الأدب الرقمي... أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية
مفلح العدوان
الأدب الرقمي... أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية
د. زهور كرام في تجربة نقدية جريئة تناقش نظرية الأدب في ظل التحول الرقمي وتقرأ تجربة محمد سناجلة بعين نقدية جديدة.
بقلم: مفلح العدوان
تشهد الساحة العربية حراكا ثقافيا نوعيا في الآونة الأـخيرة تتجه بوصلته نحو محاكاة تجارب جديدة في الكتابة الحديثة، في محاولة لملامسة تجريب مهم على الصعيد العربي والعالمي في ما يسمى بالكتابة الرقمية، والإبداع الرقمي، والثقافة الرقمية، حيث أن الأدوات الجديدة اتصاليا ومعرفيا طرحت نفسها بقوة لقيادة موجة من التغيير في بنية الذهنية الكتابية، والمنجز الإبداعي، والزخم الثقافي.
لكن هذه الموجة على أهميتها ما زالت تدور في إطار التنظير لها، ولا يوجد إلا تجارب محدودة تجاوزت العناوين العامة، لتدخل في خضم التوثيق، والنقد، والإبداع الفعلي والملموس في هذا الإطار، ومن هذا المنطلق تأتي هذه القراءة في التجربة الإبداعية والنقدية الجديدة والجريئة للباحثة والناقدة المغربية الدكتورة زهور كرام، حيث صدر مؤخرا عن دار الرؤيا للنشر في القاهرة كتابها التنظيري الجديد \'الأدب الرقمي/أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية\'، ليجيب على بعض أسئلة وجوانب غائمة في الأدب الرقمي، وليضيف لبنة في مدماك معمار الكتابة في هذا الاتجاه.
يقول الناقد المغربي الدكتور سعيد يقطين في تقديمه للكتاب \'يدور الكتاب حول قطبين كبيرين. يطرح أولهما قضايا وإشكالات الإبداع الرقمي في الكتابات والأدبيات الأجنبية بقصد الوقوف على المنجزات النظرية لدى النقاد والباحثين وحتى المبدعين، في فرنسا وأمريكا وغيرهما ممن اهتم بخصوصيات هذا الإبداع الجديد، وما يطرحه من أسئلة عميقة وجديدة عن طبيعة هذا الإبداع وتقنياتها، وأنواعه ومقتضيات تلقيه والتفاعل معه.
وشفعت زهور كَرام النظر بالعمل، فانصبت، في القسم الثاني، على تحليل بعض أعمال محمد سناجلة الكاتب الرقمي الأردني الذي يعتبر رائدا في هذا المجال بإقدامه على خوض غمار التجربة الرقمية مبكرا مقدما بذلك نماذج طليعية ومتميزة\'.
وكما هو الحال دائما تبدأ زهور كرام كتابها بالأسئلة حول ماهية الأدب الرقمي، وهل الأدب الرقمي استمرار أم انقطاع في نظرية الأدب؟ والأدب بين رهان التخييل وسلطة التكنولوجيا؟ ثم تتعمق أكثر في الأسئلة لتصل إلى من هو المؤلف الرقمي، ولماذا هو مؤلف؟ ثم تنتقل إلى متلقي هذا النوع الجديد من الأدب، إلى القاريء الرقمي نفسه حتى تصل إلى سؤال الناقد الرقمي وإشكالية التلقي والتعامل مع هذا الأدب الجديد الذي يطل علينا متسلحا بآخر ما وصلت إليه التكنولوجيا.
ثم تفتح بابا آخر حول سؤال تجنيس هذا النوع من الأدب وهو سؤال كبير ما زال يلقى نقاشا كبيرا في الساحات الثقافية العالمية.
وتشير كرام إلى أن كل ممارسة إنتاجية جديدة للفكر والثقافة والإبداع، تثير تساؤلات حول شرعيتها، ومدى قدرتها/فعاليتها على خلق مساحة أوسع لتفجير طاقات التفكير والخلق. وهي تساؤلات يحصنها مبدأ فلسفي، يعتبر كل انتقال حضاري، هو بمثابة انتقال في أسئلة الواقع. ثم في وسائل التفكير في الواقع. وتؤكد أن انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري- الذي فيما هو يطور أدوات تفكيره، فيما هو يسعى إلى حياة أكثر انفتاحا على الخلق والإبداع وتجديد الرؤية- يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال. والأدب الرقمي التجلي الثقافي الأهم للعصر الرقمي الذي بدأت البشرية العيش فيه.
