اتجاهات الشعر العالي لــــ أمير سماوي
في قراءة شعرية للدكتورين أحمـد جاسـم وخالد الحسين
د. أحمد جاسم الحسين: الكتــــــــاب مشبــــــــع بالأحـــكام القاطعـــــــة والنقـــــــــد الأدبي لايحتمــــــــل ذلك
د. خالد الحسين: عندمـــا نتحــــدث عن الصـــورة الشعريــة لايمكننــــا تجــــــاوز كمـــــال أبو ديــــب
أمير سماوي: حاولـــــــــــت وضــــــــــع تصـــــــــــــور لشاعــــــــــر حــــــــــرّ ولم أكــــــن اقصائيــــــــاً


« أطلقت المؤشر الايجابي ملتمساً ناقداً جدياً، وليته يأتي مكتسحاً كل البدع اللا ابداعية» هكذا يقول أمير سماوي في كتابه النقدي «اتجاهات الشعر العالي» الذي جرت مناقشته مؤخراً في المركز الثقافي بالمزة في ندوة «كاتب وناقد» وبمشاركة كل من الناقدين: د. احمد جاسم الحسين ود. خالد الحسين اللذين ورغم الملاحظات التي سجلوها على الكتاب ومؤلفه إلا أن هذا لم يمنعهم من ابداء الاعجاب في جوانب من الافكار المطروحة فيه...
لم يلتزم بخطة محكمة
الدكتور أحمد جاسم الحسين والذي رأى في هذا الكتاب دليلاً على مدى ثقافة وقراءة أمير سماوي ومن كونه شاهداً على تجربة شعرية يشتغل عليها (سماوي) منذ اكثر من /30/ عاماً من هنا تنبع أهميته، توقف الحسين في قراءته للكتاب موضوع الندوة عند نقاط عدة اولها مسألة الاقصاء والالغاء التي وسمت الكثير من الافكار الواردة في الكتاب والتي تلغي ما قدمه الآخرون عبر قرون عديدة سواء كانوا (محدثين او قدماء) بدون توضيح السبب الذي يدفعه لذلك ، من هنا فإن الكتاب من وجهة نظر د/ الحسين مشبع بالاحكام الجازمة القاطعة في حين ان مجال النقد الادبي يعتمد في اساسه على قبول رأي الآخر، كما أن هذا الالغاء تارة يوجهه سماوي للناقد التقليدي وتارة أخرى للعربي بوصفه انساناً او شاعراً مما جعل ملايين العرب يوضعون في سلة واحدة، كما أشار الحسين الى أن الكتاب لم يلتزم بخطة محكمة حيث أن هناك تناقضاً في بعض الاحكام وكأن الكاتب نسي ما قاله حول شاعر ما اذ عندما تناوله من زاوية اخرى تغيّر مسار القول وأيضاً هناك تعميم في الاحكام والمقولات التي حوّلت الكثير من الجهد الفكري المهم في الكتاب الى موضع مساءلة عن مدى اهميته، ورغم ان المؤلف- يضيف الحسين- قد وضع منذ البداية هامشاً للعنوان وآخر للمؤلف وغيره للمقدمة وهذه اشياء جديدة تحسب له الا انه ترك هوامش مقولات الكتاب خاضعة لمزاجيته، فأنت لا تعرف لماذا يضع هامشاً لهذه المقولة ويضنّ بها عن الاخرى ؟!
اللغة كانت احدى النقاط التي توقف عندها الحسين والتي رأى فيها ان قارىء الكتاب غالباً ما يشعر أنه امام لغة شفاهية وليست لغة كتابية لأنه في اللغة الشفاهية تكون الافكار المطروحة المتلاحقة غير منظمة وفي الكتاب نجد هذه السمة ، فالمؤلف تارة يرحل الى لغة صوفية للتعبير عن قضية نقدية وأحياناً أخرى يستخدم لغة مائعة ذات طابع انشائي لا توصلك الى ما يريده الكاتب رغم ان بعض الفصول اتسمت بلغة نقدية جيدة ، طبعاً بالاضافة الى مسألة المترادفات والتي اكثر منها امير في بعض الاحيان في حين أننا في اللغة النقدية نحن بحاجة الى لغة ذات دلالات محددة ،وأيضاً قضية المصطلح والتي بدا أن الكاتب يستخدم مصطلحات خاصة به بلا ارضية معرفية لها.
