رسالة من معتقل في بوكا
قصة قصيرة
يقولون إن السعادات ثلاث، بدن ، وقلب ،وما يحيط بالبدن ..
الله أعطاني سعادة القلب وأخذ مني البقية ، أؤمن بكل المعارف والعلوم التقنية ,،أفلسف الظاهر والخفي من الأمور بما أراه متفقا مع منطقي أنا لا مع منطقهم هم ، أهيء لنفسي عالما مثاليا أحقق من خلاله كل الكمالات التي أنشدها ، والتي تجعلني مميزا عن بقية البشر، هم يصفوني بالجنون وأنا أسعى للوصول إلى النشوة الحقيقية قمة السعادة أتقمصها لنفسي ، ليس من أحد يتحكم بي ولا يجبرني على فعل لا أريد فعله ، حين سألت الطبيب ( أين الله) نظر إلي من خلف نظارته الزجاجية ، اعتدل بجلسته وقال وهو موقن من جوابه (أنه في السماء يا ولدي ...؟!)
ضحكت ملأ شدقي, أشرت للمصباح...تبسم الدكتور بحياء .. وأنا أقول الله مثل الضوء لا مكان له ..
كان يلوذ بعينيه نحو الممرضين الذين أحاطوا بي يكتمون أنفاسي حذرين من كل ردة فعل تند مني ، والذين تأكدوا من جنوني رسميا !
نزلت عندهم برقم 2345 مصاب بجنون العظمة مرافق له استبدال هستيري مع دوافع عدائية لا شعورية ،اقتادوني الى حقل للتجارب كي يثبتوا صحة رأيهم بجنوني ، عا ملوني كفأر للتجارب، جربوا كل نظريات سيغموند فرويد وجوزيف بروير ،وجاء طبيبا أخر ليثبت صحة نظرية بافلوف المادية على حساب كل الدراسات الفرويديه ... ولما عجزوا واستيقنوا بعدم شفائي ، هز كبير الأطباء رأسه وهو يمعن النظر بالأوراق التي بين يديه , زم شفتيه,و قطب جبينه.
أول مرة أحس الخوف أشعر بدموعي تنزل ساخنة على خدي كل شيء إلا هذه الآلة اللعينة، رثيت لحالي وأنا جالس أمامه أحسست بشيء بل أقدامي .. أرجوك لا تقلها ، لا تبت بها سوف أكون هادئا ، لن أعلن تمردي على سلطات الاحتلال بعد الآن، قاسوا ضغطي ، وانتزعوا شجاعتي
أعطوني حبة رمادية بدت كأنها شظية ، ازدرتها مجبرا
مع كوب من الماء ، دون مقاومة >
اقتادوني، ولا أعرف سر هذا الاستسلام والخنوع، حركة مضطربة ولغط رجل يصرخ، رهبة المكان جعلتني كسعفة في مهب ريح ، لحظات ومر من أمامي رجل ضخم كثور يسحب عربة نقل المرضى فيها رجل ممدد، يجره كحصان، كان يقضم تفاحة بنهم ،العربة تتمايل ذات اليمين وذات الشمال دون أن يأبه لذلك المسجى رغم ارتطام رأسه بالجدار !
(غرفة العلاج بالصعقات الكهربائية )..قرأت اللوحة المثبتة على الباب .. وكان ما يكون
حين فتحت عيني ، ثمة خدر دب في جسدي ، وآلام في رأسي كادت تطحنني ، نار مستعرة ، العيون المتطفلة تحيط بي وكأني حيوان سيرك.. عادت ذاكرتي إلى زمن قريب حين كانت والدتي تبحث في طب العرافين ، عن تعويذة تفك عني ذلك السحر اللعين، فيعّلم ظهري بسياط (وسيط الأسياد )لازال ظهري يئن كلما مرت يدا عليه كأن نوتة موسيقية كل حرف له صوت آه ...أرادوا إخراج بيير كوري، ورذر فورد، وأنشتاين، من رأسي، من ذاكرتي منعوني أن ألهج باسمهم ، أرادوا إن أفرط بمبادئ النظرية النسبية ، أرادوا أن يأكلوا خبزا من قلب أمي الموجور دائما بطاقة العاطفة والحنان، كل زيارة لها كنت أرى ظلها من بعيد متسربلة بعباءتها ، تلوذ حيية من تلك العيون التي راحت ترنو اليها ا ، تنظر بفضول إلى ما تحمل بيدها من طعام لعل لهم فيه نصيب ، شل الخوف كل حركة فيها أراها تكتم حزنا سرمديا ، إنها تريد أن تهرب لكن خافقها لا يستطيع صبرا دون أن ترى وحيدها في تلك القبور التي تضم أرواح شاردة
جلس رجل قبالتي نظرت إليه ،لم أر أي دالة للجنون عليه، أشار بيده لسيكارة طلبها بتوسل ، أشفقت عليه لكن ..لا حيلة لي فليس عندي مايريد نظرت إلى كدس من الكتب التي كانت قرب سريره ...لاح لي افلاطون والمدينة الفاضلة ،وجدته قريبا مني ، تكلمنا تهامسنا ، وثق بي ووثقت به أصبح صديقي وأصبحت صديقه وكان سببا لي بألفة المكان بعد ان تجاهلنا أرقام الأيام ، وقفزنا على ذاتنا أصبحنا رقمين في معادلة صعبة أنا عالم الفيزياء الذي استطعت أن أصنع مصدرا للنيترونات بأقل الكلف ورسمت مخططا لبناء مفاعل نووي للطاقة النظيفة ،وهو دكتوراه في الفلسفة ، حكيت له كيف أدعيت الجنون ، كي أتخلص من ملاحقة الأمريكان الذين مارسوا معي كل أنواع التعذيب ولم ينتزعوا أي معلومة عن المختبر الصغير الذي صنعته ..
