ظاهرة الإعلام الجديد (فيس بوك – تويتر – يوتيوب) رؤية مستقبلية
* فهد أحمد عطيف

حين ترسل تعليقاً لاحدى الصحف فلا ينشر أو يجتزء منه , تشعر بأنك لاحيلة لك ملجم الكف مقيد اليدين . حين تقرأ الخبر الذي رأيته بأم عينك وعايشته واقعا عياناً قد تحول الى قصة أخرى مختلفة تماماً في عناوين الصحف وقنوات الإعلام التقليدي تشعر بأنك قد سقطت في فخ "استقبل وودع". فلقد استقبل العقل مايحجم إدراكه وودع الحقيقة لانه لاحيلة له إلى الوصول إليها او لربما إيصالها.

حين تُفاجأ بأن ماكان يُنقل ويتلى عليك من قصص وأخبار ليل نهار ماكان الا رؤية بعيدة تمام البعد عن الحقيقة رؤية فرضها عليك الآخرون, حينها يشعر الفرد بأن لا لغة له فهو كالأبكم أوالأصم أو لربما اسوأ حالا فهو ليس محروما من الكتابة والنطق بل محروم من أن يرى الحقيقة تتسلل الى شرايين عقله وتعانق عيناه أسطرها فتعبرعما بداخله! حينها تشعر أن الإعلام الذي ينتمي إلى هويتك يحاربك في قيمك ويتحدث بلسان غير لسانك فيتيقن المتلقي أنه تائه لا هوية له.
اليوم يزلزل الإعلام الجديد كيان البيروقراطية والأحادية والضبابية والتعتيم الإعلامي بل يتعدى ذلك الى تركيع الاعلام القديم ليسعى لمواكبته. يتساءل الكثير أحقيقة هو الإعلام الجديد من صنع هذه الثورات في بلاد العرب! ؟ أم أنها نظريات مؤامرة ؟ أم أنها قنوات بعينها ! أم ماذا...!
فلنفترض مثلاً أن أحدهم كتب على صفحته في "الفيس بوك " متى تنتهي المناطقية والواسطه في بلدنا ؟" , يزور متصفحه صديق الدراسة الثانوية علي " الولد الكول" ذو الثقافة الضحلة فيكتب تأييداً للفكرة, يلاحظ هذا ابن عمه محمد "الجامعي" فيتذكر مقطعاً من اليويتيوب عن فساد "معالي" الوزير أو عبارة لعضو برلماني "أديب" فيلصقها مضيفاً الى الفكرة فكرة أخرى .... وهلم جرا ... حتى يصبح التوسع في نقاش الافكار المسكوت عنها -أيا كانت سواء اتفقنا معها أو اختلفنا-, حينها يصبح نقاشها أفقياً على مستوى الأفراد ورأسياً على مستوى الشخصيات الذين لاسبيل لهم الى الشهرة على الإعلام الجديد مساحات (الفيس بوك أو تويتر) سوى النزول عن عروشهم المصطنعة وتقبل أفكار الاخرين والاستفادة منها ومن ثم مناقشتها. وهنا يكون التأثير أفقياً وتهدم الطبقية الفكرية شيئاً فشيئاً حتى يلتقي الجميع على مستوى متقارب من النقاش والمطالب, وهو نتاج حوار اختياري لاسلطة فيه ولا رقابة ولا إستعلاء, بل تمايز وتنافس ومحاولة للارتقاء بمايقدمه كل فرد من أفكار.
الإعلام الجديد لمن أراد فهمه , لغة صنع أدواتها كاميرا الهاتف المحمول, الانترنت , تطبيقات الويب (فيس بوك –تويتر- يوتيوب) , و الأهم من هذا كله هو عقل يتقد بالمواهب لم يجد التقدير في محيط وطنه. انه لمن المسلم به, أنه لم يعد من الممكن حصر العقل بالاعلام التقليدي , لم يعد من الممكن التحايل على عقول العامة بتقديم النمط " الأمثل" عن طريق النخب المصطنعة " فكريا" " إعلاميا" رياضيا" " دينيا" فلقد أصبح الاعلام الجديد متنفس لهؤلاء فهنالك يرى الفرد مايختار فيقارن الرأي والرأي الآخر, فعلى سبيل المثال تشاهد مقطع لليوتيوب يروي "حقيقة ما" بطريقة متحيزة وعلى نفس الصفحة تجد رابطاً لمقطع آخر يناقض الأول في أسلوبه الروائي عنوانه الرد على .... وهنا يكمن التغيير!
