قضيّة الحوار





تقديم:
١ أرجوكم لا تتّهموا نصارى الشرق بالتعاون معهم، فليس لديهم أهداف للتحكّم بأحد، فهم يعيشون بين ظهرانينا، وينعمون بالخيرات كما ننعم، و نتعايش معهم كلٌّ يؤدّي شعائر دينه كما يُؤمن بها، ولا تنظروا إلى بعض الانحرافات عن هذه القاعدة، فهي ليست الأصل.
نعمَ! هناك من نصارى الشرق من يتعاون مع البعثات التبشيريّة ذات الأهداف الاستعماريّة- مع التحفّظ على هذا المصطلح-، ولكن هذا المرض مرض الخيانة لا يقتصر عليهم، بل هناك مسلمون يفعلون مثلهم، وهل نجادل الآن في قضيّة الحوار المزعوم غير مسلمين؟!
۲– لست وحدي فيما أدعو إليه، و ليس بجديد ما آتي به ، بل سيردّ عليّ كثيرون- ربما في قلوبهم-: ما تقوله من منسيّاتنا، وما أكثر الكتب التي تحذّر من تبشيرين: أحدهما صريح والآخر مغلّف بالحوار. ولكن لا بدّ من الإلحاح، و المخدوعون متشبّثون بالحوار الذي يُخفي التبشير، علينا أن نفنّد تصوّرهم أنّا ضدّ الحوار- مجمل الحوار- والقرآن الكريم يدعو إلى الحوار و معه كثير من نصوص السنّة الصحيحة - الصحيحة بالشروط التي تُعرف في علم مصطلح الحديث، لا شروط بعض الدعاة!! في عصر الانفتاح!!


الحوار مطلوب شرعا

كل الأدلّة التي تسوقونها نؤمن بها، و نتمسّك بها، فليس من الجائز شرعاً أن تفرض الإيمان على غير المسلم بدون اقتناع ، ولا اقتناعَ بدون حوار,
ولكن الفكرة شيء، وواقع الحوار اليوم شيء آخر ( إن أيديَهم هي العليا ).
أهل الغرب يتحاورون، و يلزمون نفوسهم بشروط الحوار- قد يكون تاماً، و قد ينقص- ولكن في قضايا التبشير، ومواجهة الإسلام تنقلب القضيّة عند أكثر المكلّفين بمثل هذه الأمور انحرافاً عن أصول الحوار. إنّ القائمين على الحوار يصوّرونه على أنّه يخدم أهدافهم التبشيريّة النصرانية واليهوديّة ، والحقيقة أن أهدافهم الباطنة التحكّم بمصائر الشعوب.
و ما يفعل المسلمون روّاد الحوار المزعوم شيئاً إلا اتّباعاً لقادته هناك- في العالم الغربيّ - و ما هم إلا رجال خُدِعوا بتزييف الحقيقة، أو طمعت نفوسهم بمكافأة، أو توجّست من سلب نعمة، وهم يدّعون أنّ أهل الغرب سببها= ومن يُصدّقْهم، ففي إيمانه نظر-. وكم من رجل عرفتُه كان ملتزماً بالحذر من ألاعيب المبشّرين الطامعين، ثمّ أقنعته!! ضغوط الرغبة أو الرهبة، فصار من أهل المناصب العليا!!

ونأخذ أدلّتنا من الوقائع التاريخيّة:
( و كأنّني أسمع من يقول: ألا تريدون أن تتخلّصوا من هذه الأوهام الني سبقكم إليها أصحاب خيال جامح؟!)