ثم تتساءل زهور كرام حول مكانة العقل العربي في هذا العصر الرقمي ومدى قدرة الثقافة العربية والكتاب والمثقفين العرب بل والنظام الرسمي العربي في العموم على الدخول إلى هذا العصر، وترى أننا ما زلنا في عتبة الدخول لهذا العصر وأن اغلب ممارساتنا جاءت في الباب التنظيري وليس التطبيقي إذا ما استثنينا تجربة محمد سناجلة التي تعد اختراقا متميزا لحالة التررد والشك والجمود التي استقبلت بها الثقافة العربية في العموم تحديات الثورة الرقمية، وتتساءل في هذا السياق:
هل قدرنا في المشهد العربي أننا مع كل تحول فكري صناعي معرفي _إيديولوجي معلوماتي تقني عالمي، أن نظل نعيش الحداثة تنظيرا وسعيا إلى الفهم؟.
هل قدرنا أن نظل نعيش تبعات التحولات الحياتية والمفهومية التي تعرفها البلدان التي تبادر إلى الانخراط في التحول الحضاري، بإيجابية مؤسساتها ومجتمعاتها ورهاناتها؟.
وتشير إلى هروب النقاد والباحثين من الأسئلة التي تطاردهم مع ولادة الأدب الرقمي وخشيتهم من تناول هذا المنتج بالبحث والتحليل مؤكدة \'إن تناول هذا الإنتاج الأدبي الرقمي العربي بالتحليل والمساءلة، يعد واجبا حضاريا بامتياز، من منطلق كون قراءة العمل الأدبي هي عبارة عن لحظة التفكير بأدوات المرحلة\'.
وتؤكد سعيها من خلال هذا الكتاب \'إلى وضع بعض المفاهيم الخاصة بالأدب الرقمي في سياقها النقدي والأدبي، والعمل على الوقوف عند الأسئلة الجديدة التي يحملها هذا الأدب على مستوى النص والنقد وأدبية النص الأدبي نظريا، وعبر تحليل السرد التخييلي الرقمي من خلال نموذجي المبدع الأردني محمد سناجلة: شات وصقيع. وعبرهما سنقف عند اشتغال مفاهيم الأدب الرقمي\'.
وترى زهور كرام ان \'عملية التأليف الأدبي الرقمي تعرف انتشارا مهما في التجربتين الأمريكية، والأوروبية بفعل إيجابية الشروط التقنية والمعلوماتية للمجتمعات الأمريكية والأوروبية، والتي تسمح بالانخراط الموضوعي إنتاجا وإبداعا في الثقافة الرقمية\'، في حين أن \'التجربة العربية ما تزال تعرف بطءا من حيث إنتاج الإبداع الرقمي، وذلك لأسباب بنيوية ذات علاقة بموقع التكنولوجيا في الحياة العامة والعلمية في المجتمعات العربية. غير أنه إنتاج وإن كان ضئيلا، فإنه يعبر عن تحد حضاري تقني وإبداعي كبير، يفرض شرط احترامه وتقدير ريادته في الزمن العربي الحالي، ولهذا، فإنه إنتاج يحرر النقد العربي أيضا من أسئلته المعتادة\'.
ثم تنطلق زهور كرام في كتابها لتناقش في قسمه الأول التجربة الأدبية الرقمية الغربية في أميركا وأوروبا معرجة على أهم الأسماء التي انشغلت بأسئلة الأدب الرقمي تنظيرا وإبداعا.
الأدب الرقمي استمرار أم انقطاع في نظرية الأدب؟
تطرح زهور كرام سؤالا نقديا هاما انشغل في الإجابة عنه عدد كبير من منظري الأدب الرقمي ونقاده في أميركا واوروبا، وهو هل يعتبر الأدب الرقمي استمرارا أم انقطاعا في نظرية الأدب، وترى كرام أن الأدب الرقمي هو تطور حدث ويحدث على النظرية الأدبية ولا يشكل انقطاعا عنها وتستشهد في هذا المقام بمقولات أحد اوائل المنظرين للأدب الرقمي وهو جورج لانداو GEORGE LANDOW \' على الأخص في سعيه إلى إيجاد عناصر مشتركة، بين نظرية الأدب من خلال مجموعة من المنظرين للنص الأدبي( بارت، فوكو، باختين دريدا..)[1]، وبين مفهوم النص المترابط، معتبرا أن الكثير من طروحات رولان بارت حول مفهوم النص باعتباره نظاما، ومفهوم القارئ باعتباره منتجا للنص، وليس مستهلكا، إضافة إلى مفهوم اللامركزية التي اقترحها دريدا Derrida، وتعدد الأصوات باعتبارها تعدد ا لأنماط الوعي، وليس تعددا لخصائص الوعي، كما اقترحها ميخائيل باختين Mikhaïl Bakhtine, إنها مجموعة تصورات وطروحات وأفكار يعتبرها لاندوو/ LANDOW من أساسيات مفهوم النص المترابط. وهو طرح نقدي يجعل نظرية النص المترابط لا تخرج عن تاريخ نظرية الأدب، التي لم تقم إلا من خلال التعايش مع نظريات مختلف الحقب الأدبية والنقدية.
