ولد الدكتور محمد هيثم الخياط في دمشق بسوريا، وتخرج من كلية الطب بجامعة دمشق، وحصل منها على درجة الدكتوراه في الطب، ثم شهادة أهلية التعليم العالي من جامعة بروكسل في بلجيكا.
درس العلوم الطبية.. ودرَّسها طيلة 22 عامًا في كلية الطب بجامعة دمشق، وكلية الطب بجامعة بروكسل، درس العلوم الشرعية على مشايخ دمشق، وتبحر في علوم اللغة العربية، مما جعله يجمع عضوية أغلبية مجامعها؛ فهو عضو مجامع اللغة العربية بدمشق وبغداد وعمان والقاهرة وعليكرة وأكادمية نيويورك للعلوم والمجمع العلمي الهندي، وعلاوة على ذلك.. فهو عضو في أكثر من 20 جمعية علمية في مختلف أنحاء العالم.
شارك في صياغة الوثيقة الإسلامية لأخلاقيات الطب والصحة
أصدر حتى الآن 20 كتابًا باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، ومنها بعض المعاجم، كما نشرت له عشرات المقالات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية في مختلف المجالات****مقابلة الدكتور الخياط في قناة الجزيرة*****أمير المؤمنين يترأس درسا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانيةترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس مرفوقا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد يوم الأربعاء بالقصر الملكي بالدار البيضاء درسا دينيا جديدا من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية.وتناول الدرس الذي ألقاه الأستاذ هيثم الخياط كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في شرق المتوسط موضوع " تعليل الأحكام والعقائد في الإسلام "، انطلاقا من قوله تعالى "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" صدق الله العظيم.ووطأ المحاضر لدرسه بالتأكيد على ان حسن فهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يحتاج إلى أدوات يؤدي النقص فيها إلى إساءة فهم المعاني من النصوص، من قبيل التعمق في اللغة العربية، واستعمال العقل باعتباره الميزان الذي ربط به الله التكليف، والتمكن من فقه الشريعة لاستكناه مقاصد الاحكام ومحامل النصوص.وذكر بأنه لا يوجد في العقيدة الاسلامية ما يصادم العقل، بل إن الاسلام دعا الناس إلى استعمال ملكات عقولهم وتحكيمها فيما يدعوهم اليه، مصداقا لقوله تعالى "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون".وأشار إلى أن القراءة -بما هي فعل عقلي- كانت أول ما أمر به الذكر الحكيم "إقرأ باسم ربك الذي خلق"، كما أن الله يفاضل بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، والرسول (ص) كان يفضل مجالس العلم على مجالس الذكر، ويجعل الحكمة "ضالة المؤمن"، أنى وجدها فهو أولى بها.واستعرض المحاضر الدعوات، التي لا تحصى، إلى إعمال التفكر في خلق الله بصيغ استفهامية "ألم تر، أو لم يروا ". وقد ميز في هذا الشأن بين ما يصادم العقل الانساني (مسلمات وفطرة) وهو ما لا يأتي به دين سماوي، وما يخفى على العقل فتكمن حكمته عند الله، إذ ليس للعقل حكم أولي مسبق بشأنه.وأوضح أن أحكام الله معللة بمصالح العباد، وأن القرآن الكريم لا يورد الأحكام سردا بل يعللها، من قبيل ذكر أسباب تحريم جملة مما نهى عنه الشارع "الخمر، الميسر..."، والترغيب في أخرى، على أساس قياس المصالح المتحققة والمفاسد الناجمة عن الفعل.وقدم في هذا السياق شواهد من سيرة النبي (ص) الذي كان يقدم أجوبة متنوعة للسؤال الواحد، مراعاة للأحوال المختلفة للسائلين، وهو ما سار عليه الخلفاء الراشدون من بعد.