولات والتغيرات التي تجري في العالم وعند العرب والمسلمين، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وينعدم فكر فلسفي معاصر في غياب دور المؤسسات التعليمية والثقافية، "فالفكر الفلسفي إبداع فردي ولكنه يكون أنجح وأكثر فعالية بمشاركة المؤسسات العلمية والثقافية في صنعه... ويصب كل ذلك في النهاية في المشروع القومي العربي الذي يساهم الجميع في بلورته، وصياغته طبقاً لحاجة كل عصر وتغيّر نظم العالم. حينئذ لا يصبح الفكر الفلسفي العربي مجرد استهلاك للفكر الفلسفي القديم، أو الفكر الفلسفي الحديث، بل تنظير لواقع عربي جديد، في عالم متغير. حلم أم واقع، تمن أم تحقيق، هذا ما يمكن أن يثبته الفكر العربي الفلسفي المستقبلي." فالفلسفة العربية المعاصرة عند 'حسن حنفي' تنطلق من الموروث وتجعل منه عنصر إبداع دون أن تكتفي ذاتياً به فتكبو وتتمثل الوافد وتجعل منه عنصر إبداع دون أن تتغرّب فتفقد خصوصيتها وأصالتها وتصبح مجرد تغريب وترديد، وتشتغل بهموم العصر وقضاياه في العالم العربي الإسلامي المعاصر وخارجه للتنظير المباشر للواقع وإبداع النص الجديد وتجاوز نص الأنا ونص الآخر للوصول إلى فكر عربي و فلسفة إسلامية كل هذه الأفكار ينادي بها المفكر في العديد من كتاباته وبصفة خاصة في كتابه 'من النقل إلى الإبداع' الذي يعكس محاولته لإعادة بناء علوم الحكمة والتي تمثل قراءة جادة للفلسفة عبر التاريخ وللفلسفة الإسلامية، كيف نشأت وتكونت علوم الحكمة قديماً وكيف يجب أن تكون حالياً لتدخل حياتنا المعاصرة فاعلة ومؤثرة ايجابياً، لكن هذه الأطروحة في فكر المفكر حول إنشاء فلسفة إسلامية جديدة أو فكر عربي معاصر جديد يتفاعل معها الوجدان بايجابية كبيرة، كون هذه الفلسفة تعبر عن نيات وتعلن مبادئ وتحدد مسارات على المستوى الفكري والنظري وقد تتفاعل مع العقل بإيجابية أكبر، لكنها تصطدم بالواقع المليء بالتعقيد والتأزم فيحكم عليها بعض الأطراف من خلاله بأنها أطروحة طوباوية على الرغم ما فيها من جدّة وجرأة.

  2. #2

    رد: التراث والتجديد صوب فلسفة إسلامية جديدة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم سعادة الدكتور جليلاتي , حياك الله , موضوع فكري منهجي راق , يسد حاجة هامة لكل مسلم , فعلوم الشريعة بحاجة اليوم إلى أمرين غاية في الأهمية : 1- معرفتها وفهمها . 2-إتقان توظيفها على نحو سليم في حياة المسلم . وهذا فيما أرى الهدف من كل البحوث التي تتناول هذه القضية . قدّمت نافعاً سلمت يداك .
    وما بكم من نعمة فمن الله

  3. #3
    إنشاء فلسفة إسلامية جديدة أو فكر عربي معاصر جديد يتفاعل معها الوجدان بايجابية كبيرة، كون هذه الفلسفة تعبر عن نيات وتعلن مبادئ وتحدد مسارات على المستوى الفكري والنظري وقد تتفاعل مع العقل بإيجابية أكبر، لكنها تصطدم بالواقع المليء بالتعقيد والتأزم فيحكم عليها بعض الأطراف من خلاله بأنها أطروحة طوباوية على الرغم ما فيها من جدّة وجرأة.

    جزاك الله خيرا
    يبقى سؤالنا إذن:
    نحن نملك مفاتيح التجديد ولكن لم نستثمرها جيدا بعد.. وهذا تقصير فادح معيب ومحزن جدا,فمتى يكون هذا؟وكيف سيكون؟ وبأي أسلوب؟ وهل هو مؤسساتي صرف أم تربوي فردي الإمكانية أولا؟
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم - حسن حنفي
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-09-2015, 10:12 AM
  2. مشكلة التراث والتجديد في مشروع "التراث والتجديد"
    بواسطة بوبكر جيلالي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-26-2014, 11:09 AM
  3. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-20-2014, 02:32 AM
  4. التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم - حسن حنفي
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-22-2014, 08:10 AM
  5. التراث والتجديد : موقفنا من التراث القديم – حسن حنفي
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-15-2013, 12:16 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •