{وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
قوله تعالى:
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً }. .
في القائلين لموسى ذلك قولان. أحدهما: أنهم السبعون المختارون، قاله ابن مسعود وابن عباس. والثاني: جميع بني اسرائيل إلا من عصم الله منهم، قاله ابن زيد، قال: وذلك أنه أتاهم بكتاب الله، فقالوا: والله لا نأخذ بقولك حتى نرى الله جهرة؛ فيقول: هذا كتابي. وفي «جهرة» قولان. أحدهما: أنه صفة لقولهم، أي: جهروا بذلك القول، قاله ابن عباس، وابوعبيدة. والثاني: أنها الرؤية البينة، أي: ارناه غير مستتر عنا بشيء، يقال: فلان يتجاهر بالمعاصي، أي: لا يستتر من الناس، قاله الزجاج. ومعنى «الصاعقة»: ما يصعقون منه، أي: يموتون. ومن الدليل على أنهم ماتوا، قوله تعالى:
{ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم } هذا قول الأكثرين. وزعم قوم أنهم لم يموتوا، واحتجوا بقوله تعالى: {وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقًا } وهذا قول ضعيف، لأن الله تعالى فرق بين الموضعين، فقال هناك: {فَلَمَّا أَفَاقَ } وقال هاهنا: {ثُمَّ بَعَثْنَـٰكُم } والإفاقة للمغشي عليه، والبعث للميت.
قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ } فيه ثلاثة أقوال. أحدها: أن معناه ينظر بعضكم الى بعض كيف يقع ميتا. والثاني: ينظر بعضكم الى إحياء بعض. والثالث: تنظرون العذاب كيف ينزل بكم، وهو قول من قال: نزلت نار فأحرقتهم.




{فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
قوله تعالى:
{فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا }.
من قال: أقاموا في طلبها أربعين سنة؛ قال ضربوا قبره، ومن لم يقل ذلك، قال: ضربوا جسمه قبل دفنه. وفي الذي ضرب به ستة أقوال.
أحدها: أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال ابو سليمان الدمشقي: وذلك العظم هو أصل الأذن، وزعم قوم أنه لايكسر ذلك العظم من احد فيعيش. قال الزجاج: الغضروف في الأذن، وهو: ما أشبه العظم الرقيق من فوق الشحمة، وجميع أعلى صدفة الأذن، وهو معلق الشنوف، فأما العظمان اللذان خلف الأذن، الناتئان من مؤخر الأذن فيقال لهما: الخشاوان، والخششاوان، واحدهما: خشاء، وخششاء.
والثاني: انه ضرب بالفخذ، روي عن ابن عباس أيضا، وعكرمة، و مجاهد، وقتادة وذكر عكرمة و مجاهد انه الفخذ الأيمن.
والثالث: أنه البضعة التي بين الكتفين. رواه السدي عن أشياخه.
والرابع: أنه الذنب، رواه ليث عن مجاهد.
والخامس: أنه عجب الذنب، وهو عظم بني عليه البدن، روي عن سعيد بن جبير.
والسادس: أنه اللسان، قاله الضحاك.
وفي الكلام اختصار تقديره: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا، فضربوه فيحي، فقام فأخبر بقاتله.
وفي قاتله أربعة أقوال.
أحدها: بنو أخيه، رواه عطية عن ابن عباس.
والثاني: ابنا عمه، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهذان القولان يدلان على أن قاتله أكثر من واحد.
والثالث: ابن أخيه، قال السدي عن أشياخه وعبيدة.
والرابع: أخوه، قاله عبد الرحمن بن زيد.
قوله تعالى:
{كَذٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } فيه قولان.
احدهما: انه خطاب لقوم موسى.
والثاني: لمشركي قريش، احتج عليهم إذ جحدوا البعث بما يوافق عليه أهل الكتاب، قال ابو عبيدة: وآياته:
عجائبه.