وبعد أن تنتهي زهور كرام من مناقشة الأسس النظرية والنقدية وأهم الإبداعات الغربية في مجال الأدب الرقمي تنطلق في القسم الثاني من الكتاب لمناقشة التجربة الابداعية العربية ممثلة في تجربة الأديب الأردني محمد سناجلة عبر نموذجيه الأدبيين \'شات\' و\'صقيع\'.
وتقرر في بداية بحثها أن \'الأدب الرقمي في التجربة العربية يعيش - شأنه شأن كل جديد في المعرفة والفكر_ حالة من التجاذب، بين القبول والرفض. وهي حالة نقرأ من خلالها صراع الوعي الثقافي العربي الذي يعيش لحظة الانتقال من مستوى وسيطي إلى آخر\'. وتؤكد \'إن التفكير في التجربة الإبداعية الرقمية في المشهد الثقافي العربي، هو تفكير في مستوى من مستويات الحداثة في الممارسة العربية... ذلك أن عملية بناء تصور حول تجربة الممارسة الأدبية الرقمية في المشهد العربي، تتميز بالأهمية والخطورة في ذات الوقت، لأنها بمثابة شمعة وسط ظلام كثيف.
شات رواية – مترابطة Hyper-roman
تسعى زهور كرام من خلال قراءتها وتحليلها الخاص لتجربة محمد سناجلة عبر نموذجيه \'شات وصقيع\' إلى إجراء قراءة علمية وتحليلية قد تكون الأولى من نوعها لهذه التجربة بعيدا عن تهويل المعجبين أو قدح الرافضين الذين ترى أنهما قد غلبا على التعامل مع هذا النموذج الإبداعي في الأدب العربي.
وهي هنا ترى \'أن رواية شات للمبدع الأردني محمد سناجلة تتحدد من خلال مجموعة من العلامات التي تعبر عن الوضع التشخيصي الأدبي للمجال النصي للرواية. ويشكل زمن التحميلTemps de téléchargement، إعلانا ماديا لدخول تجربة مختلفة لزمن القراءة. إنه زمن يذكّرنا بضرورة التخلي عن مواصفات ميثاق القراءة الذي تعودنا عليه، ويدفع بنا إلى أن نعيش تجربة من نوع خاص ومختلف ومتغير. وهو زمن بتنشيطه وتشغيله تبدأ القراءة زمنا خاصا وتجربة خاصة”.
وتؤكد أن \'شات تدشن منذ البداية خرقا للمألوف السائد للنص، والمعتمد على الإجراء السردي اللغوي و الذي يبدأ مع حكي الحكاية لغويا. هكذا، تشتغل الخلفية المشكّلة من الصورة والمشهد واللون والحركة والموسيقى لغة مبرمجة معلوماتيا، تشخص الفضاء النصي الذي تنطلق منه حكاية شات، والذي يستمر خلفيةPlan arrière / للنص ترافق الكتابة، وذاكرة للنص من جهة\'.
ثم تنطلق بعد ذلك لتحليل بنية السرد الروائي في شات وعلاقته بتقنية النص المترابط من جهة واستخدام مؤثرات المالتي ميديا المختلفة من صوت وصورة وحركة من جهة ثانية لتشكل جميعها لغة جديدة ومختلفة عن اللغة التي عرفها السرد العربي سابقا، فهي لغة رقمية حركية متفاعلة تعتبر الكلمة فيها جزءا من كل، وهذا معنى جديد للغة لم تعرفه الرواية العربية من قبل.
