مصطفى الخـــاني
صاحب الأدوار المعقدة والحضــور الإنساني نحن بحاجة إلى فكر رقابي مؤسساتي
الحظ يحالف النجاح في أحايين كثيرة، لكن نجاح مصطفى الخاني الذي حقق نجومية كبيرة وجماهيرية واسعة من قبل جميع الشرائح خلال عقد ونيف لم يكن وليد الحظ فقط، وإنما يعود إلى الحضور الدرامي والإنساني والاجتماعي وإلى البحث ودراسة السيكولوجية الخاصة بالشخصية، ورسم كاركتر خاص بها بكل أبعاده، ومن جهة أخرى إلى التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية وفي الجامعة الأمريكية في بيروت. استطاع الخاني في مسيرته الفنية أن يجسد شخصيات متنوعةومختلفة بالطرح فرأيناه في جحدر في (الزير سالم) و الملك المجذوم (في صلاح الدين الأيوبي)، وهولا ند داي في جبران خليل جبران .. لكن ابداعه الحقيقي تجلى في تبنيه قضايا كبرى كما في دوره في «ماملكت أيمانكم» (الشيخ توفيق)، إذ تطرق فيه إلى الإرهاب وما يتبعه من قتل وتفجير ودمار، وتمكن ببراعة من إظهار طاقة الشر الخفية في أعماقه المتسترة وراء ستار الدين، وقد حفل العمل بالكثير من المشاهد العنيفة منها مشهد التفجير الذي رحلت إثره والدته البريئة، ومشهد مداهمته شقيقته مع حبيبها وشدها من شعرها وضربها بعنف، وقد عدّ النقاد هذا المشهد من أكثر المشاهد قسوةً في الدراما السورية إلا أن جماهيريته الواسعة تحققت من خلال أشهر عمل من أعمال البيئة سلسلة (باب الحارة) بدور النمس الذي كان منعطفاً حقيقياً في حياته المهنية وترك أثراً في مختلف أرجاء الوطن العربي وبلاد الاغتراب وخاصة لبنان ـ كما يقول ـ
في 2011 دخل تجربة جديدة بعالم الدراما اللبنانية من خلال عمل ( آخر خبر ) مع المخرج الكبير هشام شربتجي الذي حقق نجاحاً كبيراً وكان نقلة نوعية في تاريخ الدراما اللبنانية وعلى الرغم من قلة مشاهده إلا أن حضوره الطاغي منح الشخصية سمة الرئيسية ، إذ جسد دوراً مركباً من خلال توءم ، أحدهما شرطي المرور الملتزم بالقوانين والهادئ والصارم أضاف إليه الخاني شيئاً من الخصوصية في تكرار جملة (هاتِ أوراق السيارة لو سمحتِ) باللهجة اللبنانية، وفي انفعالات ملامح الوجه وحركات الجسد .البطيئة، وفي المقابل جسد التوءم الثاني الطائش ، وبعد هذه التجربة، فُتِح أمامه الباب للمشاركة بعمل ضخم اسمه (شيفون) مع المخرج نجدت أنزور، إذ جسد أربعة كاركترات مختلفة يعرض من خلالها سلوكيات كل شخصية، مما منح الخاني سمة تنفيذ الأدوار الصعبة ، فكان تاجر المخدرات وسائق الدراجة الغامض، والناشط الإنساني ومغني الراب اللبناني، وقد صرح الخاني بأنه أحضر الإكسسوارات ومستلزمات كل شخصية من أمريكا، والماكيير من إيران ليبدو بصورة مختلفة منسجمة مع الشخصية. تعرض هذا العمل لإشكاليات كثيرة بذريعة أنه يتطرق إلى السلفيين والجرأة بطرح المحاور العاطفية مما دفع الخاني إلى إثارة الموضوع بالصحافة والمحطات الفضائية لأن الرقابة أجلت عرضه بعد أن اشتراه التلفزيون العربي السوري . وأكد الخاني في حواراته بأن العمل لا يتطرق إلى الإرهاب والسلفيين فقط، وإنما إلى مشكلات الشباب ودعوات ( الفيس بوك) وكيف تم استغلال الشباب من قبل الموساد وغيره لإثارة العنف في الشارع العربي، وأن الجرأة ضرورية ما دامت لا تخدش الحياء العام.