كما تطرق المحاضر إلى التمييز بين تعليل الأحكام وتعليل العقائد، ملاحظا أن هذا الأخير فتح أبواب خلافات كبيرة بعد أن دخل إلى الساحة الإسلامية تأثرا بباب الالهيات في الفلسفة الاغريقية.وفي ختام هذا الدرس الديني تقدم للسلام على جلالة الملك، الاستاذ المحاضر هيثم الخياط.كما تقدم للسلام على جلالته السادة محمد الحافظ النحوي رئيس جمعية التجمع الثقافي الاسلامي بموريتانيا، وابراهيم بن احمد الكندي، استاذ بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، وحسن بن محمد صفر من علماء السعودية، ومحمد الطبطبائي عميد كلية الشريعة والدراسات الاسلامية في جامعة الكويت.وتقدم للسلام على أمير المؤمنين كذلك السادة أبو بكر مايغا الثاني رئيس الجمعية التيجانية في بوريكنا فاسو، والشيخ موسى كونتا كاتب للتربية والثقافة بمالي، وأبو بكر دوكر المشرف العام على المراكز الاسلامية ببوركينا فاسو، واسحاق عبد الله خالد من علماء النيجر، وموسى توري رئيس اتحاد الجمعيات الاسلامية للجاليات الافريقية بفرنسا (السينغال)، ومحمد موساوي عضو تجمع مسلمي فرنسا، وعبد الله السفيري نائب رئيس المجلس الجهوي للديانة الاسلامية بمنطقة لوفير الفرنسية، والعربي مرشيش مدير المركز الاسلامي الثقافي المغربي بسان ايتيان بفرنسا، وحسن فساسي الكاتب العام لاتحاد الجمعيات الاسلامية للجاليات الافريقية بفرنسا، وخليل مرون مدير المركز الثقافي الاسلامي بايفري عضو في المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية بفرنسا واسماعيل أوسيني آرسا الامام الاكبر لمسجد الحسن الثاني بليبروفيل بالغابون.كما تقد للسلام على أمير المؤمنين سعيد هبة الله كاميلييف مدير معهد الحضارة الاسلامية بموسكو، ومحمد الهادي المبروك القيماطي مستشار بالمحكمة العليا بليبيا، وعبد العزيز قوناتي رئيس المعهد الاسلامي الايطالي بتورينو، ويوسف خرشاش إمام وباحث في برلين، وعبد السلام الغزواني إمام وداعية باسبانيا، والحسين طاي طاي من جامعة فرانكفورت.وبهذه المناسبة، قدم وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية السيد أحمد التوفيق لأمير المؤمنين المجموعة الثانية من المنشورات التي أصدرتها الوزارة خلال العام الجاري.06/10/12
*************
د.الخياط : الطب النبوي افتراء علي مقام سيد الخلق
الطب .. واحد من أحد المجالات التي يثبت من خلالها أن الشريعة الإسلامية لم تأتِ لكي تقيد الناس بأحكام وفروض فقط من أجل الطاعة .. ولكنها حملت في كل حكم وفرض ما يبحث عنه كل إنسان من كنوز للوصول إلي السعادة ، والطمأنينة ، والقوة ، والغني يمكن الإطلالة عليها عبر فهم مقاصد هذه الأحكام وتطبيقها . وخير من يدلنا علي هذه الكنوز طبيب خبير في تخصصه ، ومتفقه في دينه ، له رؤية موضوعية وخبرة عريضة في إثبات الحقيقة المذكورة أعلاه عبر موقعه المميز ككبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"الوهمي الذي حرفه عن مساره الباطنيون" وهو الدكتور محمد هيثم الخياط .
محيط ـ افتكار البنداري :
جاءت الشريعة الإسلامية لتحقق مقاصد تهدف إلي تعمير الأرض و سعادة الإنسان في كل المجالات فكيف ينطبق هذا علي مجال حفظ الصحة ؟ما لا يعرفه الكثيرون من المسلمين أن هناك فرع من فروع الفقه اسمه ( فقه الصحة ) يهتم ببيان الرؤية الإسلامية لوظيفة الطب بالإضافة إلي تنظيمه لمبادئ حفظ الصحة باعتبار أن حفظها هو فريضة أصلها وجوب شكر الله تعالي علي نعمة الصحة وهذا الشكر يكون بحفظها .
والأصل أن هناك أشياء اتفق عليها العلماء تسمي بالضرورات الخمس يلزم المسلم المحافظة عليها وهي ( الدين ) بالدرجة الأولي و (النفس ) و(النسل ) و (المال) و(العرض) بما يعنيه من الكرامة والشرف . وهذه كلها أشياء لا يمكن الحفاظ عليها إلا بحفظ الصحة ، وبذلك فالصحة في حد ذاتها يمكن أن تكون مظلة لعدد من المقاصد الأساسية وهي نفسها أحد مقاصد الشريعة فعلي بن العباس رضي الله عنه يقول " حفظ الصحة حاصلة وإعادتها زائلة " وهذا ما قاله ابن سينا في تعريفه للطب بأنه " حفظ صحة ، وبرء مرض " وهو ما نسميه الآن بالطب الوقائي والطب العلاجي .
ما دام سيادتكم أشرتم إلي وجود فقه الصحة فهل يمكن أن يكون هذا دليلاً علي صحة ما يقال عن ( الطب النبوي ) وفوائده العلاجية ؟فيما يسمي بالطب النبوي ففي اعتقادي هو نوع من التطاول علي الشرع لأن الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم ما جاء ليطبب الناس ولا ليعلمهم العلم العلاجي بل وفيما أورده البخاري : " إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء وما أحب أن أكتوي " . ويظهر بوضوح في الحديث قوله صلي الله عليه وسلم " أدويتكم " ولم يقل أدويتي ، ولذا لا يجوز أن تنسب له ولا أن نقول أنها علاجات نبوية أو طب نبوي .وأعطيكِ مثالاٍ بما شاع عن الحجامة مثلا فقد ورد ذكرها في الحديث السابق ولكن حديثا تم اكتشاف أسلوب التبرع بالدم الذي يفي بالغرض من الحجامة ومع ذلك لا يلجأ الكثير من الناس إليه .فكيف إذن نفسر كثرة الأحاديث التي وردت عنه صلي الله عليه وسلم تحث علي أخذ أعشاب أو أطعمة أو غيرها كسبيل للتداوي أو الوقاية أمراض محددة ؟!كانت هذه الأدوية والوصفات تُذكر باعتبارها من عادات الناس في ذلك العصر والتي كان يثبت نجاحها وفاعليتها في العلاج و كان الرسول الكريم علي علم بها ويختار أفضلها ولأنه خير الأمة فالناس كانت تلجأ إليه حتى في أمور الطب ليرشدها إلي الأفضل فيذكر لهم ما وصل إلي علمه من أطباء ذلك العصر.ويبين هذا الموضوع بشكل واضح حديث عروة بن الزبير للسيدة عائشة رضي الله عنهما عندما قال لها : ما أعجب بعلمك بأيام العرب فأقول بنت أبي بكر ولا بعملك بالفقه فأقول زوجة رسول الله ولكن أعجب من علمك بالطب ، فقالت: يابن اختي كان النبي صلي الله عليه وآله وسلم يمرض ويأتيه الناس من مختلف أرجاء العرب ويصفون له وكنت احفظ ولذا كان يصف ما ثبتت التجارب في هذا الوقت نفعه. أي أنه كان صلي الله عليه وآله وسلم ينقل من الأطباء الثقات ولكن أن يُنسب أن هذه الصفات من عنده هو فذلك خطير وخاصة أنه سبق أن قال صلي الله عليه وسلم " أنتم أعلم بشئون دنياكم " .كذلك في الحديث السابق الذي نقله البخاري نلاحظ إشارته صلي الله عليه و آله وسلم إلي التشكيك عندما قال " إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير " وكأنه يشكك في هذا ويحث علي ضرورة التأكد من هذه صحة الوصفات الطبية التي يتداولها الناس وهو في هذه النقطة وضع أسس البحث العلمي لمعرفة الدواء المفيد من ناحية وأن نتداوى من ناحية ثانية ومصداقاً لذلك قوله " ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله "و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام ". وفي هذا دعوة للبحث العلمي الدءوب بغير يأس ولا انقطاع عن كل دواء. فالدواء دائما موجود فقط يحتاج إلي البحث وهذا هو منطلق وأساس البحث العلمي .