شات والروابط بأنواعها ومظاهرها ووظائفها:
يعتبر الرابط أهم مظهر من مظاهر الأدب الرقمي الذي لا يتحقق من غير استخدام هذه التقنية، وفي شات تعمل الروابط المتعددة التي يستخدمها سناجلة دورا محوريا بل واساسيا في البناء الروائي نفسه، وتناقش زهور كرام أنواع هذه الروابط ووظائفها المختلفة في بنية السرد ومظاهرها المتعددة حيث ترى ان شات قد \'حققت تفاعليتها Son interactivité ، بفضل الإجراء الرقمي للرابطLieu ، الذي وصل عدده إلى أكثر من خمسين رابطا. وتشير إلى ان الروابط التفاعلية التي بلغ عددها 19 رابطا قد \'اشتغلت على خلق علاقة تناصية رقمية من جهة، بين السرد التشخيصي للحالة الحدثية، وبين مجال نصي سردي آخر يدخل بكل مكوناته اللغوية المعلوماتية والمعجمية والملتيميديا في علاقة تفاعل، خدمة لتوسيع أفق التشخيص السردي للقصة، وخلق إمكانية مفتوحة على نصوص أخرى\'.
شات وسؤال الذات بلغة الرقمي
تحاكي \'شات\' حسب زهور كرام محنة الذات حين تعيش \'زمن العتبة\' الذي تحدده بالزمن الذي يفصل العالم الواقعي عن العالم الرقمي ثم حين تتجاوزه لتدخل الزمن الافتراضي مع ما يثيره هذا الدخول من إشكاليات مختلفة ومتعددة سواء مع الذات أو مع الآخر الذي يجري علاقات تفاعلية مع الذات الرقمية التي تجاوزت محنة العتبة لتدخل إلى محنة الوجود الرقمي نفسه.
وترى كرام \'أن الذات في شات تأتي في ارتباطها بالتجربة والممارسة. فيما قبل تم تدجين الذات باسم المؤسسة والجماعة والقبيلة، باسم الإيديولوجية أو الخطاب السياسي، أما الذات هنا في تجربة سناجلة فهي تتعرى من كل هذا التدجين وتأتي ضمن تجربة المكاشفة.... ونلاحظ هنا اقتحام الذات للتجربة وهذا قلص المسافة بين الكاتب والموضوع، وولّد بالتالي هذا التعالق الذاتي الموضوعي بناء وشكلا في الكتابة يدفع القراءة إلى إعادة إنتاج معرفة جديدة بالنص الأدبي، فهي كتابة تدعو النقد إلى الإحساس بالذات في زمن التجربة، وليس إلى التعامل معها باعتبارها موضوعا للمعرفة\'.
صقيع محكي ذاتي-مترابط Hyper auto récit
في الجزء الثاني من هذا القسم التطبيقي تناقش الدكتورة زهور كرام تجربة \'صقيع\' لمحمد سناجلة التي نشرها عام 2006 بعد سنة من نشره لشات، وترى زهور كرام وجود إشكالية حقيقية في تجنيس هذا العمل الأدبي، على العكس من شات التي كانت ضمن جنس الرواية الرقمية أما في \'صقيع\' فالوضع مختلف حيث \'تأتي ومعها خرق للميثاق الروائي المألوف والمتعاقد عليه ضمن تجربة التراكم الروائي من جهة، وحسب التنظير الروائي من جهة ثانية... صقيع تـأتي مثل الحلم الذي ينفلت منه الحدث مع زمن الصحو\'.
وترى كرام أن \'صقيع تطرح مسألة التجنيس في مستويين: أحدهما رقمي يؤشر على مبدأ التحول الذي يعرفه النص التخييلي مع اعتماد لحظة إبداعية مغايرة للمألوف.ومستوى سردي_ نقدي يعد استمرارا للنقاش السائد راهنا، حول النصوص المطبوعة ورقيا والتي تطرح بقوة تحولات بناء الجنس الروائي\'.
وترى كرام أن \'انفتاح التجربة على تعددية التأشيرات الأجناسية هو من صميم نوعية التجربة التي إما أنها تعد تجربة أولى من نوعها، أو أنها تجربة لا تخرج عن نظام الكتابة السائدة، غير أنها تدشن خرقها لميثاق القراءة السائد\'.
وترى كرام \'ان الجديد في هذه التجربة هو دخول تعبير التأليف الذي يعد تعبيرا أساسيا في الأدب الرقمي، إلى حد أن الحديث عن منتج النص الرقمي انتقل من الكاتبEcrivain والروائي كما في النص المطبوع إلى المؤلفAuteur\'.
ويتعمق هذا التوجه والاشكال في تجنيس صقيع حين يضع محمد سناجلة في نهاية صقيع ثلاث صيغ. يدفع من خلالها القارئ إلى التفاعل مع صقيع على مستوى إبداء الرأي، والتعديل في النص، ثم اقتراح نهايات للنص. ولكي يحقق للنص تفاعليته المنتظرة\'.