{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَـٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }
قوله تعالى:
لَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ } معناه: ألم تعلم قال ابن قتيبة: وهذا على جهة التعجب كما تقول ألا ترى إلى ما يصنع فلان؟
قوله تعالى: {وَهُمْ أُلُوفٌ } فيه قولان. أحدهما: أن معناه: وهم مؤتلفون، قاله ابن زيد. والثاني: أنه من العدد وعليه العلماء، واختلفوا في عددهم على سبعة أقوال. أحدها: انهم كانوا أربعة آلاف. والثاني: أربعين ألف والقولان عن ابن عباس. والثالث: تسعين ألفا قاله عطاء بن أبي رباح. والرابع: سبعة آلاف قاله أبو صالح. والخامس: ثلاثين ألفا قاله أبو مالك. والسادس: بضعة وثلاثين ألفا، قاله السدي. والسابع: ثمانية آلاف، قاله مقاتل وفي معنى: حذرهم من الموت، قولان. أحدهما: انهم فروا من الطاعون وكان قد نزل بهم، قاله الحسن، والسدي. والثاني: انهم أمروا بالجهاد ففروا منه، قاله عكرمة، و الضحاك، وعن ابن عباس كالقولين.
الاشارة إلى قصتهم
روى حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: كانت أمة من بني إسرائيل إذا وقع فيهم الوجع، خرج أغنياؤهم، وأقام فقراؤهم، فمات الذين أقاموا، ونجا الذين خرجوا، فقال الأشراف: لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا، وقال الفقراء: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء سلمنا، فأجمع رأيهم في بعض السنين على أن يظعنوا جميعا، فظعنوا فماتوا وصاروا عظاما تبرق، فكنسهم أهل البيوت والطرق عن بيوتهم وطرقهم، فمر بهم نبي من الأنبياء، فقال: يا رب لو شئت أحييتهم، فعبدوك، وولدوا أولادا يعبدونك ويعمرون بلادك. قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال: نعم. فقيل له: تكلم بكذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تخرج من عند العظام التي ليست منها، إلى التي هي منها ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تكسى لحما وعصبا، ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا، فنظر فاذا هم قعود يسبحون الله ويقدسونه. وأنزل الله فيهم هذه الآيه. وهذا الحديث يدل على بعد المدة التي مكثوا فيها أمواتا. وفي بعض الأحاديث: أنهم بقوا أمواتا سبعة أيام، وقيل: ثمانية أيام.
وفي النبي الذي دعا لهم قولان. أحدهما: أنه حزقيل. والثاني: أنه شمعون فإن قيل كيف أميت هؤلاء مرتين وقد قال الله تعالى:
{إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلاْولَىٰ } الدخان: 56. فالجواب أن موتهم بالعقوبة لم يفن اعمارهم فكان كقوله تعالى: {وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا } الزمر: 42. وقيل كان إحياؤهم آية من آيات نبيهم وآيات الأنبياء نوادر لا يقاس عليها فيكون تقدير قوله تعالى: {إِلاَّ ظ±لْمَوْتَةَ ظ±لاْولَىظ° } التي ليست من آيات الأنبياء، ولا لأمر نادر وفي هذه القصة احتجاج على اليهود، إذ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، بأمر لم يشاهدوه، وهم يعلمون صحته واحتجاج على المنكرين للبعث. فدلهم عليه باحياء الموتى في الدنيا، ذكر ذلك جميعه ابن الأنباري.
قوله تعالى
{إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } نبه عز وجل بذكر فضله على هؤلاء على فضله على سائر خلقه مع قلة شكرهم.





{أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قوله تعالى:
{أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } قال الزجاج: هذا معطوف على معنى الكلام الذي قبله معناه: أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مر على قرية وفي المراد بالقرية قولان. أحدهما: أنها بيت المقدس لما خربه بختنصر، قاله وهب، وقتادة والربيع بن أنس. والثاني: أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت، قاله ابن زيد، وفي الذي مر عليها ثلاثة أقوال. أحدها: أنه عزير، قاله علي بن أبي طالب، و أبوالعالية، وعكرمة، وسعيد ابن جبير، وناجية بن كعبد وقتادة، و الضحاك، والسدي، و مقاتل. والثاني: أنه أرمياء قاله وهب و مجاهد، وعبد الله بن عبيد بن عمير. والثالث: أنه رجل كافر شك في البعث نقل عن مجاهد أيضا والخاوية الخالية، قاله الزجاج، وقال ابن قتيبة. الخاوية الخراب، والعروش السقوف و أصل ذلك أن تسقط السقوف، ثم تسقط الحيطان عليها {قَالَ أَنَّىٰ يُحْىِ هَـٰذِهِ ٱللَّهُ } أي: كيف يحييها. فان قلنا: إن هذا الرجل نبي، فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفية الإعادة، أو يستهو لها، فيعظم قدرة الله، وإن قلنا: إنه كان رجلا كافرا، فهو كلام شاك، والأول أصح.