١– تزايد استعمال كلمة"الحوار" في السنوات الأخيرة تزايداً لافتاً للنظر، متعدداً في أنواعه، وإن كان أبرزها وأكثرها خطورة عبارة:" حوار الأديان «. ولكي ندرك خطر هذه العبارة علينا أن نرجع القهقرى إلى عام ١٩٦٥م ؛ الذي اُختُتِمتْ فيه أعمال المؤتمر الفاتيكاني المسكوني الثاني (١٩٦٢ – ١٩٦٥م ) وهو أوّل مجمع هجومي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية ؛ فما كانت المجامع السابقة كافة إلا مجامع دفاع و تلفيق.
۲- قرارات المؤتمر الفاتيكاني الثاني (١٩٦٢ – ١٩٦٥م ):
- تبرئة اليهود من دم المسيح،
- اقتلاع الإسلام في عقد التسعينات ،
- توصيل الإنجيل إلى كلّ البشر،
- تكليف كلّ النصارى المتديّنين و العَلمانيّين بعملية التبشير،
- قيام كلّ الكنائس المحليّة بها،
- إعادة لحمة الكنائس المتمرّدة إلى الكاثوليكيّة الأمّ.
٣- توضيح البابا " يوحنا بولس الثاني " عبارة : " توصيل الإنجيل إلى كلّ البشر " عام ١٩٨٢م في مدينة : " شانت الإسبانيّة بأنّها " تنصير العالم" .
٤ - تكوين الفاتيكان عام ١٩٦٤ منظمتين رئيستين هما: "المجلس البابوي للحوار مع الديانات"و" اللجنة العليا لتنصير الشعوب " .و ربطهما الدائم بالعاملين في بعثات التبشير والحوار الديني في العالم أجمع.
٥- شرح معنى: " الحوار " في الكتاب الذي أصدره الفاتيكان عام ١٩٦٩م"بأنّه توجيهات من أجل الحوار بين المسيحيين والمسلمين":
٦- التأكيد على مطلب التنصير- الهادف إلى التحكّم بمصائر الشعوب -، والحذر من: أن يكتشف من نحاوره نيتنا في تنصيره، والبعد عن مناقشة ما يرد في القرآن بشأن المسيح والمسيحية، و لنترك للمسلم أن يتخبّط فيها كما يشاء,
۷- الابتعاد عن معارضة المسلمين في أنّ محمداً مبشر دائم وشجاع للتوحيد الذي نشره المسلمون بعده(أي أنه ليس بنبيّ ).
٨- تفادي الحديث عن تفصيلات التثليث مع المسلمين لأنّهم يرَوْنه معارضاً للتوحيد.
۹- اشتراك الجميع في الحوار سواء أكانوا عاملين في الكنيسة أم لا.
١٠- إصدار البابا يوحنا بولس الثاني في كانون الأول عام ١٩٨٤م توجيهات يعدّ فيها الحوار أداة عمل الكنيسة في عالم اليوم، و إنارة للكون كله ببشارة الإنجيل ، وتوحيداً للبشر بروح واحدة،
١١- الحوارهو الطريقة المثلى التي ينجح بها التبشير فَيَحمل الناس على الارتداد والتوبة سواء أكانوا أعضاء في الجماعة المسيحية بالتعميد والاعتراف بالإيمان، أم هم غرباء عنها ، وذلك بتجديد ضمائرهم وحيواتهم تجديداً عميقاً في ضوء سرّ الفداء والإخلاص اللذين حققهما المسيح ووكلهما لخدمة الكنيسة .
١۲- العَلمانيون رجال الكنيسة وواسطتها إلى التبشير بالإنجيل حين يجعلونه ميدان نشاطهم الخاص.
١٣- شرح أسلوب تنفيذ عملية التنصير من خلال الحوار في وثيقة " بشارة وحوار"، المؤرخة في ١٩ أيار / عام ١٩٩١م، المعلن عنها في يوم ٢٠ حزيران، وهي من إعداد" لجنة الحوار والمجلس الأعلى لتبشير الشعوب ",
١٤- من معاني الحوار البشارة أي توصيل الرسالة التبشيرية وسرّ الخلاص الذي حقّقه الله للجميع في يسوع بقوة الروح القدس ، ويمكن القيام بذلك على الملأ ، ويمكن القيام بذلك سرّاً في صيغة حوارات خاصّة – كما جاء في وثيقة " حوار وبشارة " الصادرة بعد إعلان وثيقة مؤتمر الفاتيكان الثاني بخمسة وعشرين عاماً.
١٥- غاية الحوار الخلاص، أي ارتداد الجميع إلى الربّ، و هو ما يعطي الحوار قيمته الذاتية، وفي أثناء عملية الارتداد هذه يكون القرار بالتخلي عن العقيدة الدينية السابقة والدخول في العقيدة الجديدة.
١٦- الثقافة، وبخاصّة العلمانية، يمكنها أن توضّح بعض العناصر السلبية في ديانة أو أخرى.
١۷- لعبة الحوار الحالية التي تُدار في العالم جزء متواصل من مخطط قديم بدأه بطرس المبجّل مع " مسلمي إسبانية " وتمخّض عن إبادتهم جميعاً , وإبعاد الإسلام عن إسبانيّة، على حد قول جوليان رييس.وفي صفحة : ٢٤٥ يوضح " أنّه بازدهار الاستعمار الأوروبيّ خلال القرن التاسع عشر ، بدأ احتلال مواقع استراتيجية انتزعت من المسلمين، ومنها مصر وإيران وأفغانستان والمشرق العربي وشمال أفريقيّة " صفحة : ( ٣٥٦ ) فالارتباط الحميم بين الاستعمار والتبشير والحوار من القضايا التي لم تعد بحاجة إلى مزيد من الأدلة والبراهين .
١٨- اللافت للنظر هنا هو تغيير وسائل التبشير عمليّاً ؛ فهي لم تعد تقتصر على فرق المبشرين والمستشرقين وحجمهم ، بل أصبحت تقع على عاتق أتباع المسيحيّة كافّة، أيّاً كانت انقساماتهم العقدية ، مع تغيير الأسلوب القائم على السبّ والتجريح والسخرية وتحريف معاني القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ فقد ثبت أنه أسلوب فقد فعاليته على مر القرون ، فالإسلام – ولله الحمد – ينتشر بثبات ورسوخ لنقائه وبساطة تعاليمه ، وبتغيير منهج التبشير أصبح الاعتماد على الدراسة والتحليل والبحث عن منافذ للتسلل من خلالها بالتدريج هو القانون الجديد ، إضافة إلى تفادي المناقشات الجادة المتعلقة بمناقشات العقيدة المسيحيّةالحاليّة من تثليث وتأليه للسيد المسيح وعبادة الصليب.... والتلفّع بمسوح الودّ والاحترام حتى تنفّذ عمليّة الاغتيال .
نخلص مما تقدّم إلى القول: ليس الحوار في مفهوم الكنيسة الفاتيكانيّة إلا حرباً صليبية جديدة ؛ حرباً بالكلمات بدلاً من السلاح ، وهو ما كان قد أعلنه بطرس المبجّل ، رئيس دير كلوني ، في مطلع القرن الثاني عشر ؛ إذ قال للمسلمين :" إنه لن يبدأ حرباً صليبيّة جديدة بالسلاح، وإنما بالكلمات ؛ أي بالحوار.
أسباب اعتراضنا على الحوار بصورته الحاضرة:
كلّ ما نرجو أن نُدرك فداحة الموقف و أن يفهم كل المسلمين بعامّة ، وكل الذين يشتركون منهم في الحواربخاصّة حقيقةَ أبعاد ما يقوم بها التعصب الفاتيكاني ؛ فذلك المخطط " لا رجعة فيه " كما أكده البابا يوحنا بولس الثاني في أكثر من موقع , وأكثر من وثيقة، ونستعين في إثبات ما نقول بما يلي:
١– مطلع هذا البحث ،
۲– قرارات ذلك المجمع الفاتيكاني ، الذي كُرس فيه مخطط الحوار والتنصير ودُعِّم، الذي لم يكن في واقع الأمر إلا خطة تنفيذية لاستتاب العولمة وفرضها على العالم أجمع كي لا يكون هناك سوى نظام سياسي اقتصادي واحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ، ونظام ديني بزعامة الكاثوليكية الفاتيكانية،
٣– ربط الأحداث السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بِـ:
- كل ما يدور حالياً،
- وكل ما بدأت حياكته منذ عام ١٩٦٥م من اختلاق عبارات مثل "الإسلاميين " و" الإسلام السياسي " و " الإرهاب الإسلامي "،
- وتعمّد تشويه صورة الإسلام والمسلمين، مستعينين بكل وسائل الإعلام من تعتيم وترويج،
- وسنُّ قانون حماية الأقليّات المسيحيّة في البلاد الإسلاميّة بعد أن فرض المجمع المشاركة في التبشير، ووضعهم أمام محنة الولاء ، ولمن يكون: للتعصب الفاتيكاني، أم للوطن الذي يُؤويهم ويرعاهم ؟



