أحداث تونس : المغامرة و المقامرة و المؤامرة
الأحداثُالسياسية العظام التي تُغَيِّر مسارات الشعوب و حيواتِهم، كالثورات الشعبية و الانقلابات العسكرية، تثير أسئلة كثيرة أثناء حدوثها أو بعد مدة منه يبحث الناس عن إجابات مقنعة لها حتى يستوعبوا أسبابها و عواملها و نتائجها و يعرفوا من يقف وراءها من أشخاص أو مؤسسات أو أجهزة أو دول أو عصابات، إلى غير ذلك من الأسئلة التي تعترض المهتمين من المؤرخين أو السياسيين أو الصحافيين أو عامة الناس و لنا في الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر و التي قامت بها "الماسونية" التي رفعت شعارها القديم "الحرية، المساواة، الأخوة" أكبر درس و أبلغ عبرة عن التضليل السياسي و التاريخي لمن يقرأ أحداثها و وقائعها بعين المدقق المحقق العتيد و ليس بعين التلميذ الجهول الكسول البليد.
و تلك الأسئلة ذاتها و غيرها وردت على ذهني و أنا أحاول فهم ما جرى و ما يجري في تونس من أحداث انطلاقا من حادثة حرق محمد البوعزيزي نفسه غضبا لحاله و يأسا من ظروفه الصعبة إلى ما تبع ذلك من مظاهرات و احتجاجات شعبية بدأت في مدينة سيدي بو زيد، في وسط تونس، و عمّت مدنها و قراها إلى أن انتهت بفرار رئيس الدولة و عائلته و مقربيه إلى غير ذلك من الأحداث الجسام التي تعيشها تونس منذ أكثر من شهر كما يتابعه الناس عبر وسائل الإعلام كلها و لاسيما أن المعلومات الصحيحة و الدقيقة قليلة و شحيحة و ما نعرف إلا ما يُراد لنا أن نعرفه فقط، و قد سقت، أعلاه، مثال الثورة الفرنسية لأن الحديث عنها ومقارنة أحداث، أو ثورة، تونس بها لجدير بالتمعن و البحث، و بعيدا عن وسائل الإعلام المضللة أحيانا رحت أتساءل:
1ـ هل يُمكن لحادثة معزولة في مدينة نائية من مدن تونس أن تثير تلك الحشود من الجماهير فتخرج غاضبة إلى الشوارع و قد ألفت القهر و التسلط و البطش من نظام ظالم فاسد طاغٍ لعقود من الزمن ؟
2ـ هل يعقل أن يفر رئيس الدولة بتلك السهولة و اليُسر و هو من هو تمكُّنا و قوة و بطشا و جبروتا ؟
3ـ هل يعقل ألا يكون للجيش دور في تهريب الرئيس و توفير شروط الفرار و وسائله ؟
4ـ هل يمكن تصور ألا يكون للأجهزة المخابرات المحلية و الدولية عموما و الإسرائيلية خصوصا دور ما في الأحداث من حيث توقعها و مسايرتها أو تسييرها أو إحداثها أصلا ؟
5ـ ألا يمكن تصوّر، و لو من باب الخيال البوليسي، أن الأحداث كلها من صنع أيادٍ خفية خبيثة متآمرة قد استغلت حادثة محمد البوعزيزي المأساوية لتحقق مشروعها في المنطقة انطلاقا من تونس وتعميما على المغرب العربي كأول مرحلة له ؟
6ـ ألا يمكن توقع أن لأحداث تونس "العجيبة" بقيَّةً في المنطقة أولا ثم في العالم العربي ثانيا لضرب الحركة الإسلامية في العالم العربي نهائيا و قد بدأ التلويح و التلميح من قِبَل بعض المثقفين و السياسيين ألا مستقبل لحركة النهضة الإسلامية في تونس لا كحزب و لا كشريك في السياسة و من باب أولى كحزب النظام الحاكم القادم ؟
7ـ هل يجوز سياسيا و استراتيجيا أن تقوم دولة إسلامية في المنطقة و هل تقبل الدول العربية المجاورة و الغربية القريبة و البعيدة معا بقيام نظام إسلامي في تونس ؟
هذه سبعة أسئلة من ضمن أسئلة أخرى كثيرة عرضتها على نفسي و أعرضها على القراء و أنا لا أنتظر منهم إجابات عاطفية انفعالية، و على من يريد مشاركتي التساؤل و البحث عن الحقيقة أن يتمعن فيها أو يبحث لها عن إجابة مقنعة و عندي شخصيا بعض الإجابات بناء على بعض المعلومات القليلة لكنها دالة لأنني أرى أن ما يحدث في تونس يمكن إدراجه تحت بنود المغامرة و المقامرة و المؤامرة :
ـ المغامرة من الحشود،
ـ المقامرة من الساسة و الجيش،
ـ المؤامرة من الأجهزة المختصة خارج تونس طبعا.
و إني، و الله، لأرجو أن أكون مخطئا في ظنوني هذه كلها، و للحديث بقية إن شاء الله تعالى.
البُليدة، يوم الخميس 20 يناير 2011 م، الموافق 15 صفر 1432 هـ.