قوله تعالى:
{فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ }
الاشارة إلى قصته
روى ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: خرج عزير نبي الله من مدينته، وهو رجل شاب فمر على قرية، وهي خاوية على عروشها فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثم بعثه، وأول ما خلق الله منه عيناه، فجعل ينظر إلى عظامه ينظم بعضها إلى بعض، ثم كسيت لحما، ونفخ فيها الروح. قال الحسن: قبضه الله اول النهار، وبعثه آخر النهار، بعد مائة سنة.
قال مقاتل: ونودي من السماء كم لبثت؟ قال قتادة: فقال: لبثت يوما ثم نظر فرأى بقية من الشمس فقال: او بعض يوم فهذا يدل على أنه عزير. وقال وهب بن منبه: أقام أرميا بأرض مصر فأوحى الله إليه أن الحق بأرض إيلياء فركب حماره، وأخذ معه سلة من عنب وتين، ومعه سقاء جديد فيه ماء فلما بدا له شخص بيت المقدس، وما حوله من القرى والمساجد، نظر إلى خراب لا يوصف، فلما رأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم. قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم نزل منها منزلا وربط حماره، وعلق سقاءه، فألقى الله عليه النوم ونزع روحه مئة عام. فلما مر منها سبعون عاما أرسل الله ملكا، إلى ملك من ملوك فارس عظيم. فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس، وإيلياء وأرضها، حتى تعود أعمر ما كانت فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل، ولما يصلحه من أداة العمل فأنظره ثلاثة أيام. فانتدب ثلاثمئة قهرمان، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل، وما يصلحه من أداة العمل فسار إليها قهارمته، ومعهم ثلاثمئة ألف عامل فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عيني. أرميا وآخر جسده ميت فنظر اليها تعمر فلما تمت بعد ثلاثين سنة، رد الله إليه الروح، فنظر إلى طعامه وشرابه. لم يتسنه ونظر إلى حماره، واقفا كهئيته يوم ربطه لم يطعم، ولم يشرب، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار، لم تتغير جديدة، وقد أتى على ذلك ريح مائة عام وبرد مائة عام، وحر مائة عام لم تتغير، ولم تنتقص شيئا وقد نحل جسم أرميا من البلى؛ فأنبت الله له لحما جديدا ونشز عظامه، وهو ينظر. فقال له الله: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك، ولنجعلك آية للناسظ° وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم: أن الله على كل شيء قدير وزعم مقاتل أن هذه القصة كانت بعد رفع عيسى عليه السلام.
قوله تعالى: {كَمْ لَبِثْتَ } قرأ ابن كثير ونافع وعاصم «لبثت» و «لبثتم» في كل القرآن باظهار التاء، وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة والكسائي، بالإدغام لبت قال أبو علي الفارسي: من بين لبثت فلتباين المخرجين وذلك أن الظاء والذال والثاء من حيز، والطاء والتاء والدال من حيز، فلما تباين المخرجان، واختلف الحيزان، لم يدغم. ومن أدغمها أجراها مجرى المثلين، لاتفاق الحرفين في أنهما من طرف اللسان، وأصول الثنايا، واتفاقهما في الهمس ورأى الذي بينهما من الاختلاف يسيرا، فأجراهما مجرى المثلين. فأما طعامه،وشرابه فقال وهب: كان معه مكتل فيه عنب، وتين وقله فيها ماء وقال السدي: كان معه تين وعنب وشرابه من العصير، لم يحمض التين والعنب ولم يختمر العصير.
قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ } قرأ ابن كثير ونافع، و أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر {يتسنة} و
{مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ } و {مَا أَغْنَىٰ عَنّى مَالِيَهْ } و {سُلْطَـٰنِيَهْ } و {وماهيه} باثبات الهاء في الوصل. وكان حمزة يحذفهن في الوصل ووافقه الكسائي في حذف موضعين {لَمْ يَتَسَنَّهْ } و {ظ±قْتَدِهْ } وكلهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في {كِتَـظ°بيَهْ } و {حِسَابِيَهْ } أنها بالهاء وصلا ووقفا فأما معنى {لَمْ يَتَسَنَّهْ } فقال ابن عباس والحسن، وقتادة في آخرين. لم يتغير وقال ابن قتيبة: لم يتغير بمر السنين عليه واللفظ مأخوذ من السنه يقال: سانهت النخلة إذا حملت عاما وحالت عاما.
قوله تعالى:
{وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ } قال مقاتل: انظر إليه وقد ابيضت عظامه وتفرقت أوصاله فأعاده الله .
