لماذا تراجعت قيم العمل عند الشباب..؟!


يقضي الإنسان جزءاً كبيراً من حياته في العمل، باعتباره حاجة أساسية تكسبه العديد من الميزات الإيجابية كالمكانة الاجتماعية والثقة بالنفس، وتشعره بوجوده، إضافة إلى ان العمل يشكل له مردوداً مادياً يعينه على حياته لقضاء حاجاته الأساسية واللازمة.
هذا على الصعيد الفردي والأسري، أما على صعيد المجتمع فإن العمل يحدد درجة تطور الإنتاج الذي يشكل بدوره أساس تطور المجتمع وتقدمه.
انطلاقاً مما سبق نلاحظ اليوم أهمية قيم العمل التي انهارت بعد أن بدأنا نشاهد قسماً كبيراً من الشباب من الجنسين العاملين أو الموظفين يتهربون من العمل كلما سنحت لهم الفرصة لأسباب متعددة منها: ما يتعلق أولاً بالدافع الاقتصادي وتدني المردود المادي لقاء العمل قياساً بارتفاع الأسعار الجنوني وغلاء المعيشة، مما يدفع البعض خاصة الذكور للبحث عن عمل ثانٍ وثالث أحياناً، إضافة إلى ضعف الحوافز المادية والمعنوية وعدم وجود أو قلة المكافآت والعلاوات في بعض المؤسسات، مما ينعكس في نهاية الأمر على مستوى الإنتاج في تلك المؤسسات، إضافة لما ذكر من أسباب فإن تراجع قيم العمل تعود إلى انعدام العلاقة السليمة التفاعلية بين العامل ورب العمل أو بين العامل والمدير أو بين الرئيس والمرؤوس التي تقوم على أساس التأثر والتأثير معاً، كذلك ساعات العمل الطويلة تفوق الوقت المطلوب لإنجاز العمل في مؤسساتنا، غياب ثقافة العمل في وسائل الاعلام المختلفة أو ندرتها، وعدم الاهتمام بالتأهيل والتدريب بشكل مناسب، خاصة بالنسبة للمدراء الذين يفتقدون لفن الإدارة وتعيين قسم كبير منهم بعيداً عن الكفاءة والخبرة والتخصص بشكل رئيسي، وما ينجم عن ذلك من مشكلات كبيرة تتسبب بالقطيعة بين المدير وأفراد المؤسسة التي يترأسها، فيفقد العامل أشياء أساسية كالطمأنينة والثقة بالنفس في أجواء تسودها السيطرة واطلاق الأوامر بعيداً عن العلاقة الصحيحة.
بينما يتصف المدير الناجح بأنه يحقق للعاملين الطمأنينة والثقة بالنفس وعلاقات الاحترام، ويشحذ هممهم ويعترف بجهودهم ويثني على نجاحهم، لأن فقدان مثل هذه العلاقات يجعل العاملين يعيشون حالة من التشاؤم تجاه العمل، الأمر الذي يفقدهم عنصر الحيوية والنشاط ومن ثم يدفعهم للتفكير بالهروب أو الهروب من العمل، خاصة عندما يكافأ الكسول في الوقت الذي يعاقب فيه النشيط في ظل الأجواء السلبية في بعض المؤسسات، أيضاً من الأسباب ارتباط ظروف العمل ببعض المشكلات الاجتماعية كمشكلة المرأة العاملة وارتباطها برعاية الأبناء نتيجة قصور الدور المؤسساتي في معالجة مشكلاتها بشكل فعلي، وذلك أمام الظروف الصعبة التي تحاصر جيل الشباب في عصر السرعة، وقبل ان تفوتهم الفرص فهم يجدون أنفسهم مدفوعين للتعلم الجامعي والتخرج والبحث عن فرصة عمل والزواج من فتاة تعمل لتعينه وتكوين منزل.. كل ذلك يجب أن يكون في وقت قياسي ليتمكنوا من اللحاق بالركب الحضاري.. هذا بالنسبة لجيل الشباب الذين يتذمرون من العمل ويهربون منه مع ان قسماً منهم نراه يعمل إلى جانب متابعة تحصيله الجامعي ويأتي فوق ذلك كله فقدان بعض الشروط الضرورية للعمل: المكان المناسب والمريح وأدوات العمل اللازمة والتأمين على الحياة ضد المخاطر التي تنتج عن العمل، وعدم توفر الخدمات الصحية وخدمات النقل وغيرها من تسهيل السكن وتأمين بدل اللباس ومكافآت نهاية العام، وعدم التمييز بين العاملين كي لا يفقدوا الثقة بالعمل وبالمشرفين عليه.
وبالنتيجة يمكن تعزيز قيم العمل عند جيل الشباب من خلال:
1- تقوية الروابط والعلاقات الاجتماعية داخل العمل ضمن الحدود اللازمة لنجاح العمل واستمراره.
2- تأهيل المدراء وتعليمهم فن الإدارة ومراعاة أهمية التخصص وذلك إلى جانب تأهيل العاملين وتدريبهم أيضاً.
3- تفعيل مبدأ المحاسبة بالثواب والعقاب.
4- الاهتمام بالدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي نظراً للحاجة الماسة لها عبر مراكز الأبحاث التي نفتقر لها من أجل التعرف على مشكلات العاملين ومعالجتها، ومن ثم الوصول لنتائج مفيدة تعالج من خلالها مشكلات العاملين ومعالجتها ومن ضمنها انهيار ظاهرة قيم العمل في حال اعتبرناها ظاهرة من خلال الأسباب التي ذكرت أعلاه.


جهاد ذياب الناقولا
ماجستير علم اجتماع- جامعة دمشق