هذا فيما يتعلق بالطب العلاجي أو التداوي .. فهل ينطبق أيضا ذلك علي الطب الوقائي في ضوء وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تخصه ؟لا .. الأمر بالنسبة للطب الوقائي يختلف لأن الطب العلاجي متغير كما قلت بتطور الاكتشافات ونتائج البحوث فلا يجوز أن نخضع القرآن الكريم والحديث الشريف لهذه المتغيرات . أما فيما يتعلق بالطب الوقائي فقواعده أساسية لا تتغير بتغير الزمن بل نجد كثير من نصائح الأطباء اليونانيين والمسلمين القدماء وغيرهم فيما يخصه ما زالت صالحة حتى الآن ، ولذا نجد أن الحديث عنه في القرآن الكريم والسنة المباركة وفير جداً منه مثلا الآيات الكريمة التي تحذر من أكل الميتة والدم ولحم الخنزير تجنباً لمضارهم أو ما ورد في السنة من النهي عن ترك الطعام والشراب بلا غطاء وغير ذلك الكثير جدا . والأولي بنا أن نذهب إلي هذين الينبوعين فنحاول أن نستخرج منهما هذه النفائس وأن نصوغها بما يساعد الناس علي الانتفاع بها .وجود شخصيات واعيه بمقاصد الإسلام في المنظمات الدولية كمنظمة الصحة فرصة لنشر الرؤية الإسلامية في مجالات عملها فهل يمكن أن نعرف بعض جهودكم في هذا الاتجاه ؟نعم نشر الرؤية الإسلامية هو أحد أسباب وجودنا من الأساس في هذه المنظمات من وجهة نظري . و منذ ثمانينيات القرن الماضي بدأنا في إصدار سلسلة تحت مسمي ( الهدي الصحي ) تعني بنشر الوعي وسط المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية بالأسس الإسلامية الرشيدة في حفظ الصحة بأسهل الوسائل التي تقلل الكثير من الوقت والجهد والمال للمنظمات العالمية لكي تتدارك آثار عدم الالتزام بها . بدأنا هذه السلسلة بكتاب عن التدخين بمساعدة علماء الأزهر وأعيد طباعتها بعدة لغات ثم صدرت الكتاب الثاني عن الماء ودوره في حفظ الصحة في الإسلام وتلتها بعد ذلك كتب " فقه الصحة " والمبادئ الستين لحفظ الصحة في الشريعة وما زلنا نوالي إصدار هذه الكتب التوعية الهامة .في سلسلة ( الهدي الصحي ) التي تصدرها المنظمة حديث طويل عن قاعة " لا ضرر ولا ضرار" فهل لنا أن نتعرف عليها في إطار الطب الوقائي الإسلامي ؟هذه العبارة الجامعة الفذة هي حديث شريف وهي مؤكدة بصيغ أخري كقوله صلي الله عليه وسلم " ملعون من ضارَّ مؤمناً أو مكر به " وقوله " من ضارَّ أضرَّ الله به " . وهي قاعدة تؤمن للإنسان حفظ صحته بل وحفظ سلامة المجتمع كله .
وجاء تحريم الضرر في كتاب الله عز وجل في قوله تعالي في سورة الأعراف " قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم " وفي قوله تعالي في سورة الأنعام " وذروا ظاهر الإثم وباطنه " مع قوله سبحانه في سورة البقرة " فيها إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " فجعل الإثم نقيض النفع فهو الضرر إذن وهو كما نري محرَّم بنص القرآن . ومن هذا الضرر في شأن الصحة أنه لا يجوز للمسلم أن يعرِّض نفسه لخطر المرض أو الإصابات بأي شكل من الأشكال كما يحذر من ذلك الحديث النبوي: " لا ينبغي لمؤمن أن يذِّل نفسه " قالوا: وكيف يُذِّل نفسه ؟ قال: " يتعرض من البلاء لما لا يُطيقه " ويكون تجنب ذلك بأن يحرص علي ما ينفعه من التغذية بالغذاء الحسن والاعتدال فيه وممارسة الرياضة التي تحفظ عليه سلامة أعضائه ويعطي جسده حقه من الراحة إتباعاً للحديث الشريف أيضا " احرص علي ما ينفعك " و " وخذ من صحتك لمرضك " .