قوله تعالى: {وَلِنَجْعَلَكَ ءايَةً لِلنَّاسِ } اللام صلة لفعل مضمر تقديره: فعلنا بك ذلك لنريك قدرتنا ولنجعلك آية للناس. أي: علما على قدرتنا فأضمر الفعل لبيان معناه. قال ابن عباس: مات وهو ابن أربعين سنة، وابنه ابن عشرين سنة، ثم بعث وهو ابن أربعين وابنه ابن عشرين ومائة، ثم أقبل حتى اتى قومه في بيت المقدس، فقال لهم: انا عزير، فقالوا: حدثنا آباؤنا أن عزيرا مات بأرض بابل، فقال لهم: انا هو أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم وكانت قد ذهبت وليس منهم احد يقرؤها فأملاها عليهم.
قوله تعالى:
{وَٱنظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ } قيل: أراد عظام نفسه، وقيل عظام حماره، وقيل هما جميعا.
قوله تعالى: {كَيْفَ نُنشِزُهَا } قرأ ابن كثير، ونافع، وابو عمرو {ننشرها} بضم النون الأولى وكسر الشين وراء مضمومة ومعناه: نحييها يقال: أنشز الله الميت فنشرهم وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي ننشزها بضم النون مع الزاي، وهو من النشز الذي هو الارتفاع والمعنى نرفع بعضها إلى بعض للاحياء وقرأ الأعمش: ننشزها بفتح النون ورفع الشين مع الزاي وقرأ الحسن، وأبان عن عاصم ننشرها بفتح النون مع الراء. كأنه من النشر عن الطي فكأن الموت طواها والإحياء نشرها.
قوله تعالى: {إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } أي بان له إحياء الموتى {قَالَ أَعْلَمُ } قرأ ابن كثير، ونافع،وابو عمرو، وعاصم، وابن عامر. أعلم مقطوعة الألف مضمومة الميم والمعنى: قد علمت ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة، وقرأ حمزة، والكسائي بوصل الألف وسكون الميم على معنى الأمر، والابتداء على قراءتهما بكسر الهمزة وظاهر الكلام أنه أمر من الله له وقال أبو علي: نزل نفسه منزلة غيره فأمرها، وخاطبها وقرأ الجعفي عن أبي بكر قال أعلم بكسر اللام على معنى الأمر باعلام الغير.





{وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
قوله تعالى:
{قَدِيرٌ وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ } في سبب سؤاله هذا أربعة أقوال. أحدها: أنه رأى ميتة تمزقها الهوام والسباع فسأل هذا السؤال، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، و الضحاك، وعطاء الخراساني، وابن جريج، و مقاتل. وما الذي كانت هذه الميتة فيه ثلاثة أقوال. أحدها: كان رجلا ميتا، قاله ابن عباس. والثاني: كان جيفة حمار، قاله ابن جريج، و مقاتل. والثالث: كان حوتا ميتا، قاله ابن زيد. والثاني: أنه لما بشر باتخاذ الله له خليلا سأل هذا السؤال ليعلم صحة البشارة، ذكره السدي، عن ابن مسعود و ابن عباس، وروي عن سعيد بن جبير، أنه لما بشر بذلك قال: ما علامة ذلك قال: أن يجيب الله دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك، فسأل هذا السؤال. والثالث: أنه سأل ذلك ليزيل عوارض الوسواس، وهو قول عطاء ابن أبي رباح. والرابع: أنه لما نازعه نمرود في إحياء الموتى سأل ذلك ليرى ما أخبر به عن الله، وهذا قول محمد بن اسحاق.
قوله تعالى: {أَوَ لَمْ تُؤْمِنَ } أي: أولست قد آمنت أني أحيي الموتى؟ وقال ابن جبير: ألم توقن بالخلة؟
قوله تعالى: {بَلَىظ° وَلَـظ°كِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره ولكن سألتك ليطمئن أو أرني ليطمئن قلبي، ثم في المعنى أربعة أقوال. أحدها: لأعلم انك تجيبني إذا دعوتك، قاله ابن عباس. والثاني: ليزداد قلبي يقينا، قاله سعيد بن جبير. وقال الحسن كان إبراهيم موقنا، ولكن ليس الخبر كالمعاينة. والثالث: ليطمئن قلبي بالخلة روي عن ابن جبير أيضا. والرابع: أنه كان قلبه متعلقا برؤية إحياء الموتى فأراد ليطمئن قلبه بالنظر قاله ابن قتيبة، وقال غيره: كنت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته يدل على أنه لم يسأل لشك أنه قال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرظ°هِيمُ رَبّ } وما قال: هل تحيي الموتى.