يشكل هذا التوجه التفاعلي نحو القارئ مكونا أساسيا ليس فقط من منظور قراءة النص، وإنما أيضا من منظور منتج النص. الشئ الذي يدفع بالتأمل في النص الرقمي ليس فقط كوضع تخييلي رقمي منته بنائيا من طرف المؤلف، ولكنه نص يعيش باستمرار حالة التكون والتشكل مع تنشيط تفاعل القارئ، وهي حالة لن تعيش الثبات نظرا لكون التفاعل يعيش بدوره حالة من التغير على صعيد القراء، بل القارئ الواحد .
وتخلص الباحثة إلى ان:
- قراءة/مشاهدة صقيع، تعد تجربة غير مألوفة بالنسبة للوعي النقدي. إنها تجربة في القراءة والتكوين, في معنى أن صقيع باعتباره نصا ينتمي إلى الأدب الرقمي،يعد من النصوص التي تخلق نوعا من الدربة، وتدفع نحو التعلم.
_ يطرح نص صقيع بدوره كما جاء في شات محنة الذات مع زمنها النفسي. ولعل احتفاء النصين معا بقيمة الذات من حيث منحها الاعتبار الرمزي لتكون هي الحاكية والمحكية وإن جاءت بتمظهرات مختلفة بين النصين، فإنه يعبر عن حالة انبثاق ثقافة الذات وجعلها هي محور السؤال والحكي.
_تقدم صقيع تجربة تقنية محبوكة رقميا، وهي تقنية وظيفية سردية. فحالة القلق التي تعيشها الذات والتي جاءت في شكل هذيان أو حلم، تدفع الذات نحو السؤال عن ذاتها وعن منطق التحولات في زمنها دون أن تلتجئ إلى مؤسسة أو سلطة للإجابة عن أزمتها، وإنما التجأت إلى ذاتها وهو الشكل الذي شخصه بلغة الشعر والأغنية النصان المترابطان.
_ نلاحظ في صقيع عملية التناوب في جعل القصة تتحقق إبداعيا ورقميا.فالحالة القلقة للذات يكسرها السردي الذي يجعل النص في النهاية يظل منفتحا أو يظل يعيش حالة الانفتاح مع جعل نهاية النص برابط نص وسيط مترابط. لتظل الصورة هي آخر شئ يبقى في ذاكرة/ تاريخ القراءة.
_يعبر صقيع باعتباره محكيا ذاتيا مترابطا عن كونه يشكل استمرارا للحالة السردية العربية التي تعيش حالة انعتاق الذات من ضمائر الغائب والجماعة والمخاطب، لتأتي خارج كل الضمائر عارية من كل الأقنعة تواجه سؤالها وأزمتها برعب الحالة ولكنها تنتصر على الحالة حين يظهر زمن المحتمل ممكنا.
وفي نهاية هذا الكتاب الشيق والعميق والفريد من نوعه من حيث مناقشة النظرية بتطبيقاتها في الأدب العربي تخلص الكاتبة إلى عدد من النقاط بالغة الاهمية وهي:
_ إن الانخراط في الأدب الرقمي هو مطلب حضاري بامتياز. وليس نزوة أو موضة عابرة، والمسألة محسومة معرفيا وثقافيا وانتروبولوجيا .
_ إن حالة التردد التي تتسم بها عملية التعامل والتواصل مع الأدب الرقمي، من قبل مجموعة من الكتاب والنقاد هي حالة تعبر عن وضعية الثقافة التكنولوجية في الممارسة العربية، وأيضا في الانشغال الذهني والفكري.
_ إن تراكم النصوص الرقمية في التربة العربية يعد مدخلا عمليا لتفتيت حالة التردد، كما يساهم في إدخال القارئ العربي إلى هذا العالم العجيب والمدهش والغريب والجديد.
_ تقبل النص الرقمي التخييلي مشروط بخلق مادة نصية تخييلية، تكون مؤهلة كميا وكيفيا لإثارة انتباه القارئ، وتحفيزه على التواصل مع هذا التخييل الرقمي.
_ بناء على طريقة تأملنا في تجربة الأدب في علاقته بالتكنولوجيا، فإن الأدب الرقمي هو مفهوم عام تنضوي تحته كل التعبيرات الأدبية التي يتم إنتاجها رقميا. والمترابط مفهوم يعيّن الحالة الأجناسية لهذا الأدب، أما التفاعلي فهو إجراء رقمي عبره تتحقق رقمنة النص.لكنها تأويلات لدلالات مفاهيم قابلة للتحول وفق مستجدات تجربة النصوص.
mefleh_aladwan@yahoo.com
المصدر
http://www.arab-ewriters.com/?action=showitem&&id=5662