المباحث (11-12) في سر حذف إحدى الياءين
المبحث الحادي عشر3-حكم ما تكررت فيه الياءان طرفًا وسكنت الثانية منهما
بسم الله الرحمن الرحيم
في القسمين السابقين جاءت الياء الثانية وسطًا، أي لا يصح الوقوف عليها، وما بعدها يكون متحركًا وجوبًا؛ لأنه لا يمكن نطق ساكنين متتاليين في وسط الكلمة، وعلى ذلك كان حذفها رسمًا، وبقاء لفظها نطقًا.
أما في هذا القسم؛ فقد جاءت الياء الثانية طرفًا، فيمكن الوقوف عليها بالسكون، وهي ساكنة سكونًا ميتًا، وما قبلها ياء مكسورة؛ لذلك تم حذفها رسمًا ولفظًا لإمكان الوقوف عليها، وكان الإجماع على حذف الياء الثانية، ولئلا تكون صورتان لتحولين يتعذر قيامهما معًا في آن واحد، وهذه الياء هي ياء أصلية من حروف الجذر (حيي)، وليست زائدة؛ كما في الآيات التالية:
قال تعالى: (وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ(*) الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ(49) آل عمران.
قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ(*) الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَـاـرَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَـاـهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ(12) يس.
قال تعالى: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ(*) اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءايَـاـتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(73) البقرة.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِـ(يْ)ـمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ(*) الْمَوْتَى(260) البقرة.
قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ(*) الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(6) الحج.
قال تعالى: (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ(*) المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(9) الشورى.
قال تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَيُحْيِ(*) الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ(19) الروم.
قال تعالى: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ(*) الْعِظَـاـمَ وَهِيَ رَمِيمٌ(78) يس.
قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـاـرِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ(*) الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (50) الروم.
قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ(*) الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (17) الحديد.
قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـاـرِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ(*) الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ(*) الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(50) الروم.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ(*) الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(39) فصلت.
وكان فعل الله تعالى في الآيات السابقة؛ هو إحياء أشياء معينة محددة بعينها؛ وهي: (الموتى، الأرض، العظام)، وجاء بعد الياء لام التعريف ساكنة، فالتقى ساكنين، فكان إسقاط الياء رسمًا ولفظًا، ووقفًا ووصلاً.
أما الأمثلة التالية فقد جاء فيها بعد الياء حرف متحرك؛ فحذفت الياء رسمًا، وثبتت لفظًا في الوصل لا الوقف، ووضعت ياء فارسية(ے) للدلالة على الياء المحذوفة، وتسمى هذه الياء في التجويد: ياء الصلة، وهي صلة صغرى في جميع الأمثلة؛
قال تعالى: (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِـ(يْ)ـمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِ(ے) وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِ(ے) وَأُمِيتُ (258) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ (ے) وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ(23) الحجر.
وفي قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ (ے) وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ(43) ق.
وفي قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِ (ے) هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا (259) البقرة.
وفي قوله تعالى: (وَاللَّهُ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(156) آل عمران.
وفي قوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ (158) الأعراف.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَـاـوَااتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ(116) التوبة.
وفي قوله تعالى: (هُوَ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(56) يونس.
وفي قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلـاـفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ(80) المؤمنون.
وفي قوله تعالى: (وَمِنْ ءَايَـاـتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ (ے) بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا (24) الروم.
وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(68) غافر.
وفي قوله تعالى: (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمْ الأَوَّلِينَ(8) الدخان.
وفي قوله تعالى: (لَهُ مُلْكُ السَّمَـاـوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِ (ے) وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2) الحديد.
حَذْفُ ياء التحول الساكنة، يفيد الاستمرار، وتحرك ما قبلها دعم هذا الاستمرار.
ففي الأمثلة الأخيرة وافق الحذف صفة الله تعالى الدائمة بأنه يحيي ويميت، متى شاء ولأي شيء شاء. وأن قدرة الله عز وجل مستمرة في الإحياء والإماتة.
وأن الأشياء التي أحياءها الله تعالى؛ الموتى، والعظام، والأرض؛ حدث له انقطاع بالموت، وكان في الإحياء استمرار لها.
وكان الإحياء كله عمل لله تعالى، وعمل عيسى عليه السلام كان بإذن الله عز وجل؛ (وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ).
وقد قدم الإحياء على الإماتة؛ (يحيي ويميت)؛ لأنه الله تعالى لا يميت شيئًا قبل أن يحييه أولاً، فأُثبت اللفظ بالياء؛ لإثبات الصفة لله عز وجل، وحذف رسمها؛ ليدل على استمرار هذه الصفة بتكرار الفعل لله؛ بالإحياء الثاني للناس يوم القيامة، أو إحياء الأرض مرة بعد مرة بإنزال المطر، وإنبات النبات فيها.
وكذلك كان حذف ياء يستحيي، وهي من نفس الجذر (حيي)، فلم يأت بعدها ساكن؛ فثبتت لفظًا عند وصل القراءة، ووضعت ياء فارسية للدلالة على ثباتها وصلاً في التلاوة لا وقفًا؛
في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِ (ے) أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) البقرة.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ (ے) مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ (ے) مِنْ الْحَقِّ (53) الأحزاب.
وفي قوله تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ (ے) نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ(4) القصص.
وفي قوله تعالى: (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ (ے) نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـاـهِرُونَ(127) الأعراف.
ومعنى الاستحياء الامتناع، فالله لا يمتنع من ضرب الأمثلة بأقل المخلوقات؛ كالبعوضة فما فوقها.
والنبي يمتنع من إخراج الجالس في بيته، وإن لحق من طول بقاء جليسه، مشقة عليه وأذى.
والله لا يمنعه مانع من قول الحق، وتنبيه المؤمنين لما يتأذى منه النبي صلى الله عليه وسلم.
وفرعون كان يقتل الأطفال الذكور من أبناء بني إسرائيل، ويمتنع عن قتل النساء.
وقد كان حملهم لهذه الصفات حملا دائمًا مستمرين عليه.
ولنفس الأسباب حذفت ياء وليِّي رسمًا، وثبتت لفظًا في الوصل لا الوقف؛
قال تعالى: (رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَـاـوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ (ے) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّـاـلِحِينَ(101) يوسف.
ويقال في (وليي) مثل القول في (يحيي) أُثبت اللفظ بالياء لإثبات الصفة لله وحذف رسمها ليدل على استمرار هذه الصفة (أَنْتَ وَلِيِّ (يْ) فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)
أبو مُسْلِم/ عبْد المَجِيد العَرَابْلِي