إنه تأثير الاعلام الجديد حين أصبح التواصل الاجتماعي تواصلاً فكرياً يجمع بين المتعة وتبادل الأفكار بعيدا عن المرجعية الثقافية حيث يكون الفرد هنالك بنصه وليس بمظهره أو إنتماءاته. لذا لا يمكن تقييم ظاهرة كهذه بمؤامرة محلية أو خارجية فقط – وإن كانت كذلك في بعض الأحيان فلقد كشفت وكالة المخابرات الامريكية كما أوضح تقرير إخباري على قناة سي إن إن الاخبارية مؤخراً عن تبني وتمويل الفيس بوك كمشروع استخباراتي معلوماتي. أعود ظاهرة كهذه لايمكن فهمها هكذا فحسب أكثر من فهمها كظاهرة عالمية فالعديد من الشباب والشابات في أوروبا وأمريكا وأستراليا يتخذون ذات النهج في نقاش قضاياهم المحلية والعالمية إنها ظاهرة عالمية وليسة عربية كما يظن البعض, إجتماعية "حيوية" جديرة بالاهتمام والـتأمل الرابح فيها هو من بادر لتبنيها وفهم أدواتها.
إنه لأن تنتقل بالعقل التقليدي من المسلمات الى التساؤلات يعني أنه لابد أن تكون هنالك إجابات ملموسات وفي حال غياب هذه الاجابات فان المصير الحتمي لهذه التساؤلات أن تبدأ بافتراضات صائبة او خاطئة , تولد تساؤلات جديدة.... وهذا هو منهج البحث العلمي؟! فما الذي حصل إذن؟!!
بعد أن كان هنالك عقل يتجرع مرارة التهميش والاقصاء والطبقية والدونية الفكرية والاجتماعية قدم له الاعلام الجديد ببساطته وسلاسة تناقله -وان كان لايدري خلافاً لنشئته الاجتماعية- أسلوباً جديدا في مفهوم التواصل الاجتماعي, أسلوبا جمع بين المتعة والمعلومة الدسمة وهذا مالم يسبق ايجادة في التاريخ سوى في الحملات الانتخابية التقليدية والتي يدعى اليها الناس ولاتأتيهم بعكس الاعلام الجديد والذي يزورهم في بيوتهم وهواتفهم أين كانت عبر متصفحاتهم.
ختاماً : إنها دعوة لمبادرة مستقبلية ببرنامج إعلامي ذي هوية وطنية مستقلة يستقطب و يعزز إنتماء الجميع إليه ولايكرس الفرقة والتيه للبحث عن إنتماءات طائفية أوهوية بديلة, إنها دعوة لكل مؤسسة إعلامية وطنية وفرد لاستشراف أفق تواصل صحي متوافق مع نهضة الوطن ومتطلباته, فسياسة الإملاء الثقافي التي لطالما مارسها الإعلام التقليدي الموجه- بفتح الجيم وكسرها- لم تعد مجدية مالم تلامس الجمهور الذي تخاطبة وتستمع الى نبض واقعه كما حاولت فعل ذلك قنوات عدة لأجندة فكرية لاتخفى على حصيف! ويبدو لي يقيناً أن مبادرة كهذه مسألة مرحلية مفصلية في نمو الأمم وازدهار أمنها وحضارتها بل ولربما بقاءها, واللبيب بالاشارة يفهمُ....هكذا أسهم الاعلام الجديد في احداث الفرق ... هكذا يحدث التغيير!

المصدر :
http://www.sabq.org/sabq/user/articles.do?id=552