كما توقف د. الحسين عند مسألة المنهجية البحثية في الكتاب والتي رأى فيها خللاً فنحن لا نعرف متى ينقلنا سماوي من فكرة الى أخرى، فأحياناً يشبع افكاره بالنقاش فيخصص لها صفحات واحياناً أخرى لا يخصها بأكثر من ثلاثة اسطر، أحياناً يؤسس لبعض الظواهر الفلسفية ويبحث فيها واحياناً أخرى يمر عليها مرور الكرام بالرغم من كونها هامة جداً... وفيما يخص الرؤية فقال الحسين أننا لا نختلف مع امير سماوي الاختلاف الكبير ، لأن ما يطرحه من افكار بأنه ضد التقليد والقولبة وضد الفكر الرجعي فنحن متفقون معه في ذلك ولكن احياناً بدا ان هناك ثنائية في الرؤية تعمل في هذا الكتاب احياناً تنسجم مع ما يدعو اليه واحياناً أخرى تنم كتابته عن شيء مناقض تماماً...أحياناً بدا الكاتب وكأنه ثائر سيقود ثورة في عالم الشعر وغيره واحياناً اخرى بدا هادئاً مثل موجة البحر الربيعية.
عبارات مدهشة
الكتاب يسير في بحر هذياني احياناً جميل جداً يفاجئك بلغته التفكيكية وأحياناً أخرى يدعوك للتفكير الى ماذا استند امير سماوي في كتابه ذاك !! هكذا قال الدكتور خالد الحسين الذي قدم ايضاً قراءة لكتاب امير سماوي حيث توقف عند مسألة الرؤية في الكتاب والتي وجد انها غير واضحة فنحن لا نستطيع ان نقول ان هناك رؤية تفكيكية في قراءة التجربة الشعرية بالرغم من وجود اشارات توحي بذلك والدليل يضيف الناقد خالد الحسين ان سماوي يدخل احياناً فيما اسماه العنصرية تجاه الآخر وكأن الكاتب لا يستطيع ان يسير في طريق التفكيك، من اول الكتاب لآخره رغم وجود الكثير من العبارات المدهشة في هذا المجال والتي حواها الكتاب .
كما اشار الحسين الى ان كبار النقاد في الوطن العربي كما يتهمهم سماوي لم يقدموا اي مفهوم نقدي في قراءة الخطاب الشعري المعاصر رغم كونه ايضاً- اي سماوي- لم يقدم اي مفهوم من الممكن ان يستفيد منه القارىء لكتابه، وأن كتابته اقتربت كثيراً من الاسلوب النيتشوي «فمؤشر إيجابي لناقد جدي » عند امير يحيلنا مباشرة الى الانسان المفرط في انسانيته عند نيتشه مثلاً على صعيد العناوين.
وأيضاً يضيف د. خالد بأن هناك الكثير من الاقصاء للآخر، وبأن سماوي قدم الكثير من الاحكام المعيارية دون ان يقوم بقراءة ولا اي نص ادبي، بمعنى ان هذه التجربة تقوم على الفوضى لأن النص التطبيقي هو الذي يضع حدوداً للقراءة التنظيرية، وبخصوص الاقصاء فإنه طال نقاداً كباراً مثل كمال ابو ديب، جابر عصفور، وصلاح فضل والكثير من هؤلاء قدم الكثير في الخطاب الشعري العربي القديم والحديث فنحن عندما نتحدث عن الصورة الشعرية لا يمكننا تجاوز ما قدمه كمال ابو ديب في هذا المجال على سبيل المثال لا الحصر...