وأضاف الخاني بأنه كان يتمنى أن يسمع من الرقابة جواباً مهنياً، ووصفها بالشخصانية والمزاجية، وبأنها لا تعتمد على فكر رقابي مؤسساتي ونحن الآن بحاجة إلى فكر رقابي مؤسساتي .. في الآونة الأخيرة برز نشاط الخاني على صعيد الأعمال الإنسانية بعمله مع عدد من الجمعيات الأهلية وتصويره إعلانات مرض السل مع المخرجة رشا شربتجي للتوعية حول مرض السل وإطلاق حملة «يدً بيد لوطن خالٍ من السل» ، وتميز بحضوره الاجتماعي الواسع من خلال أدائه أغنيات ليس بهدف الغناء ـ كما يقول ـ وإنما لبث رسالة فنية تحمل قيمة إنسانية اجتماعية كما في مشاركته بأغنية (رضاك ياأمي) مع دريد لحام وعاصي الحلاني ، ألحان طاهر مامللي والتوزيع الموسيقي لمحب الراوي، وأهداها بصورة خاصة إلى روح والدته التي لم تكن أما عادية ـ كما ذكرـ ، جاءت هذه الأغنية بعد أغنية (لعيونك ياشام) التي تزامنت مع عرض باب الحارة، وكانت ذات طابع وطني تدعو إلى المحبة والتلاحم الوطني، وعلق الخاني على دوره الغنائي قائلاً: على الممثل أن يستغل أدواته ومفرداته والغناء من أدوات الممثل، وأنا لاأمضي بمشروع الغناء وإنما أقوم به لخدمة التمثيل والمساهمة في التوعية الاجتماعية.
كان للخاني موقف من الأحداث التي تمر بها سورية، وأكد في حواراته بأنه يؤيد سياسة التغيير نحو الأفضل، على ألا يكون هدفاً بحد ذاته وإنما يكون التغيير نحو الأفضل وليس نحو الفوضى، وأن يكون نابعاً من الحوار الوطني بين أطياف السعب .
كُرم الخاني من قبل ( بان كي مون ) واتحاد الصحافيين العرب في أمريكا، ومن قبل هيئة الأمم المتحدة في نيويورك لحصوله على لقب أفضل ممثل في الشرق الأوسط لعام 2009
عن «دوره النمس» ( في باب الحارة) و حصل على الجائزة ذاتها للعام التالي 2010 عن دوره «توفيق» في (ما ملكت أيمانكم)، إضافة إلى حصوله على لقب نجم mbc لعام 2009، ومن المعروف أن الخاني انطلق من المسرح إلى عالم التلفزيون وعلى الرغم من نجاحه وانشغاله بالعمل التلفزيوني إلا أنه لم يتخلَ عن حلمه الأول المسرح وكانت آخر مشاركاته المسرحية( الدون كيشوت) في الجزائر الشيء المثير للدهشة أنه قرر أن يصبح ممثلاً قبل امتحان الثانوية بأسبوع واحد فتقدم مع ألف شخص إلى المعهد العالي للفنون المسرحية لم ينجح منهم إلا عشرة كان واحداً منهم.
ولاقى معارضة شديدة من قبل الأهل لكن والدته رحمها الله وقفت إلى جانبه والأمر المؤثر أنه وعدها ذات يوم أن يحصل على لقب أفضل ممثل عربي، وحينما حصل عليه كانت هي في عالم آخر مما أثار في أعماقه حزناً شديداً.
الحلم الجميل الذي يعيشه الخاني حالياً أن يجد الحب الحقيقي الذي يملأ فضاء حياته وينجب طفلة يسميها ليلى يرى فيها صورة والدته التي تأثر بها كثيراً.
مِلده شويكاني
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1292&a=115128