خطف خلفاً
ريم بدر الدين بزال
-----------------------------
بين الأوراق اللازمة للسفر بيانات ولادة أبنائها الثلاثة و صورهم و شهادة ميلاد الابن الأكبر
"يا له من خبيث يريد أن ينكأ جروحي و يجدد حزني على طفلي الذي فقدته...آه يا بني كم اشتاقك!"
********************
كانت تنظر في المرآة بعد أن انتهت من وضع المساحيق و اطمأنت إلى تسريحتها الأنيقة التي أنفقت ساعات النهار كلها في صالون التجميل في سبيل أن تبدو أبهى ما تكون
ارتدت فستانها الباذخ و نثرت عطرها على ملابسها ...
رن الهاتف
-مرحبا نحن من إدارة المشفى ... البقاء لله توفي الطفل الرجاء الحضور لاستلامه بأسرع وقت ممكن ...ثلاجة المشفى لا تتسع ...رجاء لا تتأخري
أقفلت الهاتف "هل هذا وقته؟ يمكنه الانتظار ..."
استدارت للمرآة ...وضعت قرطيها و عقدها .لبست حذائها و غادرت
كان الفجر يرتب خيطيه الأبيض و الأسود في علبة تطريز النهار الجديد عندما عادت.
كان حفلا رائعا كانت هي الأجمل فيه ...جلست أمام مرآتها ...مسحت المساحيق ...لبست ثوبا أسود
"يا بني كيف تركتني و مضيت !"
***************************************من باب الشقة الموارب تسرب ضوء خافت ..ليس بها أحد لكن ثمة صوت بكاء أشبه بالأنين...لا بد أنه لمخلوق صغير جدا ...طرق الباب بوجل فلم يند عن الداخل أية حركة.
كان يريد أن يعود أدراجه لكن الأنين ألح على قلبه فلم يستطع المغادرة..دفع الباب بحذر ، أنار الصالة ،لم يكن بها أحد
غرفة جانبية فيها نور خافت،دخلها ، طفل على حافة السرير ملفوف بأغطية ثقيلة. نظر في وجهه كان شاحبا جدا و ازرقاق شفتيه ينبئ عن إصابته ببرد شديد و طاقته استنزفت في البكاء، يشهق بصوت سريع و خاطف.
دون تفكير حمله و مضى به إلى المشفى .
-هل هو ابنك
- ابن الجيران ..وجدته في البيت على سريره وحيدا
- مصاب بذات الرئة و هو في وضع حرج
-لكنه سيشفى أليس كذلك؟.
-الأعمار في يد الله...الأفضل أن تخبر أهله بسرعة
أتت في النهار الثالث و هي تصرخ و تولول
هذا الذي اختطف ابني ...سأقاضيك و أسجنك
-يا سيدتي ابنك في العناية الفائقة يعاني سكرات الموت
لا شأن لك انصرف من هنا
************************************************** *
رتبت أشيائها ...لبست ملابسها ... لفت الرضيع في قماطه و دثاره ثم وضعته على السرير ...ألقمته زجاجة الرضاعة و ثبتتها بوسادتين صغيرتين من الجوانب...حملت حقيبتها و مضت
أين تمضين؟
لزيارة أهلي
و الطفل ؟
أبي لا يحتمل ضجة الأطفال
متى تعودين؟
كالعادة في المساء
*********************************************
دخلت ردهة المشفى متشحة بالسواد ...سلموها جثته مع موافقة الدفن ...كاد أن يغمى عليها، أسندتها الممرضات
-يا سيدتي البقاء لله ..
فتحت شهادة الوفاة : توفي الطفل جراء الإهمال الشديد المتسبب في التهاب رئوي حاد