كذلك هناك حديث آخر يجمع الطب الوقائي كله في عدة كلمات وهو " ومن يتَوَقَّ الشرّ يُوقه ".قلتم أن هذه القواعد تشمل حفظ المجتمع كله وليس فقط حفظ الصحة فكيف ؟من سعة ورحمة الإسلام أنه لم يحرم فقط الإضرار بالنفس ويحث علي التزود بكل مفيد لها بل أيضا حرَّم الإضرار بصحة وراحة الآخرين سواء كانوا من الأهل وذلك بوقايتهم من التعرض للأمراض والإسراع بمداواتهم حال الإصابة بها ويظهر ذلك جلياً منذ بداية نشأة الطفل وحث القرآن الكريم علي الرضاعة الطبيعية للمولود لأنها الأفضل له صحيا ويقول صلي الله عليه وآله وسلم في ذلك " كفي بالمرء إثماً أن يُضيع من يعول " .وتتسع مظلة الرحمة الإسلامية لحفظ الصحة والسعادة إلي الناس جميعا عندما يطالب المسلم بالمحافظة علي نظافة بيئته وعدم التعرض للناس بالأذي فلا يحل لمسلم مثلا أن يدخن في سيارة أو في مكان العمل ولا أن يُلقي بالقمامة في الأنهار أو أمام المنازل أو أن يتبول أو يتبرز في الأنهار والماء الجاري في قوله صلي الله عليه وآله وسلم " اتقوا الملاعِن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " . . ولا أن يعدي إنسانا بمرض .. إلخكما شاع الحديث في أيامنا عن " الطب النبوي " شاع أيضا الحديث عن "الإعجاز العلمي" في القرآن والسنة .. فما مدي مصداقية هذا المصطلح ؟أنا أؤمن بالتفسير العلمي وليس بما يسمي بالإعجاز العلمي ، والفرق هو أن التفسير يكون بأن يتم تفسير جملة أو آية أو شطر آية في ضوء المعلومات العلمية المتوافرة حاليا .. هذا أوافق عليه وهو محبذ وهو ما فعله أسلافنا الكرام ، ففي تفسيرهم مثلا للآية الكريمة في سورة الطارق " والسماء ذات الرجع " فسروها حينئذ بأن الصدع هو عدم الثبات في الأرض والآن وبعد الاكتشافات الجديدة عُِرف جيولوجياً أن هناك صدع في أعماق القشرة الأرضية ففسرها العلاء بأنها قد تعني هذا الصدع الذي تم اكتشافه حديثا . وهكذا الاكتشافات الجديدة تكشف عن معانٍ جديدة للآيات لتصبح أكثر وضوحا ، أما أن نقول أنها دلالة علي الإعجاز أي أنها دلالة علي الاكتشاف فلا لأن الاكتشاف هو الدليل إلي الآيات وليس العكس ودليل ذلك أنه لو كان يلزم أن تكون الآيات هي الدليل علي الاكتشاف فكيف نجيب علي سؤال غير المسلمين عندما يقولون لنا : ولماذا سكتم كل هذه السنوات ولم تكشفوا هذه الحقائق ما دامت هي واردة في قرآنكم قبل ألف وخمسمائة عام ؟!في رأيكم هل يساهم منهج وسياسة تدريس الطب في عالمنا الإسلامي في تخريج الطبيب المسلم الواعي بفقه الصحة وممارسة عمله علي أساسه ؟للأسف أن قلة نظم التعليم في أغلب العالم الإسلامي تفصل بين العلوم وفقهها في الشريعة وهذا ينطبق علي مجال الطب . ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لذلك فعلي الطبيب المسلم إن لم يجد فرصة الإطلاع علي ما يلزمه من علوم فقهية في دراسته النظامية أن يسعى هو بنفسه لتدارك وتعويض هذا النقص عبر التعليم الذاتي وهو متوافر . وأيضا ألا نكل نحن من مطالبة الحكومات بأن تضع في متناول طلبة الطب ولو أساسيات فقه الصحة التي علي أساسها ينطلق هو بعد تخرجه للاستزادة منها . وأنبه هنا إلي أن هذا العلم بفقه الصحة وأمور فقهية أخري متعلقة به يحتاجها الأطباء المسلمين وغير المسلمين والسبب أن المريض يستفتي طبيبه في أمور دينية متعلقة بمرضه فمثلا مريض السكر يستفت طبيبه حول حكم صيامه هل هو ضار له أم لا .سيادتكم تمثل نموذجا للطبيب المسلم المتخصص في مهنته والمتفقه في دينه كما يلزم ..فيكف لكم بهذا وأنتم خريجي نظام التعليم العربي بحالته المعروفة ؟!فيما يخص الدراسة الفقهية واللغوية أيضا فقد دأبت علي متابعة مشايخ دمشق والتتلمذ علي أيديهم منذ فترة مبكرة من حياتي ، ومكتبة أبي وهو فقيه لغوي ساعدتني علي الإقبال علي هذه العلوم منذ الصغر . وبالمناسبة والدي هو الذي وضع المصطلحات الطبية العربية في العصر الحديث وجعلني علي صلة بالناحية اللغوية .تتوالي الاكتشافات في كل المجالات وخاصة مجال الطب فكيف يلاحق المشرع الإسلامي هذا لتوعية الناس بحكمها الشرعي أولا بأول ؟كما أن المستجدات تتلاحق في كل مجال فإن الفقه الإسلامي أيضاً يتطور مع الزمان والمكان ، ولذا يجب أن تكون لدينا الإمكانيات لمواجهة الحالات المستجدة وكما كان يقول سيدنا عمر بن عبد العزيز : يجد للناس من الأقضية بقدر ما يجد لهم من القضايا. وهذه الأقضية أي القضايا تحتاج لاجتهاد جماعي لتكامل الآراء وليس لاجتهاد فردي فقط ، و" المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " تنهض بفرض الكفاية في هذا عبر تنظيم المؤتمرات المنتظمة وإجراء البحوث وتبادل المعلومات ونشرها، وعندما نصل للحكم الشرعي في أمر ما يتم نشره بالتنسيق مع المجامع الفقهية في أنحاء العالم.في الحديث عن المستجدات أيضاً نلاحظ طول الجدل بين العلماء حول الحكم الشرعي فيها، فكيف عبر مقاصد الشريعة يتم حسم هذا الجدل ،ولنأخذ مثالاً زراعة الأعضاء ؟فيما يخص زراعة الأعضاء فإن من دعا لعدم جوازها مثلاً لم يأخذ بالطريقة الصحيحة للإفتاء لأن الفقيه لا يفتي وحده بل يتعاون مع الطبيب المتخصص لبيان حجم النفع والضرر ولا تُؤخذ علي إطلاقها فأقول زراعة الأعضاء حرام بالمطلق أو حلال بالمطلق لأنه من الممكن أن يكون العضو المطلوب زرعه مأخوذ من انسان حي ويؤثر علي صحته في المستقبل وفي المقابل هناك من لن يؤثر عليه بالمقاييس العلمية .