كل شيء هادئ في عتمة هذا الليل ، دبيب أقدامنا لا يكاد يسمع لولا تكسر الأعشاب تحتنا صدى صراخ هستيري يسمع من بعيد كأنه قرع طبول ، يكسر سكون الليل ، تدوي القاعات بأصوات النزلاء وكأن إوزات دخل بينهن غريب ، قرع على الأبواب وضحكات وصراخ يتمازج مع بعضه البعض ، نتلفت حذرين من عين رقيب ترصدنا ، اختفينا بين أشجار الكالبتوس ،خيوط الفجر تقترب ونحن في دوامة لا قرار لها الإمساك بنا معناها جولات من الصعق الكهربائي وترحيلنا إلى ردهات نزلائها أكثر عدوانية وربما لن أرى صاحبي الدكتور بعد، اقتربنا من الجدار الخارجي أنشأنا تلا من الحجارة...كل شيْ مرهون بانبلاج الفجر الأذان حفزنا لبذل المزيد..تعالت أصوات (الحراس هربوا ... لقد هرب المجانين..) لازالت أصوات النزلاء تتعالى وكأنها قرع طبول ، تحفزنا للهرب
تعطينا قوى مضافة تدفعنا لبلوغ الهدف مسكت بيده ، اقتربوا منه تمكنوا من التشبث بقدمه حاولوا جاهدين أن ينزلوه , أفلت من يدي ، وانحدر إلى أسفل شددت شعري وأنا أراه يقع بين أيديهم كالفريسة ثمة أثنين يركضون نحوي هربت بكل طاقتي لم أنظر خلفي، حتى جمدت يد امتدت نحوي مسكت بكتفي جمدت كل حركة بي ، وثمة صوت لاهث يصيح قف ...استسلمت مذعنا مستسلما لقدر ي ،ألفيت نفسي محاطا بالأطفال وصوت ليس بالغريب سحبت نفسا طويلا والتفت إلى الخلف صرخت فرحا
:دكتور
وجاء صوته لاهثا .....
:هيا أسرع قبل أن يمسكوا بنا
مرت الأيام وتبدد خوفنا ذهبنا إلى مزرعة بأطراف بغداد.. لم يسألني عن مكان مختبري ظننت أنه نسيه ، ذهبت به إلى أحدى الأكواخ كسرت الباب أخرجت مختبري الصغير ، نظر إليه ، وقلت له هذا الذي يبحث عنه الأمريكان
ثمة ابتسامة ارتياح ارتسمت على وجهه ، تنفس الصعداء أخرج مسدس من جيبه وضعه في رأسي
وقال : بعد كل هذه السنين وقعت يا دكتور ، لقد أتعبتنا
ضحكت ، بشكل جنوني ،ولم أسكت حتى سحب أقسام المسدس وهو يصرخ
( إصمت ....! ) قلت له وأنا أنظر الى تغير لونه
كنت أذكى منكم ، أردت أن أختبرك يا دكتور فالمختبر في مكان أمين... لأنه هنا ( وأشرت لقلبي ).ولن يجده أحد أبدأ لأن ذلك معناه أن تقتلع قلبي ....
*ملاحظة قامت قوة أمريكية باعتقالي بتأريخ 12/12/2008 بتهمة إرهاب 4
هذه الرسالة موجهة للسيد ..............
اكسروا كل القيود التي تكبل أفكار العلماء.. وحطموا أبراجكم العاجية ، ودعوا الحكم للحكماء ....