قوله تعالى:
{فَخُذْ أَرْبَعَةً مّنَ ظ±لطَّيْرِ } في الذي أخذ سبعة أقوال. أحدها: أنها الحمامة والديك والكركي والطاووس، رواه عبد الله بن هبيرة، عن ابن عباس.
والثاني: أنها الطاووس والديك والدجاجة السندية والأوزة، رواه الضحاك عن ابن عباس، وفي لفظ آخر رواه الضحاك، مكان الدجاجه السندية الرأل وهو فرخ النعام. والثالث: أنها الشعانين وكانت قرباهم يومئذ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: أنها الطاووس والنسر والغراب والديك نقل عن ابن عباس أيضا. والخامس: أنها الديك، والطاووس، والغراب والحمام، قاله عكرمة، و مجاهد، وعطاء وابن جريج، وابن زيد. والسادس: أنها ديك وغراب وبط وطاووس، رواه ليث عن مجاهد. والسابع: أنها الديك والبطة والغراب والحمامة قاله مقاتل. وقال عطاء الخراساني: اوحى الله إليه أن خذ بطة وغرابا أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمر.
قوله تعالى: {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } قرأ الجمهور بضم الصاد، والمعنى: أملهن إليك، يقال: صرت الشيء فانصار، أي: أملته فمال، وأنشدوا:
الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى جيراننا صور
فمعنى الكلام: اجمعهن إليك. {ثُمَّ ظ±جْعَلْ عَلَىظ° كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا } فيه إضمار قطعهن قال ابن قتيبة أضمر «قطعهن» واكتفى بقوله: {ثُمَّ ظ±جْعَلْ عَلَىظ° كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا } عن قوله قطعهن لأنه يدل عليه، وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما. يريد قطعه وافعل ذلك وقرأ أبو جعفر وحمزة وخلف، والمفضل عن عاصم {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ } بكسر الصاد قال اليزيدي: هما واحد وقال ابن قتيبة: الكسر والضم لغتان: قال الفراء: أكثر العرب على ضم الصاد، وحدثني الكسائي أنه سمع: بعض بني سليم يقول: صرته فأنا أصيره وروي عن ابن عباس، ووهب، وابي مالك وابي الأسود الدؤلي، والسدي أن معنى المكسورة الصاد قطعهن وروي عن أبي عبيدة أنه قال معناه بالضم اجمعهن وبالكسر قطعهن.
قوله تعالى: {ثُمَّ ظ±جْعَلْ عَلَىظ° كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جُزْءا } قال الزجاج: معناه: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا، وروي عوف عن الحسن قال: اذبحهن ونتفهن ثم قطعهن أعضاءا ثم خلط بينهن جميعا، ثم جزئها أربعة أجزاء وضع على كل جبل جزءا، ثم تنحى عنهن فدعاهن فجعل يعدو كل عضو الى صاحبه حتى استوين كما كن، ثم أتينه يسعين، وقال قتادة:
أمسك رؤوسها بيده فجعل العظم يذهب إلى العظم، والريشة إلى الريشة، والبضعة إلى البضعة، وهو يرى ذلك ثم دعاهن قأقبلن على أرجلهن يلقي لكل طائر رأسه، وفي عدد الجبال التي قسمن عليها قولان. أحدهما: أنه قسمهن على أربعة أجبل، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، وروي عن ابن عباس، قال: جعلهن أربعة أجزاء في أرباع الارض كأنه يعني جهات الإنسان الأربع. والثاني: أنه قسمهن سبعة أجزاء على سبعة أجبل، قاله ابن جريج والسدي.
قوله تعالى: {ثُمَّ ظ±دْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا } قال ابن قتيبة: يقال: عدوا ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال لطير إذا طار سعى {وَظ±عْلَمْ أَنَّ ظ±للَّهَ عَزِيزٌ } أي: منيع لا يغلب {حَكِيمٌ } فيما يدبر ويزعم مقاتل أن هذه القصة جرت لإبراهيم بالشام قبل أن يكون له ولد وقبل نزول الصحف عليه، وهو ابن خمس وسبعين سنة.





ــــــــ
المرجع زاد المسير
عن العجري الشهري،موقع


منتدي المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد و توعية الجاليات بمحافظة المجاردة