الأستاذ الكريم فيصل الملّوحي
السلام عليكم ورحمة الله
أشكرك لطرح هذا الموضوع الذي يحمل في طياته العديد من الإشكالات والكثير من الشجون.
أرجو أن تسمح لي ببعض التساؤلات، وأدعوك –كما أدعو جميع الأخوة والأخوات- للتفكُّر فيها، وإعادة النظر بما نحمله في أذهاننا من مفاهيم ودلالات لبعض المصطلحات الواردة في الموضوع أو المرتبطة به ارتباطاً موضوعياً، وأرجو قبل ذلك أن يبتعد كلُّ منا عن الحال التي ذمَّها الله تبارك وتعالى فيمن كان قبلنا إذ قالوا:
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ* بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ* وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 22-24].
أولاً- أليس مصطلح "الإعجاز العلمي" لم يزل مصطلحاً ملتبساً حتى اللحظة في مفهومه ودلالاته؟ وأن كل واحد منا يُلبسه المفهوم الذي يريد ويبني عليه أحكامه؟
ثانياً- ألا نرى أن هنالك خلطاً بين مفهوم "المعجزة" ومفهوم "الآية" في معظم الكتابات التي تتحدث عن مثل هذا الموضوع؟ وأننا لا نميّز بينهما في أغلب الأحيان، فنطلق مصطلح "المعجزة" على ما هو "آية" وبالعكس؟ وأن مصطلح "المعجزة" تحديداً بحاجة إلى إعادة نظر في مفهومه؟
ثالثاً- لماذا نتمسك بأقوال زيد أو عمرو -مهما علت مرتبتهم ومنزلتهم- على أنها القول الفصل؟! ونبتعد عن كلام ربنا جلَّ في علاه وهو القول الحق الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}؟! [فصِّلت: 42]
والنصُّ –كما قال الأستاذ الجليل عبد الرزاق أبو عامر- هو الحدُّ الفاصل بين الحق والباطل؛ فهل يحمل النص القرآني أو الحديثي المعاني والدلالات التي نحملها في أذهاننا للحكم على أمر ما أو مسألة؟
رابعاً- لماذا يدفعنا خوفنا مما نجهل من أن نخوض غمار البحث والتفكير والنظر في مسائل قد دعانا ربنا عزَّ وجلَّ مراراً وتكراراً لأن نفكِّر فيها وننظر من أجل معرفة قدرته وعظمته؟
ألم يدعُ سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أن يريه ربه كيف يحيي الموتى؟
ألم يدعُنا ربنا جلَّ وعلا لأن ننظر نحن أيضاً في كيفية خلقه؟
مَن المخاطَب في هذه الآيات الكريمات؟:
{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}. [الغاشية: 17-20]
أليست الدعوة لمعرفة "الكيفيَّة" تعني الدعوة لمعرفة القوانين التي يخضع لها أي شيء؟
أعلم أنها أسئلةٌ تحتاج منا الكثير من الجهد والمعاناة، ليس من أجل الإجابة عنها، بل من أجل التخلص من الرواسب التي علِقت وعشَّشت وولَّدت في أذهاننا الكثير من "المواليد المشوَّهة"، لكن الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع وأن يُبذَل من أجل الوصول إليه واتِّباعه كل جهد ووقت وكل غالٍ ونفيس؛ فما قيمة حياة المرء إن لم تكن في النور... هدياً وإشعاعاً؟
عذراً منك أستاذ فيصل، فقد تداعت شجون متراكمة منذ زمن وثارت هنا وانصبَّت؛ لكني واثق أننا بتعاوننا وتدارسنا وتذاكرنا لآيات الله الكريمات أن الله تبارك وتعالى سيحيل نار تلك الشجون إلى بردِ وسلامِ نور الحقيقة.
لك مني تحيتي وتقديري، وأصدق دعواتي.