وفي الختام:

هل يستطيع الداعية الكبير الدكتور سعيد رمضان و أمثاله من مجاراة كبار المحاورين!! الأوربيّين و ما بأيديهم من أسلحة الإغراء والترهيب لا نعلم عنها شيئاً، ونحن في عصر نميل فيه إلى الخجل من أن نبدوَ فيه مسلمين، فنتنازل عن أشياء نسميها على مذهب أهل الاعتدال- والاعتدال منهم بريء- سنناً وكماليّات. فما المانع في ديار الغرب عند دعاة العصر الحديث!! أن تجتمع في صلاة الرجل لحية ابن باز مع السراويل (الجينز)، وقد برزت من خلفه عورته المغلّظة!! وأن تضيف تقيّة مريدة لداعية مشهور إلى حجابها الساتر شعرها برنيطة ( كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال!).
سوف أسمع من يتّهمني بالشعور بالنقص عندما لا أرى الداعية الكبير الدكتور سعيد رمضان و أمثاله قادرين على مجاراة كبار المحاورين!! الأوربيّين.
مصادر البحث:
١– مقال: لعبة الحوار بين الأديان الدكتورة : زينب عبد العزيز جريدة المصريّ اليوم١٨\٤\۲٠٠٦
۲– توجيهات للحوار المسيحيّ الإسلاميّ الكاردينال ماريلا دار أنكونة - رومية ١۹۹١
٣– المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم يوحنا بولس الثاني اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام الفاتيكان ١٩٨٤م
٤– رسول الخلاص جون بول الثاني مكتبة الفاتيكان ١۹۹١ﻢ
٥– بشارة وحوار الكاردينال أرنز لجنة الحوار والمجلس الأعلى لتبشير الشعوب ١۹۹١.

٦– المسيحيّون بين الديانات الأخرى جوليان ري ديكلي باريس ١۹٨۷ﻢ