يوم فقدت رجولتي
يوم فقدت رجولتي
تطلّع فيّ كبير الأطباء من وراء دخان سيجاره الكوبي وطالبني الاختيار قائلا:
-فكرّ وقرر، إما بصرك أو رجولتك ..
نفس دخانه في الهواء وأضاف:
-أعتقد أن تختار بصرك، لأنك ستفقد رجولتك في كلا الحالتين.
تخّيل ، شاب لم يصل الثلاثين ، ولم يتزوج بعد ، عليه الاختيار إما حرمان التمتع برؤية الجميلات، أو الحرمان من معاشرتهن.
أمتهن صنعة صعبة ( صبيغ) ،أيّ عامل أصبغة ، في معمل لصباغة خيوط القطن، التي ستتحول في مصنع أخر لقماش الجنيز ، الذي بات يستخدم حتى في الحقائب وأدوات التجميل والترفيه الجسدية .و طبيعة عملي ، مزج مواد كيمائية مع الصباغ، ومن هذه المواد الكوستيك، وهو حارق و مخرمش، الذي قضى على أخر حاسة شم عندي في السنة الماضية.
دهش الطبيب حين سألني كم مدة عملي هناك؟
فقلت له :
-خمس سنوات .
-فقط؟!
-أربعة ونصف بالتحديد.
طبعاً قلت له نصف الحقيقة ، مثلما كانت صديقتي تقول لزوجها نصف الحقيقة. فهي تقول له بأنها كانت في السوق ولكنها لا تقول له أنها مرت من السوق إلى البيت الذي أسكنه مع أختي وأمي ، فأدخلها الغرفة وأنا أقول لأهلي نصف الحقيقة ، بأنها (صديق) لي وهو متشدد لا يريد لأحد رؤيته .
لا يغرّنك قوة مخاطرتي ، فصديقتي ليست جميلة ، بل كانت سمينة، وبطنها متشقق اثر ثلاث ولادات ونهد ناشف جامد ، كجلد عنزة منع عنها الأكل والماء ، وتعلّقي بها ليس كونها حارّة، أو تملك فنا في الإغراء، وإنما ببساطة لا يوجد غيرها ..
تعمل كفراشة في مبنى الإدارة ، ذات مساء كنت قاصداً المدير الفني لمشكلة في المواد، وحين دخلت المبنى ، وجدتها جاثية أمام المدير الفني الذي كان رافعاً رأسه يدخن سيجارته بلذة.
طبعاً ، أنا أذكى من أن أريهما نفسي، فيكون مصيري الطرد، مثلما حدث مع قريب لي، حين أخبر مدير المشفى الخاص الذي يعمل فيه به أنه رأى ممرضة مع طبيب مقيم ، كانت المكافئة تهمة بسرقة أدوية مخدرة. وتم طرده بعد شطب اسمه من سجلات التمريض . لذا ، انسحبت بهدوء، وانتظرت انتهاء الدوام ، و كانت تتأخر في مثل هذا اليوم من كل أسبوع لتنظيف مكاتب الإدارة . وقلت لها ونحن نخرج من الشركة بأني رأيتها مع المدير الفني ، تطلًعت في وجهي ووضعت يدها على فخذي فسكتت.
سنتين ونصف معها ، في الأسبوع مرة تقريباً ، وبالتحديد مئة وعشرين مرّة، وباعتبار السنة اثنين وخمسين أسبوعاُ، فبحسبة بسيطة تعني أكثر من سنتين بقليل.
في أول جلسة ، قبل أسبوعين سألني الطبيب المختص بالعين :
-هل تعاني من السكر ؟
-لا ، ولكني شعرت مرة بجفاف حلقي وعطشي، فأخبرت مديري المباشر، الذي تطوع في اختباري وهو الذي يملك الفاحص لإصابته بالداء قبل سنوات، وكانت النتيجة سلبية .وقال لي أني خالي من السكر.
-حالتك غريبة جداً ، ولكن دعنا أولاً نتأكد من بعض الفحوصات .
