اخترع الفرنسيون أشياء كثيرة بينها الخيال العلمي، والشاطئ اللازوردي، وفلسفة الشك. وهم يقلبون شفاههم تعجبا حتى لو قلت إن الشمس تشرق من الشرق. لا بد من اعتراض: كيف يمكن أن تحدد أين هو الشرق والأرض كرة مستديرة.. كيف؟ يا سيدي، حسنا، دعها تشرق أنى أردت حضرتك.. المهم ألا تغيب عنا طويلا.
الشيء الوحيد الذي قبله الفرنسيون من دون أي نقاش، هو قول إمبراطورهم نابليون، قبل أكثر من قرنين: «فتش عن المرأة». منذ ذلك الوقت وهم يفتشون كل زاوية بحثا عن المرأة. وأنا متأكد من أن نابليون كان يقول ذلك «فشة خلق»، وبسبب زعلة من تلك الزعلات اليومية مع النسوان اللاتي خسر تقريبا جميع معاركهن كما خسر تقريبا جميع حروبه. ومع ذلك أصر الفرنسيون على أن يأخذوه على كلمته: فتش عن المرأة. ودأب حكامهم، إكراما لسلفهم وتقديرا لبعد نظره، على التفتيش عن امرأتين دفعة واحدة. سيدة الإليزيه تحضر العرض العسكري، وأخرى تلد مولودا غير شرعي. ولم يكن ذلك ديدن الرؤساء وحدهم، فطالما اقتدى الكتاب والشعراء بزعمائهم. ولعل أشهرهم كان اميل زولا، الذي لم يرزق من زوجته بأبناء، فتولت ذلك خادمته. المفارقة أن الزوجة كانت هي أيضا غسالة. والحكمة من الحكاية أنه كان لزولا ضعف عند رائحة الصابون، أو «بيرسيل» تلك الأيام. أما الحكمة الأولى فعلى زوجات الكتاب أن يتأكدن من نقاط الضعف عند الأزواج قبل إدخال أي نوع من مساحيق الغسيل إلى المنزل.
بدأ الصيف حارا في فرنسا هذا العام: امرأة (فتش عنها) تقول مديرة المحاسبة عنها (امرأة أيضا) إن رئيس الدولة كان يتقاضى مغلفا سنويا من السيدة بيتانكور، أغنى نساء فرنسا. وكان الأعداء في انتظار مثل هذه الصفارة: ألم يرسل المسيو ساركوزي رئيس الوزراء السابق إلى المحاكمة؟ ألا يريد أن يرسل جاك شيراك إلى القضاء؟ وكما قال شيراك إن غزو العراق سوف يفتح أبواب الجحيم، فإن كلام المحاسبة فتح أبواب الصواعق. وكرت الاستقالات في حكومة الرئيس. وتقرر النفي. وعادت المحاسبة عن كلامها وزمت شفتيها زما مثل أندريه غروميكو.. ولكن عبثا.
أغلفة المجلات وعناوين الصحف ومقدمات أخبار التلفزيون وثرثرات المقاهي وبوابات العمائر وكل من له أذن تسمع سمع شيئا ما. كان هناك مغن فرنسي أسمر يدعى هنري سلفادور، له أسطوانة ليست فيها كلمة واحدة أو نوتة موسيقية واحدة. إنها عبارة عن ضحكة طويلة مستمرة لا تلبث أن ترغمك على الضحك. تضحك إلى أن تدمع. وكان عنوانها «هنري سلفادور يتسلى».. فرنسا تتسلى.