كما رأى الدكتور الحسين ان هناك سكونية توقف خطاب سماوي النقدي فمثلاً يقول (على الناقد، لابد..) هذه الكلمات فيها نوع من الاستعلاء والابوية وتحمل في طياتها الاستفزاز للقارىء.
أيضاً مسألة الشاعر المبدع ومفهوم الابداع عند سماوي توقف عنده د. خالد الحسين حيث رأى ان الحديث في هذه المسألة انتهى زمانه، لأن الشاعر بالنسبة له هو ناسخ اي يقوم بعملية نسخ للخطابات التي تأتيه سواء من خلال قراءته او من خلال القراءات التي تؤثر عليه، او الخطاب البيئوي المكاني الذي يؤثر على جسده وأن الشاعر من خلال هذه الخطابات ينتج القصيدة، فالشاعر النبي انتهى زمانه والآن الشاعر انسان واقعي جداً وهذا تؤكده الخطابات الشعرية التي تتحدث في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة، وكذلك يضيف الحسين فإن امير يضع شروطاً للشاعر وبأنه يجب ان يكون مثقفاً لاقصى درجة رغم ان هناك بعض الشعراء غير مثقفين ويقدمون شعراً جيداً وجديداً، ومسألة اخرى اشار لها الناقد الحسين وهي التخييل والذي يعتبره سماوي سمة فارقة تميز الشعر عن غيره اذ خالف الحسين سماوي في ذلك لأنه رأى ان كل الاجناس الادبية تحوي سمة التخييل من رواية وشعر وغيره منوهاً الى ان كل الدراسات حتى الآن فشلت في تقديم تعريف للشعر.
كما توقف الحسين عند مسألة ابداع الشاعر بلغته الاصلية وفشله في لغة غيرها « وتأكيداً على نظرتي للعلاقة الفطرية باللغة ..»ص106 رأى الحسين ان هذا غير صحيح بدليل ابداع الكثير من الشعراء قديماً وحديثاً باللغة العربية وهم غير عرب مثل بشار بن برد ، ابن الرومي ، وحديثاً سليم بركات وآ خرون...
ونقطة أخرى وأخيرة نوه لها الحسين وهي عنوان الكتاب «اتجاهات الشعر العالي» حيث تحدث سماوي في كتابه عن الشعر الصافي وتساءل الحسين هل من الممكن الحديث عن شعر صاف فيما الشاعر يعيش في نظام سيسيو ثقافي ومحاصر بجملة هائلة من الخطابات التي تؤثر على خطابه الشعري.

لست اقصائياً كنت شكاكاً
أمير سماوي الشاعر الذي كان كتابه موضوع القراءة النقدية قال: في هذا الكتاب لم أكن اقصائياً كنت شكاكاً في قضايا عامة انهكت الشعر ، حاولت وضع تصور لشاعر حر، شاعر يرى القضية الشعرية من منطق المتغيرات وليس من منطق الثوابت التاريخية او الثوابت القائمة الآن، وضعت افكاراً حاولت توضيح الكثير منها ، هذه الافكار هي لشعر اكثر سمواً وابداعية ، أنا لست ناقداً انا شاعر يقرأ الشعر وجيلنا يعاني من مشكلة ان النقاد الاكاديميين لا يخوضون عميقاً في تفاصيل التطورات الشعرية التي تحدث، أنا لا انظر للشعر الصافي انظر لقصيدة قابلة لان تكون اجتماعية، لقصيدة اكثر جمالية، قصيدة ترتقي بالانسان لحالات وجدانية عميقة متحررة من كل الامور المرحلية والعارضة.
أخيراً
وإن كان تودوروف لم ينتقل للتنظير الا بعد جملة طويلة من الكتب فهل كان امير سماوي مغامراً في كتابه هذا، أم اننا بدون امتلاك الجرأة والمغامرة في فتح الباب لن نتمكن من معرفة ما في الداخل ابداً؟!


روزالين الجندي



البعث