هناك أيضا أعضاء يجوز أن تنقل وأخري لا تنقل فمثلا يجوز نقل جزء من الكلية ولكن الخصية والمبيض لا والسبب أن نقلهما سيخلق عدة مشكلات منها ما يخص النسب للأبناء . إذن فهذه الأمور فيها تفاصيل كثيرة وليست بهذه البساطة تحتاج لمناقشات علمية هادئة لا أن يتم إطلاقها عبر فتاوي فضائية سريعة كثرت أخطائها هذه الأيام .بمناسبة إشارتكم إلي فتاوى الفضائيات هل يعني ذلك أنكم لا تشجعونها ؟هذا النوع من البرامج يجب إلغائه تماماً لأنه يحمل من الأخطاء ما يضر الأمة ضرراً بالغا إلا أنه من الممكن طبعا تنفيذ برامج فضائية للفتاوى ولكن لا تكون علي الهواء مباشرة حيث لا يأخذ عالم الدين فرصة للتفحص والبحث اللازم لإصدار الفتوى سيسمعها ويعمل بها ملايين البشر ولكن تكون مسجلة وتذاع فيها الإجابات بعد التمحيص والاطمئنان .خبرتكم في حملة مكافحة التدخين التي نظمتموها من خلال موقعكم بمنظمة الصحة العالمية تحثني علي أن أسألكم علي أفضل طريقة تنصحون بها للإقلاع عن التدخين ؟القرار .. وكل ما دون ذلك هو مجرد مساعدات .. فإذا لم يتخذ المدخن قراره بملء رغبته وإرادته في أن يترك التدخين فإن أي وسائل أخري كاللصقة وغيرها هي مجرد هوامش بعد فترة قصيرة سيتركها ويعود للتدخين بمجرد أن يري صديقه أو غيره يدخن ويشجعه علي ذلك .لكم كتابات هامة عن سبل إصلاح الأمة الإسلامية المعاصرة .. فمن أين برأيكم يبدأ طريق الإصلاح .. هل من الرأس أي الحكومات أم من القاعدة أي الشعوب ؟الأمر لا يقف عن رأس وقاعدة ولكن يمكن أن تلخصه عبارة واحدة إذا تم فهمها والعمل بها لتم الإصلاح كما نحب أن نراه وهي في قول الرسول صلي الله عليه وآله وسلم " ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ". فكل واحد في موقعه هو راع ولذا هو مسئول فيما يمكن أن يفعله فإذا كان يستطيع أن يفعل شيئا فعليه أن يفعل " اتقوا الله ما استطعتم " والحقيقة أن معني هذه الآية الكريمة أن علي كل واحد منا أن يبذل أقصي ما يستطيع وليس معناها كما يظن بعض الناس أن المسلم لا يكلف نفسه كثيرا .ما هي نصائحكم الختامية كطبيب متخصص ومسلم متفقه في دينه للقراء في شأن الحفاظ علي الصحة ؟حفظ الصحة يعني الحفاظ علي " الميزان الصحي " في حالة الاعتدال وحمايته من الاختلال وإعادته إلي الاعتدال كلما اختل وهذا يمكن إذا حافظ المرء علي أن يكون لديه " رصيد صحي " إن صح التعبير و هو الرصيد الذي ردت الإشارة إليه في حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما : " وخذ من صحتك لمرضك " وهذا الرصيد الصحي يأتي من التغذية الحسنة لتكوين ذخيرة مناعية جيدة ، ولياقة بدنية تمكنه من التكيف تكيفاً ناجحاً تلقاء الضغوط التي يتعرض لها البدن ، وقد يعني أيضا طمأنينة أو استقراراً عاطفياً وانفعالياً يجعله قادراً علي مواجهة الكُرُبات النفسية التي تزعزع الكيان وذلك كله بإتباع النصائح و الإرشادات النفيسة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية للوقاية من كل الأضرار نفسية كانت أو جسدية وما أسهل ذلك !السيرة الذاتية لضيف الحوار:
الأستاذ الدكتور محمد هيثم الخياطكبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط وعضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمناء المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ورئيس تحرير المجلة الصحية لشرق المتوسط.ولد الدكتور محمد هيثم الخياط في دمشق بسوريا، وتخرج من كلية الطب بجامعة دمشق، وحصل منها على درجة الدكتوراه في الطب، ثم شهادة أهلية التعليم العالي من جامعة بروكسل في بلجيكا.درس العلوم الطبية.. ودرَّسها طيلة 22 عامًا في كلية الطب بجامعة دمشق، وكلية الطب بجامعة بروكسل، درس العلوم الشرعية على مشايخ دمشق، وتبحر في علوم اللغة العربية، مما جعله يجمع عضوية أغلبية مجامعها؛ فهو عضو مجامع اللغة العربية بدمشق وبغداد وعمان والقاهرة وعليكرة وأكادمية نيويورك للعلوم والمجمع العلمي الهندي، وعلاوة على ذلك.. فهو عضو في أكثر من 20 جمعية علمية في مختلف أنحاء العالم.شارك في صياغة الوثيقة الإسلامية لأخلاقيات الطب والصحةأصدر حتى الآن 20 كتابًا باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، ومنها بعض المعاجم، كما نشرت له عشرات المقالات باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية في مختلف المجالات.
7-6-2007
مصدر الموضوع موقع شبكة محيطالمصدر