أين اتفاق وقف إطلاق النار؟
عبد الستار قاسم
11/أيلول/2014
أتصلت بي ثلاث قنوات تلفازية ليلة الإعلان عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل طالبة مني التعليق على الاتفاق. وكان جوابي واحدا لكل القنوات وهو أنني لا أستطيع التعليق على اتفاق لم أقرأ نسخة خطية منه وموقعا. كل ما علمناه في تلك الليلة أن اتفاقا قد تم التوصل إليه، وكل ما عرفناه من بنود كان من وسائل الإعلام وليس من جهات رسمية مشاركة في صياغة الاتفاق. كان واضحا من مخاطبة المذيعين في هذه القنوات أنهم أرادوا انتزاع مديح مني للاتفاق، فكان المذيع "يبرم بوزو" عندما يسمع أنني لا أعلق على أشياء مجهولة، ولا أتخذ منها موقفا.
تم الإعلان عن توقيع الاتفاق يوم 18/آب/2014، وحتى الآن لم نقرأ نصا رسميا مكتوبا وموقعا لهذا الاتفاق. واضح أنه لا يوجد اتفاق وأن كل هذه "الهيصة" الإعلامية والسياسية عن الاتفاق لا تستند إلى شيء ملموس وواضح. إذا كان هناك اتفاق فهو لا يتعدى كونه مجرد تفاهمات مصرية فلسطينية وإسرائيل ليست بالضرورة طرفا فيها. أكبر دليل على ذلك أن إسرائيل بدأت تطارد الصيادين في بحر غزة وتطلق عليهم النيران. كما أن مسألة إعادة الإعمار لم تبدأ وبدأنا نسمع شروطا جديدة للبدء بالإعمار على رأسها ضرورة إشراف سلطة رام الله على كل نشاطات الإعمار.
هناك مشكلة حقيقية في هذا الأمر وهي أن الناس لا ينتظرون قبل أن يتخذوا مواقف، ويتصرفون في كثير من الأحيان كرعاع تساق كما يشتهي السياسيون الذين غالبا ما يكونون كاذبين.الشعب الفلسطيني انقسم على اتفاق أوسلو قبل أن ينشر، وها هي السنين قد مرت وما زال عدد كبير من الشعب الفلسطيني يتخذ مواقفا دون أن يقرأ. خرجت جماهير غفيرة عام 1988 تحتفل باعتراف منظمة التحرير بإسرائيل ظنا منهم أن الدولة المستقلة ستقوم بسبب إعلان بدون أرضية.وخرجت جماهير غفيرة تحتفل بانعقاد مؤتمر مدريد ونحرت القرابين على أعتاب مدريد دون أن يدري الناس إلى أبن هم يقادون، الخ.
الغالبية الساحقة من الناس لا تقرأ ولا تريد ولا ترغب أن تقرأ. الناس يتخذون مواقف قبلية تبعا لرأي الشيخ الذي هو قائد فصيل أو زعيم حزب أو ناطق إعلامي. المواقف مبنية على تأييد جماعتي ومعارضة الآخرين، وهذه مواقف هشة وخطيرة تقود إلى الدمار.
والأمر ينسحب على قادة المقاومة. هناك ضعف سياسي واضح لدى قادة المقاومة، وكأن رجال الدين أو قادة الحركات الإسلامية أميون في السياسة. هناك أخطاء ساذجة تقترف من قبلهم، ولا يبدو أن تجارب الشعب الفلسطيني قد علمتهم شيئا. هم مقاتلون أشداء لكنهم سياسون فاشلون. كيف يصادقون على ااتفاق ليس اتفاقا؟ وكيف يلزمون الوسيط المصري والطرف الآخر الإسرائيلي بتنفيذ الاتفاق إذا لم يكن موقعا؟ أين هي المسؤولية الأخلاقية والقانونية التي يتحملها كل طرف غير موقع على نص مكتوب ومعلن؟ إسرائيل تقول دائما إنها ليست طرفا في أي اتفاق وهي صادقة من الناحية القانونية لأنها عادة لا توقع، وتترك للفلسطينيين فرصة التفاهم مع المصريين الذين عادة لا يعملون على احترام وساطتهم ولا يصنعون شيئا ضد الطرف الذي يخرق التفاهمات الشفوية؟ من المهم أن يواظب قادة العمل السياسي الإسلامي على قراءة تجارب الأمم وبالأخص تجارب الشعب الفلسطيني بخصوص المفاوضات حتى لا يستمرون في الوقوع في مطبات صعبة ذات انعكاسات سلبية على الساحة الفلسطينية . هناك تصرفات سياسية مضحكة ومحزنة في آن واحد ومنها الاطمئنان لمن يعمل على التخلص من المقاومة الفلسطينية، أو المبيت في فراش من يعمل على قتلك.