نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


بوادر خطر الوقوع في المعصية
د. حمدي شعيب


هموم الشباب
وفي نهاية حديثي إليك ولدي حول همومك اللذيذة، نأتي إلى أخطر الهموم وأشدها حساسية: إذا نشأت علاقة ما واستشعرت معها ببوادر الخطر في الوقوع في معصية؛ فكيف السبيل للخروج سليمين منها؟
وهذا الهم شغل الكثيرين منذ قدم البشرية، حتى ورثنا عن السلف الصالح مؤلفاً قيماً وهو (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) والبعض يسميه (الداء والدواء) للعلامة الإمام شمس الدين ابن القيم يرحمه الله والذي أوصيك بقراءته والالتصاق به ومعايشته؛ وقد يمن عليَّ الحق سبحانه بتلخيصه لك في رسالة أخرى.
فهو يدور حول هذا الهم اللذيذ والخطير والحساس؛ حيث يتناول قضية البحث عن دواء للعشق والخوف من الوقوع في المعصية، ويستهله المؤلف بهذا التساؤل الذي سأله أحدهم: "ما تقول السادة العلماء، أئمة الدين، رضي الله عنهم أجمعين، في رجل ابتلي ببلية، وعلم أنها إن استمرت به أفسدت عليه دنياه وآخرته؟. وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما يزداد إلا توقداً وشدة، فما الحيلة في دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟ فرحم الله من أعان مبتلى, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين رحمكم الله تعالى".
وتكلم فيه الإمام ابن القيم عن الدواء الناجح لهذا الداء العضال، فذكر قضايا عدة أهمها:
1 أهمية سلاح الدعاء: وكيف يعتلج أي يتصارع مع البلاء إلى يوم القيامة، فيمنعه على حسب قوته.
2 آثار الذنوب على الفرد والمجتمع والأمم: وهي الآثار العامة الكثيرة للذنوب؛ أي العقوبات التي نغفل عنها ولا ندري ما سببها، والتي منها، (حرمان العلم والفقه في الدين، ووحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله سبحانه، والوحشة بينه وبين الناس، واستشعار الظلمة بالقلب، وضعف البصيرة، وحرمان الطاعة، ووهن القلب والبدن، وقصر العمر ومحق البركة، والوقوع في سلسلة الذنوب، وزيادة إرادة المعصية، وهوان العبد على الله عز وجل، واستصغار الذنوب، وذهاب الحياء، والحرمان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والملائكة واستغفارهم للمؤمنين والمؤمنات، وعدم توقير القلب لله سبحانه، ونسيان الله سبحانه لعبده، وزوال النعم وحلول النقم) .
3 أنواع المحبة:
( أ ) محبة الله.
(ب) محبة ما يحب الله.
(ج ) الحب لله وفيه.
(د ) المحبة مع الله، وهي الشرك.
(ه) المحبة الطبيعية، كحب الماء والطعام والنوم والزوجة والولد.
4 أنواع العشق:
(1) عشق القربة والطاعة والنفع: وهو عشق الرجل امرأته. فيحمد فاعله عند الله وعند الناس.
(2) عشق المقت والبعد عن رحمة الله: وهو أضر شيء على العبد في دينه ودنياه، وهو معصية قوم لوط.
(3) العشق المباح وهو الواقع من غير قصد، كعشق من وصفت له امرأة جميلة، أو رآها فجأة من غير قصد، فتعلق بها قلبه، ولم يحدث له ذلك العشق معصية، فهذا لا يملك ولا يعاقب عليه، والأنفع له مدافعته والاشتغال بما هو أنفع له منه، ويجب الكتم والعفة والصبر فيه على البلوى، فيثيبه الله على ذلك، ويعوضه على صبره لله وعفته، وتركه طاعة هواه، وإيثار مرضاة الله وما عنده.
ويخلص الإمام يرحمه الله؛ إلى أن أفضل سبيل للخروج هو، إما البعد والفراق، أو الزواج.
أخيراً... صديقي الحبيب، وولدي الغالي: لقد حركت في داخلي آلاماً حبيبة إلى النفس، وذكريات عشتها عندما كنت في مثل عمرك الغض الجميل، فكانت إليك تجربتي، ونصيحتي لنفسي قبلك، ولمن هم في مثل عمري قبلك، فنحن معكم نجاهد كل يوم مغريات يلقيها بل يقذفها علينا شياطين الإنس والجن، ولن ننام ولن تهدأ كتابتنا إليكم، ولن تنقطع لكم أسئلة ما دام هؤلاء الشياطين كما قال الحسن البصري يرحمه الله لا ينامون ولا يتركونا ننام وننعم بحياة آمنة، حتى نصل لبغيتنا ومستقرنا الحبيب في جنات وعيون، على سرر متقابلين.