لم تنفع الفحوصات في تشخيص مرضي ، لا الأيكو غرافي ، ولا الاختبارات ، ولا الصورة البنورامية للعين ،هذا ما جعل الأطباء يطلبون صورا بأشعة اكس (طبقي محوري) للمعدة، والكلية، و الأعضاء التناسلية .
صفّر الطبيب المختص بالعيون مستغرباً، وقال لي:
- هل أنت متأكد من أنك قلت لنا كل المعلومات ؟!
- نعم ..
كتب في تقريره "انفصال شبكي جزئ في العين اليسرى واحتمال انفصال تام لكلا العينين ما لم تعالج الأسباب ، لا يُرى أثر فيروس، أو ضرب مباشر على العين، وتقرير طبيب الأشعة يشير إلى سلامة الجهاز الهضمي والتناسلي من الأورام.
هذا التقرير كان بلغة انكليزية ، استعنت بمدير العلاقات في الشركة التي أعمل بها لترجمتها. وحين طوى كبير الأطباء التقرير ، طلب مني التمدد على السرير لمعاينتي ، ووضع سيجارته التي لم يكملها على المنفضة، وجلس ثانية بعد نهوضه حين رن هاتفه.
تمددت على السرير ، وقد لمحت كتابا صغيرا على مكتبه ، بدأت أتصفحه والطبيب منشغل في الرد على الهاتف وقد حرص على أن لا أسمعه .
الكتاب كان هدية للطبيب من شخص يعرفه، وقد كتب في الصفحة الأولى "أخي الدكتور أهديك باكورة أعمالي وهو كتاب يتحدث عن القوة الخفية المتحكمة في العالم "
-قف ..كما أنت ..
أدهشني الطبيب ، الذي يبدو أنه قطع مكالمته ، وتقدم نحوي متطلعاً في وجهي
-هل تقرأ بهذه الطريقة ؟
-تقصد وأنا مستلقي على ظهري ونظري للسقف ؟
-نعم!
-دوما، هي عادتي في القراءة !؟
صفع الطبيب جبينه، وصرخ في وجهي كرجل تحقيق:
-ولما لم تقل لي أنك تقرأ ؟
-قلت لك في أول جلسة.
-أقصد لم تقل لي طريقتك في القراءة ؟
-لم تسألني ؟!
جلس الطبيب خلف مكتبه، وشرب من سيجاره بنهم فابتسمت متذكراً بأني قرأت مرة أن رئيس أقوى دولة في العالم استخدمه لأغراض أخرى، وقرأت مرّة أن ألذ أنواع السيجار الذي يُلف على أفخاذ فتيات صغار.
تكلم الطبيب مع صديق له بلغة لم أفهمها، ثم نظر لي وقال مشكلتك يمكن حلها بالتخلص بالامتناع عن القراءة في هذه الطريقة مع العلاج الذي سنصفه لك.
قد تقول إلى هنا وتمام. ولكن ما علاقة نظرك برجولتك؟
هنا نأتي الى نصف الحقيقة الأخرى والتي لم أذكرها ، وهو أني أُصبت بعادة بعد مباشرتي للعمل بأسبوع ، واستمرت حتى يومنا هذا، وهي أنه لا يحدث عندي انتصاب إلا إذا قرأت كتابا بهذه الطريقة وحين قلت ذلك للطبيب طلب مني الاختيار .
بعد ستة أشهر اكتشفت أن مدير العلاقات قال لي نصف الحقيقة حين ترجم لي التقرير فلم يذّكر لي شك الأطباء في وجود ورم وعائي خبيث خلف العين اليسرى .وذلك حين زارني في البيت وعاتبته على أخفاء المعلومة التي سمعتها من طبيب مقيم، يخبر أختي وظنهما أني نائم بعد ألم فظيع داهمني جعلني امكث في المشفى أسبوعين .*
وابتسمت حين سمعت أمي تقول لخالتي التي جاءت تزورني بأنني أصبت بعين حسود، عّلها أختي قالت لها نصف الحقيقة أيضا.
***